الذبح في سورية مستمر لأن الحل بيد بوتين وهو القادر على وقف آلة الاسد العسكرية
إبراهيم درويش
November 1, 2013
لندن ـ ‘
القدس العربي’ كيف نتعامل مع إعلان المنظمة الدولية لحظر السلاح الكيماوي أن سورية قد اكملت بنجاح تدمير كل المنشآت التي تستخدم لانتاج الأسلحة الكيماوية، معلنة في ذلك بداية مرحلة طويلة قد تنتهي في صيف العام المقبل لتدمير الترسانة الكيماوية التي كانت بحوزتها؟ وكيف نفهم مسارعة إسرائيل لاستهداف مخازن للصواريخ الروسية في مدينة اللاذقية.
والأهم من كل هذا كله لم يقتل السلاح الكيماوي (2 بالمئة) الذي استخدمه نظام بشار الاسد سوى عدد قليل من الضحايا مقارنة مع الأعداد الهائلة التي سقطت جراء السلاح التقليدي الذي يملكه النظام حيث وصل عدد القتلى حتى الآن 115 الفا تقريبا.
بعيدا عن التصريحات التي ستصدر عن الحكومة السورية في أنها تحتفظ بحق الرد على ‘العدوان’ الإسرائيلي في المكان والزمان المناسب، وهو ما رددته الحكومة في مناسبتين سابقتين عندما استهدف الطيران الاسرائيلي مخازن في دمشق بداية السنة الحالية، فالسؤال المطروح كيف يمكننا وقف العنف ونزيف الدم السوري؟ وهل هناك فرصة لتحقيق هذا؟ في البداية من السهل تلخيص المنطق الذي تعاملت به الدول الغربية خاصة أمريكا مع الحرب في سورية ‘ضوء أحمر على استخدام الأسلحة الكيماوية، ضوء أخضر لاستخدام الأسلحة التقليدية’.
فالنقاش يدور حول اهتمام الولايات المتحدة فقط بالتخلص من أسلحة سورية الكيماوية ولم تكن معنية بالضرورة بانقاذ حياة آلاف السوريين.لكن الاتفاق الروسي- الأمريكي في حد ذاته والذي وافقت من خلاله الحكومة السورية على تدمير ترسانتها العسكرية يظل إنجازا في نظر الباحث القانوني كينث روث (المدير التنفيذي لهيومان راتيس ووتش)، فقد أدى إلى منع تورط عسكري أمريكي جديد في المنطقة، وهو أمر ليس بالسهل.
فمع أن دعم الكونغرس الأمريكي لباراك أوباما الذي طلب منه المصادقة على العملية العسكرية لم يكن مضمونا، إلا أن
روسيا كانت تخشى من احتمال تمرير العملية من قبل نواب الكونغرس، أو أن يقوم الرئيس الأمريكي بالتحرك بدون الحصول على دعم من الكونغرس. والأكثر من هذا فالهجوم بالكيماوي على ضواحي في دمشق ليلة 21 آب (أغسطس) قتل في ليلة واحدة 1400 فيما تقتل الحرب السورية المستمرة 5 آلاف في الشهر.وعلى الرغم من نفي الحكومة السورية مسؤوليتها عن العملية إلا أن تقرير منظمة ‘هيومان رايتس ووتش’ الأمريكية أكد أن الأسلحة الكيماوية قد اطلقت من جانب الجيش السوري.
وبدون رد دولي على العملية فهناك امكانية استخدام الأسد هذه الأسلحة مرة ومرات أخرى.
ويناقش روث في مقالته التي نشرتها المجلة الأمريكية المتخصصة بمراجعة الكتب ‘نيويورك ريفيو اوف بوكس′ أن حالة السلاح الكيماوي السوري مختلفةـ ليس لأنها ممنوعة ويملكها النظام كما ناقش جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، فأمريكا تمتلك اسلحة ممنوعة من مثل الألغام، والقنابل العنقودية والتي منعت بموجب معاهدات دولية لم تصادق عليه الولايات المتحدة، بل لأن السلاح الكيماوي قادر على قتل أعداد كبيرة في ضربة واحدة، كما ظهر من هجوم الغوطة.
وقد يقوم النظام بحسب روث بالاحتفاظ بأسلحة كي يستخدمها في المستقبل لكن النظام سيفكر مرتين في استخدامها لأن روسيا التي تعتبر الراعي لسورية عسكريا ودبلوماسيا تدعم الإتفاق.أما إيران فيجب على الأسد معرفة حساسية هذا الحليف لاستخدام السلاح الكيماوي بسبب ذكريات الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استخدم فيها صدام حسين الأسلحة الكيماوية ضدها، مع أنها مثل روسيا ترددت في إلقاء اللوم على النظام وتحميله مسؤولية الغوطة.
اتفاق مهم
وفي الوقت الذي يتواصل فيه القتل إلا أن الإتفاق الأمريكي ـ الروسي كان مهماـ ومن هنا تنبع أهمية رسم خط واضح بين هجوم الغوطة والقتل المستمر في كل أنحاء سورية، مما يجعلنا لا نقلل من أهمية الإتفاق الأمريكي ـ الروسي، خاصة من ناحية أثاره الدبلوماسية.ومنها أنه انهى حالة الإنسداد في القرار داخل مجلس الأمن.
فقد تأثرت القرارات الدولية بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تحتفظ به كل دولة منها، وقد استخدمت أمريكا هذا الحق بشكل دائم لحماية إسرائيل، وفي حالة روسيا فانها كما يقول الكاتب كانت مصممة على استغلال هذا الحق لمنع أي قرار ضد النظام السوري، مشيرا الى أن الصين كانت تتبع في هذا الأمر روسيا.مما يعني استمرار الذبح في سورية وعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار او قرارات.
وحتى بعد الاتفاق رفضت روسيا صيغة القرار الداعي لالتزام سورية بالبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يشرع لاستخدام القوة او العقوبات حالة فشل سورية تطبيق مقتضيات القرار.وأدى مزاج التعامل الايجابي في مجلس الأمن بعد الاتفاق الى الالتفات للوضع الإنساني، فالهجوم الكيماوي كان يمثل عملا فائقا اولا حول الكيفية التي استخدمت فيها الأسلحة، وثانيا كان يمثل صورة عن الطريقة التي يخوض فيها الجيش السوري الحرب التي لا تفرق بين المدني والمسلح.وهي حرب شرسة يهدف من خلالها النظام الى حرمان المقاتلين من المناطق الآمنة بتحويل حياة المدنيين فيها الى بؤس وشقاء.
وتهدف استراتيجية القسوة هذه أيضا لتوجيه رسالة لكل السوريين أنهم سيواجهون مصيرا بائسا حالة دخل المقاتلون إلى مناطقهم.ولهذا استخدم الجيش السوري كل الأسلحة المتوفرة لديه من القذائف الصاروخية، العنقودية، والفراغية والقصف الجوي، والى جانب هذه استخدم الجيش السوري الأسلحة العادية مثل البنادق والسكاكين التي استخدمها لقتل 250 مدنيا في أيار (مايو) كما وثقت ذلك منظمة ‘هيومان رايتس ووتش’.
ويقول روث أن المقاتلين المعارضين للأسد ارتكبوا هم أيضا مجازر ولكن على قاعدة مصغرة خاصة تلك التي ارتكبتها عناصر في جبهة النصرة والدولة الاسلامية في
العراق والشام المواليتان لتنظيم
القاعدة اضافة إلى ‘جيش المهاجرين والأنصار’، وكانت هذه الجماعات مسؤولة عن مقتل 190 شخصا واختطاف 200 في قرى محافظة اللاذقية، ويضيف الكاتب أن هناك تقارير غير مؤكدة عن استخدام ‘محدود’ لغاز السارين من قبل الجماعات المقاتلة هذه.
ويضيف روث أن نتائج هذه المجازر كانت كارثية على البلاد حيث أجبرت ملايين المدنيين على الرحيل من بيوتهم ودمرت معظم البنية التحتية للبلاد.
ويعيش في الدول المحيطة بسورية مليوني لاجىء واعدادهم في تزايد مستمر.وهناك خمسة ملايين سوري مهجرون في داخل البلاد وهم في حاجة ماسة للعون والمواد الأساسية.
قسوة قلب
ويقول الكاتب أن الحكومة السورية تعاملت بقسوة قلب مع احتياجاتهم واضعة الكثير من المعوقات امام وصول المواد الإغاثية لهم.ورفضت السماح لعمل المنظمات الدولية إلا عددا قليلا منها، ولم تسمح بخروج المواد الطارئة من الموانىء والجمرك بسبب البيروقراطية.
وزاد من الأزمة الإنسانية مطلبها لإرسال المواد الغذائية عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.فالطرق المباشرة للمناطق المتضررة تمر عبر الحدود التركية والأردنية واللبنانية لكن الحكومة السورية تصر على مرورها من طرق طويلة وتنتشر عليها نقاط التفتيش.
ويضاف الى المعوقات التي تفرضها الحكومة فالجماعات المقاتلة التي لا تحبذ التعامل مع المنظمات الأجنبية تعوق هي الأخرى وصول الدعم الإنساني للمحتاجين.ويقول الكاتب إن هناك حاجة ماسة لعملية كبيرة تشرف عليها الأمم المتحدة مشيرا إلى قيام بعض الحكومات مثل الولايات المتحدة بدعم منظمات خاصة لنقل المواد الإغاثية عبر الحدود ولكن قدرتها تظل محدودة بسبب حجم المعاناة والوضع الأمني.وفي هذا السياق يقول أن سورية ترفض السماح لمرور المواد الإغاثية للمناطق التي يسيطر عليها المقاتلون لأن سماحها يعني نهاية استراتيجية تحويل حياة المناطق هذه الى حجيم.والطريقة الوحيدة هي طلب مجلس الأمن من سورية السماح بمرور المواد عبر الحدود.وبسبب الرفض الروسي فقد كان من غير الممكن التوصل الى اتفاق.
ولكن اتفاق السلاح الكيماوي جعل من مهمة التصدي للازمة الانسانية أمرا سهلا، فقد دعت روسيا الحكومة السورية تسهيل وصول المواد الغذائية وتوسيع عمليات الإغاثة شاملة لتلك التي تمر عبر الحدود.
ويرى الكاتب ان الفرصة سانحة للامم المتحدة كي تنتهز هذه التطورات وتطالب بمعابر للمواد الإغاثية، وإحالة أي رفض من سورية الى مجلس الأمن حيث يأمل أن يقوم بمساعدة الأمم المتحدة للقيام بمهامها.
الذبح يتواصل
ومع الجهود لوقف المأساة الإنسانية إلا أن القتل يتواصل في سورية، فمع تطور الأساليب القتالية للمعارضة فإن معدل القتل تراجع بين المقاتلين لكن هذا لم يؤد الى انخفاض مستوى أعداد الضحايا حيث يموت في الشهر ما معدله ألفا شخص معظمهم من المدنيين.فماذا نفعل؟ يتساءل الكاتب.
والجواب من الإدارة الامريكية هو التوصل لتسوية سلمية، حيث قام كيري بإحياء مؤتمر جنيف-2 الذي سيبني على جنيف -1 الذي عقد في حزيران (يونيو) 2012.لكن منظور انعقاد المؤتمر غير مؤكدة على الرغم من تحديد موعده في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.فالمعارضة غير متحدة وتقول انها ليست مستعدة للتفاوض مع الأسد، والأخير يقول أنه لا يريد التفاوض مع معظمها.ويرى الكاتب ان التفاوض حول سلمي هو أحسن طريقة لتجنب انهيار كامل للدولة السورية.
وهو أمر لا يريده حتى عتاة المعارضين لنظام الأسد ممن يتمنون نهايته.كما ويقول روث ان حلا سلميا للازمة يعني تأمينا لحياة معظم السوريين بدون النظر إلى انتماءاتهم الطائفية التي تقسم البلاد اليوم.
ومع ذلك فهناك قلة تؤمن بامكانية تحقيق الحل التفاوضي هذا مما يعني استمرار الذبح، والمخرج من الأزمة موجود في موسكو.فقد أظهر اتفاق الأسلحة الكيماوية أنه حالة طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الأسد أن يفعل أمرا فإنه ينفذه.وتشي سرعة الإتفاق بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكيري أنه لم تتم استشارة دمشق إلا بقدر.
الحل بيد روسيا
والسؤال إذا كان بمقدور موسكو وقف القتل بالأسلحة الكيماوية فلماذا لا تريد وقفه بالأسلحة التقليدية؟ فلماذا لا تصر موسكو على خط احمر يوقف القتل الذي لا يميز بين المدنيين والمقاتلين، ولماذا لا تطلب من الأسد ان يقتل فقط المقاتلين بدلا من الجميع؟ ويجيب الكاتب أن موسكو لا تملك إجابة واضحة فهي تحمل المعارضة المسؤولية، كما تنسب زيادة أعداد القتلى لتصاعد قوة الجهاديين.فروسيا قلقة من تحول سورية الى مركز جذب للجهادية العالمية، لكن هذه المخاوف لا تبرر كما يقول المجازر التي يرتكبها النظام.
ويرى ان روسيا في الحادث الكيماوي رفضت الاقتناع بالأدلة التي قدمتها ‘هيومان رايتس ووتش’ ولامت المعارضة مستندة في هذا على آراء راهبة ليست متخصصة بالسلاح الكيماوي، ومن هنا فلو امتنعت روسيا من الوقوف في وجه مجلس الأمن الذي يريد التصدي لمسألة القتل العشوائي الذي يقوم به الأسد فان عدد المدنيين سينخفض.
ويقترح الكاتب طريقة أخرى لوقف المجازر من خلال تجنيد محكمة جرائم الحرب الدولية، ولأن سورية لم تنضم إلى المحكمة فإنه لن يتم وضعها ضمن صلاحيات المحكمة إلا من خلال قرار يصدره مجلس الأمن.وهو المكان الذي تمارس فيه روسيا حق الفيتو، ولارضائها يمكن للمحكمة ان تتصدى للجرائم التي ارتكبها مقاتلون في المعارضة، ومع ذلك فروسيا لم تقتنع لان أي قرار في الوقت الحالي ليس مناسبا وستكون له آثار سلبية حسب الموقف الروسي.
الجولان سبب تردد أمريكا
ويرى الكاتب ان هناك سببا أخر لفتور إدارة أوباما تجاه خيارالمحكمة هو إسرائيل، فإحالة مجلس الأمن لسورية الى المحكمة يعني أنه يشمل جميع أراضيها بما فيها الجولان المحتلة من إسرائيل منذ عام 1967.
ومع ان منظور قيام المحكمة بملاحقة المستوطنين في الجولان بعيدة خاصة انها ستكون مشغولة بملاحقة قضايا كثيرة في سورية الا ان الأثر القانوني يخيف أمريكا، مع ان الحاجة الملحة لمواجهة مخاوف إسرائيل يجب ان لا تكون مدعاة للوقوف امام وقف المجازر في سورية.
وفي نهاية مقاله يقترح روث البحث عن طرق للضغط على روسيا كي توقف دعمها للأسد بشكل يوقف القتل، وهذا يكمن في إشعارها بأنها تدفع الثمن، ويتحقق هذا الأمر من خلال التأثير على صناعتها العسكرية ‘روزبورن اكسبورت’ فمع أن الولايات المتحدة لا تقوم بالإستيراد مباشرة من موسكو إلا أنها استوردت أسلحة للجيش الأفغاني الذي وبسبب سنوات من الإحتلال يعرف أكثر استخدام السلاح الروسي، كما أن
بريطانيا وفرنسا تسمح لمجمع الصناعات العسكرية عرض أسلحته في معارض السلاح في لندن وباريس، ومنع روسيا من المشاركة فيها يعتبر طريقة للضغط.وهناك طريقة أخرى وهي استخدام
الغرب المقاطعة المالية كما فعل مع إيران أي عدم السماح للمصارف الدولية بمن فيها الروسية بالتعامل مع المصارف السورية، مما سيدفع النظام للاعتماد على المال النقدي.
ويقول الكاتب ان الحكومات الغربية فشلت في استخدام الدبلوماسية العامة لفضح الدعم الروسي للمذابح التي يرتكبها الأسد ضد المدنيين ولم تقم هذه الا قلة منها بشجب الدور الروسي.وتنبع المشكلة في هذا الخيار هو اعتماد أمريكا على روسيا لتنفيذ اتفاق نزع الأسلحة الكيماوية.
الجامعة العربية عاجزة
وبالنسبة للجامعة العربية فانها منقسمة، ومتأثرة بالخلاف الطائفي في سورية، فالدول السنية مثل قطر والكويت والسعودية تدعم المقاتلين فيما يدعم العراق الذي تسيطر عليه حكومة شيعية النظام السوري.وترفض في الوقت نفسه انظمة قمعية مثل السودان والجزائر اية خطوات لوقف الانتهاكات التي يمارسها نظام الأسد، أما
مصر فهي منشغلة بمشاكلها كي يكون لها تأثير.
ويحذر الكاتب من امكانية تحول النزاع في سورية الى أسوأ مما كان في
لبنان مما يعني عقدا من القتل والتدمير والتشريد والمعاناة وكلما طال أمد الحرب كلما بات من الصعب وقفها.وفي النهاية لن يتم وقف آلة الحرب الا من خلال جهد دولي متماسك يقوم بالضغط على روسيا كي توقف دعمها أو تضغط على الأسد.