فاينانشال تايمزباستغلال مزايا البنكنوت على المعادن
دحض دواعي القلق من سياسة التسهيل الكمّي
طباعة البنكنوت.
صامويل بريتان من لندن
وجود قدر يفوق الحد من الأموال التي تطبعها الدولة هو بالتعريف أمر سيئ. وينطبق الشيء نفسه حين تكون الأموال قليلة دون الحد. لكن أنى لنا أن نعرف متى تكون الأموال كثيرة فوق الحد أو قليلة دون الحد؟ الجواب القطعي المختصر هو أننا لن نعرف. نستطيع أن نشفط المال فحسب وننتظر. ربما تضرر معيار الذهب بصورة مفرطة على أيدي المعلقين الذين يريدون أن يكونوا تقدميين.
لكن الأموال الورقية لها ميزة أصيلة. في حين أن من الصعب التخلص من الذهب أو الفضة أو أي معادن ثمينة أخرى بعد استخراجها من الأرض، إلا أن الأموال الورقية يمكن إلغاؤها. كما أن كيان الائتمان البنكي المعتمد عليها يمكن، على الأقل، سحبه بصورة تدريجية.
يجب أن نضع هذه الأساسيات نصب أعيننا في الجدل المبهم الذي لا يفهمه إلا قليل، حول ما يسمى التسهيل الكمي. كانت الكتب المقررة التي تسير على المنهج القديم تتحدث عن ''عمليات السوق المفتوحة''. وكانت النظرية مباشِرة لا تعقيد فيها. معظم البنوك التجارية (أو بنوك المقاصة)، سواء بحكم العرف أو القانون، تقتني احتياطيات لدى البنك المركزي، والتي يمكن تحويلها إلى أموال نقدية – أو أوراق البنكنوت وقطع العملة – عند الطلب.
هذه الاحتياطيات، إلى جانب الأموال النقدية في صناديق البنوك والودائع الموجودة في خزائنها، يُطلق عليها في الغالب عبارة ''القاعدة النقدية''. إذا رغب البنك المركزي في توسيع الاقتصاد، كان يشتري الأوراق المالية القابلة للتسويق من البنوك التجارية. وعندما تمتلئ البنوك بالاحتياطيات، وتكون قادرة على زيادة قروضها، فإنها أثناء هذه العملية، توسِّع من إجمالي ودائعها.
كانت هذه النشاطات تعرف بعمليات السوق المفتوحة، بالتالي كانت كمية النقود – أو ما يعرف بالتعبير الدارج عرض النقود – تنمو، وتصبح البنوك أكثر استعداداً للإقراض للشركات والأسر. كان الحافز بالنسبة للمقترض في استخدام الأموال المتاحة هو ما ينتج عن ذلك من انخفاض سعر الفائدة.
وكان من المفترض أن تكون هذه العملية تناظرية. إذا أراد البنك المركزي تضييق معدل النشاط الاقتصادي، كان يبيع الأوراق المالية. وبالتالي يتقلص الاحتياطي لدى البنوك التجارية، وتتقلص الأموال المتاحة لديها للإقراض، وترتفع أسعار الفائدة.
وكانت المشاكل في الجانب التقلصي هي مشاكل سياسية، وليست فنية. من الواضح أن المقترضين كانوا يكرهون أن يدفعوا المزيد مقابل ما يحصلون عليه من أموال. اشتُهِر عن مارجريت ثاتشر أنها صرحت بأنها تكره أسعار الفائدة العالية – تماماً في الوقت الذي استطاع فيه وزراء ماليتها، الذين كانوا في ذلك الحين المالكين النهائيين لبنك إنجلترا – تمكين هذه الأسعار من الارتفاع.
تنشأ القضايا الفنية على الجانب التوسعي. لقد ظلت نائمة إلى أن اندلع الركود العظيم في 2008. في مثل هذه الظروف ربما لا يكون هناك عددٌ كافٍ من المقترضين للاستفادة من المدخرات المحتملة، بصرف النظر عن مدى انخفاض أسعار الفائدة الاسمية.
كانت هذه هي المشكلة التي شغلت بال لورد جون مينارد كينز، لكنها أثيرت من قبل على يد ألفريد مارشال في نهاية القرن التاسع عشر وعلى يد جون ستيورات ميل. إنصافاً للحكومات والبنوك المركزية نقول إنها قررت، هذه المرة، إبقاء أسعار الفائدة عند أدنى مستوى ممكن، وأن تعمل بصورة بطيئة على تقليص العجز في ميزانياتها. كان هذا على خلاف سياسات ''الاغتناء على حساب الجار'' التي طُبِّقت على نطاق واسع في الثلاثينيات.
ما يؤسف له أن البنوك المركزية قررت استخدام المصطلح القبيح ''التسهيل الكمي'' للدلالة على إجراءاتها. ولو أنها أطلقت عليها عبارة ''العمليات الموسَّعة في السوق المفتوحة'' أو شيء من هذا القبيل، لما كان عليها أن تقديم تفسير مطولة.
هذه العمليات، على النحو التي هي عليه، أثارت الكثير من الشكوك. إن مجرد التلميح بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ربما يكون في سبيله إلى الانسحاب التدريجي من مشتريات السندات، كان كافياً لإحداث هزة في الأسواق المالية، التي هدأت قليلاً حين لم يتحقق هذا الانسحاب. بالنسبة للوقت الحاضر، فإن الخشية من وقوع هذا الانسحاب التدريجي في وقت مبكر من العام المقبل، والخشية من أن ذلك لن يحدث، هما عاملان كافيان لإحداث هزات جديدة.
قدّمت شركة الاستشارات كابيتال إيكونومِكس في لندن خدمة عامة من خلال تحليلها للتسلسل للمخاوف التي أثارها التسهيل الكمي: الأول هو أنه يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم. يشير المؤلفون إلى أنه لم يفعل، حتى في الولايات المتحدة واليابان، وهما البلدان اللذان كانا رائدين في استخدام هذا السلاح. وفي حال أصبح التهديد حقيقة واقعة، يمكن بسهولة سحب التسهيل الكمي.
هناك تخوف أعمق مفاده أن التسهيل الكمي، من خلال إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، ربما يقلص الحوافز للشركات والأسر المرفهة من الاستثمار في نشاطات جديدة. يمكن أن تصبح الحجة هنا أكثر تعقيداً. لكن جوهر المسألة هو أن مشكلة الركود لا تنشأ إلا بسبب الافتقار إلى النشاط الاستثماري، في المقام الأول.
عليه، يتعيّن الإتيان بالإنفاق الإضافي من مصادر أخرى للتعويض عن ذلك، لكن التخوف الأكثر واقعية هو أن التسهيل الكمي يمكن أن يعمل على رفع أسعار الطاقة والنفط، وبالتالي يقلص الطلب. حتى الآن، بعد مرور 4-5 سنوات لم يحدث ذلك، على الأقل بالأسعار المقومة بالدولار.
أهم اعتراض هو أن الإقراض المنشَّط من قبل البنوك يمكن أن يخلق فقاعات أصول ربما يكون من الصعب، لكن من غير المستحيل، تنفيسها. سأكون أول من يجادل بأن وجود صفقة مثالية ضد الركود الاقتصادي، ينبغي أن تشتمل على تحفيز من المالية العامة ومن السياسة النقدية. لكن المقاومة السياسية لهذه الفكرة أكبر حتى من ذلك، ما يسمح بنشوء مقارنة غير سليمة بين ميزانيات الأسر وموزانات الحكومات.
لذلك، على حد تعبير قريب من قول هاملت، من الأفضل أن نتحمل هذه المخاطر الموجودة لدينا، على أن ''نذهب إلى مخاطر أخرى لا علم لنا بها''