عصيد: العربُ لم يدخلوا المغرب بالقوّة ووجودهم ليس احتلالا
هسبريس - محمد الراجي
الخميس 24 أكتوبر 2013 - 09:00
نفى الباحث الأمازيغي أحمد عصيد عن الحركة الأمازيغية اعتبارها لدخول العرب إلى المغرب، كما يروّج لذلك البعض، "احتلالا"، وقال إنّ الذين يروّجون لمثل هذا الكلام لا يستندون في ادّعاءاتهم على أي أساس صحيح، "لكون الحركة الأمازيغية لم يسبق لها أن وصفت الوجود العربيّ في المغرب بالاحتلال".
وقال عصيد، خلال مداخلته في الندوة التي عقدها النادي السياسي لطلبة إحدى المدارس الخاصة بالرباط، مساء الأربعاء، "لا يوجد استيطان عربيّ في المغرب على نحْوٍ استعماري، بل استيطان بإرادة الأمازيغ أنفسهم"، مضيفا أنّ دخول العرب إلى المغرب، سواء خلال العهد الموّحدي، أو بعد سقوط الأندلس تمّ برضا الأمازيغ، ولم يكن ذلك بحدّ السيف.
الاستيطان الأول، يقول عصيد، كان في عهد الملك الموحدي يعقوب المنصور الموحدي (الأمازيغي)، الذي أدخل القبائل العربية وأعطاها الأراضي وأسكنها، ولم يأت العرب غزاة واستولوا على أرض الأمازيغ الذين كانوا حينها يعمرون المغرب، بل استوطنوه بإرادة الأمازيغ، وبشكل سلمي.
وأضاف أنّ الاستيطان الثاني، وقع عقب سقوط الأندلس، "وكان أيضا استيطانا سلميا، إذ استقبلنا العرب القادمين من الأندلس وأسكنّاهم في فاس والرباط وتازة وتطوان ومراكش وغيرها، وعبر القرون نجم عن هذا التلاقح تفاعل بين مكونات الشعب المغربي أفرز شعبا موحّدا وواحدا، ومن يدّعي عكس هذا فهو جاهل بتاريخ المغرب"، يوضح عصيد.
الوجود العربي في المغرب كان المدخل الذي انطلق منه عصيد للحديث عن علاقة المغرب بالشرق، إذ اعتبر أنّ هذه العلاقة "فيها خلل"، لكون المغرب ظل دائما تابعا للشرق، ومضى قائلا "الشرق نموذج حضاري نحترمه، وله إيجابيات يجب أن نستفيد منها، ولكن لا يجب أن نستورد منه كل شيء، لأنّ فيه إيديولوجيات وعادات ثقافية لا تناسبنا".
وأشار إلى أنّ مطلب الحركة الأمازيغية ليس هو القطيعة مع الشرق، وإنما التفاعل الإيجابي المبني على الأخذ والعطاء، "دون أن نكون تابعين له، فنحن لا يجب أن نكون صدىً، لا للشرق ولا للغرب، بل يجب أن يكون المغرب بلدا متميزا بحضارة قوية لها قوة المبادرة والإبداع".
من جهته انطلق الأستاذ الجامعي فؤاد أبو علي، في مداخلته من العنوان الذي اختاره المنظمون للندوة "هل تكفي دسترة الأمازيغية لبناء الميثاق الاجتماعي؟"، قائلا إنّ السؤال المطروح اليوم هو "هل الدستور وحده قادر على حلّ إشكال الأمازيغية؟"، وردّ على سؤاله بالقول "الدستور والقوانين التنظيمية لا تحلّ الإشكال، ولو كان الدستور قادرا على ذلك لحلّ إشكال اللغة العربية، التي كانت ستكون لغة التواصل والتدريس، ولكنّ ذلك لم يحصل، في غياب الوفاء لما ينصّ عليه الدستور".
وعزا أبو علي ذلك إلى كون السلطة "لا تتعامل مع اللغة والإشكال الهوياتي عموما، انطلاقا من الحرص على رسم خارطة مستقبل المجتمع، وإنما تتعامل معها انطلاقا من منطق واحد ووحيد، ألا وهو منطق التوازن الاجتماعي، الذي لا يترك خللا في المجتمع، ويتيح لها في الآن ذاته التدبير الفوقي لكل القضايا السياسية والمجتمعية المختلفة".
وأضاف أنّ التوافق المجتمعي هو الذي سيحلّ الإشكال، لأنّ المجتمع، على حدّ تعبيره، هو الذي سيدوم، والمطلوب هو التفكير في كيفية بناء تصور متوافق بشأنه، ليس فقط بشأن الأمازيغية، بل في جميع القضايا، لأنه بدون حلّ شمولي للمسألة اللغوية، سيظلّ الإشكال مطروحا.
الأستاذ الجامعي محمد الأمين الركالة، حرص في بداية مداخلته على الإشارة إلى أصوله الأمازيغية، قائلا إنه "مغربي تلاقحت في عروقه جينات الأمازيغية والعربية"، وأتبع ذلك بسؤال "هل الإنسان المغربي عربي؟"، وردّ على سؤاله بالقول "لا، نحن شعب معرّب"، مستدركا أنّ معيار تحديد الانتماء إلى الوطن ليس اللسان، بل المواطنة.
الأمين الركالة عدّد الإشكال الأساسَ لمشكل الهوية في المغرب، في ثلاث نقط، أجْملها في "مثلث الاستبداد السياسي وغياب التعدّد السياسي، لكون الملك هو الذي يحكم، أيّا كان الحزب الذي يقود الحكومة، والشرخ الحاصل في المجتمع، واستقالة النخبة السياسية من أداء مهمّتها".
الركالة انتقد السعي "الرسميّ" إلى اعتماد اللغة الأمازيغية المعيارية، لكون اللهجات الأمازيغية متعدّدة، كما انتقد اعتماد حرف تفيناغ لكتابة الأمازيغية عوض الحرف العربيّ، واعتماد علَم خاصّ بالأمازيغ، وهو ما ردّ عليه أحمد عصيد بالقول إنّ اعتماد حرف تفيناغ ليست مقاربة من فعل السلطة، بل كان نتاج توافق وطنيّ، بعد استقبال الملك لـ33 حزبا سياسيا، وافقت جميعها على اعتماد حرف تفيناغ، ولم يتحفّظ على ذلك غيرَ حزبين.
وأوضح عصيد أنّ 70 بالمائة من مفردات اللغة الأمازيغية المعيارية مستمدّة من اللهجات المحلية، فيما 30 بالمائة المتبقية تمّ تطويرها، لتلائم تطورات العصر، شأنها شأن العربية، مشيرا إلى أنّ ما تمّ الترويج له من كون حروف "تفيناغ" تعود للفينيقين غير صحيح، بل جاءت من اسم "أفنيق"، والذي يعني بالأمازيغية الكتابة على الرمل أو النقش على الحجر. وأضاف الباحث الأمازيغي أنّ كتابة الأمازيغية بحرف تفيناغ يعتبر "رهانا رمزيا لكنه أساسي، لكون الهوية البصرية للأمازيغية ستنعدم في حال كتابتها بالحرف العربي".
وبخصوص "العلَم الأمازيغي"، قال عصيد إنّه ليس علَما وطنيا، بل هو علَم دوليّ يوحّد الأمازيغي أينما كانوا في مختلف بقاع العالم، وهو علَم ثقافي يرمز إلى الثقافة والهوية الأمازيغية وليس علَما رسميا، وزاد قائلا "العلَم الوطني هو العلم الأحمر الذي تتوسطه نجمة".