2011-11-26 بن رشد الأندلسي والحق في الوجود
|
| |
لقد
كان المفكر عبد الرحمن بدوي رائعا عندما انتفض لوحده في مدينة قرطبة ليعبر
عن تضامنه مع ابن رشد الذي مات معزولا عن الأحباء ولم ير الأندلس ثانية،
بل أن عمق عبد الرحمن بدوي ونزعته الفلسفية مكنته من الاحتجاج على عمدة
قرطبة، حيث عبر عن استغرابه لعدم وجود تمثال لابن رشد كما هي عليه الحال
مع تلميذه ابن ميمون المتكلم اليهودي.
فما الذي دفع عبد الرحمن بدوي لأن يصبح الثائر العربي الوحيد في قرطبة
مطالبا بالحق لابن رشد في الوجود؟ هل يتعلق الأمر بتضامن مع الفيلسوف
المغربي الأندلسي؟ أم أن المسألة تتعلق بانصهار هوية بدوي في ماهية
الرشدية؟.
يقول عبد الرحمن بدوي: ‘زرت قرطبة، صيف 1966، وأدهشني خلو شارع ابن رشد
وهو أشبه بزاوية شارع من تمثال لابن رشد، ووجود تمثال جميل لتلميذه، ابن
ميمون، في شارع آخر. كتبت إلى رئيس بلدية قرطبة أعرب له عن دهشتي من
الاجحاف اللاحق بابن رشد، فوردني جواب، بعد فترة قصيرة وفيه تصميم لتمثال
ابن رشد، وبشرني بأن هذا التمثال سيقام في أواخر سنة 1966′.
يا لها من عظمة في هذه الروح التي حققت ظهورها في أرض الآخر، وتمكنت من
الاستجابة لمطلبها بهذه السرعة، هكذا يكون عبد الرحمن بدوي قد احتج ضد
الاجحاف اللاحق بابن رشد، هذا الفيلسوف الذي ولد في قرطبة ومات في مراكش
ودفن في العدم. وتمت الاستجابة لابن قرطبة وحصل على مكانته الرفيعة، حيث
أضحى رمزا ثقافيا وروحيا لهذه المدينة الأندلسية التي كان يحبها بعمق لا
مثيل له.
ولو افترضنا أن انتفاضة بدوي قد تمت في المغرب أو أي بلد عربي، لما توصل
بالإجابة، وبالأحرى أن يحصل عن مطلبه، لأن الرغبة في التخلص من الفلاسفة
ظلت هو شعارا لسلطه الوسطوية عندنا، والشاهد على ذلك ان نضالنا من أجل
عودة الفلسفة والاحتفاء بالفلاسفة تواجه بخيبة الأمل وصناعة الصمت،
والمؤامرات السرية الصادرة عن أعداء الفلسفة، وبخاصة أولئك الذين اندسوا
في الجامعات، وتمكنوا من تلطيخ براءتها، عندما تحولوا إلى مخبرين سريين
لأسيادهم.
هنيئا لابن رشد الذي تحول من مجرد شخص مهمش إلى وجود أوفر حظاً من
البراءة، وشكرا للمرحوم عبد الرحمن بدوي الذي أصبحنا في أمس الحاجة إليه
الآن للدفاع عن كل الفلاسفة في هذا الزمان الرديء، الذي جعلنا نشعر
بالمنفى في وطننا.
والواقع أن الفلسفة العربية لم تعرف مفكرا مناضلا، مدافعا عن محبة الحكمة
مثل المفكر عبد الرحمن بدوي الذي كان يمثل حكومة فلسفية مستقلة تتحرك في
العالم مدافعة عن التراث الفلسفي العربي، وذلك انطلاقا من تحقيقه لمؤلفات
ابن رشد وغيره من فلاسفة العرب، هكذا تحول إلى مكتبة أصيلة تتجول في
العالم، ذلك أن هذا الرجل استطاع أن يقدم خدمة جليلة للفلسفة العربية، حيث
اشتهر عند الأوروبيين، وهمش في العالم العربي، كما همش من قبله ابن رشد
وابن سينا وابن باجة.
نعم إنها اللعنة التي تلاحق الفلاسفة باعتبارهم فكر الأمة ومصدر عظمتها،
وربما يكون هذا هو الإرث الوحيد الذي ورثوه من آدم عندما أكل من شجرة
المعرفة وطرد من الجنة، لأنه تجرأ على المطالبة بالحق في المعرفة والوعي
الذاتي، ليتمكن من الانفصال عن الوعي الشقي، هذا الوعي الذي أصبح شعارا
للمرحلة التي نعيش فيها