يوميات القراءة.. وفن تطوير الهامش
كان المتأدّب عندنا، إذا أراد الظهور او اعجاب الناس، يفكر ان يصبح شاعراً. فتلك الميزة الخطابية من المنابر، تمنحه "رئاسة" مؤقتة او "تفوّقاً" او تجعله "المتكلم" لا المستمع! نفسياً، في هذا تعويض عن "خضوع" او "دنوّ" او "مأمورية". فهو، على منبر، يقلب المعادلة، ولو بالالفاظ، ومن ميكرفون.
وحين صار الاديب يكسب احتراماً وحضوراً ثقافياً، توجهت اعداد من القرّاء إلى الكتابة الأدبية يستثمرون قراءاتهم. وهذه الظاهرة الايجابية، عموماً اتسّمت بتوزّع هؤلاء على الشعر والقصة والمقالة واحيانا، ولمزيد من الاعتبار، يجمع واحدهم الاثنين. او الثلاثة فنون. قليل جداً من يكتبون للمسرح، قليل جدا من يكتبون يوميات او سِيَراً.
ولكن حين ضاق "السوق" بـ "كتّاب" الشعر، وكتّاب القصة، حاول آخرون أن يجدوا بغيتهم، أو يجدوا أنفسهم، في إجراء اللقاءات او التحقيقات الصحفية او كتابة خواطر ومشاهدات. الكتابة في الحقول الأخيرة أزاحت البوابة الثقيلة لرؤية آفاق أُخرى للكتابة.
ثمة مجالات أُخرى للكتابة ما تزال بعيدة عنا، أو انها لم تُمَسّ كثيراً. نبهني إلى هذه كتاب "يوميات القراءة" لالبرتو مانغويل، الأمريكي كندي الأصل، بترجمة الاستاذ عباس المفرجي. فقد أثار الكاتب ما يمكن ان نسميه بكتابة الهوامش. الهوامش هنا لا تعني الـ Footnotes ، والتي هي التنبيه إلى المرجع او إلى معنى الكلمة او إلى معلومة تخص الجملة، في آخر الصفحة وعادة ما تكون بحرف اصغر حجماً. المقصود بها هنا الهوامش التعقيبية الشبيهة بتلك التي كانت تُكْتَب على جوانب المتن، في التأليف القديمة والملاحظات التي يدونها قارئ الكتاب عما يقرأ واليوميات التي يدونها الطبيب في دقائق فراغه عن المرضى أو الأدوية أو أعراض ما بعد الجراحة أو ما يواجهه في الحياة والمهنة للمراجعة وغالباً للذكرى. لكنها هنا تكتب او تطبع كجزء اساس من النص، وليست ثانوية أو تكميلية كما سبق.
أهمية هذه الملاحظات او الهوامش بصيغتها الجديدة، انها مفيدة لتوثيق ما يحيط بالفكرة الأساس او الحدث الرئيس، وكشف بعض من تفاصيل العالم الحي الذي يوجد فيه الحدث او الشخصية او الكتابة نفسها، مثلما ترينا ما يحدث وما يتوارد في زمن الكتابة. هي في الحقيقة مكمّلات قراءة ومكمّلات نص!
وفي قراءتنا لبعض الهوامش والملحوظات في أواخر الكتب، قد نجد وثائق وكشوفات عن الحياة المزامنة لتلك الكتابة مما يفيدنا في فهم النص كما يفيدنا في حقول معرفية أُخرى. بل أتجاوز هذا فأقول اني تمتعت ببعض هذه الكتابات الجانبية، المتداخلة هنا مع النص، أو التي صارت بعضا من تكوين النص، أكثر من أساسيات الكتاب وفي أمور كنت غافلا أو منشغلاً عنها.
مثل هذا ما نشعر به حين نقرأ صفحة من جريدة صدرت قبل خمسين او ستين سنة. الأخبار الصغيرة والأحداث وأسماء الأفلام والإعلانات والخطابات لها نكهة أُخرى مثلما لها فائدتها العلمية في حقول الفن والتاريخ والصحافة والاجتماع وتاريخ الأدب.
"يوميات القراءة" التي التفت إليها بذكاء وترجمها الأستاذ عباس المفرجي، تقدم شاهداً جديداً على أهمية هذا النمط من الكتابة وحجم المتعة في كتابته وفي قراءته. مثلما هو يقدم أنموذجاً في التأليف لأدبائنا، لزحزحة بعضهم عن كتابة القصص والأشعار التي لم يثبت أن كتابتها تمنحهم مجداً أو زهواً. هي في الحقيقة كتابة مبهجة ومهمة للجميع. كما أن هذا النمط من الكتابات الغنية بالمقتبسات والمشاهدات والتجارب الشخصية يقرؤها الموظف ورئيس الدولة. يقرؤها الشاعر والفنان والجنرال والروائي والمسرحي والسينمائي مثلما يقرؤها الصحفي، رجالا ونساء، شبابا ومتقاعدين. هي كتابة تخص الجميع وتمنح كلا حصة. هذا ينال متعة وذاك معلومة وهذا إحساساً بجمال مضى وذلك، مثلي الآن، موضوعاً للكتابة! بالنسبة للكاتب، المؤلف، استطاع بمهارة وحرفية ان يتلافى ما فاته بأن يجد له فسحة في يومياته. كما عجّل في الإجابة عما قد يرد من اعتراضات فتبناها هو وادخلها في الكتابة. وبهذا الفعل استطاع أيضاً ربط القارئ بخلفيات معرفية وحياتيه. في هذا العمل، وظّف الملاحظة، والذكرى، وقراءة الخبر والمشهد التلفزيوني والشواهد المستقاة من قراءاته ليقدم نسيجا خيوطه الرئيسة عشر كتب، هي روايات تسع وكتاب يوميات واحد.
والآن اسأل: كم وظفنا مما شهدناه من وقائع وأحداث، ومفارقات، وإيحاءات عن نهب الكويت، ثم نهب العراق؟ وقبلها من أحداث ومشاهد طبيعية وتصرفات الناس منتصرين او مهزومين في الحرب العراقية – الإيرانية؟ سيظل الكثير من هذه ومن تلك وضمنها البيانات ومانشيتات الصحف، مغيّبة فضلا عما كان يجري وراء الكواليس وبين القادة والجنرالات.. نعم، قد تأتي على بعض منها يوميات او مذكرات أحد الساسة او احد الخدم في القصور.. ولكن ما هو اكيد، ان الكثير منها سيضيع. وحتى بالنسبة للأوساط الثقافية فنحن لا نعرف بشكل واف ما كان يتحدث به المثقفون في خلواتهم، وان شهدنا السلوك الريائي والتظاهر بالتأييد والكتابات التي- لسبب او آخر لا يريدها أصحابها ان تكون وثائق فقد كانت الازدواجية في السلوك والحياة صفة تكاد تكون عامة، خوفا أو طمعاً أو ضحالة فكر أو عقائديات تفتقد حداثة الثقافة والرؤية في كتاب. كان يمكن استعادة ما أمكن من تلك الأحداث والمشاهد والتصريحات وبثّها خلال موضوع آخر جديد، لو تيسر كاتب مثل مؤلف هذا الكتاب.
الكتاب الذي بين يدي الآن ينبهني إلى مسألة أُخرى، هي فضيلة الإيجاز في دسّ المعلومة أو المشهد أو الذكرى. إن فصلاً في كتاب تقليدي قد يعجز عما تكشفه جملة أو بضعة أسطر. ذلك لأنها ابتعدت عن الرتابة واكتسبت طاقة فعل جديدة في جو ملائم أكثر.
في الصفحة 13 من الكتاب يقول الكاتب، وهو يصف جزيرة أرجنتينية: "يمكنني الاختيار بين شابلن ومانديلا. احدهما ترك علبة شي غيفارا فارغة في صحن السجائر.." ويقول: "بعد مغادرتي المقهى سرت بمحاذاة محل لبيع المعكرونة الطازجة، يدعى "لاسونال ميولا" أي "السائر في نومه" ورأيت واجهة احد المحلات، لبيع الملابس، فارغة. و ... قرب صيدلية تقف امرأة وفي يدها وصفة طبية تسأل الناس الذين يدخلون إلى الصيدلية أن يشتروا لها الدواء لأنها لا تملك نقوداً ..."
في هذا الموجز من اليومية ثلاث صور أو ثلاثة مراصد كاشفة:
1- اسم المقهى "السائر في نومه" وفي هذه التسمية إشارة إلى واقع الناس المتسكعين والمأزومين. إشارة إلى ما هو غير طبيعي في حياة الناس.
2- في صحن يقصد منفضة السجائر، علبة فارغة. ولهذا دلالة اجتماعية مثلما هو لوحة حزن او قصيدة.
3- امرأة تحمل وصفة طبية في باب الصيدلية لها مريض وليس لها نقود. فهي بانتظار من يشتري لها الدواء – بانتظار عون!
وهكذا ترون كيف ان كتابه ليس بحثاً ولا نصاً إبداعياً تقليدياً ولا استبياناً، حملت جملة إشارات لذلك الزمن وناسه.
يذكرنا هذا الكتاب برواية جيمس ايفوري "سيرة ذاتية لأمير"، فيتحدث عن تلك الشخصية التي تقضي أيامها تراقب كيف يحيا الماضي على الشاشة.." هذا الكلام يؤكد ما قلناه عن حاجتنا لمعرفة ما كان حول الحدث وكيف كان الناس والطبيعة ومخازن تلك الأيام والمقاهي وهموم الناس او أفراحهم. انها بعض من مكملات معرفتنا عن الماضي الذي اختفى في غيابة الزمن اللانهائية. عمل عظيم ذلك الذي يجتذب، ينقذ بعضاً منه! بعض أصدقائي في بعقوبة يذكرونني دائما بقصيدتي "طريق بهرز" لا لأنها قصيدة متفوقة بين اشعاري ولكن لأن بهرز وطريقها قد تغيرتا. طريق بهرز الذي تحدثت عنه، في الخمسينيات كان شريطا أسود يتلوى باتجاه القرية، الأرض الزراعية الشاسعة إلى جانبه الأيسر يفصلها عن الطريق "خريسان" ذلك الجدول الذي يمر حيّيا إلى القرى. وإلى اليمين ذلك الفراغ المريب الذي يليه مرقد أبي ادريس والقبور.. هذه الصورة اختفت ونهضت العمارات والبيوت، والقرية صارة ناحية أو قضاء وبقي المرقد صامتاً يحمل الذكرى ..
أعجبتني هنا كلمة مهمة وردت بهذا الصدد، هي أن الكاتب دخل في نقاش مع "سان برسكي" عن الخلود " وحسب رأيه، على الضد من مخاوف أهل "ديستوبيا" غير الفاضلة، يقول : ان التقدم العلمي، إن لم يوفر لنا حياة خالدة، هو في الأقل سيمنحنا إمكانية التمتع بالوجود لفترة طويلة..."
لكن المؤلف لا يقول لنا كيف يمنحنا العلم مدة طويلة، وأظن ترجمتها الأدق، مدة أطول.. نحن لا نملك إلا الإفادة من التقنية لرؤية المشاهد والأحداث الماضية وكيف كانت الأنهار والمدن والناس الذين قرأنا وسمعنا عنهم .. نحن نريد أكثر .. وهنا نعود إلى أهمية اليوميات أو لما أسميناها بـ الهوامش النصية، التي صارت بعضاً من النص. إنها تضيف إلى الصورة ما لم يُلْتَقط وإلى الحدث رؤية أُخرى.
كان المتأدّب عندنا، إذا أراد الظهور او اعجاب الناس، يفكر ان يصبح شاعراً. فتلك الميزة الخطابية من المنابر، تمنحه "رئاسة" مؤقتة او "تفوّقاً" او تجعله "المتكلم" لا المستمع! نفسياً، في هذا تعويض عن "خضوع" او "دنوّ" او "مأمورية". فهو، على منبر، يقلب المعادلة،
ولو بالالفاظ، ومن ميكرفون.المؤلف يستشهد بيوميات كاسارس الذي يصف فيها جنازة الروائية ماريا لويس ليفنسون، يقول: "إن جسدها كان مسحّى في تابوت له نافذة صغيرة، وبعضهم لاحظ قصاصات من ورق الصحف تغطي وجهها .. "وتفسّر ابنتُها ذلك فتقول: "إنهم وضعوا داخل التابوت بعضاً من الصحف حتى إذا ما فتح احدهم التابوت في المستقبل يعرف من النعي المنشور في هذه الصحف من هو الراقد فيه..." ص18.
أظن هذا ليس سببا كافيا، الروح المصرية هنا فرضت نفسها بصيغة معاكسة استوجبتها روح العصر العبثية، عصرنا الذي سادت فيه روح اللاجدوى، لتقول لنا كل ما كتبته الصحف عن الروائية، كما ترون، ذهب معها .. ويمكن ان تكون للقارئ أفكار أُخرى في ذلك، لكن روح الأسى والغياب، لا الخلود، تظل هي الغالبة على المشهد. شعرياً، أنا معنيّ بالصورة، صورة الحدث محمولا يمضي، مغطى بأوراق الصحف ...
هذا الكتاب تأليف جديد. هو ليس يوميات اعتيادية ليس مذكرات، ليس رواية وليس سيرة، وليس مجموعة مشاهدات وقراءات. هو جميعها! كلها تتداخل ضمن هيكل "يومياتي" يعتمد على عشرة كتب أساسية (تسع روايات وكتاب يوميات واحد) هنا مثلا يوميات يكتبها قارئ، أو مؤلف آخر، عن رواية اسمها "اكتشاف موريل" لروائي اسمه ادولفو بيوي كاسارس. كتابة عن كتابه خلال ما قاربه، أو ما يذكر به، أو ما يستنبطه، أو بمن جاء بمثل هذه الأفكار.. هي كتابة ثانية عن كتابه! ص21-32.
في يومية الخميس ص21 يحلم الراوي في "اكتشاف موريل" بما خور لنساء عمياوات زاره مرة، كما يقول، في كلكتا ... في آخرها يقول: يتملك راوي كاسارس انطباع "بأنه لا يكافح من اجل البقاء حيا وإنما هو يلعب لعبة حسب"!
قضيتان، مهمتان في هذا القول، الأولى ماخور لنساء عمياوات وأي عالم وأية تراجيديا أو مفارقة شرسة موجعة. رحم الله "سيّابنا" و مَوْمِسَهُ العمياء.. والثانية هذا الموقف الوجودي: هو لا يكافح من أجل البقاء وإنما هو يلعب لعبةً حسب ... هذه ليست يومية ببضعة سطور. هذه نافذة أرتنا شعراً وأسىً إنسانيا وفلسفة وبشرا لهم متاعب لا يعلم بها أحد. أرتنا أنفسنا!
الكتاب ما يزال يطرح اسئلة ويثير كوامن وهو يستمر في "اكتشاف موريل" فتتوالى انهيالات الذاكرة بما اوحت به رواية كاسارس وإحالاتها لروايات آخرين وإشعارهم، أمثال هـ.ج ويلز وشاتوبريان وفرنان دويل وغوته وشيللر ولقطات وانتباهات شخصية مما نجده عادة في كتب الرحلات ومشاهدات تلفزيونية وأحداث سياسية مما يطفح به العصر.
لكن الكتاب ليس مجمع طرائف أو مؤسفات أو عروض كتب. هو أصلاً كتاب تأملات في القراءات وفي المشاهدات والأحداث. الكاتب روائي مثقف، هو مفكر يشير إلى هذه المسألة وتلك مما في الأوساط الثقافية وفي الحياة. ومما أنتبه له، وهو يتابع سلوكنا. وما يفكر به أولئك العتاة الذين يمارسون التعذيب! جاء على هذه المسألة وهو يتحدث عن هـ.ج ويلز ويستعرض رواياته: الرجل الخفي، آلة الزمن، الناس الأوائل على القمر، ثم "جزيرة دكتور مورو. فيتوقف عند وصف ويلز لصراخ حيوان من ألم مبرح، فيصفه بأنه "التعبير المتقن عن الألم" ص42 ويربط المؤلف البرتو مانغويل، وبترجمة عباس المفرجي، ذلك بما يحصل في الارجنتين في فترة الحكم العسكري، ثم يقول بأنه استطاع سريعا أن يعتاد على "التعبير عن الألم" ويكمل المقتبس بأن صوت الضحية يغدو منفصلا عن الضحية، الشخص نفسه يصبح، كما هو في الحقيقة، شيئا غير مادي، لهذا فهو لا يثير في الجلاد أي نوع من مشاعر الشفقة ولا يعطيه دافعا لوقف التعذيب..." وكونه مثقفا يرى هذه الكوابيس، "يستعين بقول شاتوبريان" نحن نعيش فقط بواسطة الإبداع.." ص70
وحين يتحدث عن رواية "كيم" لـكيبلنج، هو لا يفيدنا بجديد حسب، ولكنه يوقظ فينا انتباهنا وذائقتنا الجمالية بالتقاطاته مما يقرأ ففي وصفه لمتسولين صموتين في الهند، يقول: "هؤلاء الذين يتسولون بصمت، يموتون جوعا بصمت أيضاً." وقوله : "أنت جميل مثلك مثل ثور شيفا المقدس" ووصفه لتلك العجوز الهندية: امرأة تهوى الطعام الجيد والنميمة والتشويق الذي تمنحه الوجوه الجديدة وضحكاتها خافته مثل ببغاء مسرورة فوق كتلة من السكر "ص50: وقوله البريطانيون في الهند لم يكونوا هناك كما كان يُفترض بهم ان يكونوا" .. هذه اللقطات، كل قارئ يأخذ منها حاجته. وذكاء المؤلف في التقاطها، أو التنبيه لها، ذكاء مثقف فطين متمرس. وبعقل رجل الأدب المُلِمّ، يقدم هذا الإيجاز: "الرحلة الأدبية هي عادة أما مناجاة أو حوار، إما تعقّب درب مسافر (يولسيس، بيلغرام، كانديد، اليهودي التائه) أو هي رفقه بين شخصين (الأخ والأخت في الطائر الأزرق كيم وراهبه اللاما في رواية كيبلنج "كيم". ص53.
إذن هو يبحث عن مناسبات في "قراءة الرواية" لبث ثقافة ومفاهيم وآراء في الكتب والناس والأحداث. فائدتنا عادةً في الموضوع الأساس ولكن هذه "الهوامش، التي اسمح لنفسي، بتسميتها "الهوامش النصيّة"، هذه الإشارات، لها فوائد أُخرى تكميلية لنا وللآخرين. هي مفيدة في فهم الرواية كما في إيجاد تفسير للمواقف في الأدب والحياة وفي تفهم سلوك الأفراد في الأحداث، كما في حديثه عن المخبر السري في شارلوك هولمز، مجرماً .. (ص106) أو اللجوء في تفسير ما يفاجئنا إلى القدر، "القدر مثل أب متسلط" في "صلات مختارة" ص113.
حاولت ان اتتبع تقنية المؤلف في السرد، فرأيته اعتمد تسع روايات وكتاب يوميات واحد هي "اكتشاف موريل" لـ بيوي كاسارس" و "كيم" لكيبلنج و "دكتور مورو" لـ هـ. ج. ويلز و "مذكرات من وراء القبر" لـ شاتوبربان و"تسطح" لمرغريت ايتوود و "صلات مختارة" لـ غونه و "ريح الصفصاف" لـ غريام كَرين و "دون كيخوته" لـ سرفانتس و"سهوب التتر" أو صحراء التتر لـ دينو بوتزاني و "كتاب الوسادة" لـ ساي شانغون كل هذه الكتب العشر التي رسمت هيكل الكتاب لا يسأوي ما كتبه عنها أكثر من فصل واحد من فصول الكتاب وباقي الكتاب هو هوامش وقراءات وأحداث فهو يتحدث عن الرواية الأساس قليلاً، يقدمها، ثم يتوقف عند بعض اقوال شخوصها. ليعقب أو ليسجل أو ليتذكر. باختصار، ليضيف هوامشه داخل هذه المتابعة. أحياناً يجد فرصة ليبدأ الكلام من خارج الرواية التي يتنأولها، أو أنه يستشهد ببعض من اقوال شخوص الرواية ليعأود التعقيب أو الاستذكار والإضافة. وهذه الإضافات مثلما تكون أدبية ثقافية، قد تكون تجربة شخصية أو مشاهد تلفزيونية، أو مناظر طبيعية أو – وهذا ما يعطي الكتاب قربا أكثر، يغنيه بأحداث سياسية من زماننا، ومنها قد يعود إلى الماضي. فكما يتحدث عن الرواية يتحدث عن غزو العراق وينتقل إلى الارجنتين وزمن العسكر، ثم يعود ويدخل عالم الرواية. ليبدأ من بعد في رواية أُخرى وهكذا يتجول في الأدب والحياة. كما يتضح ذلك أكثر في ربطه بين قلعة بوتزاتي (صحراء التتر) وقلعة كافكا والمدن الفاضلة والفيلسوف جون رأوز الذي توفي قبل سنوات و "رقصة الموت" وإيفان ايتليتش في رواية تولستوي والجماجم، تذكارات الموت في القرون الوسطى ... الخ وهو أساساً يتحدث عن سهوب التتر لبوتزاني أو صحراء التتر كما شاءها آخر مترجم للرواية (ص 173-185) ..
في كتبنا العربية القديمة، حجرية الطباعة، أو التي أعيد طبعها، أعمال مثل هذه لكن بتقنية بسيطة، هنالك متن (نص) ، وهنالك على جوانب الصفحة الأربعة هوامش أو (حواشي) فيها ما قد ينفع البعض أكثر من المتن. شخصيا وجدت في حواشي "خزانة الأدب" ما أفادني أكثر من متون الخزانة.
ختاماً، تحية لمؤلف ا