توجيهات البيوإتيقا للإنسان المعاصر ـ زهير الخويلدي الأحد, 20 أكتوير 2013 14:26 زهير الخويلدي الزيارات: 1655
0inShare
Share on Tumblr"لقد غادرت فكرة تغير العالم والإنسانية الأرض الوحيدة لقصص الخيال العلمي لكي تصل شواطىء الواقع"[1]1
البيوإتيقا Bioéthiqueعنوان كتاب مهم للغاية لبرنار ماتيو Bernard Mathieu وهو أستاذ بجامعة باريس1 وينتمي الى مركز البحث في القانون الدستوري وقد صدر عن دار دالوز سنة 2009 ويندرج ضمن مبحث المعرفة القانونية ويتناول قضايا خلافية ومسائل معقدة واحراجات كثيرة منها ما يتعلق بمنبع الحياة وطبيعة الطبيعة وخصوصية الفرد وعادات المجتمع ومستقبل النوع البشري في تطبيق النانوتكنولوجيا وتأثيرات التحاليل العيادية وعلم الصيدلة ومكاسب المقاربات الطبية والعلوم البيولوجية ومنها ما يتنزل ضمن السياسة والقانون والأخلاق والدين والقضاء والاقتصاد والبيئة.
كما أنه يتناول بالدرس تاريخية مفهوم البيوإتيقا وطبيعة النسق المعياري لما اصططلح على تسميته الأخلاق الحياتية وما يكونه من معايير دستورية وقيم كونية وتوجيهات عالمية ويبحث أيضا في شروط اختيار المعيار الحقوقي ومشروعية التنظيمات الحقوقية والأحكام القانونية. وأدى ذلك الى طرح بعض الأسئلة مثل: ماهي طبيعة الجنين البشري؟ وماهي التوازنات التي تحمي الفرد وتحقق مصلحة المجموعة؟ وهل يمثل النشاط العلمي تنمية للإنسان أم يجلب له العديد من المشاكل ويكاثر له عدة أمراض؟ والى مدى يحصل التقدم الاتيقي بالتقدم التقني؟ ومن يتخذ القرار في البيوإتيقا؟ وماهي الاجراءات الضرورية لتحسين النوع وبلوغ الحياة الجيدة؟
بعد ذلك ، ينتقل الى تحديد المبادىء المطبقة في مادة البيوإتيقا، ويدرس حضورها في سجل حقوق الإنسان ويركز خاصة على مبدأ الكرامة dignité الذي يعتبره مبدءا موضوعيا لا يمكن الخروج عنه. غير أن المبدأ الأساسي الذي يفتنه ويخصص له عدد أكبر من الصفحات هو مبدأ الحرية liberté ولذلك ربطه بحرية البحث العلمي واعتبره حقا جوهريا لا ينبغي المساس به أو التضييق عليه ومصادرته ولكنه يشترط وضعه ضمن أطر ومؤسسات وأن يمارسه الباحث بشكل منظم.
علاوة على الكرامة والحرية،فإن الباحث يهتم بمبدأ الموافقة consentement من جهة تعبيراته وحقل تطبيقه ويدعو الى احترام الحياة الخاصة respect de la vie privée للمرء، وينادي بعدم التدخل في شؤونه الشخصية وهتك أعراضه وإفشاء أسراره، ويرفض التجسس على المسكوت من حياته اليومية، وينصح من جهة رابعة بتوخي الحذر واعتماد مبدأ الاحتياط précaution في بحثه عن العيش الجيد والوجود الأرقى والبحث عن الخلود بقهر التهرم.
في نهاية المطاف، يخصص الكاتب القسم الثالث لطرح مجموعة من التساؤلات البيوإتيقية حول الانساخ المنتخب Sélectionné ، وما يتطلب ذلك من ذكر لإنتخاب الكائنات البشرية عن طريق تجارب الاستنساخ وتصنيع الذكاء والتعقيم لمقاومة الأمراض المستعصية واستعمال الجراثيم والبكتيريات وتحسين الأمل في البقاء والتحكم في الجينات الوراثية والروائز الجنية وما يخلف ذلك من تمييز بين الكائنات ومت بطيء وإنهاء للحياة عن طريق الانتحار الرحيم.
لكن الى جانب الانسان المنتخب تطرق الكاتب الى الانسان المصنع Instrumentalisé وما يتطلب ذلك من بحث في علم الأجنة وإجراء تجارب التخصيب الاصطناعي وطفل الأنبوب والرحم البديل والأم المنجبة والتبرع بالأعضاء عند الوفاة من الجثة الهامدة وزرع الأعضاء في جسد شخص حي. مجمل القول، أن توجيهات البيوإتيقا الى الإنسان المعاصر تحوم حول رسم حدود الانسانية وتسعى نحو التنبيه من خطر وضعنة الإنسان وتشييئه وتعترض على ظهور الانسان الغامض banalisé جراء التلاعب به في مخابر العلوم البيولوجية وتدعو الى استبدال الإصلاح بالبدء الجديد والانتقال من الإنسان المعدل réparé الى الإنسان معاد التكوينrécrée.
يختم الباحث كتابه بقوله:" ان الأمر هنا لا يتعلق بتجاهل مكاسب العلم، وإهمال التقدم المحرز في مجال اراحة الانسانية من المعاناة ، ونسيان التفاني والإيثار عند معظم رجال العلم، ولكن ببساطة تذكر أن العلم في حد ذاته لا يحمل أية قيمة"[2]2. فماهي الاستراتيجية التي ينبغي أن تتوخاها البيوإتيقا من أجل انجاز هذه الرسالة النبيلة؟ وكيف السبيل الى تحقيق خلاص الانسان من مساوىء التقدم العلمي الهائل والانعكاسات الخطيرة التي ترتبت عن الثورة التقنية والرقمية؟
الهوامش: