يذرع ارض
غرفته خطوات غضب اخرس , يقوم الى الستائر فيطبق اسدالها , يتجه صوب بابها
الموارب فيحكم إغلاقه آملا ان تسري هذه العزلة المادية في شرايين روحه التي
ارهقه تململها المضني واعتراضها الذي لا يهدأ على احكام القبيلة. تأمل
متحسرا عشرات الاوراق المرمية في كل مكان من الغرفة . . . عشرات المحاولات
لتجعل من قصته قصة صالحة للنشر . صوت مدير التحرير جازم لا يهادن
ـ يا صديقي لا
نستطيع نشر قصة كهذه . هكذا نهاية تؤذي نفسك وتؤذي الصحيفة . . . يجب ان
تراعي الظروف. . . فكر بعائلتك , باولادك , بقلمك يا اخي . . .
صوتها من خلف
الجدران المقفلة يصله كتوما , تحاول ان تسكت هؤلاء الصغار باقل ازعاج ممكن .
لا تزال اشعة الشمس تسترق الخطى رغم انف الستائرالمسدلة , ولا يزال يصل
الى سمعه زعيق اصوات ابواق السيارات وصوت مذياع اطلقت له جارة طربة العنان
إرتمى فوق سريره ,
عادته في الكتابة, كلهم يكتب من فوق مكتب وهو يكتب من فوق سرير. طالعته
نفسه في المرآة المثبتة على الجدار المقابل , تطلع بمرارة الى جبهته التي
اصابها بعض تغضن والشعر الذي غزا البياض نصفه . . . ثم اعاد اتلاف ورقة
اخرى . . . لن يغير نهاية قصته وليدق مدير التحرير راسه بالحيط
ـ فكر باولادك يا
رجل ! ! . . .
هذه مبالغة . . .
ايعقل ان يزجوني في السجن من اجل قصة صغيرة قد يقرأها قلة من المهووسين او
قد لا يقراها احد ؟ !
ـ سقى الله ايام
الاستعمار. . .
قصتي يا استاذ انا
لم اتخيلها , قصة حصلت معي , جاء هذا الصغير متسائلا. فصعقني سؤاله وكان ما
كان
ـ ليس كل ما يعرف
يقال , ولا كل ما يدور خلف الابواب المغلقة يجوز نشره على الملأ
وها انا احاول
والمحاولة عصية لا تخفض جناحا. . . نعم فكرت بعائلتي , فكرت بنظرات الشماتة
التي سيرمونهم بها, فكرت بالذكور الهائجة التي ستحوم حولها , فكرت بابنتي
التي ستستحي ان تقدم نفسها يوما لزميل على انها ابنة فلان )خريج حبوس(
وفكرت بهذا القلم الذي سيشتمني كلما عرضت بضاعته على ناشر ما. ولانني فكرت
بكل هؤلاء واكثر, حاولت وساظل احاول
ـ اترك السؤال كما
هو واتبعه بنصيحة, بحكمة, بدرس اخلاقي , فتستقيم
احبها عوجاء . . .
لا اريدها طالعة لتوها من عظات أبونا الياس لا اريدها حبة بخور في حلقات
الذكر, لا اريدها كخمرة النواسي شهية لكثرة ما داستها الاقدام , لا اريدها
مجرد صفحة محبرة , نسخة من مئات ان لم يكن الآف
اوتظن انك اخترعت
المياه الساخنة ؟ ! . . . فمن عهد آدم الى ابنه نوح الى حفيده ابراهيم
وصولا الى صاحبك واصل بن عطاء والقصة هي ذاتها. ماذا يستطيع قلم مثلك ان
يفعل في هذه العقول الموحلة ؟ ! ـ يكفيني شرف . . .
وأحس خطواتها تسترق
خلف الباب المقفل . عرف انها تتأبى الدخول عليه . عرف ان وراءها خبرا ما.
حتما هو مدير التحرير . . . قام الى الستائر فرفعها فاعشت اشعة الشمس بصره
وفاضت ضاحكة مجلجلة في كل رقعة من الغرفة , والى الباب ففتحه فلعلعت في
سمعه اصوات صغاره يتصايحون . تطلع في وجهها الذي تعود فورات جنونه , وقبل
ان تفتح فمها بالكلام وضع يدا ثقيلة فوق كتفها وتمتم دون ان يرفع نظره
نحوها وقال : اتلفي كل ما في الغرفة من حطام , لا لزوم لمزيد من الحبر
والورق
الأربعاء يونيو 23, 2010 4:50 am من طرف إبراهيم الدامغ