"يختبئ" حزب العدالة والتنمية في قماش الخطاب الأخلاقي؟
هسبريس - إسماعيل عزام
الثلاثاء 05 فبراير 2013 - 12:00
يبدو
أن تلك المشاهد التي احتج عليها النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية
عبد العزيز أفتاتي داخل الطائرة المصرية، لا تبتعد عن سياق مجموعة من
التصريحات والمواقف التي عبر عنها عدد من قياديي الحزب الحاكم في المغرب
سواء قبل أو بعد توليهم الحكومة، فذلك الاحتجاج في الأجواء العالية، أعاد
طرح مسألة الخطاب الأخلاقي عند حزب العدالة والتنمية والأسباب الكامنة
وراء إمعان قيادييه في محاربة ما يرونه مخلا بالأخلاق والقيم المغربية.
ولئن اعترف أفتاتي في اتصال سابق له مع هسبريس بأنه لم يشاهد ذلك الفيلم،
فقد ذكر بكونه شارك في عملية الاحتجاج ضد مضيف بالطائرة رفض وقف عرض
الفيلم الذي رأى بعض الركاب أنه يتضمن لقطات قالوا عنها ‘نها مخلة
بالحياء، وهو ما يجعل بعض الأسئلة تتناسل حول دور نواب العدالة والتنمية
في التصدي لما يرونه إخلالا بالأخلاق العامة، فالأخلاق هنا لا تعتمد على
تعريف وحيد، مادامت الأخلاق ليست قيما ثابتة، كما أنها قد تتغير من مجتمع
لآخر ومن حيز جغرافي لآخر ومن زمن لآخر، وبالتالي قد لا تظهر الأخلاق
العامة أمرا مطلقا يسهل الحديث حول حدوده العامة.
هل تخدش القبلة الحياء العام؟
أفتاتي
رأى أن فضاء الطائرة هو فضاء عمومي مشترك، لا يصح فيه فرض فيلم معين على
جمهور قد يتكون من عائلات محافظة وأطفال صغار إلى جانب المنفتحين على
السينما بكل لقطاتها حتى الإباحية منها، وهو مبرر يقترب كثيرا من الصحة
مادامت هناك أخلاقيات عامة قد تحكم الفضاءات العمومية، ليس فقط في الدول
العربية، ولكن حتى بعض الدول الغربية (مقاطعات إيطالية نموذجا).
غير أن حدود هذه الأخلاقيات هو الذي يطرح الجدل، فالقبلة مثلا التي كانت
سببا في احتجاج أفتاتي، تصالحت معها الكثير من المجتمعات حتى العربية
منها، بل أن أحمد عصيد، المفكر العلماني، يرى أنها لا تخدش الحياء سواء في
الفيلم أو في الشارع وجميع الفضاءات العمومية، ولا يجب أن تثير حفيظة
الآخرين، متحدثا عن أن الإسلاميين عموما، يريدون فرض منظومة أخلاقهم
الخاصة على المجتمع، في حين أن المجتمع المغربي في رأيه، متعدد وقد يرى
البعض داخله القبلة أمرا عاديا، في حين قد يرى البعض حتى التصافح أمرا غير
عادي، غير أنه وبشكل عام، وبعيدا عن أفتاتي وعصيد، فالمجتمع المغربي لا
يُظهر تسامحا كبيرا مع التقبيل العلني في الشارع، وهو أمر لا يحتاج لكثير
من النبش كي يتم التأكد منه.
ما هي حدود السجال الأخلاقي داخل الفن؟
مشهد
القبلة في الفيلم، يندرج في إطار جدل قديم جديد حول حدود الأخلاق داخل
الفن، فقبل أشهر قليلة، كان نجيب بوليف، الوزير المكلف بالشؤون العامة
والحكامة، قد أطلق تصريحات نارية حول مفهوم "الفن النظيف"، في إشارة منه
للفنانة لطيفة أحرار التي كانت قد تعرّت في إحدى مسرحياتها، وهو ما أحدث
جدلا واسعا استلقت معه الممثلة فاطم العياشي في مزبلة احتجاجا على مثل هذه
التصنيفات التي ليست بالجديدة على مسؤولي الحزب الملتحي، فقد سبق لهم أن
هاجموا مجموعة من الأفلام التي رأوا أنها تضرب القيم الأخلاقية، كفيلم
"ماروك" لليلى المراكشي، وفيلم "كازانيغرا" لنور الدين الخماري.
وقبل أن يصل إلى رئاسة الحكومة، كان عبد الإله بنكيران، قد هاجم بشدة
استدعاء منظمي مهرجان موازين للفنان 'إلتون جون' بسبب مثليته الجنسية،
ورغم أن حدة الانتقادات لهذا المهرجان الضخم قد خفت كثيرا من لَدن العدالة
والتنمية بعد الوصول إلى الحكومة، إلا أنها لم تنتهي إن استحضرنا تصريح
الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني في
هذا الصدد، ولو أن هذا التصريح لم يُشِر صراحة إلى الجانب الأخلاقي وانتقد
عبره الشوباني مسألة "تبذير" الأموال في مثل هذه المهرجانات.
حديث حزب العدالة والتنمية الدائم عن الأخلاق على المستوى الفني لا عبر
تصريحات قياديه ولا كذلك عبر الجريدة الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح،
أي جريدة التجديد التي تتحدث كثيرا عن مسألة الأخلاق في العملية الفنية،
هو ما جعل الكثير من المتتبعين للعملية الفنية ينتقدون هذا الموقف، كخليل
الدامون، رئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب، الذي أكد وجود خطابات "شعبوية"
لدغدغة عواطف الناس من طرف سياسيين ينتقدون أفلاما في البرلمان غالبا ما
لا يكونوا قد شاهدوها، مفضلا أن يأتي الانتقاد من مهنيي السينما وليس ممن
اُنتخب للإصلاح السياسي والاقتصادي، غير أنه أشار إلى أنه بعد أكثر من سنة
على حكم الإسلاميين في المغرب، لا توجد وقائع على الحد من حرية الإبداع،
بل العكس هناك تغييرات إيجابية والسينما المغربية تقدمت بعض الخطوات
الإيجابية.
وإذا كان الفن هو أقصى درجات ممارسة الحرية والتحرر
من كل الضوابط كما يقول المفكر المصري حامد أبو زيد، فإن البعض يتحدث على
كونه جانبا آخر من الدين كما أشار بذلك السيد قطب، وهو ما يذهب في منحاه
محمد شاكر المودني عن اللجنة الفنية داخل حركة التوحيد والإصلاح، مؤكدا أن
الدين هو المحضر الطبيعي الذي وُلد فيه الفن، وأن الفن ظهر أولا في دور
العبادة وانحرافه عن مكان البداية هو انحراف عن الأصل.
ويزيد
لمودني على أنهم (أي الإسلاميين) عندما ينتقدون أي عمل فني فهم ينتقدونه
من حيث القيم الأخلاقية وليس من ناحية الجوانب الجمالية والتقنية التي لا
يعلم بها سوى أهل الاختصاص، وهذه القيم يوجد فيها الكثير من المشترك بين
دول المعمور، معطيا المثال بسينما البورنو الممنوعة في مجموعة من البلدان
الغربية، وبالتالي فإسلامية المغرب وخصوصيته الثقافية عليها أن تمنع وجود
لقطات إباحية في الإنتاجات الوطنية، ما دام بالإمكان الاستغناء عنها
وتقديم إبداع متميز يحترم هوية المغاربة على حد تعبيره.
عن أية هوية يتحدث حزب العدالة والتنمية؟
بعيدا عن الفن، يظهر الخطاب الأخلاقي حتى في الجانب الاجتماعي والاقتصادي،
فقد كان مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، قد أثار نفس التجاذبات، عندما
ذكر خلال زيارته لمدرسة قرآنية بمراكش، عن أن السياح الذين يزورون لمراكش،
إنما يأتون ليقضوا في ملاهيها وأرجائها أوقاتا يعصون فيها الله ويبتعدون
عنه، وهو الكلام الذي جر عليه انتقادات كبيرة من وزير السياحة لحسن حداد
الذي قال بأنه الوحيد المخول له تقديم تصريحات حول القطاع السياحي من بين
جميع الوزراء.
مسألة الهوية الإسلامية التي يؤكد عليها نواب
البيجيدي قد لا تلقى نفس الترحيب من جميع مكونات المجتمع المغربية الذي
عرف تيارات حداثية تحاول الحد من تأثير الدين على الحياة الاجتماعية،
فعصيد يشير هنا إلى أن حزب بنكيران يستعمل خطاب الدين والأخلاق للحد من
الحريات الاجتماعية التي اكتسبها المغاربة بعد التطورات التي عرفها بلدهم
خلال عقود من الزمن، ما دام المجتمع المغربي عرف تطورا كبيرا يسمح له
بالانفتاح واستيعاب الجميع وبالتالي عدم وضع أخلاقيات دينية هي الفيصل في
الحكم على الناس، لأن الدين لم يعد مشتركا بنفس الوتيرة بين الجميع على حد
تعبيره.
الهوية الإسلامية يراها عبد الجبار القسطلاني عن حزب
المصباح، واحدة من الثوابت الوطنية التي أدت إلى استقرار المغاربة عبر
التاريخ إلى جانب النظام الملكي والوحدة الترابية والعادات والتقاليد،
فالدين حاضر دائما لدى المغاربة، يقول القسطلاني، ودليله في ذلك موجة
التدين الكبيرة بين الشباب المغربي وعدم سماح المغاربة لأي كان بالمساس
بدينهم حتى ولو كان بعضهم غير متدين.
سياسيا..ماذا يستفيد حزب المصباح من الخطاب الأخلاقي؟
كثيرا ما يعيب بعض المتتبعين على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران تلقائيته
في الحديث التي تجعله يخوض في مسائل دينية وأخلاقية تحت قبة البرلمان، كما
حدث مؤخرا عندما ذكر بأن تدين المغاربة هو سبب أمنهم، وكذلك دعواته لله في
البرلمان بتحسين أوضاع المعطلين، وهي التلقائية التي لم تأت من فراغ، ما
دام الخطاب الديني، مهما حاول الابتعاد عنه حزب المصباح، يبقى حاضرا في
سلوكيات الكثير من قيادييه، كما أن العملية الانتخابية الأخيرة، سجلت تقرب
المواطنين من الحزب بسبب "تدين" أعضائه، وهو الشيء الذين لم يكن حاضرا مع
أحزاب أخرى لا تنهل من نفس المرجعية.
فتيحة العيادي، القيادية
عن حزب الأصالة والمعاصرة، أشارت إلى أن إيديولوجية استخدام الدين في
السياسة تبقى من سمات خطاب حزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي يعبث
بموازين القوى بين الأحزاب المغربية التي لا تستخدم نفس المرجعية لاستمالة
تعاطف المغاربة، غير أن الشعب المغربي، كما تؤكد، ليس غبيا ويعرف جيدا بأن
الحزب الحاكم عليه أن يجيب عن تطلعاته الاجتماعية والاقتصادية وأن يحل
مشاكله العالقة، وبالتالي فاستخدام الدين لن ينفع كثيرا حزب المصباح،
معتبرة أن الحقيقة ستظهر قريبا ولن ينفع بنكيران الحديث عن التدين والأمن
عندما يكتشف المغاربة أنه غير قادر على تحقيق انتظاراتهم.
وبالعودة إلى الماضي القريب، فإدماج حزب العدالة والتنمية في العملية
السياسية المغربية، لم يكن ليكون لولا مجموعة من التنازلات التي عبر عنها
قياديوه كي لا يُفهم أن مرجعيته الإيديولوجية لا تنافس المرجعية الدينية
للمؤسسة الملكية المتمثلة في إمارة المؤمنين، ليبقى الاشتغال الديني من
داخل الحزب محصورا في بعض الأمور دون "التطاول" على اختصاصات دينية للملك
قد تجعل من علاقة الود بينه وبين بنكيران تنتهي في وقت يراهن فيه هذا
الأخير على رضا القصر.
القسطلاني يؤكد أن حزب المصباح لا يستخدم
الدين لاستدراج أصوات المغاربة الذين اختاروه بفضل برنامجه السياسي، غير
أنه عاد ليشير أن وجود الحزب في النسق السياسي المغربي قدم العديد من
الإيجابيات الدينية للمجتمع المغربي كظهور المحجبات في الإعلام العمومي،
وافتتاح واختتام الأنشطة بالقرآن الكريم، والتوظيف الإيجابي للقيم الدينية
في ترشيد المجتمع، ليتفق مع حديث بنكيران عن أن تدين المغاربة يعتبر من
أسباب أمنهم بالنظر إلى أن الإيمان بالمبادئ الدينية يُهذب الإنسان ويحد
من أوضاع اللا أمن.
هل يتخلى بنكيران وحزبه مستقبلا عن خطاباتهم الأخلاقية؟
رغم كل حديث عن الهوية والأخلاق، فالفنانون ينتظرون الكثير من الحكومة
التي يصفها الكثيرون بـ"الملتحية" وهل باستطاعتها وقف أنين ميدان ظهر وجعه
منذ زمن، وعامة الشعب تنتظر إصلاحات اقتصادية في المستوى لا يكون حطبها هي
جيوبهم كما حدث بالزيادة في المحروقات، فقد يصل الحديث الأخلاقي إلى أبعد
مستوياته، لكنه لن يساهم في حل مشاكل عالقة لا زالت تنخر جسد الدولة
المغربية.
عبد الإله السطي، محلل في قضايا الإسلام السياسي، أكد
أن الخطاب الأخلاقي يعتبرا واحدا من الأسس التي يقوم عليها حزب العدالة
والتنمية، ورأس مال رمزي ثمين يحاكي الطبيعة المحافظة للأسر المغربية،
بالتالي فالحزب لن يفرط فيه بسهولة ما دام يشكل عاملا مهما لاستمالة
الفئات الشعبية تجاهه، غير أن السطي عاد ليقول إن خطاب "الطهر" وإن كان
يضمن لحزب العدالة والتنمية شعبية كبيرة، فقد لا يتمكن مستقبلا من الإبقاء
على قوته إذا ما أخفق (أي الحزب) في تحقيق التطلعات الشعبية الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية للشعب المغربي.
وبقليل من المقارنة بين
أيام حزب العدالة والتنمية لما كان في المعارضة، وأيامه الحالية وهو على
رأس الحكومة المغربية، يظهر أنه تخلى كثيرا عن ملاحظاته الأخلاقية التي
كان يقدمها بشكل واضح، ويتبين أن الحزب يحاول التركيز على مهامه السياسية
المعقدة في سياق بلد تحكمه انتظارات واسعة، غير أن الإيديولوجية
الإسلامية، قد تختفي كثيرا، لكنها تعود للظهور، لأن الطبع يغلب التطبع،
وقد ترجع الخطابات الأخلاقية للحزب في أقوى صورها، إن خرج يوما من باب
الأغلبية نحو المعارضة، تلك التي بزغ فيها نجمه بشكل كبير.