حوار خاص مع الممثل الخاص للأمين العام بشأن العنف ضد الأطفال
Share on email أرسل إلى صديق اطبع الصفحة شارك على الفيس بوك في حوار خاص لنشرة أصداء مجداف مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال:
السيدة مارتا سانتوس: الربيع العربي أتاح الفرصة لمراجعة التشريعات
وصياغة دساتير جديدة، ونأمل أن تظل اتفاقية حقوق الطفل مرجعاً رئيسياً
تقديراً لجهودها المبذولة في مجال كسب التأييد والمناصرة لمناهضة العنف ضد الأطفال، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2012 قراراً بتمديد منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال للسنوات الثلاث القادمة، الذي تشغله السيدة مارتا سانتوس بايس منذ شهر مايو 2009. وفي إطار سعيها لمناهضة العنف ضد الأطفال في جميع أنحاء العالم، تحرص السيدة مارتا على المشاركة في الفعاليات ذات الصلة بحقوق الطفل ومناهضة العنف ضد الأطفال التي يتم عقدها في المنطقة العربية، فعلى سبيل المثال نجد أنها شاركت من قبل في لقاءات منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة، واجتماعات لجنة الطفولة العربية ولجنة وقف العنف ضد الأطفال، وأثناء وجودها في القاهرة مؤخراً للمشاركة في فعاليات الدورة الثامنة عشرة للجنة الطفولة العربية والاجتماع التاسع لجنة وقف العنف ضد الأطفال بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، انفردت نشرة أصداء مجداف بإجراء هذا الحوار معها حول وضع الأطفال في ظل الربيع العربي ومخاوف تراجع حقوق الطفل في المنطقة العربية، إضافة إلى رؤيتها للتقرير العربي المقارن لمدى إعمال تنفيذ توصيات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال الذي صدر عن جامعة الدول العربية وتم إطلاقه بمقر الأمم المتحدة في نيويورك.
حوار وترجمة: مروة هاشم
كيف ترين وضع الأطفال حاليا في ظل الربيع العربي؟ في جميع أنحاء العالم، تم النظر إلى العملية المرتبطة بالتغيير السياسي والاجتماعي، الذي يحدث حاليا في المنطقة العربية، بقدر كبير من الأمل والتطلعات. والواقع أن هذه العملية ترتبط بالشباب إلى حد بعيد؛ فهي تعبر عن تطلعاتهم للقيام بأدوار أكثر فاعلية في مجتمعاتهم والحصول على المزيد من الفرص وتحسين مستوىات حياتهم، فضلاً عن المساهمة في تعزيز التقدم الاجتماعي، وهذا أمر مشجع بحق. وحينما نفكر في حقوق الأطفال، التي يجب أن تتوافر لهم فرص الحصول عليها حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة من العمر، وفقاً لتعريف الطفل المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، فإننا نجد أن عملية التغيير التي تحدث حاليا، تخلق الفرص للأطفال للحصول على تعليم أفضل، وخدمات صحية أفضل، كما تجعلهم مستعدين في مراحلهم العمرية المبكرة للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم بشكل مباشر، وعلى وجه الخصوص إدراك أفضل الطرق للوقاية من العنف في المواقع المختلفة، مثل المدرسة والعنف الممارس من قبل الأقران أو العنف الجنسي وكذلك أيضا إدراك كيفية الوقاية من مخاطر الوقوع كضحايا للعنف أثناء التعامل على شبكة الانترنت أو أثناء استخدام التليفونات المحمولة، سعياً إلى تجنب أن يكون العنف جزءاً من حياة الأطفال. يساعد الوضع الحالي للتغيير على إيجاد الفرص للأطفال واليافعين لمعرفة المؤسسات التي يمكن اللجوء إليها لطلب المساعدة في حالة التعرض للعنف، سواء كانت مستشفى أو مجلس وطني معني بشئون الأطفال قادر على توجيههم ومساعدتهم للتخلص من آثار الصدمات الناتجة عن تعرضهم للعنف وإعادة تأهيلهم في المجتمع حتى لا نفقد رأس المال البشري للأطفال واليافعين، ومن ثم يرتبط الربيع العربي بتحركات الشباب واليافعين هذا من ناحية، وهناك ناحية أخرى بالغة الأهمية تتمثل في أن الربيع العربي أتاح الفرصة في العديد من البلدان في المنطقة لمراجعة التشريعات وصياغة دساتير جديدة، ونأمل بشدة أن يتم تطوير تلك الدساتير الجديدة مع الاحتفاظ بحقوق الطفل ومصلحته الفضلى كموضع اهتمام، بحيث تعترف تلك الدساتير بشكل واضح بحق جميع الأطفال في الحصول على حقوقهم كافة، وعدم التعرض للتمييز، وإتاحة الفرصة لمشاركتهم في اتخاذ القرارات المؤثرة في حياتهم، وعدم التعرض لأي شكل من أشكال العنف، تماماً كما حدث في الأجزاء الأخرى من العالم، ولذا نأمل أن تعزز حركة الديمقراطية في المنطقة العربية دمج حقوق الطفل وحمايته من العنف في الدساتير.
هل تشعرين بالقلق من بعض المخاوف تجاه تراجع حقوق الطفل في دول الربيع العربي نتيجة تصاعد التيارات الإسلامية إلى الحكم؟
هناك بعض الآراء التي ترى أن تطوير دساتير جديدة، وتكوين مجتمعات جديدة للجميع، قد يؤدى إلى المخاطرة بحقوق الطفل، وبالفعل نشعر بالقلق الشديد عندما نسمع عن مناقشات تدعو إلى تخفيض سن زواج الفتيات على سبيل المثال أو قبول ممارسات مثل ختان الإناث، وذلك لأن هناك تقدم مهم تحقق بالفعل في مجال حقوق الطفل في الكثير من المجتمعات بالمنطقة العربية بمشاركة ودعم من القادة ورجال الدين والنشطاء المحليين والمفكرين والأطباء والمحامين وغيرهم من المعنيين، حيث كانت العملية تسير في اتجاه مختلف في تلك المجالات، بيد أنني على ثقة كاملة في أن كفالة حقوق الطفل في الدساتير ومراجعة التشريعات لن يجعل الحقوق المعترف بها دوليا والمدرجة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل تدخل في مرحلة الخطر، خاصة وأنها قد دخلت حيز التنفيذ والتطبيق في جميع دول المنطقة، ولذلك نأمل أن تظل تلك الاتفاقية مرجعاً رئيسياً للدساتير والتشريعات.
هل توجد مخاطر أخرى من وجهة نظرك؟
أرى أن هناك مخاطرة أخرى تتمثل في وجود الكثير من الأولويات المهمة مثل التوجه نحو بناء اقتصاد قوي وتطبيق برامج تعزز الدمج الاجتماعي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إغفال حقوق الطفل كأولوية، ووضع الأطفال في المرتبة الثانية، حيث يتم التعامل مع قضاياهم بعد مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، من دون الآخذ في الاعتبار أن الاستثمار في الأطفال يُعد في الواقع إحدى الطرق لحل كل المشكلات الأخرى، وعلى وجه التحديد بناء جيل قادر على التمتع بكل حقوقه الأساسية والحماية من قبل مؤسسات قوية، الأمر الذي سيجعل هذا الجيل يشعر بالثقة في مساهمته في تنمية مجتمعه وتطويره، ومن ثم فإن الأطفال جزء أساسي من هذه العملية ولابد أن يستمرون على هذا النحو.
كيف نفرق بين حق الطفل في التعبير عن رآيه وبين استغلال الأطفال في المظاهرات؟
لاشك في أن تلك الحقوق ليست مجردة، وإنما توجد بعض الإطارات التي يجب الآخذ بها في الاعتبار، ويقوم المبدأ الرئيسي على حق الأطفال في الحصول على المعلومات، ويجب منحهم الفرص الكاملة للتعبير عن وجهات نظرهم التي تكون مناسبة في بعض الأحيان ويجب تنفيذها، وفي أحيان أخرى قد لا يستلزم بالضرورة تطبيقها، ولكن هناك حتمية في توفير المساحة اللازمة للأطفال للتعبير عن وجهات نظرهم من دون قيود. وتعد المشاركة في المظاهرات حق آخر أصيل، حيث إنها شكل للتعبير عن مؤازرة أو انتقاد لشئون تتعلق بالصالح العام، وهو حق مكفول للجميع، غير أنه في بعض الأحيان تحدث إشكالية نتيجة استخدام الأطفال كأداة من قبل بعض المجموعات للتعبير عن أراء ووجهات نظر قد تتجاوز أحيانا مراحل النضج لدى الأطفال بما يمكنهم من تقييم ما إذا كانت تلك الآراء ووجهات النظر في مصلحتهم أم لا، كما أن مشاركة الأطفال في المظاهرات ربما تعرضهم للخطر، مثل التعرض إلى عنف من قبل السلطات أو مجموعات أخرى معارضة لتلك التظاهرات، ويترك ذلك أثاراً سلبية لدى الأطفال واليافعين الذين سوف يتولد بداخلهم خوف من التعبير عن وجهات نظرهم في المرحلة العمرية التالية، نتيجة الخوف الدائم من حدوث أشياء سيئة، وللأسف نرى في بعض الدول في جميع أنحاء العالم، أن الأطفال حاليا يتعرضون إلى القتل والإصابات ويعانون من عواقب صدمات يستغرق الشفاء منها سنوات عدة، وفي الوقت نفسه لا يجدون الدعم الكافي للتخلص من تلك الصدمات، ومن ثم يحب الآخذ في الاعتبار دائماً بهذه الإشكالية حيث نحتاج إلى تحقيق التوازن ما بين التعبير عن وجهات النظر بحرية كاملة وفي الوقت ذاته عدم استخدام الأطفال كأداة، وتجنب وجودهم في مكان قد يتعرضون فيه إلى العنف نتيجة التعبير عن وجهات نظرهم.
ما رأيكِم في إصدار جامعة الدول العربية للتقرير العربي المقارن لمدى إعمال توصيات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال؟
يُعد هذا التقرير مبادرة بالغة الأهمية لعدة أسباب منها أنه يقدم جميع التدابير المختلفة التي اتخذتها عشرون دولة في المنطقة العربية لضمان تنفيذ توصيات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال، فهو يسمح بالتعرف على التشريعات الجديدة والمؤسسات التي تم استحداثها والخطط التنفيذية التي تم تطويرها وحملات التوعية التي تم إطلاقها لرفع الوعي، وهو ما يعد من الأمور المهمة خاصة وأنه قد تم توضيحها وتجميعها في تقرير واحد حول دول مختلفة، وفي الوقت نفسه يتيح التقرير التأمل والتفكير في مدى جودة وملائمة تلك التدابير التي تم اتخاذها، ويبرز أيضا الفجوات التي تحتاج إلى التعامل معها والشئون الجديدة التي تحتاج إلى المواجهة.
ما رأيكم في التوصيات التي ينتهي بها هذا التقرير؟ تقدم خاتمة التقرير مجموعة مهمة من التوصيات العملية الموجهة التي تقدم رؤية مستقبلية، ومن ثم لا يكتفى التقرير بالنظر إلى ما تم تنفيذه في فترة سابقة وإنما يقدم رؤية للمضى قدماً، وتظل التوصيات التي يطرحها هذا التقرير مرجعاً قيماً للحكومات للإسراع في التقدم في مجال حماية الأطفال من العنف، وعليه يُعد هذا التقرير خطوة مهمة جداً بالنسبة للمنطقة العربية، ولذلك أيضا يسعدني اتجاه الدول العربية لتحديث هذا التقرير في المرحلة القادمة لإدراج التغيرات التي حدثت منذ إعداد التقرير في عام 2010 وحتى يومنا هذا؛ للخروج بأفضل الطرق للتحرك في المنطقة لحماية الأطفال من العنف، خاصة في ظل التغيرات المصاحبة للربيع العربي وما يحدث حاليا من إعادة كتابة الدساتير والمخاطر التي قد تواجه قضايا حقوق الطفل. بالإضافة إلى ذلك كان هذا التقرير أول تقرير إقليمي يتم إعداده لتقييم مدى إعمال تنفيذ توصيات الدراسة الأممية بشأن العنف ضد الأطفال، وبعد الانتهاء من التقرير وإطلاقه، أصبح نموذجاً يُحتذى به، ومصدراً مُلهماً للأقاليم الأخرى في العالم لإصدار تقارير مماثلة مثل أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، ويُعد هذا الأمر بالغ الأهمية؛ حيث يسمح لنا بمقارنة التدابير المتخذة وتحديد أوجه التشابه والاختلاف، كما كان من الأمور الأساسية التي اعتمدت عليها في المسح العالمي الذي أجريته العام الماضي حول العنف ضد الأطفال، وحاليا أقوم بإعداد دراسة تستعرض النتائح الرئيسية، وكان التقرير العربي أحد المصادر المهمة التي اعتمدت عليها للحصول على المعلومات حول الدول العربية، ولذا أرى أنه مساهمة رائعة في برنامج عملنا.
ما أبرز الأشياء التي استوقفتكم أثناء قراءة التقرير العربي المقارن؟ أعتقد أن التقرير يقدم تقييم نقدي ذاتي للتدابير الفعالة التي أحدثت نتائج في المنطقة والأخرى التي لم تحقق ذات النتائج، فعلى سبيل المثال يعترف التقرير بوجود الكثير من خطط العمل في العديد من الدول العربية، غير أنها لا تغطي بالضرورة كل أنواع العنف الممارس ضد الأطفال، كما أنها ليست مكوناً جوهريا للأجندة السياسية في كل الدول، حيث توجد تلك الخطط بالتوازي مع استراتيجيات مكافحة الفقر أو خطط مواجهة الاتجار بالبشر أو الإساءة الجنسية، من دون أن تجتمع معا في إطار متكامل، ومن ثم تكون النتيجة أن تظل قضايا الأطفال متفرقة عبر الأقسام الحكومية المختلفة بدلا من الاستفادة من الموارد الضرورية، ويتسبب ذلك أيضا في إغفال بعض فئات الأطفال مثل الأطفال المُهجرين والأطفال ذوي الإعاقة وأطفال الشوارع، ويتم حرمان هذه الفئات من الحصول على الرعاية الملائمة، من وجهة نظري أرى أن مثل هذه الاستخلاصات والنتائج وإقرارنا بأننا نحتاج إلى نهج متكامل لحماية الطفل ككل، وجميع الأطفال في أعمارهم كافة أينما كانوا، يُعد محوراً جوهريا للعمل المستقبلي، والواقع أنه سيظل الأولوية الأولى للمنطقة والعالم ككل، ولكن إذا لم يتم وضع الأطفال في محور الأجندة الوطنية لكل دولة، والتعامل مع قضاياهم داخل الدولة من قبل البرلمان ووزارة المالية ورئاسة الوزراء أو الوزارة المعنية بالتخطيط، فستظل قضاياهم مجرد قضايا ثانوية في مناقشات قضايا الشأن العام، وفي الجدالات السياسية للحكومة، ومن ثم سيظل الأطفال دائماً في المرتبة الثانية، وهو أمر ليس كافياً بالطبع، ولذا أرى أن ذلك الاحتمال من الأمور المهمة والمحفزة بالفعل للدفع بقضايا الأطفال إلى مقدمة الأولويات.
توضح مشاركتكم المتكررة لعدد من الفعاليات في الدول العربية ومنها اجتماعات لجنة وقف العنف ضد الأطفال بجامعة الدول العربية، مدى اهتمامكم بمتابعة المستجدات التي تحدث في المنطقة العربية فيما يتعلق بقضايا الطفولة بشكل عام، ومناهضة العنف ضد الأطفال بشكل خاص، من خلال هذه المتابعات ما أبرز الأولويات التي تحتاج إليها المنطقة العربية في المرحلة القادمة؟
أعتقد أن هناك حاجة لأن تستمر لجنة وقف العنف ضد الأطفال في عملها بصورة منتظمة، بحيث تقوم بمراجعة التقدم المحرز ومناقشة المستجدات، والأهم من ذلك إعادة تأكيد التزام الحكومات ببذل المزيد من العمل، على المستوى الفردي وبصورة جماعية، لمواجهة القضايا ذات الاهتمام المشترك، فعلى سبيل المثال عندما نرى تدفق الأطفال اللاجئين في دول أخرى بحثاً عن الاستقرار أو بسبب النزاعات، أعتقد أن التوحد والتضامن في هذه الحالة يكون من الأشياء الرئيسية، ولذلك تلعب هذه اللجنة دوراً مهما، غير أن معالجة الأمور لا يمكن أن تتم على مستوى هذه اللجنة فحسب، وإنما تتطلب أن تكون قضايا الطفولة ضمن أولويات القرارات المهمة التي يتخذها رؤساء الدول ورؤساء الحكومات، ولذلك يتمثل التحدى من وجهة نظري في وضع قضايا الأطفال وحمايتهم من العنف في مكانة متقدمة والنظر إليها دائما كأولوية، وللأسف ينتشر العنف في جميع أنحاء العالم، مثلما هو الحال في المنطقة العربية سواء في المدارس أو الأسر أو الشوارع، إضافة إلى العنف في مناطق المظاهرات والعنف الذي يحدث نتيجة المواجهات بين الجماعات المعارضة والقوات الحكومية كما نرى في بعض الأماكن في المنطقة، ويتطلب مثل هذا العنف أن تكون حماية الأطفال من العنف الأولوية الأولى للجميع على مستوى الأسر والمؤسسات وأعضاء الحكومة والبرلمان، فلا يجب أن نغفل أبداً أن معاناة الطفل سينتج عنها معاناة للمجتمع ككل، وهو ما يمثل تحدى بالفعل.
وما الفرص الممكنة للخروج من مثل هذا التحدى؟أعتقد أن الفرص تكمن في الأشياء التي ذكرناها مثل مراجعة الدساتير والمناقشات الداعية لإنشاء مؤسسات جديدة على سبيل المثال أمين مظالم خاص للأطفال، والمناقشات التي تؤكد على أهمية توفير المعلومات الجيدة لإدراك مدى تأثير العنف على الأطفال، وتحديد أنواع العنف الأكثر تأثيراً بالنسبة لهم والأماكن التي يكون فيها الأطفال أكثر عرضة للعنف، سوف تساعد مثل هذه الأشياء الدول على المضى قدما في مناهضة العنف ضد الأطفال، والتأثير في عمليات التنمية في المناطق الأخرى من العالم.
بعد مرور ثلاث سنوات منذ توليكم منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال، ما أبرز الأشياء التي حققتيها على المستوى الدولي؟
أرى أن رفع الوعي بقضية العنف ضد الأطفال وإثارة الجدل حول هذه القضية في كل بلدان العالم حاليا، يُعد من أبرز الأشياء التي تحققت بالتعاون والشراكة والتضامن مع العديد من الشركاء، ولا يعد ذلك مجهوداً فردياً وإنما يجسد ثمرة تكاتف الجهود بين الحكومات والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني والأطفال والأكاديميين ورجال الدين، وهذا التكاتف والتضامن يعتبر إنجازا في حد ذاته، حيث نتكاتف معا في هذه المسيرة، فالأمر ليس مجرد شخص يحاول بمفرده الدفع بأجندة خاصة، وبناء على ذلك لا توجد محاولة لانكار أهمية العنف والحاجة الملحة للتصدى له، وهذا أهم شيء تحقق بالفعل حتى الأن. كما أرى أن هناك شيء آخر مهم قد تحقق في كل أقاليم العالم؛ حيث أصبحت قضية العنف ضد الأطفال حاليا جزءاً من أجندة عمل المنظمات الإقليمية والمؤسسات مثل جامعة الدول العربية في المنطقة العربية، والمجلس الأوروبي والاتحاد الأوربي والحكومات في آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من الهيئات المعنية الأخرى في جميع أنحاء العالم، ويتوافر اهتمام بوضع قضية العنف ضد الأطفال كأولوية وإصدار تقارير وطنية، وهو ما يعني أن هذه القضية ستظل ضمن الأجندة، وسيتم وضعها في الاعتبار عند مراجعة القوانين والميزانيات والمؤسسات، ومن ثم يستمر الاهتمام بالقضية حتى إذا لم يستمر وجود منصب للممثل الخاص للأمين العام بشأن العنف ضد الأطفال.
تقديراً لجهودكم المبذولة في مناهضة العنف ضد الأطفال، جرى في نوفمبر 2012 تجديد فترة منصبكم للسنوات الثلاث القادمة، ما الأولويات التي تتطلعين إلى تحقيقها خلال فترة منصبكم الجديدة؟
بالنسبة للمرحلة القادمة، أرى أننا نحتاج إلى تعزيز ما تم تحقيقه حتى الآن والحفاظ عليه، للأسف هناك حاجة إلى بذل جهود مستمرة لتغيير المفاهيم العقلية الراسخة في الكثير من المجتمعات التي ترى في بعض أشكال العنف ضد الأطفال وسيلة جيدة للتعليم والتأديب تستهدف مصلحة الطفل وتصحيح أخطائه، فعلى سبيل المثال نحتاج إلى تغيير نظرة بعض المهنيين إلى الأطفال ذوي الإعاقة، الذين يعارضون هذه الفئة من الأطفال في المدارس العادية، أو من يغفلون منح هؤلاء الأطفال الأولوية في المستشفيات وتعريضهم إلى الإيذاء أو التحرش الجنسي الذي يكون غير مرئي في كثير من الأحيان، نحتاج إلى الكشف عن القضايا الشائكة والحساسة المسكوت عنها لأشكال العنف الممارس ضد الطفلة. وأعتقد أن هناك شيء آخر قد تعلمناه في السنوات السابقة يتمثل في أن التصدى للعنف ضد الأطفال لا يعني أبداً تطبيق سياسة واحدة لكل الأطفال في الوقت ذاته، لدينا فئات مختلفة من الأطفال ويتطلب العمل معهم تدخلات مختلفة، علينا في السنوات الأولى من عمر الأطفال أن نقوم بدعم الأباء والأسر للعناية بأطفالهم والوقاية من العنف لتفادى إصابة الأطفال بأي صدمات قد تترك آثارها على عقولهم وتستمر إلى الأبد، وعلينا اتباع استراتيجيات مختلفة وفقا لفئات الأطفال مثل أطفال الشوارع والأطفال ذوي الإعاقة، وبالطبع تتطلب كل هذه الأشياء بذل المزيد من الجهود من قبل كافة الأطراف والشركاء حتى لا يدخل الأطفال في معاناة تؤدي إلى حدوث معاناة في المجتمعات ونرى المزيد من الصراعات في الشوارع والحكومات والأسر، وهو ما لا نرغب في حدوثه بالطبع.