مملكة الاحتجاج
حسن طارق
الأربعاء 26 دجنبر 2012 - 13:32
في
زحمة الفرجة الاسثتنائية، التي يخلقها السيد رئيس الحكومة في مروره الصاخب
،في موعد المسائلة الشهرية لمجلس النواب،و خلال الجلسة ما قبل الاخيرة،
مرت بعض المعطيات المرقمة دون ان تثير ما يلزم من تامل و تحليل.يتعلق
الامر بعدد الأشكال الاحتجاجية التي ينظمها المغاربة ؛حيث بلغت من يناير
الى نونبر من هذه السنة (17186 ) تظاهرة احتجاجية،بمعدل (52) احتجاج في
اليوم،ساهم في مجموعها ( 921000) محتجا،بمعدل ( 2790 ) محتج كل يوم!
الظاهرة
التي تخترق كل الفئات:العاطلين،سكان البوادي
،قدماءالعسكريين،القضاة،النساء السلاليات،الشباب
الحضري،الطلبة،الامازيغيون،السلفيون،الحقوقيون..لا تعوزها الأشكال التي
تبدو متعددة و كثيرة :الاعتصامات،الوقفات،مسيرات الجوع،التظاهرات...
مع
انفجار الطلب الاجتماعي لمجتمع يعيش تحوله الديمغرافي الكبير،و داخل سياق
سياسي محفز على الحرية ،اصبح الامر حالة عامة مهيكلة للمجتمع الذي اصبح
يعتبر"الاحتجاج"سلوكا يوميا و ثقافة طبيعية ،مما يدعو للتساؤل حول دلالات
و أبعاد هذا التحول في علاقة بمنطق البناء الديمقراطي ،و بارتباط بردود
فعل الدولة من زاوية المعالجة الحقوقية من جهة ،و من باب الأجوبة
الاقتصادية و الاجتماعية من جهة اخرى،و تسمح لطرح اشكالية اكبر تتعلق
باشتغال(او الاصح بعطب) اليات الوساطة بكل صيغها: الثمتيلية ،السياسية و
الحزبية ،و النقابية و المدنية!
الى حدود التسعينات،ظلت
الاحتجاجات خاضعة لدورية "منتظمة"،حيث شهدت البلاد سلسلة من الانفجارات
الكبرى و "الدموية" خلال التواريخ التي اصبحت محفورة في التاريخ السياسي
المغربي:الدارالبيضاء /مارس 1965،الدارالبيضاء/يونيو 1981،احداث 1984،فاس
/دجنبر1990.
اذ شكلت الحواضر الكبرى الوعاء السوسيولوجي لهذه
الانفجارات الاجتماعية،التي ارتبطت في الغالب بتوتر الصراع بين اليسار
والدولة، مما جعلها احتجاجات بعنوان سياسي او نقابي واضح(اليسار
الجديد،الاتحاد الاشتراكي،الكنفدرالية الديمقراطية للشغل،الكنفدرالية و
الاتحاد العام للشغالين..) .
وانطلاقا من بدايات التسعينات و مع
تشكيل الجمعية المغربية للمعطلين بالمغرب،ستبرز جيل جديد من الاحتجاج الذي
جعل من الصراع حول الفضاء العمومي احد رهاناته الاستراتيجية ،و هو
ماستسثمره فيما بعد باقي حركات المعطلين ،العنوان السميائي و
"الفرجوي/المشهدي"لهذا التحول سيلخصه تحول شارع محمد الخامس بالرباط مع
قدوم حكومة التناوب ،الى مشهد يومي للاحتجاج ،جعل الاستاذ اليوسفي في احدى
جمله الصغيرة المعبرة ،يتحدث عن مايشبه "ماي68"دائم!
خلال الخمس
سنوات الاخيرة ،دورة الانفجارات الكبرى ،ستعوض بدورة ثانية بمتغيرات
جديدة؛فعندما نفكر في :صفرو،سيدي ايفني،تازة،الجسيمة،فجيج...فان الامر
يتعلق بتغير في طبيعة المدن ،حيث انتقلنا من المدن الكبرى الى الحواضر
الصغرى و المتوسطة ،و انتقلنا من العنوان السياسي و النقابي الوطني ،الى
اشكال جديدة للتنظيم:لجان محلية ،تتسيقيات لمحاربة الغلاء،لقد عوض التشبيك
المحلي الانتماءات الوطنية،و اصبحت المطالب المحلية اكثر قدرة على التعبئة
من الشعارات الكبرى و المركزية،و تحولت التناقضات الاجتماعية من المدن
الكبرى التي استثمرت الدولة كثيرا في اليات ضبطها الامني والعمراني، الى
مدن متوسطة تطورت بدون هوية ولا ملامح و اساسا بلا اي قدرة على الادماج
الاجتماعي.
وعندما بدا للكثير من المحللين،ان الاحتجاج السياسي
،قد عوض بدون رجعة باحتجاجات حول السياسات ،فان احداث 20 فبراير قد اعادت
الصيغ السياسية للاحتجاج الى الواجهة،مدعما بمحيط اقليمي مساعد،و بتزايد
تأثير وسائل الاتصال الجديد في بناء الهويات الاجتماعية/الاحتجاجية.
ان
الملاحظ ان خفوت الاحتجاج السياسي بعد أجوبة النظام السياسي،الدستورية و
الانتخابية ،لا يوازيه خفوت للدورة الاحتجاجية الجديدة المرتبطة بالسياسات
العمومية،و التي تبدو غير متوازية مع الزمن السياسي وباجندته،ففاعلو
"الاحتجاج" يعتبرون مطالبهم اعمق من تحولات المشهد الحكومي، و هذا مايطرح
أسئلة معقدة حول مستقبل الدولة الاجتماعية ببلادنا.