تـــمهيد يروم هذا المقال تحقيق ثلاثة أهداف أساسية.
يتعلق الأول بإبراز أهمية الانتقال من النقد الأدبي في المغرب،
الذي ظل وفيا لفضاءات النصية اللغوية، إلى النقد الثقافي الذي يفتحها على
مداراتها الخطابية و التاريخية في خلفياتها المؤسساتية وتمظهراتها
التعبيرية و سياقاتها الاستقبالية. أما الثاني فيتمثل في محاولة رصد معالم
بروز الوعي ما بعد الكولونيالي في السياق النقدي المغربي، بل العربي، من
موقع شعب اللغة الانجليزية و آدابها في الجامعات المغربية، و خصوصا من خلال
مجموعة تطوان. إن هذه المحاولة تقوم على اضاءة نقدية لرؤية الدكتور جمال
الدين ابن حيون في كتابه السرد، الملاحة والاستعمار كتجسيد عملي نموذجي
لقراءة مابعد كولونيالية تؤسس للنظام الاستبدالي للنقد الثقافي، اضاءة
تحاول إبراز ملامح التقليد مابعد الكولونيالي القائم على ممارسة القراءة
المناوئة للخطاب الكولونيالي. أما الثالث فيتعلق بمحاولة النبش في أفق
نقدي جديد في الدراسات مابعد الكولونيالية، أفق يراهن على تجاوز ما هوية
الثنائيات الضدية التي تسم خطابات الاستشراق والاستغراب معا قصد تفكيك
مقولة صدام الحضارات على أسس ثقافية وتاريخية.
.
ظلت الرؤية التي تحكم
نظرة نقاد الأدب إلى الإبداع والكتابة على مدار القرن 20 تتأرجح بين ثلاث
نزعات، الأولى شكلانية تترصد المقومات الجمالية والفنية للنصوص، والثانية
علموية تحاول إرساء معالم المنهج العلمي في دراسة الأدب ترسيخا لنظرية موت
المؤلف[2]، والثالثة تفكيكية تراهن على إنهاء مفهوم المدلول في امتداداته
خارج مدارات اللغة من خلال مركزية الدال الذي يتسم بالإنزياح الدائم
والتأجيل المستمر للقراءة كمتواليات تأويلية. رغم اختلاف هذه النزعات
وتناقضها بسبب سياقاتها التاريخية الملتبسة و المتباينة، فإنها تنطوي في
مستوياتها العميقة على قواسم مشتركة تنم عن وجود وعي منظم يحتفي بمفهوم
النصية[3](Textuality) وهي تتراكم وتنزاح في شكل ممارسات نقدية تتمتع
بشرعية التوسع والأنتشار و التداول حتى أصبحت مسلمات بديهية في الأوساط
الأكاديمية. فهي من جهة، ممارسة نخبوية تؤطرها وتتحكم فيها مواقف الناقد
الأدبي، إما كفاعل جمالي يتميز بذوقه الرفيع ويحتفي به ويروج له، أو كعالم
متمكن من أدواته الدقيقة في التحليل و هو يستثمر وينتشي بقدرته على تطويع
الخطاب العلمي، أو "كفيلسوف" استثنائي قادر على تفكيك مراكز النصوص و هو
ينتج ويحتفل بتعدد المعاني المتناقضة والمدلولات المتباينة. وهي من جهة
ثانية، ممارسات لغوية ونظرية تكرس وتدعم رؤية نقدية تقوم على استقلال
النصوص واكتفاءها بذاتها، مما يعني فصلها قسرا عن فضاءاتها التاريخية
والثقافية و الإجتماعية . تبقى هذه المواقف في نهاية المطاف، رغم أهميتها
النقدية، ممارسات مؤطرة برؤية مثالية متعالية، و محكومة بنزعة نصية تحتفي
بالأشكال والبنيات والدوال في أبعادها اللغوية، لا في مداراتها
الخطابية.
يراهن الناقد الأدبي التقليدي على دعم وتثبيت رؤية جمالية تنطلق
أساساً من تصنيف النصوص الإبداعية على أسس تجنيسية حيث تبرز قيمتها من خلال
سماتها الفنية وخصائصها الشكلية، رؤية تتمركز فيها الصيغ الفنية
والأسلوبية لتمنح النصوص الإبداعية مواقعها المستحقة داخل هرمية التقليد
التراثي. إن هذه الهرمية غير تابثة بحيث تسمح بإعادة ترتيب النصوص اعتمادا
على المقاييس الجمالية التي تتيحها وتنفرد بها الموهبة الفردية في سياق
تفاعلاتها الدائمة مع التقليد الذي نبعت منه وتشكلت من خلاله[4]. إن هذه
المقاربة تلغي الذات الكاتبة/المؤلفة وتحدد النبوغ الإبداعي كتمظهر أسلوبي
يميز النص كفضاء لغوي بالأساس، مما يمنح الكاتب مكانة التفوق والاستثناء
وامتياز التفرد والحضور كجزاء معنوي ورمزي يجعل منه قوة إبداعية مساهمة في
تجديد وإغناء منظومة التراث للأمة. لكن هذا التصور يخضع في المقابل،
لإكراهات المؤسسات النقدية التقليدية التي تبعد الذوات المبدعة وعلاقاتها
المتشابكة والمتناقضة مع المؤسسات الإجتماعية والتاريخية والثقافية الخلفية
التي أنتجتها وأنتجت من خلالها، لتمنح الإمتياز للغة في أبعادها الشكلية
والفنية والأسلوبية من جهة، وللناقد الأدبي الذي ينتمي إلى نخبة قادرة على
تذوق النصوص من خلال تفكيكها إلى مكوناتها الجمالية الأولية من جهة ثانية.
إن هذا التصور يقلص فعل القراءة إلى وضع اعتباري هرمي، ويبقى على التراث
مجرد وعاء جمالي يشهد للأمم بفخرها وقوتها وتميزها.
إن هذه الرؤية الجمالية والمثالية القائمة على مضمون علمي، هي التي حكمت
في العمق المقاربات البنيوية للنصوص في أزمنة انتقال التصور العلمي إلى
مجال العلوم الإنسانية: إ نها ممارسة نقدية محكومة بمنطق علمي ، بل علموي.
فقد حاول نقاد الأدب استغلال التحليل البنيوي للفضاءات النصية من أجل
تفكيك البنى الافقية والعمودية الأولية قصد إعادة تشكيل المعنى الواحد
والوحيد ككل متماسك ووحدة مستقلة. إن الإنتشار الواسع لهذا المنهج قام
أساساً على أسس كونية وهو يعلن موت المؤلف واستقلال النص إعتماداً على
الخطاب العلمي لمقاربة الظاهرة الإبداعية. تجدر الإشارة أيضاً إلى أنها
ممارسة، في تجلياتها المختلفة، تتأسس على الوضع الإعتباري للناقد كعالم أو
مخبري يضبط تصوراته المنهجية لبناء حقيقة النص ، ممارسة تبعد الإطارات
الإجتماعية و الثقافية والتاريخية، وتدعم وحدة المعنى وتماسك الدلالة
وانسجامها ككل موحد وكبنية مستقلة عن الذات و العالم. إن استقلال النص
ككيان لغوي يجعل الكاتب والناقد معاً ذاتين متعاليتين ومثاليتين مما يكرس
هرمية إجتماعية تقوم على معيارية المقاييس الفنية أو الأساليب العلمية في
صياغة حقيقة النص وقيمته الرمزية والثقافية داخل نسق التراث.
تجدر الإشارة إلى أن النقد ما بعد البنيوي في بصمته الدريدية ( نسبة إلى
جاك دريدا) يبقى مكونا آخر من خطاب التقليد النصي الذي يعزل النصوص قسرا عن
سياقاتها الإجتماعية و الثقافية والتاريخية، نقد ينحى أكثر إلى مركزية
النصية كفضاء لغوي محض تؤسسه علاقات التناقض المستمر والانزياح الدائم
للمعاني والدلالات وهي تتنافر وتتباعد، تتشابك وتتدافع كأشكال وتمثلات
منزاحة، لا كجواهر ثابتة[5]. إن أهم منجز للنقد التفكيكي الدريدي هو نقض
مفهوم المركز في النص كبؤرة لعلاقات متفاعلة ومتماسكة، بل مندعمة في بعضها
البعض عموديا وأفقيا لتكون معنى متعاليا ومفردا. فوحدة المعنى هذه وتماسكه
وانسجامه هو الإفتراض البنيوي الكلاسيكي الذي يراجعه ويفككه دريدا، ليؤكد
على تعدد المراكز والبؤر داخل النص وهي تنزاح في جدلية دائمة إحتفالا
بالطابع اللانهائي للدوال وهي تهيمن وتسطو على العلامات اللغوية،الا أن هذا
التحول الاستبدالي المناوئ للبنيوية المحافظة يبقى امتدادا ضمنيا لنظرية
موت المؤلف وأسطورة استقلال النص عن العالم. تجاوزا لمفهوم النصية، سواءا
في بعدها الفني/الجمالي، أو العلمي/ العلموي، أو التفكيكي/ الاختلافي،
يصبح ضروريا استحضار مفهوم الخطاب الفوكودي (نسبة الى ميشيل فوكو) الذي
يؤشر على الممارسات الخلفية التي تؤطر وتراقب الحقائق، بل المعارف التي
تساهم المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتاريخية في إنتاجها، كما يشير إلى
المعايير التعبيرية التي استعملتها واختارتها الذات المبدعة[6] وهي تشرعن و
تناوئ، تبرز وتقاوم تلك الحقائق، كما يضمر أهمية مواقع التلقي والاستقبال
وهي تقبل أو ترفض، تنفي أو توافق على شرعية القوة في بعديها الإحتوائي و
الإقصائي لتلك المعارف.
لا شك أن مفهوم النقد الثقافي يظل مفهوما ملتبسا ومعقدا، لكنه يؤشر على
إنتقال مفصلي في التعامل مع النصوص، لاكمجالات لغوية فحسب، بل كفضاءات
خطابية تنقسم وتتشظى وتتنافس بل تتناقض داخلها الأبعاد المؤسساتية الخلفية،
و الملامح التعبيرية القائمة و المتاحة، و المواقع الاستقبالية الفعلية و
المحتملة و المؤجلة. إن هذا الإنتقال ينطوي على برامج القوة التي تستخدمها
النصوص الثقافية كأفعال تمثيل تتأسس على تمريني الإحتواء و الإقصاء و فعلي
الهيمنة و المقاومة وهي تتفاعل و تتفاوض حول شرعيات الوجود و التداول و
الاستمرا ر. هذا الإنتقال صاحبه بروز معاييرنقدية جديدة مثل العرق و الجنس
والطبقة و الجغرافيا و الوطن و السن و اللون كهويات سياسية تنحى إلى
التمركز في النصوص لإكتساب شرعية القوة و الديمومة، هويات تبقى في نهاية
المطاف وظائف لمفهوم الخطاب وهو يعتمل لتزكية وتدعيم ممارسات اجتماعية
وثقافية محكومة بزمنيات و مكانيات التداول، مما ينطوي على أهمية القطيعة في
الخطاب بسبب تغير ملابسات ووظائف المؤسسات الإجتماعية و الثقافية و
التاريخية المتحولة، وأساليب التعبير المتاحة، و فضاءات التلقي المتفاوض
حولها.
يعد كتاب السرد الملاحة والأستعما[7]ر للناقد الثقافي المغربي جمال الدين
بن حيون عملا نقديا مؤسسا في مجال النقد الثقافي في المغرب، اذ يشكل الى
جانب كتاب الأستاذ خالد بكاوي ملامح مقاومة بارزة،الموريسكي الاسباني
والاستشراق البريطاني[8] لبنة أساسية في رسم معالم ممارسة نقدية جديدة
تتجاوز الانحياز الى الأطر النظرية المكتفية بذاتها كالبنيوية والماركسية و
التحليل النفسي، أطر عبأت الخطاب العلمي لأزيد من نصف قرن في سيرورة
تاريخية حكمتها سياقات انتقال التصورالعلمي (العلموي) من مجال العلوم
الدقيقة الى مجال العلوم الانسانية. وتجدر الاشارة الى أن هذه الممارسة
النقدية الجديدة تقوم أساسا على القراءة الفعلية للنصوص في سياقاتها
المادية والتاريخية وفضاءتها الاجتماعية والجغرافية كمواقع خطابية تتفاعل
فيها مقومات الأنا / الغرب وملامح الأخر / الشرق، وتتشابك فيها أصوات
المستعمر المهيمنة بأصداء المستعمرالمقاومة. كما تجدر الاشارة الى أن هذا
العمل النقدي النوعي يؤسس في السياق المغربي لمفهوم القراءة ما بعد
الكولونيالية، اذ يمثل الكتاب امتدادا لرؤية ادوارد سعيد حول ظاهرة
الاستشراق، لكنه يختلف معه منهجيا من خلال تفكيك هيمنة الغرب المطلقة على
الشرق في الخطاب الكولونيالي، ليبرز الأهمية النقدية للجغرافية في تكسير
خطية السرد الاستعماري ونقض تجانسه. هذا الوعي ما بعد الكولونيالي تخترقه
نزعة تفكيكية عميقة لدى بن حيون، لكنه لا يسقط في قوالبها الجاهزة، و لا
يراهن على اختبار مفاهيمها، بقدرما يعبئ المبدأ التفكيكي في تجاوز سكونية
المعاني كجواهرثابتة معتبرا اياها تشكلات اجتماعية وتمثلات تاريخية تنشبك
في الصراع حول السلطة بين الغرب والشرق، الأنا و الآخر، المغربي و
الانجليزي، و تنحاز الى اختزال الحقائق في شكل بناءات خطابية تقوم على
سيرورة مزدوجة قوامها الاحتواء و الاقصاء، الهيمنة والمقاومة، الحكي والحكي
المضاد، الذاكرة والنسيان. ان الهاجس الأساسي الذي دفع ابن حيون الى
الاشتغال على المتن الحكائي للأسرى الانجليز هو تحريك الارشيف الكولونيالي
لشمال افريقيا عموما، و المغرب خصوصا، بغية نقض تجانس وقوة الخطاب الغربي
حول الآخر. إلا أن هذا الاختيار رغم جديته وعمقه في رصد أصوات المقاومة
داخل الخطاب الكولونيالي يساهم في تقوية المركزية الأوروبية من منطلق
تداولي، اذ تصبح النصوص الغربية والخطابات المؤسسة لها هي الأكثر رواجا عبر
العالم والأجدر بالمتابعة النقدية .
يشكل مفهوم الخطاب لدى ميشل فوكو[9] في بعده السوسيولوجي الركن
الأساس الذي قامت عليه الدراسات الثقافية ما بعد الكولونيالية. لقد وظفه
ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق[10] كمفهوم متجانس يكرس قوة الغرب المطلقة
ودونية الشرق الثابثة كثنائية ماهوية تدعم وتقوي هرمية خطاب الغرب حول
الشرق. كان الهاجس الأساسي لسعيد هو إعادة افتحاص شرعية عقلانية الأنوار
الأوروبية من موقع الآخر الثقافي المنهزم و الصامت داخل دهاليز وهوامش
النصوص الثقافية الكولونيالية. يعد هذا الطرح منطلق ابن حيون في كتابه
السرد، الملاحة والأستعمار وهو يقدم مراجعة نقدية لتجانس وهرمية الخطاب
الكولونيالي حول الشرق، إذ يصر على إبراز الجغرافية كمقولة نقدية و خطابية
تكسر خطية الحقائق الإستعمارية، و تراهن على استخراج أصوات المقاومة
المناوئة لتلك الهرمية المفترضة في علاقة الغرب بالشرق، كما تؤكد على
استعادة أصداء الحكي المضاد لتفكيك ونقض وخلخلة الصورة النمطية الإستشراقية
وهي تنحى إلى التكرار و التجدد، البروز و التخفي، التجانس و التناقض، و
الثبات و التحول.
يتأسس طرح الناقد الثقافي المغربي جمال الدين بن حيون في كتابه
السرد الملاحة والاستعمار على خلفية إثارة الانتباه إلى متن نصوص الأسرى
الذي ظل مهمشا رغم أهميته المعرفية وقيمته التاريخية .إن هذا الطرح ينم عن
وعي عميق بأفول أسطورة الأدب الرفيع التي تكرس تراتبية النصوص على أسس
جمالية أو قواعد فنية . هذا الوعي أصبح ممزوجا بالاهتمام بكل ما يدخل في
مساحات المهمش أو المقصى من النصوص التي طالما لازمت الرفوف المنسية
للمكتبات, رفوف تمثل التواريخ الأخرى التي أ قصتها تصنيفات الناقد الأدبي
التقليدي الذي طالما كرس هرمية النصوص على أسس تجنيسية و شكلية . إن تحريك
الهوامش يشكل علامة بارزة على كون قدر النصوص لا يخضع للمنطق التصنيفي
للمكتبي أو حتى الناقد الأدبي,إذ تجاوزا لاهتمامات الناقد الأدبي التقليدية
.يركز ابن حيون على دراسة متن نصوص الأسرى الانجليز كمواقع لخطابات
متناقضة تتغير حسب الظروف الاجتماعية والثقافية والتاريخية المحيطة بها.
إن الفكرة المحورية التي يقوم عليها هدا الكتاب هي أن النصوص
الحكائية للأسرى الانجليز في شمال أفريقيا ,أو ما كان يعرف خلال القرنين
السابع والثامن عشر ببلاد البرابرة(Barbary) [11] تؤسس سياقا متميزا تتلاحم
فيه تمارين السرد والملاحة والاستعمار, سياقا تشكل ضمن مفترق طرق مركب
يتفاعل فيه كل من الخطابي والثقافي والتاريخي. لإبراز هده الفكرة يشير
الكاتب إلى أن أدب الأسرى المسيحي تم فصله عن سياقه الجغرافي الملتبس أو
إبعاده عن الأرضية الصلبة التي تأسس عليها ألا وهي المشاريع الملاحية
المواكبة للكشوفات الجغرافية الأوروبية. كما يؤكد على كون هذا الأدب لا
يمكن عزله عن الثقافات التي أنتجته والسلطة التي أطرتها الظروف السياسية
التي أحاطت به. من هذا المنظور يصر بن حيون على أن معظم الباحثين تعاملوا
مع هذا الأدب كمتن من تجارب شخصية للأسر والإفتكاك والهروب,منطلقين من
مقولات تقليدية كالواقع أو الخيال , الحقيقة أو الوهم. تجاوزا لهذا الطرح,
يعتبر الكاتب هذه النصوص كفضاءات خطابية متحركة تقوم على التفاعل والصراع
والاغتراب و التباعد بين ثقافة الأسير المسيحي والمجال الجغرافي لأسره,
شمال أفريقيا.
تبلورت فكرة هذا الكتاب كمشروع سنة 1992 عندما قررت مجموعة من
الباحثين الأكاديميين الشباب في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان تأسيس
مجموعة بحث في الدراسات المغربية باللغة الإنجليزية (REGMOSE) والتي كان
ابن حيون من بين مؤسسيها .كان الرهان الأكاديمي لهذا الفريق هو بالأساس
تحديد ودراسة الكتابات الغزيرة باللغة الإنجليزية حول موضوع المغرب التي
قلما تم الانتباه إليها. إن النواة الأولى التي انطلقت منها فكرة هذا
المشروع هي كتاب الإستشراق القيم لإدوارد سعيد .لقد لاحظ فريق البحث
الأكاديمي الجديد غيابا لافتا للانتباه في الإشارة إلى النصوص الإنجليزية
حول المغرب في كتاب إدوارد سعيد الذي بلغت شهرته كل الآفاق .لذلك بادرت هذه
المجموعة إلى إتمام وتعقيد صورة الشرق من خلال إستدماج الصورة المقصاة
لشمال أفريقيا كما شيدها وشكلها الرحالة والمغامرون والمبشرون
والدبلوماسيون والصحافيون والكتاب الأوروبيون. إن إدوارد سعيد هو الذي أسس
لمفهوم القراءة ما بعد الكولونيالية كنموذج جديد في تحليل ودراسة الأدب
الغربي إلا أن فريق البحث هذا أخد على عاتقه اختبار مدى قابليتها للتطبيق
في مواقع جغرافية منسية مثل شمال أفريقيا .
انطلاقا من هذه الخلفية، وامتدادا لهذه الرؤية، تم تأسيس مركز
الدراسات الثقافية المغربية في شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب
والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس[12]، كصوت أكاديمي متفرد أطرته رؤية
دقيقة، ثاقبة وشمولية حاولت إرساء معالم الدراسات الثقافية التي تعتمد
أساساً على مقاربة نقدية وثقافية تكسر الحدود بين التخصصات العلمية
والمجالات المعرفية، وخصوصا الآداب والتاريخ والفلسفة، وراهنت على
الاستنطاق النقدي للهويات المغربية بالتركيز على الخطابات بدل النصوص،
وتفكيك السر ديات والنظريات الكبرى مانحة الامتياز للتحليل النقدي والعملي
للنصوص في سياقاتها التاريخية و فظاءاتها الجغرافية، في محاولة لإبراز بصمة
القارئ الخاصة وإضافته العلمية والمعرفية العملية بناءا على الإبداع
والابتكار والتجديد، وتكريسا لبلورة مفهوم الصوت النقدي الخاص بكل باحث
واعد لا يقوم بتوظيف المفاهيم النقدية بشكل ألي يتوخى الاستظهار والتكرار،
بقدر ما يعمل على تفكيكها وزحزحة استقرارها واستعمالها بشكل عملي في تحليل
النصوص والخطابات لإبراز برامج القوة التي تلازم أفعال التمثيل الثقافي،
والتفاوض حولها قصد إسماع أصوات الهوامش والحواف.[13]
يمكن تحديد القيمة المضافة لهذا المركز في سيرورة التقليد ما
بعد الكولونيالي القائم على النظام الاستبدالي للقراءة المناوئة في السياق
النقدي المغربي في ثلاث انجازات أساسية على الأقل. لقد عززت مجموعة فاس
إعادة قراءة الأرشيفات الغربية حول المغرب برؤية تفكيكية، وبأداوت ما بعد
بنيوية، تراهن على تكسير الصور النمطية الاستشراقية لإبراز أصداء المقاومة
التي يضمرها، بل يسطحها فعل التمثيل اللغوي والمجازي. هذا من جهة، أما من
جهة ثانية، إنتقل الاهتمام النقدي لمجموعة فاس إلى التركيز على نقض صورة
المغرب في الخطابات البصرية والإعلامية التي تتمظهر في مجالات مختلفة
كالسينما الهوليودية، والكولونيالية والمغربية، والصحافة الغربية المكتوبة،
والبطاقات السياحية، والمهرجانات الثقافية والفنية.[14] أما من جهة ثالثة،
فقد فتح المركز أعينه على خطابات المغاربة حول الأخر الغربي، من خلال
التركيز على كتابات الرحالة والسفراء المغاربة حول أوروبا وكذا إبداعات
وتجارب المغاربة في الكتابة بمختلف أنواعها ولغاتها حول أمريكا، مما يؤسس
لرؤية ثقافية تقوم على نقض أسس خطاب الاستغراب وتفكيك مكوناته الماهوية.
بهذه الرؤية، يكون المغرب هو صلب اهتمام الدراسات ما بعد الكولونيالية التي
تشتغل في منحيين: المغرب في المتخيل العالمي كموضوع لخطابات الاستشراق
المنزاحة بين حدود الهيمنة وهوامش المقاومة[15]، والمغرب كفاعل في تمثيل
الأخر الغربي عبر الحدود التاريخية والجغرافية أبعد من حدود خطابات
الاستغراب القائمة على النظم الاستبدالية للاستشراق.
شكلت مقالة الدكتور محمد العميري بعض مظاهر صورة المغرب في
كتابات الرحالة الإنجليز في القرن 19[16] عنوانا بارزا على بداية الاهتمام
النقدي الجديد لمجموعة تطوان التي راهنت على مساءلة أنماط تمثيل الآخر,
والتي حاول الأوروبيون من خلالها تبسيط واختزال المغرب كصورة نمطية تجد
مرجعيتها في الخطاب الإستشراقي .إن هذه المقالة هي التي أعطت الانطلاقة
لممارسة نقدية جديدة في الجامعات المغربية على مستوى شعبة اللغة الإنجليزية
وآدابها, ممارسة بدأت تساءل سياق العلاقات الأنكلوفونية- المغربية المعقدة
والشائكة .يشير بن حيون في هذا الصدد إلى أن كتاب الأستاذ خالد بن الصغير
المغرب وبريطانيا العظمى في القرن 19 (1856-1886)[17] يشكل إنجازا
استثنائيا يدعم ويقوي الاهتمام النقدي الجديد لمجموعة تطوان . إن الإنجاز
الكبير لهذا العمل يتمثل في لفت الانتباه إلى التحديات التي تواجهنا في
دراسة العلاقات المغربية البريطانية, إذ يؤكد على كون خطية هذه العلاقات
أكثر كثافة وتعقيدا من اختزالها في كتاب واحد ووحيد, تاريخ العلاقات
المغربية البريطانية إلى حدود [18]1900, للمؤرخ الانجليزي P.G Rogers.
تتمثل القيمة المضافة لمساهمة ابن حيون في مقاربة هذه العلاقات من زاوية
مختلفة , إذ يؤكد على أن التبادل الثقافي والتاريخي بين المغرب وبريطانيا
لا يشكل مجالا خاصا بالمؤرخ , وإقصاء لدور الناقد الأدبي والثقافي , ويصر
في هذا الإطار على استعمال الوثائق التاريخية حول العلاقات المغربية
البريطانية خلال القرنين 17 و18 , لكن ليس من موقع حقه ومكانته وامتيازه
كقارئ وناقد ولكن من موقع تحديه للافتراض الذي يدعي أن نقاد الأدب
والمؤرخين يشتغلون في مجالات ذات حدود فاصلة وقاطعة ونهائية.
يشير ابن حيون إلى زياراته المنتظمة والمتكررة مع فريق البحت
بتطوان لمكتبة المتحف الأمريكي بطنجة, حيث وقع اهتمامه على النصوص المصنفة
كنوادر, نصوص منسية ومهمشة رغم قيمتها التاريخية وأهميتها المعرفية. إن
اكتشافه لمثل هذه الأرشيفات جعله يتساءل بجدية عن جدوى ومصداقية الدراسات
الإنجليزية في المغرب, مشككا في صحة الاختيارات التي تنحو إلى تدريس النصوص
المختارة (cononcial texts) لرواد الكتابة الإنجليزية من أمثال Jane
Austin ,Thomas Hardy وآخرين . إن هذا التشكيك ينم عن وعي ما بعد
كولونيالي (postcolonial consciousness) بأهمية اختيار نصوص منخرطة في
التاريخ والثقافة المغربيتين , نصوص موجهة بالأساس إلى طلاب مغاربة في شعب
اللغة الإنجليزية وآدابها , ملمحا إلى أهمية الموقع الجغرافي والانتماء
الثقافي لهؤلاء الطلاب . من منطلق وعي مغربي ما بعد كولونيالي , يتساءل بن
حيون عن علاقة مكتبة المتحف الأمريكي في معمارها وبنائها بالفضاء المغربي
المحيط بها, ليخلص إلى كون هده العلاقة تقوي اهتمامه بالروابط المتينة بين
النصوص والمواقع , بين الخطابات والمجالات. إن هذه المكتبة ليست بناية
معمارية فحسب , وإنما هي فضاء مادي يتم فيه ترتيب نصوص مختلفة في أرشيف
متجانس وخطاب موحد إذ أن كل وثيقة فيه تثير اهتمام الزائر كوحدة مستقلة ,
في حين أنها في عمقها تشكل عنصرا أساسيا في الأرشيف وجزءا مركزيا في المتحف
ككل.إن هذا المتحف ليس بناية مهمة من ورائها قصة سياسية فحسب, ولا هو مجرد
مكتبة صغيرة تستضيف وتأثث أرشيفا من كتب حول المغرب, بل و هي كذلك بنية
خطابية في حد ذاتها تستعرض, وتحفظ وتلخص بنى المغرب الثقافية, والتاريخية
والاجتماعية والجغرافية والسياسية. إنها تمثيل مجازي لبنية أخرى مشيدة
بداخلها من خلال كتابات الرحالة والمغامرين والمؤرخين والسياسين والكتاب
الأوروبيوين . إن هذه البناية , في نظر ابن حيون, تتشكل من فضائين , مادي
وخطابي, وتؤشر على علاقة متينة بين الموقع والخطاب في بعديها الحرفي
والمجازي.
بتأكيده على تشابك العلاقة بين النصوص ومواقعها كاحداث
دنيوية[19], وتورط الخطابات في مجالاتها المادية , يصر بن حيون على أن
النصوص المتراكمة في المتاحف ليست مجرد معروضات جمالية لنوادر , وإنما
مخطوطات وكتب تمثل فضاءات للانزياح يتم من خلالها عزل النصوص قسريا عن
لحظات تشكلها ومواقع ظرفيتها ليتم إعادة ترتيبها وتقديمها كأرشيفات
ومعروضات جمالية, ويؤكد على أن هذا الهوس الغربي بجمع وإنتاج الأرشيفات
القيمة يقوم على مبدأ التقليل من أهمية المصائر والمجريات التي قد تلازم
إنتاج وانتشار هذه النصوص. لذلك يصر على تقويض المنطق الذي يحكم إنتاج
أرشيفات المتاحف ليعيد للنصوص تاريخيتها, وحيويتها وماديتها من خلال إعادة
موقعتها في سياقاتها التاريخية التي أنتجتها واكتسبت عبرها راهنتيها
وقيمتها كأنماط معرفية ودوريات للتواريخ الشخصية. بهذا المعنى لا يراهن على
جمع النصوص وتقديمها كنظام موحد وبنية متجانسة, واضحة المعالم. إن النصوص
في نظر ابن حيون تنتشر وتختفي عبر خطوط التاريخ ومسالكه المتحولة التي لا
تخضع إلى قواعد ثابتة, وعبر جغرافيات مركبة وغير قارة لا تقبل الاختزال. من
هذا المنطلق يؤكد على أن النصوص وسياقاتها تبقى دوما ذات طابع إشكالي
وصبغة جدلية تقوم على الهدم والبناء المستمرين, أو تتأسس على التفاوض
وإعادة التفاوض حول دلالاتها, إذ ترفض الحسم النهائي في معانيها.
إن النصوص في نظر ابن حيون لا تحمل بالضرورة الأعلام الوطنية
لمواقعها المحددة لا لشيء إلا لأنها لا تنتج بالضرورة داخل مناطق ترابية
واضحة المعالم, إذ يبرز في دراسته كون نصوص المغامرة والأسر الإنجليزية في
القرنين 17 و18 تمثل نموذجا لإنتاج النصوص في الفضاءات المتحركة للسفر
والتنقل , وعبر انزياحات وتعقيدات الجغرافيا.إن هده النصوص الحكائية تشكل
فضاءات خطابية للتقاطع الثقافي (cultural encounters) تتحول فيه الجغرافية
إلى فضاء للغربة و اللاتموقع, لا إلى فضاء للاحتلال والاستيطان. خلافا
لطرح إدوارد سعيد التقليدي الذي يمنح الامتياز للخطاب على حساب الجغرافيا,
يؤكد بن حيون على أهمية إبراز القطائع والترددات التي تفرض نفسها على
الخطاب بسبب ملابسات الجغرافيا. ففي كتاب الاستشراق يتمثل إدوارد سعيد
جغرافية الشرق كفضاء للهزيمة, وكأنه فضاء تمت تسويته بواسطة ميكانيزمات
الاحتلال ونحو الخطاب الكولونيالي.ففي خطاب مشبع بالأصوات الأوربية , ينظر
سعيد إلى الاستشراق بمعزل عن ملابسات التقاطعات الثقافية والعلاقات
السياسية والعسكرية كما لو كان خطابا مونولوجيا قسريا لا يقاومه الآخر
المنهزم . تفكيكا لهده النظرة التي تعطي الامتياز للمستعمر, يصر بن حيون
على إعادة بناء الفضاء الجغرافي كأرضية صلبة تنكسر فوقها الخطابات
الكولونيالية لتصبح أنماطا سردية وممارسات تمثل تتأسس على التناقض
والانزياح. إن الجغرافيا هي موقع للمقاومة وسياق لثقافة الآخر, سياق يفرض
الإفصاح عن عدم الرضى اتجاه سيادة وسلطة وتجانس الخطاب الكولونيالي.
إن الإدعاءات التي يعبر عنها الرحالة والمغامرون الأوربيون
بفصاحة وبصوت عال حول المجالات الترابية القصية للأخر في الخطاب
الكولونيالي عموما, ومحكيات المغامرة والاستكشاف خصوصا, هي في غالب الأحيان
أصوات تقوم على صيغ المبالغة لأنها تصدر عن ذوات تتحرك خارج فضاءاتها
الأصلية, وتعاني من قسوة فقدانها لألفتها بأمكنتها المحلية. ومن خلال هدا
الطرح, يرد بن حيون على الافتراض الذي يبرز في بعض مقاطع كتاب الأعين
الإمبريالية, إد يتم وضع المستكشف الأوربي كما يبدو في سياقه المباشر
مغتربا , تائها ومرعبا وهو يتنقل بين الموانئ والمدن, على الأقل في النصوص
التي يتناولها بالدرس والتحليل, ليخلص إلى كون أن الأسير الأوربي لا يتمتع
بموقع سلطة في علاقته بالمكان فحتى عندما تصبح جغرافيات الآخر أيقونات
خرائطية ورسومات بألوان الأعلام الوطنية الأوربية, فإنها تظل فضاءات
للانزياح والاغتراب واليأس بالنسبة للأسير المسيحي و الأوربي, وهو يفحص
الآفاق بحتا عن السفن الأوربية لنقله إلى بلده الأصلي. إن هؤلاء الأسرى من
أمثال Thomas Phelps, Thomas Pellow , Pierre Raymond de Brisson يقومون
برحلات طويلة عبر الساحل الأطلسي للمغرب وهم يأملون في تحديد سفن بألوان
مألوفة لإفتكاكهم من أسرهم وإنهاء محنتهم كأسرى أوربيين.
تجدر الإشارة إلى أن ابن حيون لا يهدف إلى تقليص قوة الأوربيين
وتضخيم قوة غيرهم, بل ينزع إلى ترجمة الوضعية الكولونيالية بتعقيداتها
والتباساتها كمحطة تقاطع تاريخي تبدو فيها وسائل أوربا في الاحتلال
والسيطرة وهي تعتمل وتتفاعل كسيرورة منزاحة عبر الجغرافيا ومتحولة من خلال
الخطاب. إن نصوص المغامرة والاستكشاف الانجليزية في القرنين 17 و18 ترتبط
بشكل وطيد بالاستعمار ليس من خلال استعمال النحو, أوالرمز الاستعماري,
والبلاغة الكولونيالية فحسب, ولكن من خلال علاقتها بتقنيات أوربا في
الاستكشاف والغزو. لذلك يؤكد بن حيون على أن الملاحة والسرد ليسا نشاطين
منفصلين ,وإنما متصلان ومتشابكان في إتمام تمارين السلطة الاستعمارية. إن
نصوص الأسر والمغامرة الانجليزية خلال القرنين 17 و18 ترتبط ارتباطا عضويا
بمشروع أوربا الاستعماري ليس لأنها تعبر عن نوايا استعمارية بشكل واضح
ومعلن فقط, وإنما لأنها أنتجت أساسا في فجر السفن العملاقة وهي تنطلق من
موانئ انجلترا الضخمة بحتا عن المواد الأولية الخامة ومجالات ترابية جديدة
قصد الغزو والاحتلال. فالرحلات الأسطورية لسفن مثل Mary Rose (1510), The
Henry grace à Dieu (1512), The grand Mistress (1545), The Sovereign of
the Seas (1637), The Bounty (1768), The Endeavour(1783),لا يمكن
النظر إليها مجرد رحلات مغامرة واكتشاف وغزو فحسب , ولكن هي أيضا تمارين في
السرد وإعادة رسم الحدود والخرائط. إن الأساس المادي والتقني لفعل السرد
يوازي, ويساوي بل يماثل الأساس الخطابي والرمزي والثقافي لفعلي الملاحة
والاكتشاف في القرنين السابع والثامن عشر.
يصر ابن حيون في هدا الكتاب على أن الاستعمار يستمد قوته وديمومته
من ممارسة تقوم على تلازم السرد والملاحة, وهده هي دعامة مؤلفه الأساسية.
إن نصوص المغامرة والأسر الانجليزية في القرنين 17 و18 أنتجت في مرحلة
تاريخية كانت فيها خريطة العالم ترسم من خلال الخطوط التي تربط موانئ
أوروبا الضخمة بموانئ المستعمرات. فشبكة الروابط التي تؤسسها الرحلات
الاستكشافية لسفن مثل The lion, The leopards ,The Inspector ,The
Littlefield , The nightingale , The Sea Rose بين الموانئ البريطانية
والمغربية هي الجغرافيا التي أنتجت فيها وتتموقع داخلها معظم نصوص الأسر
البريطانية حول المغرب. كان للمشروع الملاحي الأوروبي اثر كبير على إنتاج
النصوص في القرنين 17 و18. إن هدا التأثير هو بالضبط ما يسمح لابن حيون
باستكناه وإعادة التفاوض حول التلازم القوي بين السرد والاستعمار. من هدا
المنطلق يفكك تعريف Peter Hulme للخطاب الاستعماري على انه مجرد "مجموع
الممارسات اللغوية التي يوحدها الاستخدام المشترك في تدبير العلاقات
الاستعمارية"[20] على اعتبار أنه لا يشير إلى التحالف القائم بين السرد
والملاحة في تشكيل اللحظة الاستعمارية.
يقرا بن حيون على أن هذا الكتاب لا يدعي تقديم دراسة نقدية
شاملة تستنفد جوهر موضوعها, مصرا على أن تعدد العلاقات بين السرد والملاحة
والاستعمار في القرنين 17 و18 يجعلها اكتر تعقيدا من تحليلها واختزالها في
كتاب واحد. ويؤكد في هذا الصدد على أن رهانه الأساسي ليس هو إنتاج عمل نقدي
موسوعي وإنما إعادة تأويل اللحظة الكولونيالية من خلال العلاقات الملتبسة
بين ممارسة الكتابة وتمرين الملاحة في القرنين 17 و18 .ففي سياق السفر
والاكتشاف والامتدادات الجغرافية, قام كل من الكتاب والبحارة
بالأدوارنفسها تقريبا, وغالبا ما أنجزوا واجباتهم بشكل متبادل.وان معظم
أبطال النصوص الحكائية التي يخضعها الكاتب لمحك الدراسة متورطون في تمريني
السرد والملاحة معا,إنهم جميعا بحارة ومغامرون, ولكن أيضا كتاب وساردون
يدونون تواريخهم الشخصية. فهؤلاء الأبطال من أمثال Pros peso ,Robinson
Crusoe , Bob Singleton , Thomas Phelps ,Thomas Pellow , Thomas
Tronghton , Timothy le Bean , يجسدون ويدعمون صورة اوروبي الأنوار كبحار
ومغامر غاز للعالم, ولكن في نفس الوقت كصانع للتاريخ وكاتب مقهور لانتصارات
وانجازات غير مسبوقة.
إن بؤرة تركيز ابن حيون, وهو منخرط في تأويل مجموعة من النصوص
الانجليزية حول المغرب في القرنين 17 و18, تدل على وعيه المتزايد واهتمامه
التدريجي بالجمع بين الملامح الثقافية والتاريخية لمفهوم الذات في عصر
الأنوار الأوروبي, وهو يتشكل ويعيد إنتاج نفسه باستمرار عبر النظم
الاستبدالية للاستكشاف والتمثل والسرد و الملاحة .إن اهتمامه يتجاوز دراسة
نصوص فردية لذاتها, مؤكدا على أن رهانه الأول هو دراسة الخطابات التي
تتقاطع في نصوص الأسر الانجليزية حول المغرب والتي تدعم وتبقي على
مساندتها لبرامج أوربا الاستعمارية في الاستكشاف والغزو. إنه يركز على
الخطابات بدل النصوص, وهذا ما جعله يختار الاشتغال على متن غير مألوف, لكنه
يقر بأن النصوص التي اختارها تبقى متباينة وتختلف في القيمة الثقافية
والجمالية التي يمنحها إياها نقاد الأدب والمؤرخون. إنها مقاربة انتقائية
تقصي العديد من النصوص, إذ لا يسعف السياق في تناولها, ولا يتسع المجال
لاستيعابها. لكن رغم محدودية عدد النصوص التي اختارها, يشير إلى غنى
التفاصيل التي يقدمها كل نص على حدة, مما جعل مهمته شبه مستحيلة, إلا أن
مشروعه النقدي في هدا الكتاب أصبح ممكنا بعد اطلاعه على بعض الدراسات
المعدودة على رؤوس الأصابع في مجال دراسات القرنين 17 و18 والتي قام بها
نقاد متميزون من أمثال : Martin Green ,Stephen Gseenblatt ,John Richetti
David Delison hebb , Denys Hay وآخرين. إن التطورات الأخيرة في مجال
النظرية النقدية والدراسات الثقافية أمدت ا بن حيون بمفاهيم واستراتيجيات
مكنته من دراسة نصوص القرنين 17 و18 , كخطاب بالمعنى الفوكودي , مجسدا بدلك
منظور الناقد الثقافي المعاصر الذي لا يمكن تحديد مقاربته بشكل واضح على
أنها مقاربة أحادية البعد. انه لم يحاول توظيف أي نموذج تحليل جاهز في
عمله, بل اعتمد على افتراضات نظرية وتحاليل نقدية تمتح من خليط معقد من
الرؤى النقدية التي تطبع عصر ما بعد النظرية مؤكدا على أنه مدين لأعمال كل
من T.S.Eliot ,Michael Bakhtin ,Michel Foucault , Edward Said , Terry
Eaglton , Peter Hulme , Marry Louis Pratt , David Richard , sara Mills
Robert Young , Hayden white .
يقسم الناقد الثقافي المغربي جمال الدين بن حيون كتابه إلى
ثلاثة اجزاء. يؤكد في جزءه الأول والمعنون بظهور محكيات المغامرة والأسر
الانجليزية في القرنين 17 و18 لا يمكن دراسته بشكل ملائم من دون تفكيك
الافتراضات التي تحتفي ببعض النصوص على أنها نصوص معيارية (Canonical)
وتقصي البعض الآخر على أنها نصوص من الدرجة الثانية أو الثانوية. إن
إستراتيجيته التأويلية في القراءة تعمل في المنحى المعاكس تماما لهدا الطرح
بحيث يموقع النصوص على قدم وساق في نفس المستوى أو وجها لوجه , مؤكدا
تعريفه للكتابة على أنها ممارسة ثقافية وسياسية وتاريخية يتقاطع فيها
الزمان والمكان معا, إلا انه حاول دعم نظرية واحدة أساسية, وهي أن الكتابة
في القرنين 17 و18 كانت ظرفية بشكل بارز ومادية بشكل جلي, وبالتالي غير
محايدة تجاه القوى التي دعمت وحركت برنامج بريطانيا في الملاحة الكونية
والاستكشاف الجغرافي واستعمار الآخر.
يؤكد ابن حيون في هذا الصدد على أهمية مفهوم السياق
التاريخي بمعناه الفوكودي كمجال أركيولوجي حيث يمكن إبراز الروابط المتينة
بين المكونات التاريخية والتشكلات النصية :” يمكن موقعة النصوص داخل
سياقاتها من خلال التركيز على الروابط المادية والتاريخية الملازمة لها.
فليست السياقات هي ما ينتج النصوص فحسب، وإنما للنصوص أيضا القدرة على خلق
سياقاتها “[21].يبدو جليا من خلال هذا الطرح أن ابن حيون يرفض مفهوم النصية
في أبعاده البنيوية ، ليؤكد على أن النصوص تبقى فضاءات لتداول خطابات
وتشكلات ثقافية متناقضة و متباينة ، كما يؤكد على تلاقح الأجناس وتفاعلها
الدائم والمستمر، ليكسر بذلك خطية خطاب الناقد الأدبي التقليدي الذي ظل
متشبثا بسمو ذوقه ورفعته. إن البديل الذي يطرحه هو التعامل مع النصوص
كمواقع وسياقات مادية للصراع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وهي تنزاح
وتتحول عبر مسارات التاريخ المتناقضة. هذا الطرح البديل يتأسس على وحدة
النص والتاريخ كسيرورة متلازمة، مفككا بذلك النظرة البنيوية للتاريخ كعلم
قادر على صياغة المعرفة التاريخية بطريقة موضوعية و محايدة، مؤكدا على كون
التاريخ مجال لمعرفة سياسية تنهار فيها حدود الاختصاص وامتيازات المؤرخ
كعالم يمتلك أدوات المنهج العقلاني، مجال يسمح بصوت الناقد الأدبي والثقافي
لإنتاج معرفة تاريخية من خلال تفكيك العلاقات المتينة والمتشابكة للنصوص
على اختلاف أجناسها مع سياقاتها المادية والتاريخية، معرفة لا تقوم على
شعرية التاريخ كفلسفة تختزله إلى مجرد لعبة لغوية أو أسطورة مجازية ملازمة
للبنية السردية كفعل كتابة أو تمرين تمثيل[22]. التاريخ في نظر ابن حيون
يبقى متحررا من إكراهات أشكال وأنماط ومقولات الكتابة، إن قوته لا تخترق
أفعالا خطابية محصورة فحسب، بل تلازم المعرفة الإنسانية بجميع أشكالها.
يحاول ابن حيون استكشاف وإعادة تشكيل البدايات الأولى
لمحكيات الأسر والمغامرة الإنجليزية خلال القرنين 17 و 18 على المستويين
التاريخي والنصي كسيرورة مركبة وموحدة.يصر في هذا الصدد على أن سفينة
Christopher Columbus تشكل مؤشرا ماديا وتاريخيا على بداية المد
الإمبريالي الأوروبي عبر الأطلسي، ليخلص إلى أن السفينة الإنجليزية، مثل
سفينة Columbus، كانت أقوى الوسائل في تحقيق الكشوفات الجغرافية ودعم هيمنة
الغرب الثقافية في التاريخ الحديث ، فابتكارات السفن وانجازاتها عبر
الأطلسي هي البداية الأولى لظهور تقليد كتابات الأسرى والرحالة والمغامرين،
تقليد أصبح شكلا من أشكال الغزو و نمطا من أنماط الهيمنة .
يعتبر ابن حيون أن عمل العاصفة(The Tempest (لوليام شكسبير ( 1611 )
أرسى نموذجا ونمطا لأدب الغزو الذي تحول إل تقليد سردي خلال القرن 18 ،
وهو عمل يجد بدايته في تحطم سفينة The sea-venture التي كانت متوجهة من
Plymouth إلى Virginia سنة 1609 .بهذا المعنى تتحول السفينة من علامة
على المغامرة والإستكشاف إلى محفز على نمط عنيف من السرد يروم احتواء
الثقافات القصية ورسم جغرافيات وتواريخ كولونيالية جديدة تابعة كحواف لسلطة
المركز . في الفضاء النصي ل Oroonko or The Royal Slave ( 1688 ) تبدو
السفينة قوة هائلة تحدد علاقة النص الوطيدة بالإمبراطورية، و تتحكم في
مسار السرد، بل تبرز بداية لتاريخ استعباد وقهر Oroonko ، فإعدامه يبقى
في نهاية المطاف دليلا على حضوره وبروزه وضرورة تعويضه حتى تزدهر
الامبراطورية على أكتاف أمثاله.
Thomas Phelp’s A True Account مثل The Tempest ، Oroonko ، Robinson
Crusoe ، كنص منسي في الأرشيف الإنجليزي المعتمد، ، هو أيضا محكي إمبريالي
يحتفي بالمغامرة والغزو وينخرط عضويا في دعم مواقع الإمبراطورية
الإنجليزية لكنه يسمح بتحديد أصوات المقاومة. فشحنة الكراهية التي يعبر
عنها Thomas Phelps اتجاه المولى اسماعيل هي موقع نصي لإعادة رصد قوة سلطان
المغرب كتحد وتهديد للمشروع الكولونيالي الإنجليزي في شمال افريقيا ، أو
ما كان يعرف " ببلاد البرابرة ". باختصار، يبقى هدف ابن حيون في هذا الجزء
هو تحديد البدايات والتأكيد على الروابط بينها على المستويين التاريخي
والمادي والنصي الرمزي كسياق سردي واحد يتم فيه التفاوض حول المواقف
المتناقضة اتجاه النزعة الإستعمارية البريطانية.فمقاربة هذه النصوص كسياق
سردي يعني التأكيد على دلالا تها التاريخية والثقافية والسياسية ضدا على
القراءات " الكونية " والجمالية التي عادة ما قاربتها وصنفتها وقيمتها
بعيدا عن حمولاتها التاريخية. فسياق السرد هذا استجابة ونتيجة للتحولات
السياسية والإقتصادية والثقافية الملازمة لحركة النزعة الاستعمارية وهي
تعتمل وتمتد,تتفاعل و تتطور.
في الجزء الثاني و والمعنون بالهجانة والسلطة في محكيات
المغامرة والأسر الانجليزية في القرنين 17 و18 ينتقل بن حيون من الاهتمام
العام بالسياقات إلى التحليل العملي والفعلي لميكانيزمات وأنماط التمثل
العامة التي تحكم خطاب الأسر والمغامرة في القرنين 17 و18 . إن تدخله
النقدي ينحو إلى ترجمة خطاب الأسر والمغامرة وهو ينزاح بين حدود الحقيقة
والمتخيل, التاريخ والخيال, التجربة والتذكر, الهيمنة والمقاومة, الحكي
والحكي المضاد. كما يصر على أن محكيات الأسر والمغامرة هي محكيات هجينة على
المستوى الخطابي, لان الأسير يفشل في إيصال صوته كحوار داخلي يفصح فيه عن
معاناته واستبعاده واستعباده . فخطاب الألم لدىالأسير غالبا ما ينزاح
ليتشظى بشكل بارز فوق صخرة الاختلاف ليصبح خطابات متناقضة وجدلية غير قادرة
على احتواء وتبسيط الطابع المركب للفضاءات الثقافية والجغرافية المغربية.
إن تأويل ابن حيون لهذه النصوص المتباينة أجناسيا ومعياريا هو
محاولة لاستخدام المنهج الأركيولوجي الذي يروم تفكيك خطوط السرد والتنقيب
عن أنماط الورطة والمقاومة في تلك الخطية . السرد الكولونيالي ليس كما
يقول سعيد في كتابه الإستشراق، تمرينا استبداديا يكرس تفوق الغرب وحضوره،
بل فضاءا " مزدوج الصوت " حيث وقائع الهيمنة والغزو لا تخفي مطلقا أفعال
المعارضة والمقاومة[23]. في محكيات الاستكشاف والمغامرة، هناك كتابة لأكثر
من تاريخ، وتقديم لأكثر من رؤية، وتأسيس لأكثر من قوة. يصبح السرد إذن
مجالا للتوتر ، وحقلا لتواريخ متصادمة ورؤى متباينة ، وفضاءا لأشكال
متكررة من الهيمنة والمناوئة : السرد هو في نهاية المطاف سياق لبدايات
متلازمة وإمكانيات لا نهائية من تمثلات هجينة ومركبة.
يستعمل ابن حيون مفهوم الهجنة ( hybridity ) كإستراتيجية تأويلية
أو خطوة نحو التأويل لإضاءة المضمون التاريخي لسياق السرد الإمبريالي في
أساسه، لا في أثره فقط . ولتحديد مفهوم الهجنة ينطلق من موقع غير متوقع،
إنه مفهوم التنوع " variety "ل T.S Eliot مفهوما استعمله كأرضية لتفكيك
الأسس الجمالية والمعيارية التي ينطوي عليها. تبقى مساهمة Eliot في المجال
النقدي هو تعريفه للتراث كنظام نصي وثقافي يمارس قيوده على الموهبة الفردية
ويخضع لقدرتها على إعادة ترتيبه. تكمن محدودية هذه النظرة في تعاملها مع
النصوص وكأنها كيانات لغوية لا تنتمي إلى العالم، أي فضاءات نصية ومثالية
فوق التاريخ،إلا أن مفهوم التنوع يحيل على الهجنة كتكثيف لإزاحة النصوص
وإعادة ترتيبها جماليا من خلال التفاعل مع الموهبة الفردية[24]. ما يرفضه
بن حيون في هذا المفهوم هو مركزية بعض النصوص كنصوص معتمدة تشكل قاعدة
القياس الفني والجمالي لأهمية الموهبة الفردية، مما يتيح إمكانية الهجنة
كشكل لا يسمح ببروز عناصر النفي والتناقض والإبدال داخل نسقية التراث
المنسجمة المفصولة عن سياقاتها التاريخية والإجتماعية.
تكمن أهمية مفهوم الهجنة لدىMichael Bhaktin في امكانية استعادة
الصوت المزدوج في الخطاب كنتيجة حتمية للسيرورة الاجتماعية والتاريخية
المتناقضة الملازمة للغة، لكن يبقى المفهوم حبيس مركزية الكلمة التي تشرعن
صوتا مهيمنا على حساب هامشية صوت مناوئ عبر اللغة، لتبقى في نهاية المطاف
مقولة الهجنة الخطابية مندغمة في تكريسها لهرمية الصوت المهيمن في علاقته
بالصوت المناوئ داخل اللغة وهي تتحول داخل المجتمع. بعد رصد محدودية ما
يسميه باختين بالهجنة الخطابية، يجد مفهوم السلطة الخطابية لدى فوكو ملائما
لنظرته لأنه يحطم هرمية المهيمن أوالمتمركز و الهاشمي او المقاوم .
تكمن سلطة الخطاب في قدرته على الإحتفاض بصوتين وتحرره الدائم من
ادعاءات الذات والآخر المقاوم لها . لذلك فالخطاب لا يدو ر حول الحقيقة،
ولا حول الإيديولوجية. إنه يدور دائما حول تحول القوة من حقل سردي إلى
آخرا من موقف إلى آخرا ومن سياق إلى آخر.[25]
خلافا لباختين الذي يعرف الخطاب على المستوى الميتالغوي كفعل
اجتماعي يعيد التعبير عن اللغة و تقسيماتها، ينحى Michel Foucauld إلى
إبراز قوة الخطاب ليس فقط من خلال اغتراب الذوات وهي تعبر عن نفسها، بل من
خلال الإحالة على ديناميات القوة التي من خلالها يبرز الخطاب ويكتسب قوة
وجوده وانتشاره. يدل الخطاب إذن في معناه الفوكودي على نسق علاقات القوة
حيث الممنوع والمرخص له، المرفوض والمقبول القائم والمفترض في الفضاءات
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية تتفاعل بشكل جدلي في سيرورة
متحولة و متوترة باستمرار[26].
يتميز الخطاب إذن بكونه فضاءا مأزقيا يتسم بالمعنى المزدوج
للملفوض ، كحكي وحكي مضاد، ككلام وصمت، كتأكيد ونفي، كحضور وغياب ، فخطاب
الأسر الإنجليزي حول المغرب يبقى نموذجا لهذه المأزقية:
عندما يحكي الأسير معاناته إلى العالم، كما هو الحال بالنسبة ل
Phelps ، فإنه يفشل في الحفاظ على صوت الألم والإستعباد الذي يتمناه من
خلال حكي قصة المعاناة هاته. يتحول المحكي إلى ضياع أو خسا رة صوته –
خسارة صوت الأسير داخل صمت السياق الذي يحاول بناءه ونقله. فبدل التركيز
والوضوح، يظل خطاب الأسير طريقه ويخرج عن سكته لينقسم فوق صخرةالإختلاف
إلى خطابات متعددة تبدو وكأنها غير ق
الخميس يونيو 10, 2010 10:43 am من طرف هشام مزيان