نابغة فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1497
الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي
تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | بين الغزالي و ابن رشد: ملحمة التفكير و التكفير: | |
ما أتحدث عنه اليوم هو الحوار القديم المتجدد حول طريقة العرب والمسلمين في التفكير. للوهلة الأولى قد يتساءل البعض: ما همني ما قاله الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة" قبل حوالي ألف عام، ولماذا أضيع وقتي في رد ابن رشد علي الغزالي في كتابه "تهافت التهافت" ؟ لقد فاز الغزالي على خصمه ابن رشد، و أخذ العالم العربي والإسلامي يسير منذ قرون على نهج الغزالي بينما سار الغرب على نهج ابن رشد وطورها وتطور معها: لقد اختفت مؤلفات ابن رشد من المكتبة العربية و الإسلامية، فهي لا تدرس حتى للطلبة الذين وصلوا إلى المستويات العليا في كليات الفلسفة، يعود ذلك بشكل أساسي إلى تبنينا نهجا في أصول المعرفة يهمل الموقف النقدي الفيلولوجي* الذي يعتمد الشك في النص و الذي بدأنا نسمع به في الفكر العربي في عهد ما أسميناه بالنهضة، لقد طبق طه حسين هذا النهج في دراسته للشعر الجاهلي . يتميز هذا النهج بأنه يؤرخ للفكر خارج السياج الدغماتي** المتحجر. إن الأساس الذي أرساه الغزالي في كتابه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" ما زال يسيطر علي أسلوب التفكير العربي، لقد أرسى الغزالي مبدأ التكفير الذي يخول الجهات الأصولية و السلفية أن تقول: هذا مسلم حقيقي نعترف بإسلامه وهذا غير مسلم خرج عن دين الحق. إنه نوع من ممارسة التفكير الكهنوتي. ردَّ ابن رشد على هذا المبدأ بعد ثمانين عاما من إشهار الغزالي لآرائه التكفيرية في كتابه المشهور "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" : إنه عنوان يدل على إطار تفكيري مختلف، لأنه يعلن للقارئ أن المؤلف سينظر بموقف نقدي صارم إلى الجهتين: الحكمة (أي الفلسفة) من جهة والشريعة من جهة أخرى، وهنا يقارب ابن رشد المشكل مقاربة نقدية منصفة، دون أن يقول هذا حق يجب أن نتقيد به ونتبعه وهذا باطل علينا أن نجتنبه، فالموقف الفلسفي لا يتبني هذا النوع من فصل المقال . وباختصار نستطيع أن نقول أن الغزالي يضع حدا للتفكير ويكفِّر في النهاية من يختلف معه في الرأي، وهذا ما نرى نتائجه الآن على أرض الواقع حيث تقوم الحركات التكفيرية بمصادرة حرية الرأي و المعتقد، لتقوم هي بمحاسبة الناس على تصرفاتهم الشخصية قبل السياسية و الاجتماعية و العامة، و لتوزع صكوك الغفران على أصحاب الميمنة وسلاسل الجحيم على أصحاب المشأمة بتكفير تفكيرهم. إنهم يختارون لنا مقاطع من نصوص مقدسة اصفرت أوراقها بفعل مئات السنين ليلزمونا بالإستراتيجية "السليمة" للسيطرة على العالم و إقامة دولة الخلافة و الحريم، ثم يتهمون من يخرج عن استراتيجيهم الخرقاء بالكفر و الزندقة بل و يقيمون عليه حد الحرابة (قطع الأيدي و الأرجل من خلاف) في بعض المساحات الجغرافية الضيقة الهاربة من الزمن و التاريخ. إن هذا النهج في التفكير يعني أن نقيم على العقل مأتما و عويلا كما يعني نهاية التطور الذي يقوم على النقد العلمي. ينطلق ابن رشد، من فهمين للقرآن واحد للعامة (الجمهور) وآخر للخاصة (العلماء) و يأخذ على الأشاعرة إنكارهم للأسباب الطبيعية والقوى وكل الفعل الطبيعي و أنهم ينسبونه إلى فاعل واحد يخلق من عدم. و برأي ابن رشد أن الكليات لا غنى لها عن الجزئيات التي هي تجريد لها، ويرفض وجود الكون من عدم محض ويؤكد على أن دور الفاعل لا يتجاوز تركيب المادة والصورة بإخراج ما هو بالقوة إلى الفعل. ويرى ابن رشد، استنادا إلى آيات القرآن، أن الصنع جاء من مادة أولى وليس من عدم محض، و يؤكد على قدم الزمان لا حدوثه. منعطف آخر هام يفترق عنده ابن رشد عن الغزالي: لا يخشى ابن رشد ما يصفه اليوم بعض الكتاب العرب و المسلمين بالفكر الوافد وهو الفكر الذي حاول الغزالي إثبات فشله في كتابه تهافت الفلاسفة وكان يعني أرسطو وغيره من الفلاسفة الإغريقيين الذين كانوا يمثلون في عصرهم أرقي فكر في العالم، ابن رشد لم يتردد طبعا في الاستفادة منهم، فربما لم يكن أحد يعرف آنذاك أرسطو أفضل من ابن رشد. و لو سأل أحدهم ابن رشد إن كان يخشي أن يخسر هويته إذا قرأ أرسطو الكافر لما فهم السؤال . علينا الانتباه دوما إلى عدم التوقف عند ما توصل إليه ابن رشد من منهج المعرفة، بل علينا أن نربط أنفسنا بعجلة الحداثة، و بضرورة التركيز علي التربية الفلسفية فهي تربية أساسية أهميتها كأهمية الرياضيات... العقل البشري لا تحده حدود لذلك يجب تطوير أعمال ابن رشد الذي لم يكن فيلسوفا فحسب، بل عالما في الفقه والطب والفلك، لقد كان نبعا معرفيا ثرا للعلماء و الفلاسفة و المفكرين في الأندلس ليس من عرب و مسلمين و حسب و إنما من جميع المفكرين و الباحثين. ومن خلال مزج الموروث والنهج العلمي المتنامي وصلت أوروبا إلي الحداثة. لم يخش الأوروبيون إذا ما يسميه العرب اليوم الفكر الوافد الذي كان يمثله ابن رشد بعقليته المنفتحة علي روح العصر والمنطلقة من الثقة بالنفس وعدم الخوف من الغير والانفتاح علي ثقافات العالم لننهل منها دون أن نخسر هويتنا التاريخية. _______________ *. الفيلولوجيا: كلمة مشتقة من جذرين إغريقيين أولهما يعني محبة و الثاني النطق أو اللغة، فيصبح معنى الكلمة المركبة (محبة اللغة)، يتناول هذا المنهج التحقيق في سلامة انتقال المعرفة من خلال اللغة عبر العصور أو في العصر الواحد من خلال اللغات المختلفة. **. الدوغماتية: هي التعصب الأعمى لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها، أو هي الجمود الفكري
| |
|
الثلاثاء يونيو 24, 2014 4:14 am من طرف سميح القاسم