سيصرخون ضد الغناء، وسيغني الشعب ..
الثقافة المصرية.. من الحظيرة إلى الأخونة!
القاهرة ـ حمدي رزق
"لا يهمني إسمك، لا يهمني عنوانك، لا يهمني لونك، ولا ولادك ومكانك.. يهمني الإنسان ولو ما لوش عنوان.. يا ناس هي دي الحدوتة.. حدوتة مصرية". كان الشاب الأسمر ينشد كلمات أغنية محمد منير، أعلى المنصة المنصوبة بشارع "شجرة الدر" في حي الزمالك، بينما أغرورقت عيون الواقفين بالدموع، ما أن أكمل أغنيته حتى تعالى التصفيق الحار، وارتفعت الأصوات بالحناجر "اصحى يا مرسي وصح النوم.. 30 يونيو آخر يوم".
على بعد خطوات تعلو أصوات آلات تنبيه السيارات بشكل هستيري، يشير سائقوها بعلامات النصر ويبتسمون إلى الواقفين، الذين يحملون بأيديهم لافتات كتب عليها: "لو بتكره الإخوان إضرب كلاكس"!
في الداخل، كان بعض الشباب يفترشون أرضية بهو وزارة الثقافة، والمثقفون يتحاورون، بينما يقف أحد الفنانين التشكيليين يداعب بريشته الألوان المسكوبة على اللوحة، ويضع رتوشه الأخيرة على جسد فتاة رشيقة تقف على أطراف أصابعها ترتدي ملابس الباليه وتفتح ذراعيها للحياة.. بجوارها بمتر واحد يطل وجه "بيرم التونسي " أعلى قصيدة كتبها منذ ستين عاما يصف فيها حال مصر إذا وصل الإخوان إلى الحكم "كل جهاز يتعين عليه عمد في كل قرية وحارة، محافظ مصر خريج الدباغة، وتحته وكيل خريج النجارة، ويقني الكمساري أكبرها عزبة، ويقني السمكري أضخم عمارة، وتخلص مصر من عيلة الدخاخني، إلى عيلة الخواتكي... ويومها تحلق الإخوان دقونها، ويترص الحشيش ملو السيجارة" !!.
صورة مصغرة للاعتصام الذي بدأه المثقفون المصريون في الخامس من يونيو حزيران ضد وزير الثقافة علاء عبد العزيز. حلت ذكرى النكسة، بينما كان في انتظارها نكسة أخرى تشهدها الثقافة المصرية. تلفت المثقفون حولهم فوجدوا الثقافة يُنهش جسدها، والهوية المصرية يتم تجريفها ومحاولة سرقتها.
بهدوء شديد ذهبوا إلى مكتب الوزير، وبدأوا الدخول واحداً تلو الآخر بعدد من المبررات الوهمية، حتى حاصروا المكتب وأعلنوا اعتصامهم، الذي سرعان ما تضامن معه الموظفون وقاموا بطرد العاملين الجدد الذين جلبهم الوزير من أنصاره.
كان ممن استطاعوا الدخول للاعتصام؛ الأدباء بهاء طاهر، صنع الله إبراهيم، يوسف القعيد، الشاعر سيد حجاب، والفنان نبيل الحلفاوي، ومحمود قابيل، ومحمد العدل، ومحمد هاشم، المخرج أحمد ماهر، والفنان التشكيلي أحمد نوار، والمخرج محمد عبد الخالق، والسيناريست سيد فؤاد، والتشكيلي محمد عبلة، والفنان سامح الصريطى، والمخرج المسرحي جلال الشرقاوى، والفنانة سهير المرشدي وابنتها الفنانة حنان مطاوع.
من داخل الوزارة أصدر المعتصمون، بيانا أعلنوا فيه رفضهم للوزير الجديد الذي فرضته "الفاشية الدينية الحاكمة، والذي بدأ فعلا في خطة تجريف الثقافة الوطنية"، مؤكدين أنهم لن يقبلوا بوجود وزير لا يلبى طموح المثقفين، وتطلعاتهم للرقى بالثقافة اللائقة بالثورة العظيمة، منذ بدء موجتها الأولى يوم 25 يناير 2011 حتى تحقق أهدافها، وفي مقدمتها بناء الدولة الوطنية. وأعلنوا استمرارهم في الاعتصام، حتى يتولى زمام أمر الثقافة من يتعهد ويؤمن بالحفاظ على قيم التنوع والمواطنة، والثراء الذي هو سمة الثقافة المصرية على مر العصور.
كان وصول علاء عبد العزيز إلى كرسي وزارة الثقافة بمثابة الصفعة لجموع المثقفين، الذين كانوا قد رشحوا ثلاثة لتولي الوزارة؛ أن يستمر صابر عرب أو يأتي خلفا له أحمد مجاهد أو علي أبو شادي.. بالطبع لم يؤخذ بمطلبهم، وهو ما كانوا يتوقعونه، لكن أن يأتي وزير "لا يعرفهم ولا يعرفونه" فكانت هي "اللطمة" التي تعالت معها تأوهاتهم حتى سمعها القاصي والداني.
لم يسترح الوزير الذي عمل مدرسا للمونتاج في معهد السينما بأكاديمية الفنون، على كرسيه ساعة واحدة، استقبله المثقفون بالرفض والهتاف ضده، واعتبروا في بيان لهم أن اختياره "يدل على قصور رؤية النظام للثقافة والإبداع"، وأن ما تحدثوا عنه من محاولات لـ"أخونة" الدولة في كل المواقع هو أمر حقيقي. بينما وجّه الشاعر عبد الرحمن الأبنودى رسالة خاصة لجموع المثقفين يطلب فيها الالتزام بعملهم الأساسي وهو "التمرد"، معتبرا مقاومة الوزير الجديد جزء من مقاومة الشعب لفكرة "الحكم الإخواني" لمصر.
حبل الود المقطوع منذ البداية زاده علاء عبد العزيز تمزقا، بإصدار قرارات متلاحقة بإنهاء انتداب قيادات وزارة الثقافة، بدأت بأحمد مجاهد، الذي كانت إقالته مقررة سلفا منذ معرض القاهرة الدولي للكتاب، عندما قام واضعو البرنامج الثقافي للمعرض بإدراج مناقشة كتاب ثروت الخرباوي "سر المعبد"، والذي شهد مناقشة حادة كشفت الكثير من عورات الإخوان، يومها سمع البعض تهديدات مباشرة من الإخوان لهيئة الكتاب ورئيسها الذي يسمح بمناقشة كتاب الخرباوى، الذي انتهى المعرض بفوزه بجائزة العام.!
لكن قرارات الوزير الصادمة، قوبلت بسلسلة من الاستقالات، بدأها الشاعر فريد أبو سعدة من عضوية المجلس الأعلى للثقافة، احتجاجاً على تعيين عبد العزيز وزيراً، تبعتها استقالة أسامة عفيفي من رئاسة تحرير مجلة "المجلة" احتجاجا على قرار إنهاء انتداب أحمد مجاهد، بينما اعتذر مصطفى رياض، عن الاستمرار فى ندبه نائبًا لرئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، كما اعتذر محمد أبو سعدة رئيس صندوق التنمية الثقافية عن عدم استمراره في الإشراف على مكتب الوزير، وأعلن الشاعر والناقد المسرحي جرجس شكري استقالته من لجنة المسرح، مطالبا جموع المثقفين بتقديم استقالة جماعية، لإعلان موقفهم بوضوح ضد هذا الوزير الذي جاء "للانتقام من المثقفين".
إقالة مجاهد لحقتها إقالات أشد صخباً لصلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية، تلتها إقالة إيناس عبد الدائم رئيسة دار الأوبرا المصرية، الذي صاحبها قيام عدد من العاملين في دار الأوبرا بوقفات احتجاجية، بينما قرر فنانو عرض "أوبرا عايدة" الامتناع عن تقديمه، بعد ظهور طاقم العمل بزيهم المسرحي، معلنين الدخول في الإضراب التام عن العمل في الفعاليات الفنية رفضاً لقرارات الوزير.
وقفات احتجاجية متكررة، تحولت إلى انتفاضة ثقافية شهدتها قطاعات الثقافة، وملاحقات للوزير أينما ذهب، ليس أولها تجمهر عدد من المثقفين بمركز الهناجر" رفضا لسياسته، ما اضطره إلى مغادرة مكتبه بدار الأوبرا، والتوجه بصحبة عدد من موظفي الوزارة إلى أحد المطاعم، الشهيرة بوسط البلد، وهناك اضطر إلى الخروج من الباب الخلفي للمطعم بعد تجمهر عدد من المثقفين والناشطين ضده، وقذفه بالبيض.!
"تطهير الوزارة من الفساد" كان هو العنوان العريض الذي اختبأ خلفه الوزير، من دون أن يتحدث عن مشروع ثقافي واحد منذ أن تولى المنصب. لكن الهروب خلف الكلمات الرنانة من "التطهير" و"الفساد" لم ينطل على الجماعة الثقافية، التي أعلنت أنها ضد "الفساد" و"الأخونة" معا، وقبلهما محاولة تغيير الهوية الثقافية وطمس التركيبة الحضارية المصرية المتنوعة لصالح رؤية أحادية ضيقة يتبناها أبناء التيارات الدينية.
"يأسك خيانة".. يدرك المثقفون أنهم رأس الحربة في معركة طويلة، لا تتعلق بالثقافة المصرية وحدها، بل برفض السلطة الإخوانية برمتها. يؤكدون أن ما يحدث في وزارة الثقافة أمر كارثي بكل المقاييس، حيث تتم أخونتها على عجل ومن حيث لم يتوقع أحد، بعد أن كانوا يعتقدون أن ملف الثقافة مؤجل إلى حين..!
يشددون على أن موقع وزير الثقافة بعد الثورة لابد وأن يحمي الثقافة المصرية من غزو قيم التعصب والعنصرية التي تسعى لتدمير الهوية الثقافية الوطنية المصرية الرائدة ومصادرة كل أنواع الحريات الإبداعية والفكرية والسياسية والشخصية.
ما يحدث على الساحة الآن، ما هو إلا إشغال للعقل المصري المتمثل بالمثقفين والفنانين، عن أهم قضايا الشارع السياسي، كما يرى الكاتب والروائي يوسف زيدان، وأن القضية تبدو وكأنها تخص الثقافة إلا أنها تخص الأمة ككل في حقيقة الأمر.
يقول: لا يتصور عاقل منح حقيبة وزارة الثقافة لشخص لا يستحق أن يكون وزيرا، وعمل على تفتيت الصف المصري وأحدث بلبلة بين المثقفين. مؤكدا أن هناك علامة استفهام كبرى تحيط بهذا الوزير، لذا اشتبك معه المثقفون. وعلق قائلا "أن جماعة الإخوان المسلمين وصل بها الفحش لدرجة كبيرة سمحت لها بأن تأتي لنا بوزير للثقافة يتهم أساتذته بأنهم كانوا صبية لحرم الرئيس السابق حسني مبارك".
بالطبع لم يمر الاعتصام دون ردود أفعال من جانب مؤيدي الوزير، الذين تجمعوا أمام مقر الوزارة واشتبكوا مع المعتصمين، وحاولت الشرطة الفصل بين الجانبين، ما أسفر عن إصابة ثلاثة جنود من الأمن المركزي. وبعدها بأيام قلائل تقدم أحد الباحثين ببلاغ للنائب العام ضد 31 شخصية من الأدباء والمثقفين والفنانين والسياسيين، وطالب بمحاكمتهم جميعا بتهم تكدير الأمن العام وتعطيل العمل في الدولة.
من جانبه فتح الوزير النار على المثقفين، معلنا على قناة الإخوان "مصر 25 "، أن "المثقفين لا يمثلون الشعب المصري"، وعلى طريقة القذافي تساءل: من يكونون؟ بل وصف المعتصمين ضده بأنهم "برابرة وهمجيون وسوف ينتهي أمرهم في 30 يونيو".
أحد مؤيدي الوزير أطل من القناة ذاتها ليسخر من قامات إبداعية أمثال الراحلين إبراهيم أصلان وخيري شلبي، قائلا إن عامل تلغراف وبائع سريح أصبحا من الروائيين المشهورين.!
تأسست وزارة الثقافة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تحت اسم وزارة الإرشاد ورأسها حينئذ فتحي رضوان ، وفي عام 1958 تحول اسمها إلى وزارة الثقافة وكان أول وزير لها " ثروت عكاشة ". منذ نشأتها لم تنج الوزارة من محاولات السيطرة عليها، بداية من عهد عبد الناصر، مرورا بالسادات الذي حاول إلغائها، بعد اتفاقية كامب ديفيد، وتأسس المجلس الأعلى للثقافة ليكون بديلا عنها.
عندما تولى يوسف السباعي وزارة الثقافة في عهد السادات، أعلن سياسته صراحة "من ليس معنا فهو ضدنا"، فتعرض الكثير من المثقفين إلى المنع والطرد، ولم يجدوا أمامهم سوى المنفى الاختياري. ولم ينجح السادات، الذي وصف المثقفون بـ"الأرذال" أن يجرهم إلى معسكره.
رحل السادات وجاء حسني مبارك ووزير ثقافته فاروق حسني الذي حاول إدخال المثقفين "الحظيرة" ونجح مع البعض، لكنه لم يستطع أن "يسوق" الجميع إلى حظيرته.
ذهب فاروق حسني و"حظيرته"، ليحل محله علاء عبد العزيز حاملا معه "الأخونة"، ومازالت الثقافة المصرية تئن تحت ثقل أقدامها، فها هي محاولات تجريف الهوية الوطنية، والتخلص من الميراث التنويري، تعمل على قدم وساق!
"إزاحة النخبة الثقافية من المشهد الحالي" هو الهدف من قرارات الوزير الأخيرة ، كما يرى الكاتب بهاء طاهر، مؤكدا أن هناك نية واضحة لأخونة وزارة الثقافة وهدمها، وهو ما اتضح بشدة من خلال القرارات التي اتخذها الوزير الحالي من إقالة قيادات الوزارة بطريقة عشوائية.
يدرك الكاتب والأديب الكبير صنع الله إبراهيم، أن المؤسسات تحتاج إلى تطهير، ويجب أن يحدث ذلك سواء الآن أو لاحقًا، يقول: "الثقافة تحتاج إلى تطهير من أذناب مبارك ومَن تربّى وترعرع فى كنف فاروق حسني وغيره، لكن ليس على طريقة الإخوان، ولا يمكن أن نزيل طبقة مبارك مثلاً ونضع محلها طبقة مرسي والإخوان، والمشكلة هنا أنهم يأتون بأفراد لا يفهمون شيئًا وليست لديهم فكرة، وهذه مشكلة أكبر".
صنع الله يؤكد أن "ما نعيشه هو مرحلة غضب على انحطاط استفحل ونما منذ عهد السادات، بسبب التجريف المستمر وفتح الباب على مصراعيه للشركات الأجنبية ونمو التيارات الدينية التى حصدنا آثارها خلال العقود الماضية".
"الإخوان يدخلون أراض لا تخصهم، وهم لا يصلحون أبدا أن يكونوا أيديولوجيا بديلة"، كما يؤكد الفنان التشكيلي صلاح عناني، معتقدا أن هناك صراعا ثقافيا سيحدث وستدفع ثمنه الإيديولوجية الدينية. بينما يرى يوسف القعيد أن "أخونة الدولة"، هو مصطلح حقيقي ويتم فعليا على قدم وساق في جميع وزارات الدولة، ومنها وزارة الزراعة والأوقاف والثقافة والإعلام.
من جانبها اعتبرت الكاتبة سكينة فؤاد، أن قضية المثقفين قد تجاوزت وزارة الثقافة وباتت قضية وطن بأكمله، مؤكدة إن خطر النظام الإخواني تجاوز الثقافة ليمتد إلى الأمن القومي، وعلقت "الإخوان لا يهمهم لو فرطوا في التراب المصري".
ترى سكينة أن الأمر تجاوز الخطر القائم على الثقافة المصرية، إلى الخطر الكبير الذي تشهده مصر من النظام "القمعي الإخواني"، وأن الحل الوحيد للخروج لما نحن فيه هو مشاركة الشعب المصري بأكمله في تظاهرات يوم 30 يونيو لإسقاط النظام الفاشي.
كانت إقالة القيادات الأربع بدار الكتب والوثائق، أمراً متوقعاً بالنسبة لعبد الناصر حسن، الرئيس السابق لدار الكتب والوثائق، خصوصاً بعد أن طلب منه الوزير إنهاء انتدابهم، فكان رده الوحيد هو الرفض، خصوصا أن مسائل الإحلال والتجديد تحتاج وقتا، وأن تحوز القيادات الجديدة خبرة حتى تستطيع إدارة هذا الصرح، الذي يعد ثاني أكبر أرشيف على مستوى العالم. جاءه رد الوزير: "انتظر قرار إنهاء انتدابك في أي وقت"، وهو ما كان.!
تمتلك دار الكتب والوثائق القومية، الملايين من البرديات والمخطوطات العربية النادرة والوثائق المصرية، كما تحوي نحو مليون وثيقة يمس بعضها الأمن القومي من تقسيمات الحدود المصرية بين إسرائيل ومصر والسودان وليبيا، ووثائق عن مناطق متنازع عليها، وجميع أملاك اليهود فى مصر، التي تم الحصول عليها أخيرا في 30 جوالاً كانت معدة للتهريب.!
وتضم أيضا وثائق عن جماعة الإخوان التي تكشف الكثير من زيف ادعاءاتهم التاريخية، منها الوثائق الخاصة بجماعة الإخوان خلال فترة التأسيس، وعلاقة حسن البنا بالانكليز، وكيف دفع جنود الاحتلال البنا لتأسيس جماعته، وتقارير البوليس السياسي، خلال الفترة الملكية والتقارير التي كان يرفعها عن جماعة الإخوان، مرورا بحوادث الاغتيالات التي نفذها التنظيم، وحادث المنشية واغتيال النقراشي باشا واغتيال حسن البنا، وهناك وثائق تؤرخ لوقائع حديثة تتعلق بالإخوان وتمويلهم.
دار الوثائق مؤمنة بالكامل بأحدث أجهزة الحماية والإنذار، ولا تصل إليها يد من الخارج، لكن الخوف أن تمتد يد القائمين عليها بسرقة أصول هذه الوثائق أو إتلافها، أو تأتي قرارات وأوامر فوقية بخروج وثائق مصر أو تدميرها. وهذا ما دفع بعض المعتصمين والفنانين إلى مناشدة الجيش والفريق أول عبد الفتاح السيسي بحماية دار الوثائق من خطر أخونتها.
وكان سبق مطالبة رئيس الوزراء هشام قنديل بفصل دار الكتب عن دار الوثائق وجعل دار الوثائق تابعة لإحدى الجهات السيادية لحماية الأرشيف الوطني، وهو الأمر المعمول به في العالم أجمع، وقدم وزير الثقافة السابق د. صابر عرب ، طلبا رسميا بذلك، إلا أن رئيس الوزراء أرجأ الموافقة على الطلب بحجة أنه غير مهم في الوقت الحالي.!
"سيصرخون ضد الغناء، وسيغنى الشعب .. سيصرخون ضد الموسيقى، وسيطرب لهم الشعب .. سيصرخون ضد التمثيل .. وسيحرص على مشاهدته الشعب، سيصرخون ضد الفكر والمفكرين، وسيقرأ لهم الشعب". فرج فوده في كتابه "النذير" 1988.
لم يكن مفاجئا طلب النائب السلفي جمال حامد في مجلس الشورى المصري، بإلغاء فن الباليه، والذي وصفه بـ" فن العُراة الذي ينشر الرذيلة والفُحش بين الناس". جاء طلب النائب السلفي بينما كانت إيناس عبد الدائم الرئيسة السابقة لدار الأوبرا تستعد للذهاب إلى مجلس الشورى لمناقشة ميزانية دار الأوبرا.
الباليه الذي رفض النائب السلفي تقديمه داخل الأوبرا، وجد طريقه للعرض أمام الجماهير في الشارع، عندما قدم هاني حسن، راقص الباليه الأول في مصر، عرضاً خاصاً لباليه زوربا أمام المشاركين في اعتصام المثقفين، والذي جاء بمثابة التحدي للوزير المرفوض والمتشددين معا.
أثناء العرض، انضم بعض راقصي فرقة الباليه بدار الأوبرا المصرية، ومع ارتفاع النغمات، بدأت الجماهير تتمايل على وقع الموسيقى. انتهى العرض، لكن الراقص هاني حسن لم يكن انتهى من رسالته بعد، صعد إلى منصة الاعتصام وأعلن اعتزازه بفن الباليه، مؤكدا أن من يريدون تقييد الفن في مصر لن ينجحوا في ذلك، فالفنان المصري حر وسيظل حراً حتى الموت. وهنا هتف الجمهور "يوم 30 العصر.. باليه جوه فى القصر".!
المثقفون الذين ينضم إليهم العديد من الحركات الثورية الأخرى، مستمرون في اعتصامهم حتى 30 يونيو، ينادون برحيل مرسي وقومه، داخل أروقة الوزارة ساهرون، يأملون في انتصار ثورتهم، وأمام منصتهم يرددون: "علِّي صوتك بالغنى لسه الأغاني ممكنة.. ولو في يوم راح تنكسر لازم تقوم واقف كما النخل باصص للسما .. ولا انهزام ولا انكسار ولا خوف ولا ولا حلم نابت في الخلا .. غنوتك وسط الجموع تهز قلب الليل فرح تداوي جرح اللي انجرح".
http://www.almustaqbal.com/storiesv4[th]< السابق [/th] | [th]التالي >[/th]