مخاطر سيناريو "الانتحار البطيء" لحزب العدالة والتنمية الحاكم
عبدالرحيم المنار اسليمي
الجمعة 21 شتنبر 2012 - 16:05
يدخل المغرب في نهاية شتنبر الحالي الشهر التاسع من حكم حزب
العدالة والتنمية،وهي مسافة زمنية كافية لتقييم عمل أول حزب إسلامي في
المغرب جاءت به رياح الربيع العربي إلى السلطة ، مسافة تبين انه لا يمكن
مقارنة حكم العدالة والتنمية المغربي بحكم إسلاميي تركيا او النهضة في تونس
او الإخوان في مصر ،لأننا في الواقع أمام اضعف حلقة من الإسلاميين
الحاكمين في العالم العربي الإسلامي ،فالخطاب السياسي للعدالة والتنمية
تغير بشكل كبير خلال الشهور الماضية من حكمه ، وخفت حدة تصريحات وزرائه ،
وبدؤوا يميلون الى الصمت والاختفاء رغم استمرار ارتفاع لهجة برلمانييه ،
فالحزب الذي فجر بنتائجه الانتخابية نمط الاقتراع السائد نتيجة التقائية
الغضب الشعبي والاحتجاج والمقاطعة ،و الحزب الذي هربت به الدولة أمام
الربيع العربي وعومت به الاحتجاجات ،يعيش أياما سوداء في قيادته للحكومة
،لان نتائج انتخاباته ،التي جاءت وليدة ربيع عربي، تقوده اليوم إلى محاربة
أجيال الاحتجاج التي أوصلته الى السلطة .
من الركوب على ظهر الربيع العربي الى محاربة أجيال الاحتجاج
فحزب العدالة والتنمية الحاكم ، يعيش أياما سوداء لان خطابه السياسي
الذي بناه على شرعية صناديق الاقتراع وتأسس على مقولة محاربة الفساد ينهار
اليوم ويتحول تدريجيا في الميدان إلى محارب لأجيال الاحتجاج وبقايا حركة
20 فبراير الأولى، فلا احد يعرف اليوم شعور وزير العدل السيد "مصطفى
الرميد" رجل السياسة ،الذي صار بالأمس خلال شهور مارس وابريل وماي 2011 في
مسيرات 20 فبراير ، وهو يتابع قيادات الاحتجاج التي تحاكم أمامه في
محاكمات تنتقدها العديد من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية.
وحزب العدالة والتنمية، يعيش أياما سوداء لان مقاعده الانتخابية التي
قادته الى الحكومة وجاءت بدعم تصويتي من حركة العدل والإحسان والسلفيين
التقليديين، تجعله اليوم يسير تدريجيا نحو مواجهتهم ،فالإسلاميون خارج
الحكومة باتوا اقل صبر على حكومة العدالة والتنمية ،ولعل موقف حزب العدالة
والتنمية الحاكم من حالة منع اعتكاف أفراد جماعة العدل والإحسان في المساجد
خلال العشر الأواخر من رمضان وموقفه من قضية الشيخ "النهاري" وقضية
المعتقلين الإسلاميين تشرح ذلك .
وحزب العدالة والتنمية، يعيش أياما سوداء لان وصوله إلى السلطة الذي
جاء في إطار انفتاح أمريكي على الإسلاميين المعتدلين ،لا يجد اليوم في
هذا الانفتاح ،وهو في الحكومة ،دعما اقتصاديا وسياسيا أمريكيا في الميدان ،
فالاستثمارات الأمريكية ضعيفة وقضية الصحراء عرفت مصادمات بين الأمريكيين
والمغاربة في زمن قيادة العدالة والتنمية للدبلوماسية المغربية ،وقد باتت
اليوم المتغيرات الدولية تتحول تدريجيا ، فالأمريكيون الذين ساندوا تجربة
العدالة والتنمية يعيدون حساباتهم في منطقة المغرب العربي بعد أحداث
بنغازي وتونس.
رئيس حكومة في جلباب وزير أول
ويبدو على الصعيد الداخلي، أن رئيس الحكومة أغلق خلال التسعة اشهر
الماضية جميع النوافذ السياسية المفتوحة أمامه ،فالسيد "عبدالاله بنكيران"
لازال يلبس جلباب الوزير الأول القديم وليس الجلباب الدستوري الجديد لرئيس
الحكومة ،فتصريح الرجل انه " مجرد رئيس للحكومة " يعني أن هناك التباس
دستوري كبير يحيط بتنزيل هذه المؤسسة ،وهو ما يجعل المساحات الدستورية
تتضاءل أمامه ، بشكل ظهر فيه أثناء مرحلة إعداد القانون التنظيمي للتعيين
في الوظائف العليا وكأنه يتراجع ويعطي كل السلطات للملك.
كما أن رئيس الحكومة لم ينجح سياسيا في بحثه عن خلق تعايش سياسي
ودستوري مع الملك مقابل صراع مع محيطه ، وبات واضحا اليوم انه يصطدم
أكثر فأكثر بأدوات الدولة العميقة،فالسعي نحو الملك هو بحث عن مشروعية
ملكية ومن الصعب على رئيس الحكومة الجمع بين شرعية انتخابية مستمدة من
صناديق الاقتراع ومشروعية مستمدة من الملك في وضع دستوري جديد لم تعد فيه
الحكومة هي "حكومة جلالة الملك" ،كما كانت في مرحلة الوزير الأول القديم.
فالعدالة والتنمية ،الذي قاد في فترة إعداد الدستور معركة سياسية
للدفاع عن التقليدانية ضد بعض مظاهر التحديث الدستوري ،يصطدم اليوم بهذه
التقليدانية وبالأدوات الدستورية غير المكتوبة للدولة العميقة ولا يفهم
اليوم كيف تحتج بعض قياداته على بعض مظاهر التقليدانية التي دافعت عنها
بالأمس ،فالمعركة الدستورية يقودها حزب العدالة والتنمية الحاكم بالاحتجاج
،إلى درجة انه لم يستوعب فكرة مفادها أنها معركة دستورية تقاد في تنزيلها
باللعب على موازين القوى التي يملكها داخل مجلس النواب.
ولوحظ أن حزب العدالة والتنمية رغم وعيه بأنه موضوع اختبار وتمارين
انتخابية في الدوائر التي ستعاد بطنجة ومراكش ،فانه لم يستطع فرض أجندة
انتخابية للجماعات الترابية ،فالأمر لا يتعلق بثقة الحزب في عمله و استمرار
شرعيته لدى الفئات التي صوتت عليه في انتخابات 25 نونبر 2011 ،وإنما
بهروب وزارة الداخلية من حكومة "بنكيران " ووجود لمشاريع قوانين انتخابية
ترابية خارج حكومته.
كلام الدعوة ليس هو ادارة الدولة
ويبدو أن حزب العدالة والتنمية بدا بعد مرور تسعة اشهر يكتشف بالملموس
أن هناك فرق بين كلام الدعوة وإدارة الدولة،فالحزب يقود حكومة تكتشف
الأخطاء بعد إطلاق التصريحات ، وتكتشف انه لا يمكن إدارة الدولة بدعوات
احتجاجية لأغلبية برلمانية في مجلس النواب ، و انه لا يمكن إدارة الدولة
بغياب أجندة تشريعية يستمر فيها النقاش لمدة أربعة شهور حول نص مرسوم
تطبيقي للقانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا ،أربعة شهور تشتغل فيها
الحكومة إلى اليوم بإدارة قديمة ،فالحكومة قادت مداولات متعددة على
إصلاح "ذات البين" بين مكونات أغلبيتها نتيجة تصريحات لوزراء العدالة
والتنمية او مكونات فريقهم النيابي او تصريحات مضادة لوزراء باقي مكونات
الائتلاف الحكومي ،وبين التصريحات والتصريحات المضادة وتدخل رئيس الحكومة
لإصلاح "ذات البين " في حفل عشاء تغيب القرارات المرتبطة بالسياسات
العمومية ،فالمغاربة يتذكرون على امتداد تسعة شهور قرارا واحدا لحكومة
"بنكيران" هو قرار الزيادة في أسعار المحروقات.
ويبدو أن حماسة الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية لم تعد
كافية، كما ان خطاب رئيس الحكومة ووزراء حزبه الموجه نحو الشارع والداعي
الى "الصبر" حتى تأتي الإصلاحات، بدا يتآكل، واليوم يتم تهريب الوعود من
القانون المالي الحالي الى القانون المالي القادم، ولا احد يعرف هل سيستمر
الشارع في قبول خطاب "الصبر " في الشهور المقبلة.
فالشارع ،يرى أمامه انحصارا لحكومة "عبد الاله بنكيران" فدفاتر
"الخلفي" ولدت ميتة والحوارات حول إصلاح القضاء التي يقودها السيد "مصطفى
الرميد" لازالت تسبح في مكانها وأحلام صندوق "بوليف" بإصلاح المقاصة تنهار
يوميا بشكل يجعل الحماية الاجتماعية وفكرة دعم الفقراء في خطر ،ولا احد
يعرف اليوم إلى اين وصلت سياسات التنمية الاجتماعية ،فتنظيمات المجتمع
المدني تتساءل عن أسباب توقف مشاريع وكالات التنمية الاجتماعية منذ وصول
السيدة "بسيمة الحقاوي" إلى وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية
الاجتماعية.
فالحالة بعد تسعة اشهر، تبين أننا أمام حكومة غير قادرة لحد الآن على
إنتاج أفعال في شكل سياسات عمومية في الميدان ،ويبدو ان النقابات باتت
مستعدة لمهاجمة حكومة العدالة والتنمية بعد نوم عميق في زمن حكومة
"الفاسي"،فالنقابات التي لعبت دور إزالة "الحمل الزائد" عن حكومة "الفاسي"
لايبدو انها مستعدة للعب نفس الدور مع حكومة "بنكيران " .كما ان تصريحات
رجال الأعمال ،الذين لا يتحدثون كثيرا ، تزايدت بشكل ملحوظ و يلمس فيها نوع
من الاشتراطية لدعم حكومة "بنكيران" ،في وقت تعبر فيه المعلومة الواردة
على لسان احد قيادات العدالة والتنمية بلجوء المغاربة الأثرياء الى سحب
أموالهم من الابناك وإيداعها داخل ازيد من 16000 خزان مالي حديدي في
منازلهم في الشهور التي تلت صعود الحكومة الحالية ، عن الأخطاء المرتكبة
في جعل خطاب محاربة الفساد فرديا وليس مشروعا مجتمعيا يقدم في إطار مخاطر
اقتصاد لازال يتطور في بيئة غير سليمة، ويعاني مزيدا من الضغوط على
ماليته العمومية.
سيناريو "الانتحار البطيء"
إن هذا الوضع الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية وهو يقود الحكومة، يجعل الدولة المغربية الدولة بكاملها أمام سيناريوهين صعبين:
الأول ، سيناريو ضعيف لحد الآن ،وان كان
واردا ،ويتمثل في استقالة رئيس الحكومة ،وهي الإمكانية التي قد يلجا إليها
"عبد الاله بنكيران" باستعمال الأجنحة المعارضة داخل حزبه او بعض وزرائه او
استعمال ورقة ضغوطات الجناح الدعوي للحزب المتمثل في حركة التوحيد
والإصلاح ،وهي إمكانية غير واردة حاليا لكون الحزب ، رغم الأيام السوداء
التي يجتازها ،لازال غير قادر على إحصاء الخسائر ومقارنتها بالمكاسب
السياسية التي ربحها لحد الآن ،أضف إلى ذلك ،أن حالة الاستقالة صعبة لكون
الدولة غير قادرة على الدخول في أزمة حكومية وإجراء انتخابات تشريعية جديدة
يمكن إن يفوز بها حزب العدالة والتنمية نفسه ،فالمسافة الزمنية لازالت
قريبة من مناخ 25 نونبر 2011 ،ومهما كانت نتائج الانتخابات الجزئية في
طنجة ومراكش فإنها لن تكون محددا للحكم على قوة او ضعف حزب العدالة
والتنمية.
الثاني ،سيناريو استمرارية حزب العدالة
والتنمية الحاكم في العمل بثنائية الاحتجاج وقيادة الحكومة دون إنتاج
سياسات ،وهو سيناريو يتجه نحوه المغرب حاليا ، ويعرف في لغة التقارير
الدولية بسيناريو "العقرب الذي يلدغ ذيله" ،بمعنى أننا سنكون أمام احتجاج
ودوران يعبر عن "انتحار بطيء" لحزب العدالة والتنمية، وهو يقود الحكومة ،
يمكنه أن يؤثر على الدولة ككل ،"انتحار بطيء" لحزب عاجز لحد الآن عن
قيادة الحكومة ، يمكن أن يقود الى إيقاف المسلسل السياسي لما بعد دستور
2011 وانتخابات 25 نونبر ويزعزع الثقة في أخلاقيات الدولة ويخلق انحصارا في
مايسمى بالحكامة و يتلقى فيه المغرب تأثيرات سلبية من التطورات التي تجري
في النظام الدولي في شقة الاقتصادي والمالي ،وهو السيناريو الذي بدأت تظهر
بوادره، فنحن أمام حكومة ضعيفة يقودها حزب احتجاجي يدور في الفراغ . فحزب
العدالة والتنمية الحاكم، يبدو اليوم أمام حكاية العقرب والانتحار ،العقرب
الذي أوضحت التجارب العلمية انه إذا أغلقت حوله جميع المنافذ والممرات ولم
يجد مخرجا، فانه يوجه ذيله نحو رأسه ويلدغها ليموت في الحال .
البديل ...انقاد حكومة أستاذ الفيزياء بتعديل حكومي
لكن السؤال المطروح في السيناريوهين معا هو أين البديل ؟ فالأحزاب
السياسية الموجودة في المعارضة لازالت تحتاج إلى مزيد من الوقت لإعادة بناء
ذاتها وتجديد نخبها لأنه لا يمكن العودة بنفس النخب السياسية إلى مواقع
الحكومة، مادام جزء كبير من الاحتجاج كان موجه ضدها ،فالوضعية لازالت هشة
في المغرب ، والتقارير الدولية تقول ان الشباب يتجه تدريجيا نحو التوقف عن
البحث عن الشغل بسبب اليأس ،فالمعطلون الذين يخوضون يوميا حصصا من الجري
في المواجهات مع الأجهزة الأمنية بشارع محمد الخامس وصلوا الى درجة اليأس
،و الشباب غير الحامل للشهادات الموجود في الأرياف والقرى يتزايد طلبه على
حقه من التنمية ، و الاستمرار في حالة الحكومة الحالية معناه أن كل حركة
احتجاجية قادمة سيلتقي فيها هذه المرة خط المطالب الاجتماعية (السكن
،الشغل ،التعليم ،الصحة..) وخط المطالب السياسية (الحرية ،العدالة ...).
من هنا، فان الأيام السوداء التي يعيشها حزب العدالة والتنمية الحاكم
في المغرب تحتاج الى نوع من الانفراج ،فالتوازنات السياسية التي بنيت في
نهاية التسعينات حضر فيها حزب العدالة والتنمية ،ووضع الإسلاميين اليوم
بجميع مكوناتهم ليس هو وضعهم قبل انطلاق الربيع العربي، ولازال حزب
العدالة والتنمية قادرا على لعب دور التوازن داخل منظومة المكونات
الإسلامية ،فوجوده في الحكومة ،يجعل منه قناة التوازن مع باقي التيارات
الإسلامية حتى الوافدة الجديدة منها كفئة "الجهاديين "الذين يستعيدون
للعودة من سوريا ، فالمطلوب اليوم ،هو إنقاذ حزب العدالة والتنمية من
انتحاره البطيء، فانقدوا حكومة رجل الفيزياء قبل فوات الأوان وبادروا والى
فتح نقاش حول تعديل حكومي، فحزب العدالة والتنمية يعرف اليوم الواقع بعد
ان أغلقت أمامه كل الممرات،ووضعه مختلف عن وضع الاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية في نهاية التسعينيات ،لان العدالة والتنمية أمام "انتحار بطيء"
سيؤثر على النظام السياسي برمته