** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 تلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته معز الزموري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

تلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته معز الزموري Empty
16102012
مُساهمةتلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته معز الزموري


















2012-08-14

تلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته






تلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته معز الزموري 420942_3373656548806_1405604839_n%281%29





المقال صادر في مجلة "البديل" في عددها الأول ماي 2012

تصدير:"هناك في الصحراء القاحلة يتم التحول الثاني إذ ينقلب العقل أسدا
لأنه يطمح إلى نيل حريته وبسط سيادته على صحرائه".هكذا تكلم زرادشت،نيتشه

مقدّمـــــــــة:
تعيش الشعوب العربية ربيع ثورات أذكته رياح تغيير ونقلة تاريخية هبت من
حناجر شباب مسحوق اجتماعيا ممحوق سياسيا متفوق فكريا،ولم تستطع هذه الشعوب
أن تعود إلى التاريخ إلا بفضل أجيالها اليانعة وقد كانت فيما مضى قانعة
لولا أن وقعت الواقعة بقادح هذا الحدث التاريخي الجدير بالدراسة الموضوعية
رغبة في وضع هذه النقلة التاريخية على محك الاختبار أمام أبعاد الحدث
وآماده والآمال التي حركت الفاعلين فيه والمآل الذي يمكن أن تنتهي إليه
الثورة العربية المعاصَرة. وهي ثورة يصعب ضبط مساراتها أو استشراف نتائجها
على المدى المتوسط والبعيد مادام الدارس في صميم الحدث التاريخي أي الحدث
الثوري موضوع الدراسة. فلكل حدث تاريخي أسباب قد تكون معلومة آنيا لكن
توقع منتهاها ونتائجها قبل انقضاء زمانها أمر لا يحسمه البحث الموضوعي
باعتبار أن الدارس لا يستطيع الفكاك من ذاتيّة يفرضها حضوره التاريخي وهو
بين معطيات لا يمكن في مجملها أن تكتب تاريخ الثورة لأنها ليست إلا من صميم
الحدث الثوري وهو بصدد الوقوع والتأثير،ولكن بوسع هذا الدّارس أن ينظر في
مساره من حيث مدى تقبل الفئات الاجتماعية الحاضنة له الفاعلة فيه فعلا
مباشرا. لذلك يمكن الحديث عن الحدث الثوري من خلال تلقيه والتفاعل معه وهو
ينجز حديثا نظريا يشمل الطبقات الاجتماعية وواقعها (واقع صراع) أو عند
الفئات العمرية وواقعها (واقع اختلاف في الرؤى)، أو عند النّخب المثقفة
وواقعها (واقع تصادم إيديولوجي- سياسي) لم يفلح منذ حقبة الاستقلال أن يجمع
شعوبه على كلمة سواء بينهم.وهؤلاء هم الفاعلون التاريخيون في الحدث من جهة
حصول واقع تمثله واستيعابه فتسييره في المجتمعات المنتفضة أو التي هي بصدد
الانتفاض والتحرك.
1-مفهوم الحدث:
إن مفهوم الحدث (évènement) يختزل في ما اُصطلح عليه بالخروج على المألوف
والعدول عن المؤتلف لصالح المختلف ،هذا المختلف الذي يؤسسه الحدث قد يكون
مرفوضا ممجوجا عند الفئة أو الاجتماع الذي انبجس فيه فتتم مقاومته أو
استئصاله،وقد يكون مقبولا فيسري سريان النار في الهشيم لأنه يكون قد لاقى
من الجماعة تبنيا وتأكيدا لا رفضا وتفنيدا نظرا إلى استجابته لمتطلبات
المرحلة التي ظهر فيها.وبناء على ذلك يكون الحدث حاملا لمعنى التغيير
والخروج على السائد البائد ويكون له "فاعل حدثي" يعني تلك الذات أو مجموعة
الذوات أو حتى الشيء الذي وجد نفسه حاملا للفكرة أو الشعار أو المعنى أو
حتى للإشارة الدالة المؤثرة التي ينوء بها ذلك الحدث المعين الذي تجسد في
إحداها،سواء كان متجسدا في علم من الأعلام الذي قد ينسب إليه فعل الحدث لما
كان فاعلا فيه أو مبدعا له أو متجسدا في فئة مّا تقوم بفعل مّا في وسط
مّا،أمّا الغاية فلا تكون معلومة أو مقصودة في لحظة إنجاز الحدث لأن الفاعل
لا يعلم ضرورة أن ما أنجز هو حدث مولد لسياق جديد.يضاف إلى ذلك البعد
الزمني لمفهوم الحدث الذي لا ينفك عن التاريخ الذي نشأ فيه لما كان بدوره
ناقلا مساره لمجموعة أخرى من الأحداث التي تتالى في الزمان بتضافر
الموجودين في المكان فيصنع التاريخ.ولما كان التاريخ مجموعة من الوقائع
المتلاحقة التي تحدد معالم حضارة من الحضارات أو شعب من الشعوب فإن بعض
تلك الوقائع ترتقي إلى مرتبة الحدث المحرك لتاريخ ما ويشترط للواقعة
التاريخية التي ترقى إلى الدراسة الابستيمولوجية أن تتميز بجملة من الخصائص
أجملها "راكيتوف" (أناتولي راكيتوف 1987ص 179)( ) في ثلاثة شروط أولها أن
تكون شكلا خاصا للنشاط الاجتماعي،ثانيها أنّه يجب على تلك الواقعة أن تكون
حدثا اجتماعيا هاما بحيث تؤدي نتائجه إلى تغيير في البيئة القائمة أي
الثقافة، ثالثها أن تتوفر فيها سلسة من الأحداث كل واحد منها مشروط بالآخر
في علاقة سببية.وينضاف إلى كلّ ذلك أن يكون بدء الحدث التاريخي من التجربة
الحسية المباشرة المتلخصة في المعرفة الحسية به،ومنتهاه الإدراك العقلي
الذي تحتويه المعرفة العقلية وصفا وتحليلا وتفسيرا، وهذا التاريخ الذي يولد
قد يكون الوعي به حاصلا آنيا إذا كان قادحه ومتلقيه قد تواصلا مباشرة بفعل
من فواعل التاريخ المميزة لذلك النسق التاريخي وأحيانا يكون الوعي به
متخلفا زمانيا إذا لم يحصل الالتقاء بين الحدث والفاعل التاريخي فيكون
بمثابة الاكتشاف الذي قد يؤثر في سياق تاريخي مغاير للحظة التي وقع فيها
الحدث.لذلك "تختلف الواقعة التاريخية عن الوصف المباشر للمعطيات التاريخية
المنفصلة"(أناتولي راكيتوف1987ص186)( ) التي هي وقائع وصفية يصفها علم
التاريخ،و اختلافها هذا يجعلها "وقائع وجودية" عاشها أو يعيشها المجتمع،و
حين تشكل نسقا جديدا يكون مخالفا في حيثياته لما هو كائن، ترتقي إلى مرتبة
"الوقائع الحافزة " (نفسه ص189)( actomotivational)( ) التي يتجلى فيها
النشاط ألقصدي الواعي الفاعل الذي يحرك الشعب باعتبار أن" الواقعة
التاريخية لا تحوز معناها إلا في البنية العامة للإدراك التاريخي"(أناتولي
راكيتوف ص200)( ) وكذلك حين تكون الواقعة الحاصلة حدثا مفصليا مولدا لوقائع
متسارعة ومتتابعة يشهدها الوعي المعاصر لها.حينئذ يكون الاقتران بين الحدث
بوصفه فعلا والزمان بوصفه حاضنا والفاعل التاريخي بوصفه متقبلا حاملا
للحدث شرطا أساسيا في تكوين الحدث التاريخي البنّاء دون غض النظر عن
الأسباب العميقة التي تتصل مباشرة أو بصورة غير مباشرة بتشكيل معالم كل
حدث ثوري بقدر ما يكون ملبيا لمتطلبات عصره يكون مؤثرا في المحيط الذي
نشأ فيه ومحفزا إلى إقامة التغيير في البنى القائمة.فالحدث لا يكون تاريخيا
إلا إذا كان له تأثير في الجماعات البشرية، ومن خصائصه أنه لا يكون كذلك
إلا بواسطة الآثار التي خلّفها.
وإذا كان الحدث مقترنا بالثورة فإن مفهوم الثورة يتلخص في أربع صفات هي:
"تغيير فجئي، جذري، كيفي"(dictionnaire philosophique1955 p88)( ) مع ما في
ذلك من تحول للسلطة من نظام تليد إلى آخر جديد،وليس القول بفجائية الثورة
عفويتها وإنما عدم توقعها من طرف الأنظمة القائمة فمن المعلوم أن الثورة
حين ينجزها الشعب يكون أفقها تحريك البنى الفوقية فيسترجع الشعب ما هو له
بالقوة لكنه قد حرم منه بالفعل وبالتالي فإن كل فعل تثوير هو تغيير سياسي
اجتماعي و تحرير فكري ثقافي يتجدد به التاريخ.وأما راديكالية أي ثورة
فلا تتحقق إلا من خلال المنجز فيها حين تقطع بكل الوسائل مع الماضي مما
يحيلنا على كيفية قيامها وإنجازها في الواقع واتصالها بالطبقة الفاعلة
فيها والمهيئة لها.فسريان تأثير الثورة في جميع الطبقات والفئات المعايشة
للحدث الثوري بصورة مباشرة (المشاركة الفعلية في الصدام مع النظام أو في
الدفاع عن النظام) أو غير مباشرة (عبر وسائل الاتصال في حالتنا المعاصرة
تفاعلا سلبيا أو إيجابيا) يعد ركنا ضروريا في عملية التلقي الّتي قد تكون
تفاعلا مع الحدث التثويري وتواصلا معه.
ولعل الحدث الثوري الناشئ في تونس يعد بالفعل فرصة سانحة لجميع مكونات
الشعوب العربية التي تتهيأ فيها نفس العوامل الموضوعية لكي تلتقط رمزية
هذا الحدث إسهاما في التغيير الجذري الذي يفضل غيره من الأحداث التي عاشتها
هذه الشعوب المقهورة بأنه نشأ في البنى التحتية على مستوى القواعد ولم يكن
مسقطا فوقيا كغيره من الأحداث التي عاشتها الشعوب العربية في تاريخها
الحديث والمعاصر. فالحدث الثوري من هذا المنظور يتلخص في جملة من الوقائع
المتلاحقة انطلقت في تونس من محاولة الإحراق التي قام بها شهيد الوطن
البوعزيزي في حق ذاته وامتدّت إلى الأحداث المتتالية وصولا إلى يوم 14
جانفي وبعد هذا التاريخ بدأ الحدث في رسم مسارات هي له تتغيا استكمال
الأفق الذي حدده وباستكمالها يتفق على الثورة من جهة أنها هي.ولئن رأى
البعض أن الثورة قد اكتملت أو كادت تكتمل في مهدها تونس ثم انتقلت إلى بقية
شعوب المنطقة ذات العوامل المشابهة فإننا نرى أن الحدث الثوري نشأ في تونس
فعلا وله أسبابه البعيدة والقريبة ما ظهر منها وما خفي لكن المسار الثوري
لم ينته ولمّا يكتمل وأما الحديث عن ثورة نموذجية يمكن إعادة نسخها في
أمكنة أخرى فليس جائزا من الناحية الموضوعية حتى لو توفرت نفس الظروف وذات
العوامل.ذلك أن الحدث الثوري لا ينسخ ولا يعاد نظرا إلى خصوصيات كل مجتمع
بل تستلهم مدلولاته ورموزه لتصبح بدورها مولدة لحدث ثوري آخر في مكان آخر
متميز عن الأول بخصائصه وظروفه، كما أنه يمكن الحديث عن طرق استلهام
وأشكال تلق تكون عوامل مساعدة على تأجيج حدث ثوري آخر في مجتمع مغاير.إن
الحدث الثوري المتميز من هذا المنظور هو الذي حاز اهتماما شعبيا بتلقيه في
الوعي الشعبي بمختلف أصنافه،ذلك التلقي هو الذي حدد طرق استمراره في
الزمان باتجاه التثوير واستعادته في المكان باتجاه الانتشار حتى يكوّن
تاريخا جديدا يغير مياسم المنطقة العربية وربما العالم بأسره.إن تلقي
العالم العربي للحدث الثوري كان سريعا بصورة يصعب معها تمييز كل حدث حصل في
إحدى الدول العربية عن غيرها بل إن الحدث أصاب المنطقة بطوفان من احتجاجات
يروم التعبير والتغيير والتطهير،وهذا الطوفان لا يزال متواصلا حتى في
الدول التي أنجزت مقدمات ثوراتها (تونس ومصر وليبيا مؤخرا) مما يعني أننا
لم ننته من معايشة الحدث الثوري الذي يروم تحصيل جوهره وتحقيق أهدافه التي
هي عينها مساراته خصوصا أن التجارب الثورية التي عرفتها الإنسانية (ثورة
1789 الفرنسية وثورة 1917 البلشفية على سبيل المثال) تعلمنا أن العبرة في
صمود القوى الثورية وفي حاصل النتائج القريبة والبعيدة التي حققتها
باعتبارها أهدافا هي أفق كل ثورة،والدراسة الابستيمولوجية أو التاريخية أو
حتى الاقتصادية لأي ثورة لا تكون جازمة الحقائق إلا بعد مرور المرحلة
التاريخية التي وقعت فيها الأحداث رغم أننا نعي أن كل حقيقة هي نسبية
باختلاف منطلقاتها ومحصلاتها وسياقاتها.لذلك من الأسلم النظر في طرق تقبل
الحدث الثوري الراهن وفي أشكال تلقيه ووسائلها المختلفة باختلاف صنوف
المتلقين نظرا فيه استقراء وتحليل واستبصار بتعليل بوسائل منهجية مستمدة
من مختف مشارب العلوم الإنسانية مما قد يسمح بمعرفة المسار الثوري الذي
تعيشه بعض المجتمعات العربية ومدى قدرته على أن يكون عاما لكل المجتمعات
ذات الخصائص المتشابهة ومحققا للدوافع التي حركته وبالتالي مستجيبا لتطلعات
شعوب المنطقة العربية خاصة والبلدان النامية بشكل عام .
2 - تلقّي الحدث ومراتبه:
إن تلقي حدث مّا ( la réception d un évènement ) من ذات واعية فاعلة في
محيطها يعني التفاعل مع ذلك الحدث بنفس الدرجة التي يكون عليها من حيث
الأهمية والتأثير،ونلاحظ هنا ما في أصل المصطلح من دلالة حافة فيها معنى
الاستيعاب والاحتواء،ففعل التلقي هو فعل مشاركة بالأساس سواء كانت تلك
المشاركة فردية أو جماعية إذ أن الالتقاء بين الحدث ومنجزه ومتابعه
ومتقبله عمل يشرع أبوابه على عملية تواصلية تفاعلية بين الفاعلين
التاريخيين والمنفعلين القابلين للفعل التاريخي الذين هم بدورهم قد يصبحون
فاعلين إذا حقق التلقي منتهاه فيهم ووجدوا طلبهم فيه بحيث يصبح فعل تلقي
الحدث هو عينه المشاركة داخل فضاء المجتمع.ومراتب التلقي تختلف باختلاف
المتلقي وصنفه والطبقة التي ينتمي إليها ودوره في المجتمع الذي ينتمي إليه
والمرجع الذي يحدد لكل رؤاه وإيديولوجيته التي يبني بواسطتها منطق
وجوده،ولكن يمكن إجمال التلقي في درجات من حيث الفاعلية التي بها يتبين
درجة الإسهام في الفعل التاريخي مما يجعل ذلك شرطا أساسيا من شروط تواصل
الحدث التاريخي في الزمان وانتشاره في المكان وحصوله في الأذهان دون
الوجدان.ومن ثمّ نجمل مراتب التلقي في المراحل التالية:

أ- الدهشة: ( étonnement ) الدهشة في مفهومها الفلسفي العميق صدام وعي مع
ما لم يألف سواء كان فكرة أو صورة، وهي اللحظة الفطرية الأولى للتمثل
ألقصدي لما لم يقع اعتياده من قبل الذات الماثلة أمام ما تشهد وتعي وما هي
بصدد اكتشافه.و هذه اللحظة التي يميزها عنصر المباغتة و سمة الفجائية تربك
أفق التوقع ( horizon de réception ) الذي ينجذب عادة إلى ما قد خزنه من
تجارب ومعارف وأنظمة دالة في مرجعيّته ( son référentiel)(جماعي 1998ص33)(
) مستمدا منه أشكالا من المقارنة والقياس عساها تمكن تلك الذات من رسم
صورة منسجمة مع ما تراه في الواقع وما هي بصدد معايشته لأن التجربة المعيشة
لتلك الذات لم تشهد ذلك الحدث الذي دهشت له فدهشتها عدم شهوده وشهوده نفي
دهشتها، فإذن على قدر محصّل التجربة والمعارف التاريخية المكتسبة يكون فعل
التأثر من قبل الذات (الفردية أو الجمعية) ومدى قابليتها لتغيير نماذجها
المكتسبة( paradigmes) أو تحويرها،وحين يكون المندهش له حدثا ثوريا لم يكن
مألوفا في مجتمعات لم تعرف غير الفقر والقهر منذ عهود يكون حجم احتواء
الحدث من حيث الوعي به متفاوتا بتفاوت خبرة الوعي والمعرفة التي اكتسبتها
الذات و إذا كانت تلك الذات ذات ميزة وجدانية عاطفية تحركها رهافة الحس
وصدق الشعور مع حيز ضيق للحرية يكون التأثر قويا بما يتساوى مع حجم رد
الفعل.

ب- الفهم :( compréhension ) المرحلة التالية للاندهاش حين يحاول الوعي
تلمس سبيل يجاوزه من لحظة الاكتشاف والوصف والمقارنة إلى مرحلة التفسير
والتحليل وربما التأويل أيضا بمحاولة تفكيك شفرات الوقائع وإعادة تمثلها
ونقدها. فالفهم هو عملية إدراك كلي للظاهرة تستغرقه الذات من خلال مجهود
عقلي يتيح لها تحقيق الانسجام والمعقولية إزاء الحدث الماثل أو المعيش
بطرق ربط النتائج بعللها والظواهر بأسبابها بتمييز المقنع من غير المقنع من
جملة الوقائع التي تحصل أو المنقضي منها، وكذلك انتقاء المعقول من
اللامعقول من الكم الهائل من الأخبار والمعلومات التي قد تربك عملية الفهم
دون الوصول إلى تحليل قويم وفهم سليم، لكن نشير هنا إلى أن الفهم ليس هو
المحدد لدرجة التفاعل مع الحدث الثوري الذي يحصل وإنما إكراهات الانتماء
الطبقي والمصالح في غالب الأحايين هي المحددة لأنواع ردود الأفعال إذ يمكن
للفهم أن ينبني على أساس إدراكي سليم لكن رد الفعل من الذات في تفاعلها مع
الحدث قد يكون غير سليم، وفي هذا الإطار يأتي البعد الوجداني العاطفي
المدفوع باحتداد الوعي الطبقي حين يدور الفهم على غير هدى ويضل سبيله إلى
تاريخه الناشئ في واقعه في اللحظة عينها التي تعي فيها الذات انتماءها
إلى واقع بصدد التشكل من جديد وعوض أن يكون الوعي بنّاء يكون هداما للذات
نفسها التي تكون قد عجزت عن الفهم الذي يخلصها من بوتقة التردد بين الإقدام
والإحجام والذي يمكّنها من صنع تاريخها وهو إذ يصنع يشكل نماذج جديدة تكون
الذات على استعداد لتبنيها والإيمان بها.ونشير هنا إلى أن من تقف لديه
مرحلة التلقي في هذه المرتبة يكون موقفه سلبيا غير فاعل أو" فهما
معطلا"(هانز جورج قادمير،الترجمة العربية 2007ص506)( ) لأنه لم يحفزه إلى
ترجمة الفهم إلى موقف يجسمه في مرحلة الفعل أو رد الفعل لإنجاز الفهم
وإخراجه من حيز الوجود بالقوة ومحله الذات إلى حيز الوجود بالفعل ومحله
الواقع. لذلك "فإن تجربة المعنى التي تحدث في الفهم تتضمن دائما
تطبيقا"(قادمير 2007ص506)( )، تطبيقا يطول نفسه ويبعد مداه إذا كانت تلك
التجربة هي الحياة والمعنى فيها هو إرادة التغيير.

ج- الفعل أو رد الفعل: (action - réaction) من النتائج المبدئية لكل عملية
فهم أن تلاقي الفكرة التي ترتسم في وعي المتلقي استحسانا أو استقباحا في
المستوى البين ذاتي (intersubjectif) بما ينسجم مع مكتسباته المعرفية
والتجريبية إزاء الواقع.حينئذ يبرز الموقف الذي يوجه عملية الفعل ورد الفعل
بصيغته الجامعة بين الوجداني والعقلي اللذين يتفاوتان حضورا وغيابا بحسب
تكوين المتلقي المعرفي والطبقي والعمري.فيقع تبني ذلك الموقف مع إمكانية
عرضه على من يشترك معه فيه،وللمصالح المادية المتعلقة بكل فئة دورها في
التفاعل مع الحدث الثوري فمن كانت مصالحه مهددة بالفعل الثوري لارتباطها
بالنظام القائم ينحاز إلى المجابهة والرفض إضمارا أو إظهارا.أما من كانت
مصالحه متعلقة مباشرة بوقوع الحدث الثوري فسيكون موقفه مؤيدا للنظم الثورية
الناشئة،مع الإشارة إلى ضرورة تحلي المتلقي بمعرفة تاريخية دنيا وإلمام
بخصائص واقعه حتى تكون قراءته للواقع المعيش متسقة مع النسق الجديد الذي
يتطلب من كل الفواعل الاجتماعية الشعبية توجيه مسار الحدث الثوري بالفعل
الإيجابي فيه ولربما مبدأ الحاجة والضرورة هو الدافع الأساسي للتململ حين
يكون هذا المبدأ مرتبطا بنوازع الذات التي تشتد ردود أفعالها أمام الحاجيات
الحيوية التي هي صميم وجود الإنسان وشرط إنسانيته.لذلك يكون التفاعل
تعبيرا عن وجود أصبح مهددا.حينئذ فإن مرحلة الفعل نتيجة للقبول ورد الفعل
نتيجة الرفض وكلاهما إنجاز لعملية الفهم وبناء الموقف هي المرحلة الحاسمة
في كل عملية تلق لحدث مّا، فحين يكون الفاعل التاريخي في منزلة معها يستطيع
التأثير في المحيطين به يتمكن من التأليب أو التأييد بحسب ما يمليه عليه
موقفه الذي قد يشترك فيه مع المجموعة التي ينتمي إليها، ثم إن هذه المرحلة
حاسمة لكل ذات لأنها تبدأ في التفاعل مع الواقع، وذلك التفاعل هو نتيجة
تلقي الحدث ممّا يجعل الذوات الإنسانية فواعل تاريخية قد ينسجم فعلها مع
الحدث الثوري فيذكيه وقد يتعارض معه فيفنيه، وهو بالضبط ما يصطلح عليه
"بالثورة" و"الثورة المضادة" رغم أن معارضة الحدث الثوري لا ترتقي إلى أن
تكون حدثا ثوريا بله كونها ثورة. وهنا يتبدى جانب من الصراع الطبقي باعتبار
أن الحدث الثوري ليس إلا نتيجة لصراع طبقي خاف أو ظاهر يريد الانتصار
للطبقة التي نشأ فيها ويروم تغيير البنى القائمة لعدم استجابتها للمسار
التاريخي العام الذي تعيشه المجتمعات،ثم إنه كذلك مجال لصراع آخر بين النخب
الثقافية والسياسية التي تتبنى المطالب التي هي أفق لإنجاز الحدث الثوري
أو ترفضها.وهنا تظهر النتائج المباشرة للتلقي على مستوى الواقع المادي
بمحاولة تغيير بناه ومقاومة من عاداه.
وبالعودة إلى الفاعلين المباشرين في الوقائع الحافزة -المنجزة أو التي هي
بصدد الإنجاز- المولدة للأحداث الثورية الواقعة في المجتمعات العربية، نجد
أنهم من الطبقات ذات التأثر الوجداني المباشر بصور الحدث الملتقط عبر
الوسائط المختلفة والوعي الطبقي العنيف الناتج عن سياسات المنع والقمع وهم
في قطيعة مع النخب الّتي تلاحق الرّكب وما هي ببالغته ليس عن عدم فهم
للحدث التاريخي وإنما تعاليا بتجريد الواقع عن الواقع .. ولم يكن من بين
النخب من تبنى متطلبات واقع الشعب اللّهمّ من أحسن منها دراسة الواقع،فمحرك
الشعوب نحو المسار الثوري هو معاناتها وآلامها وهو أيضا تطلعاتها وآمالها
التي خاب السعي في إنجازها من الفاعلين في النظم القائمة ومن المنظرين
لها ولغيرها مما لا يصمد جميعه أمام حركة التاريخ.لذلك كله عدل الفاعلون
الشعبيون عن الوسيط السياسي أو الثقافي أو حتى المادي مقابل الإنصات إلى
نبض الشوارع الثائرة عبر الوسائط المباشرة وليس أعتى من وسيط الصورة ناقلا
للمتلقي ما يتفاعل معه.ولما كان التلقي مرتبطا أساسا بالصورة في وسائل
الإعلام ووسائل الاتصال مع ما لها من قدرة على اختراق الوعي الجمعي الميال
إلى التأثر المباشر بما ينقل، فإن حجم ردود أفعال الفئات الشعبية لم يكن
متوقعا أن يكون متفجرا بالشكل الذي أصبح معه مطلب التثوير مطلبا حيويا لكل
الشعوب المضطهدة التي يسابق وجدانها أذهانها وما ذاك بقصور منها عكس
النخب التي يسبق فكرها تحركها وذاك عينه الفتور فيها.لقد استسلم الشعب لسحر
صورته التي عادت إليه بعد أن كانت متوارية عنه بحجب المنع والتشويه
الضاربين في التاريخ الثقافي والسياسي للشعوب العربية.وربّ صورة ما أفلح
توجيهها تضخيما و تقزيما في أن يستر الحقيقة الثاوية في مدلولات الصورة:
أنّ الشعب يريد ويستطيع ويفعل وأن إيمانه بنفسه هو عينه ثورته فلم يفلح
القائمون على الصورة في كبح جماح تأثيرها في من نقلت إليهم وكان الظن أنه
تم التحكم فيهم بسطوة الصورة فارتد السحر على ساحره وعادت الصورة إلى
منبعها،والصورة تتجاوز كونها وسيطا (intermédiaire) إلى كونها
خطابا(discours) ينقل مباشرة الوقيعة إلى المتلقي الذي يتفاعل مع سَنن ذلك
الخطاب (ses codes) بما يتواءم مع ظروف التلقي وحوافها كصنف المتلقي
وانتمائه وإيديولوجيته فضلا عن استعداده لاستيعاب وجوده في مجال التفاعل
الذي يتجاوز البين ذاتية الفردية إلى البين شخصية interpersonnelle)
(relationالجمعية بإقامة علاقة تواصلية تشترك في بنية نظام الأفكار
المتماثلة أساسا في إقامة "بنية تواصل تحقق الفعل التبادلي بين
الفواعل"(يورغان هابرماس1998 الترجمة العربية ص451)( ) وهي العملية النظرية
التي تكوّن"عقلا تواصليا" (logos inter communicationnel) * حسب عبارة
هابر ماس "يحقق تغييرا في النموذج والانتقال من عقل متمركز على الذات إلى
عقل تواصلي"(يورغان هابرماس،الترجمة العربية1995ص458) ( ) يبني واقعا جديدا
مشتركا ترنو إليه الذات في علاقتها بالمحيط في مختلف أبعاده.وفي هذا
النطاق من النظر يأتي البحث في صنوف المتلقين وهم الفاعلون التاريخيون
المنجزون وهم من يطبع التاريخ بأحداثه بالتفاعل مع الحدث الثوري حين يجد
صدى له فيهم.ولن يكون البحث شاملا لكل شرائح المجتمع ولا معتمدا لمعيار
نمطي منقول عن المدارس الاجتماعية المعلومة(J,François Dortier2007 p 90)( )
وإنما سيقتصر على ثلاث هي الفئات الفاعلة في الواقع مباشرة وقد تلقت
الحدث الثوري فتبنته وأججته وواصلته تواصلا وبدأت في تحديد مساراته أو
تجاهلته فقاومت إعادة انبعاثه برد فعلها السلبي.
3 - صنوف المتلقّين:

أ- الفئات الشعبية :
هي العمال والفلاحون والبورجوازيون الصغار كالموظفين والتجار الذين يتطلعون
إلى واقعهم المادي بعين المصلحة وإكراهات الضرورة وينظرون إلى وجودهم بعين
الوجدان لا برأي الأذهان وبقربهم من الفضاءات العمومية فهم الأكثر احتكاكا
بالحدث الثوري حين ينشب أو حين ينجز لكون خطاب الصورة ذا تأثير مباشر في
هؤلاء بشكل يكون فيه التفاعل معه مباشرا. فهذه الفئات الشعبية هي المحدد
لعنصر التعبئة الناجم عنه رد الفعل فإما يكون التلقي فيه من التفاعل
الايجابي ما يجعل هذه الفئات تبدأ في التململ والانتفاض أو تؤازر وتتعاطف
فلا تسمح للمتلقي السلبي بأن يجعل من تضرر مصالحه مع النظام القائم سبيلا
للصدام مع من ترتبط مصالحه بالنظام الثائر.مع الإشارة إلى أن هؤلاء هم من
يؤمنون بالمبادئ الاجتماعية العليا التي قد تنتهك أو هي بصدد الانتهاك من
قبل النظام الذي يدافع عن نفسه فيكون رد الفعل محتدا بإذكاء عاطفة الثأر
والانتقام مثلا أو الانتصار للمظلومين وهنا يظهر الجانب الإيجابي في
معتقدات الناس التي يبنون بها قيمهم الإيتيقية فحين تنتهك هذه القيم يصبح
الخروج على النظام "واجبا دينيا" أو"ثأرا قبليا" أو "كرامة إنسانية" حسب
ما تحدده إيديولوجية كلّ فرد والمحيط الثقافي الذي يبني له تصوراته مع ما
في ذلك كله من فرص سانحة للتـأطير والتوعية من قبل النخب حتى لا يصبح مطلب
إسقاط النظام رغبة ثورية وليس حدثا ثوريا يتأسّى بغيره وتقليدا دون إرادة
بناء، نعني أنه إذا لم تتحد الرؤى سيصبح إنجاز الحدث الثوري مطلبا دون أفق
يحدد مساره. ولمّا يتم التواصل بين المؤطـَّـرين الثائرين والمؤطِرين
الثوريين ينسجم تفاعل المتلقين مع الحدث المتقبل نظرا إلى تضافر العنصر
الوجداني العاطفي المؤجج مع العنصر الفكري المعقلن المسيّ، فيمكن بالتالي
إعادة تمثله بصورة أسلم من نشوئه أول مرة في مهده الأصل فضلا عن استطاعة
تحريك المسار الثوري حتى يمكن صنع ثورة متكاملة(E.Nerveu1996)( ). من جانب
آخر تكون الفئات القائمة على النظام ذات تفاعل مباشر بالحدث لكن ردود
أفعالها متمايزة بين من يرضخ لولاء النظام القائم فيحميه ومن يعود إلى
انتمائه الطبقي فيخرج على قوانين النظام المثار عليه ويعود إلى حوزة مجتمعه
بعد اغترابه عنه بفعل استلابه من قبَل السلطة، ذلك ما يفسر دائما
الاختلافات التواصلية التي تخترق تمثل الحدث الثوري باعتبارها اختلافات
ناجمة عن اختلاف في مراتب التلقي وهي تؤدي إذا احتدّت إلى العنف إن توفرت
وسائله، كما نشير هنا إلى أن هذه الفئات هي الأكثر تضررا أو منفعة من
النظام القائم أو من النظام الثائر لارتباطها بكل النظم ارتباطا يمس
وجودها الحيوي غير المشبع .
ب- الشباب:
صحيح أن فئة الشباب ليست مقولة طبقية بقدر ما هي مقولة عمرية،وقد تمّ
استدعاؤها بدافع ملاحظة دور ما يصطلح عليه بصراع الأجيال المساهم في
احتداد الوعي بالواقع من طرف الشباب ثم أليس لصراع الأجيال مظاهره الواقعية
بالإضافة إلى نزعته النفسانية ؟ يبدو الأمر كذلك إذا علمنا أن معطيات
موضوعية تحدد رؤى الشاب باعتباره فاعلا تاريخيا بالوعي من حيث أن له
وجوده الذي يعيه وله من خلاله قصدية إزاء الواقع الذي لا يملكه نظرا إلى
سيطرة جيل آخر على ذلك الواقع فهو من هذا المنظور ليس فاعلا اجتماعيا
بالبطالة التي تحتوي في مظانها معنى انعدام القيمة بمدلوليها المادي
والمعنوي لكنه فاعل من جهة أنه قد ساهم في تشكيل معالم عقل تواصلي جديد
بفضل قدرة هذه الفئة على استخدام وسائل إنتاجه التقنية والتحكم فيها بناء
على حاجة نفسية تروم إثبات الذات فاعلة،و هذا العقل افتراضي ولا شك،لكنه
يكفّ عن كونه كذلك لأنه بنّاء لمّا تم التواضع على التفاعل الاجتماعي
الواقعي بواسطة استعمالاته واستعلاماته. إن التقاء مبدإ الضرورة مع مبدإ
الوعي بالضرورة يجعل الرغبة في التغيير مصّاعدة ويذكي الحاجة إلى واقع
بديل كان يتصور في صياغته الفرضية الافتراضية وأصبح موجودا في صياغته
الواقعية التي يتم تلقيها،وليس لجوء الشباب إلى وسائل الاتصال إلا دليلا
على الرغبة في إقامة البديل الافتراضي الذي يتم التحوير فيه حين يتلقى
ليقام في الواقع في صورة جديدة ليست هي الأولى. وبحسب قدرة هذه الفئة
العمرية على التفكير والتنظيم والإنجاز يكون تلقي الحدث الثوري هو نفسه
نواة حدث ثوري آخر ولذلك يدخل في هذا المضمار تكوين الشباب الكيفي ومدى
كثافته في المجال حتى يعلم مدى تمكن فئة الشباب من الالتحام مع الفئات
الشعبية وهي منها، لكن الإيجابي هنا أن الشباب لهم مصالحهم المادية مع
النظام الثائر وليس النظام القائم ما يفسر جميعه نجاح سريان الحدث الثوري
إلى البلدان ذات القاعدة السكانية الشبابية المعطلة عن الفعل الاجتماعي
بمختلف أبعاده.
ج- النخب:
لم تستطع النخب تثوير الواقع حين أرادت ذلك لكنه حدث لما يئست منه،وحين
نذكر النخب نقصد جملة الفواعل الثقافية والسياسية التي تنكبت عن كل فعل
سياسي - ثقافي واكتفت بدور المراقب أو التي انخرطت فيهما لكن بدور المعاقب،
والفعل السياسي والثقافي صنوان لتمازجهما في علاقة جدلية تتلخص في طموح
كل فكر للاستحواذ على السلطة وطموح كل سلطة في الاستحواذ على الفك، ولمّا
كان الأمر كذلك انبرت النخب المستقلة تتفاعل مع الحدث الثوري بالفعل فيه
تبنيا ومشاركة بغرض القيام بواجب تأطير انفعالات الجماهير وردود أفعالها
الوجدانية فيكتمل بذلك بناء العقل التواصلي الفعّال لما يريد، أو بمحاولة
ادعائه أحيانا عساها تتمكن من بث رؤاها في الأوساط الثائرة تمهيدا لتأسيس
قاعدة جماهيرية ترفع لها شعاراتها الإيديولوجية وبالتالي تسيير الثورة إلى
مسار نفعي يقف عند الإيديولوجيا سقفا أقصى بعيدا عن متطلّبات الواقع الذي
يجب أن يكون هو سقفا لكل إيديولوجيا. ومن جهة أخرى تأتي النخب القريبة من
النظام القائم أو المباركة له فتنبري تكافح كل تلق للحدث الثوري وتنافح عن
النظام القائم الضامن لمصالحها ومكانتها، وهذا الصنف من النخب يعطل عملية
التلقي وإن لم يتمكن من إبكاتها وإخراسها فإنه يتمكن من خرم عملية تكوين
عقل تواصلي ثوري داخل المجتمع ببث كل ما من شأنه أن يشوه صورة تلقي الحدث
الثوري فضلا عن كبح جماح اتجاه ذلك الحدث نحو إعادة تمثله في الواقع. فلذلك
يكون للنخب اليد الطّولى في حماية شعارات شعوبها الثائرة التي صممت على
التفاعل بشكل يغلب عليه الانفعال وليس أمام تلك النخب إلا ترجمة إرادة
الشعوب إلى واقع تتصالح معه الفئات الاجتماعية بما أنها رغبت فيه
ثائرة.محصل القول إذن إن الصراع النخبوي أعتى من الصراع الطبقي لأن الصراع
الطبقي يسير(بصيغة الفعل الدال على السيرورة) والصراع الإيديولوجي مسيّر
(بالكسرة حينا وبالفتحة أحيانا) وإن أُخُطئ في التسيير فقد يخيب فعل
التثوير وتضيع المصائر بشتات البصائر.
خاتمة:
إن نتائج عملية تلقي الحدث التاريخي الذي يكون ثوريا تتحدد في مساراته التي
تتضافر فيها جميع أبعاد المتلقين وظروفهم وصنوفهم و إكراهات واقعهم
وتحدياتها مع وجود الإرادة في المشاركة في التاريخ الذي لا يقصي الذوات
البشرية مهما كانت مواقعها إلا إذا أرادت تلك الذوات إقصاء أنفسها من
التاريخ. ولا نعدم هنا بعدا آخر ذا علاقة علية بتشكيل معالم المرحلة
التاريخية وهو أن المسارات الثورية تخضع أيضا لقوى أخرى خارجية يحركها
صناع القرار الدولي، وهم أيضا متلقون غير مباشرين متربصون بكل حدث ثوري
فيحاولون توجيه تلك المسارات إذكاء وإخمادا بما يتماشى مع المصالح
الإمبريالية والطموحات الجيو سياسية، وهذا الواقع لا ينفي أننا حين نفكر
في المسالة نلاحظ أن الفعل الثوري أو الحدث الثوري يكون وليد موقف ناشز عن
العادة أو عن السائد البائد ويكون كذلك فعل قدح يعدل بالواقع عما هو فيه
بحيث لا ملامح للأفق المنظور له غير ما هو ناظر إليه وما ينتظر منه ولا
مجال في تصور نتيجة مساره ما لم تكن هي الثورة، ويمكن، في بعض صنوف
الثورات،أن يكون الحدث الثوري مهيئا للوجود بالفعل بعد أن كان الوعي به
موجودا بالقوة مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية، ففي كلتا الثورتين
كان الفكر هو الدافع والواقع هو القادح في لحظات نادرة للاتفاق بينهما
وحينها يكون فعل التثوير هو فعل الوجود بحيث يكون الفرد_في الثورة وجودا
للإنسان الذي يضمر الثورة في وعيه ويظهرها في فعله،فيثور الوعي على واقعه
إذا كان الواقع ثائرا بالذات، وتلك قيمة كل ثورة تسعى إلى أن يكون مسارها
ميمّما شطر الإنسانية بأن تجد صداها في كل إنسان ومداها في أي مكان،حينئذ
يمكن الحد من تأثير الخارج السلبي على أي مسار ثوري إن تناغم الفاعلون
التاريخيون المذكورون أعلاه بحيث يجعلون لتاريخهم الوليد أفقا إنسانيا
شاملا من دون المماهاة بين الثورات عند الشعوب رغم أن الحدث الثور ي واحد
حين يتم التفكير فيه. ولما كانت "الثورة" في تونس "بدون رأس"كما قال البعض
أي لا عقل دبرها ولا وعي بها أنشأ ما أحضرها ولا تفكير بلورها فلأنها ليست
في حاجة له لحظة اندلاعها بل هي ليست مطالبة "برأس" إذا كان ذلك الرأس هو
واقعها، وإن احتكمنا إلى الشعارات الشعبية التي رفعت نجد أنها ذات محمولات
غنية الإشارة جزلة العبارة يمكن لمحك التحليل والـتأويل أن يكشف عن
الوعي الثاوي في دلائلها من جهة أن الشعب قد وعى مقاصده دون حاجة إلى وعي
يقف وسيطا بين الشعب وإرادته، وحتى إن كانت بالفعل "ثورة جسد " كما قال
أحدهم فلأنها ليست ثورة وعي أو عقل، لأنها قامت ثأرا من واقع القهر والفقر
والحرمان فكان أفقها ضمان إنسانية الإنسان في بعد ه المادي الممتد أي في
جانب الحاجة والضرورة التي تقيم أود الكيان باعتبار أن ذلك الكيان إن فكر
فقد فكر في الضرورة الطبيعة ولم يفكر في وعي الكيان وذلك طبيعي إن كان
تثوير الواقع والمجتمع يستتبعه تثوير لبنى الثقافة والعقل والوجود بطريقة
فاصلة مع الماضي الذي فشل في التعبير عن كل كيان،الأمر الذي لم يكتمل بعد
لواقع الصدام الذي أعيى النخب دون لأي مما قد ينعكس سلبا على الواقع.ولسائل
أن يسأل فيقول إن أفق الثورة كان يروم حرية فقدها وكرامة عدمها بالتساوق
مع ما هو ضروري للحياة والجواب أننا نعلم أن البعد الأول قد حرك الثاني من
جهة ومن جهة أخرى فإن غياب الفعل الواعي في حدث الثورة جعل من تصور الحرية
أو الكرامة مرتبطا وثيق الارتباط بالطبيعي والضروري أو هما عند البعض
واحد، وهو الأمر الذي يثير مخاوف التفكير لأن نهاية مسار الحدث الثوري
ستنتهي بنهايته اقصد أن الثورة ستذوي في اللحظة التي يتم فها تحقيق الضروري
الذي من أجله اندلعت انتفاضة المسحوقين سواء أثناء تشكل الحدث الأول ذي
السبق تاريخيا أو أثناء تلقيه وإعادة تمثله في لحظات أخرى من التاريخ،فلو
فشل مسار الأول وانتهى بابتدائه سيفشل كل مسار ثان لحدث ثوري آخر. ولكي لا
يحدث هذا المسار وجب على النخب أن تتمّم الحدث الثوري بفعل وعي به وإيضاح
كيفيات التلقي لمجتمعاتها حتى تثور بقية الأنساق التي هي في حاجة إلى
تثوير.فالشعوب العربية لديها فرصة لصنع تاريخ إنساني جديد مهد له الشعب
التونسي يرقى بالإنسان "النامي" إلى الإنسان "المكتمل" فأبعاد ما تنشده
الشعوب العربية في ما تشهده هي أبعاد الإنسان الوجودية التي لا يكون كذلك
إلا بها ووعيها وعي سبّاق لتميزه بتاريخ تجارب مرير وتجارب مع التاريخ
مريرة، ولذلك فالأمل أن يمتد الحدث الثوري إلى أن يكون زمنا ثوريا يصبح
فيه الإنسان أو المجتمع هو عينه الثورة ليس في جانب الضرورة والحاجة كما
هو قائم في الواقع وإنما في أبعاد الإنسان الأخرى التي تستمر في التاريخ
فتكون هي التاريخ باعتبار أن من يصنع التاريخ هو الذي يثور عليه، وحدث
الثورة اليوم هو حديث التاريخ غدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

تلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته معز الزموري :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

تلقي الحدث الثوري عند الشعوب العربية ومساراته معز الزموري

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: