وقفت تلملم أهداباً تبللت بدموع عينيها ، كان الزمن يحاصرها ، بألوان من
الأحلام النائمة ، حَبَسَتْ كلمة أخفتها منذ سنين ، غَصّتْ عند الحرف الأول
، كان النرد المرقم ،يتقلب دون توقف ،وكان وجهها يتغلغل في عمق البر الذي
رحلت نحوه روائع كلماته أشعلت كل مصابيح صحراء غرفتها ، صارت الجدران تعيد
كلماته ، وصوره توالت ترافق قلبها المعلق فوق شجيرة الياسمين ، عانقته عند
أول حبة رمل تجمعت مع كثبان الصحراء ، قالت له كل الكلمات الممهورة بنبض
القلب وأغنيات المساء ، علمته كيف ينتظر تحت ليمونة غادرتها حساسين الصباح ،
وجعلته يشم الحبق عند الخيط الأول لنور الشمس ، فردت ضفائرها وفاح عبير
الفستق ، وقرب الثغر حط القلب يترجم سطوراً كتبت بأقدم لغة ، غمزته الكلمة
الأولى وباحت له بالسر وتدلت منها أزهار الزنبق والرمان ، قبل النجم البازغ
بعد غروب تعثر في الظلمة ،أخرجتْ من دفترها ورقةً كتبت عليها حروفاً أربعة
أ ح ب ك وأخفت الورقة قرب النهد وبين ثنايا الصدر ،احمر الوجه ،وانتشر
النور الحالم، يفضح لغة العين وسرور النفس ،انفتح الصمت الراقد الممتد من
باب غرفتها وحتى رمال الصحراء ، غاصت عيناها في ملح الدمع ، وحرقة الشمس ،
انتفض الجسد بعد النوبة الأولى وامتد الظل عبر الباب المفتوح كانت أشياء
الغرفة تخرج، وبكاء لنسوة تعرفهن قالوا لها دوري خلف البيت عند المساء،
فالعتمة تخفيك ، وأنت الضعيفة ، وذاك القادم يستره الليل ضمن زعيق الرعد
وعواء لا تعرفه جدران بيوتنا ، أنت رقيبة الزمن البارد ، والقادم لا تنفعه
تعويذة الممسوس ورماد البخور ، جلست العجوز عند الباب وقرأت كلمات لم تجدها
في لغة الجسد ، انتشر دخان وريح عنبر وزعفران ، ووجهٌ مخيف أطل بعين
مفقوءةٍ .
الأحد مايو 23, 2010 2:19 pm من طرف هشام مزيان