الثقافة المصرية:
التحنيط مستمر
نجوان درويش
ليست الثقافة الضحية الوحيدة للنظام الجديد/القديم في مصر. لكن ما يحدث فيها يكشف نجاح زمن مبارك في لملمة نفسه وإعادة رموزه إلى الواجهة. من هنا يمكن قراءة التشكيل الجديد لـ "المجلس الأعلى للثقافة" بخليط من سياسيي نظام مبارك وحزبه الوطني، ومن أدباء يتشاركون مسؤولية تعطيل الثقافة المصرية وتحنيطها في زمنٍ مظلم ظن المصريون لوهلة أنهم خرجوا منه.
بالفعل، ها هي وجوه نظام ما قبل ثورة 25 يناير تعود زُرافاتٍ وفرادى إلى واجهة مؤسسات الدولة المصرية وفي طليعتها المؤسسة الثقافية.
وإن كانت الأوساط الثقافية المصرية تفاجأت من تعيين هذا العدد الكبير من الشخصيات المباركية من مخلّفات "الحزب الوطني" في "المجلس الأعلى للثقافة" (بينهم سكرتير مبارك مصطفى الفقي، والأمين على إرث سوزان مبارك في مكتبة الإسكندرية إسماعيل سراج الدين)؛ فإن ما يفاجئ فعلاً هو عودة أسماء ثقافية منتهية الصلاحية منذ عقود.
أسماء، ناهيك عن استقالة أغلب أصحابها من الإبداع، هي إما من أصحاب المواقف المذعورة من ثورة 25 يناير أو من جماعة "كمّل جميلك" والهتاف لقمع الحريات باسم "مكافحة الإرهاب".
العجيب أن معظم المبشّرين بتسامح الثقافة المصرية، تمكّن بعضهم من "التسامح" حتّى مع رؤى ومشاريع استعمارية ولم يستطع "التسامح" مع جزء من الشعب المصري- نوافق جدلاً أن شططاً أصاب وعيه. وإذ لم نسكت على فهم "الإخوان" القاصر للثقافة وإدارتها، فإن هذا لم يوصلنا ولا ينبغي أن يوصل أحداً إلى دعم الفاشية العسكرية وشق الطرق أمامها.
من كان يتخيّل بقاء أسماء كأحمد عبد المعطي حجازي أو جمال الغيطاني على رأس المؤسسة الثقافية المصرية بعد أي ثورة أو انتفاضة أو حتّى إضراب مدرسي؟ أي ثقافة هذه التي يمكن أن يصنعها فاروق جويدة وفاروق شوشة؟ وأي حريات يمكن أن يَكرِز بشأنها صلاح عيسى؟ (تجمع بين هؤلاء الآن زمالة "المجلس الأعلى").
طبعاً لا أحد في مصر أو خارجها يقبض جدياً "المجلس الأعلى للثقافة" وسائر أجهزة النظام الثقافي الذي رسمه "الوزير الفنان" فاروق حسني وسلّم (مكرهاً على الأغلب) إكمال رسم فظائعه إلى مساعده البار جابر عصفور.
مسيرة التحنيط مستمرة و"التنوير" الظلامي متواصل.. لا عزاء للثقافة المصرية.