** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع يونس بنمورو

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
تابط شرا
فريق العمـــــل *****
تابط شرا


عدد الرسائل : 1314

الموقع : صعلوك يكره الاستبداد
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع يونس بنمورو Empty
16102012
مُساهمةأوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع يونس بنمورو


















2012-10-14

أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع






أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع يونس بنمورو Vivre-ensemble%281%29









: ليس بالغريب بتاتا و مطلقا أن تتجاور العبقرية بقليل من نفحات الحمق و
الجنون ، و غير بعيد عن المنطق كذلك أن تختلط النشوة الإبداعية لكبار
الخلاقين بالإكتئاب النفسي و الإضطراب الوجداني ، و أن تتمازج بالحزن الحاد
و العميق ، و من مؤشرات الساذجة و السطحية البلهاء ، أن ننكر بجحود تام
دور الهذيان الهوسي و الجنون الدوري في عملية الخلق و الإبداع ، و من الترف
و الإبتذال أيضا أن نقصي شيطان المس و نوبات الصرع الدوري من مسار إنتاج
المعنى و تبنيه ، فمن المقبول و المستساغ إذن أن يستمد الإبداع غذائه و
نسغه أحيانا و لربما دائما من الجنون الداخلي و الإهتزاز النفسي ، فمن غير
الغريب أبدا أن يتقوى من زفرات العذاب القتيم ، و أن يتنامى نتيجة إختلالات
الذهن الشديد ، المبني عن أخطبوط العصاب و حربائية المزاج ، فلا إنتاج
لمعنى المعنى إلا بالمرور بالضرورة من الإحباط السيكولوجي ، و من قالب
الإكتئاب السوداوي و إلزامية التوتر الداخلي ، فلا إبداع بدون حبة جنون ، و
لا خلق لللاموجود في غياب شظايا التوتر و الهذيان ، فالعصاب العفوي أو
الإنتظامي صانع للكاتب و الفنان ، و أصالة الإبداع مهدئ لحال المبتكر و
الموسيقار ، و الإبتكار المائز مشف لجراح كل مبدع شغوف و ولهان ، أو متأزم
مكتئب و سرحان ، فالعبقري تجل من تجليات عقدة النقص الفاجع ، أما الخلاق
فهو نتاج الفضاعة و المعاناة ، فالعبقرية أصل الإبداع و السبب الجوهراني في
الكتابة و التخطيط ، فالعقدة جرح غائر في كرامة الشاعر و الفنان ، توخز
الشخصية المرهفة الضعيفة لكل إستثنائي مبدع خلاق ، و تعمق جراح نرجسية
الباحث المفكر و حتى المتأمل الفيلسوف ، فجميلة هي الكتابة إذن كدواء
لتهدئة القلق و التوتر ، و عملية هي لتصريف الهموم و الغموم ، و فعالة في
تسكين الهذيان الهوسي و ترميم الشرخ الداخلي ، فهي في البدء و الختام
محاولة إستنجادية لتفوق الذات على نفسها و سموها على جسدها ، لتغطية مواطن
النقص بها ، و لملئ وعاء الإحتياج تحريرا لشخصيتها من كافة عقدها و
عاهاتها ، حتى تتمكن من تجاوز أوجاعها و أهاتها للتحليق بها في أعالي
الأعالي حيث الراحة و التوازن الطبيعي ، فلا ريب إذن أن يكون الإبداع صمام
أمان لإعطاء الشخصية ثقتها بنفسها ، و إشباعها بروح التوازن و الإستقرار ،
فالشخصية المريضة و المشروخة النفس و البنيان لا تستطيع أن تتوازن إلا
ببلسم الخلق و الإبداع ، فالكتابة رياق الأدباء ، و وقود داخلي للإختراع و
الإكتشاف ، و هي تأجيل بالواضح و المكشوف للجنون و الإنتحار ، فالتناقض بين
المبدع و طراهات العالم يصبح حادا إلى درجة يستحيل حلها و الشفاء منها ،
إلا عن طريق الإنفجار الإبداعي الباذخ الخلاق ، أو من خلال الإشتعال الغير
متوقع كالحريق ، أو مثل الحمم و طريقة إنفجارها من أفواه البراكين ، أو
لربما كالشلالات و الينابيع ، فحالة الإبداع و الإبتكار هي حالة هوسية يبلغ
فيها التهيج حده الأقصى ، لينعكس في شكل خوارق تتعف من الإعتيادي و
المبتذل ، لتميل للوحدة و الإنعزال ، لتفضل الخلوة و التواري عن الأنظار ،
لتختار السباحة في عوالم الإبداع الصاعق و الفكر الهائج تنفيسا عن الهم
الداخلي و تساميا بالإرهاق الإكتئابي ، لتتمرغ في أحضان الفن النيزكي
المارق و الجبار ، فمن هنا و على هذه الشاكلة ، تأبى دوائر الإبداع عند
أوغست كونت كغيره من المضطربين ، أن تخرج عن سياج الإنهيارات الداخلية و
الإضطراب العقلي ، فهو إبن الأزمة و وليد الإضطرابات الإجتماعية ، و شاهد
عيان عن الفوضى الفكرية و الغوغائية المذهبية ، تغلغل في فترات مد و جزر ، و
عايش الثورة و الثورة المضادة ، ففهم الديمقراطية و سيادة مبدأ الإنسان ، و
عرف بالملموس معنى الديكتاتورية و الإستبداد ، أما في رعيان الشباب فقد
مقت تقاليد الدين إلى حدود الكفر و الإلحاد ، فهذا هو إبن عصر التنوير ، لم
تكن حياته بالصريح و الموضوعي مستقيمة ، أو وفية لنهج الفلاسفة الرزينين و
الرصينين ، بل كانت هائجة عاصفة إلى أبعد الحدود و المستويات ، بل و
متناقضة لفلسفته في الشكل و المضمون ، فلم تكن وضعية تميل للعلمية و الدقة ،
و لا عقلانية تنتسب للعقل و التفكير ، بل كانت متقلبة و بركانية ثائرة في
عمقها و شكلها ، مليئة هي بالهزات و متخنة بالرجات و الخضات ، فلم تعرف
للتوازن المطلق طريقا و لا للتفكير الجاد سبيلا ، بل كانت حياة إنتكاسات و
تمزقات بدون أدنى ريب أو نقاش ، متصدعة في العاطفة و الوجدان ، لم تعرف
الثبات و الإستقرار الرزينين يوما ما ، فلم تكن متوازية على طول الخط بل
عرفت رجات تلو الرجات ، شكلت إنتكاساتها و هزاتها معالم شخصية متناقضة
لحدود الإمتلاء ، فشلت مرات تلو المرات في تنقيبها عن العاطفة و الوجدان ،
فلم تتقبل فشل الفشل نفسه ، فأعادت الكرة مرة أخرى بحثا عن شيء من الحب و
الهدوء أو الإطمئنان ، لكن وجدت الفشل نفسه مرة أخرى ، لتعي في نهاية الأمر
و بعد طول تجارب رهيبة و إخفاقات خطيرة و متنوعة أنها خلقت لشيء أسمى و
أرقى غير ذلك المرتبط بعوالم الحب أو دنيا الزواج ، أو ذاك المتعلق بشيء
من اللذة أو الإحساس ، فحياته بعيدة أن تنسب لمنظر الدقة و شيخ الوضعية ،
أو تنتسب لمبشر العقلانية و المبادئ المنطقية الرياضية ، حياة عنوانها
الغرابة في الشكل و المضمون ، فمن يقول أن كونت جعل من زواجه ميثاق ود و
وفاء لعاهرة باريسية ذائعة الصيت و الشهرة ، و ذات نجوم الجودة و الإمتياز و
حتى الأداء ، بجسد يعربد فتنة و إغراء ؟ فمن كان يعتقد من باب الإبتذال أن
سكرتير الإشتراكي " كلود هنري سان سيمون " و إبنه بالتبني سيغرم بها ، و
أن قلبه لن يقبل النبض سوى لها ؟ من كان يظن بأن بروفسور السوسيولوجيا و
الفلسفة الوضعية سيحبها و سيقرر الإشفاق عليها بإتخاذها زوجة و شريكة حياة
؟ من كان يفكر ولو تشاؤما في حق أوغست كونت بأن رغبته ستتجمع لإنقاذها من
حرفة اللذة و جحيم العهر والبغاء ؟ من كان يعتقد ولو من باب الترف أنه
سينقلها من الرصيف ليعاشرها في إطار الشرع و القانون بعدما كان من أشد
زبنائها ترددا و إخلاصا ، و رغم كرهه لشعائر الكنيسة و بركات الدين ؟ من
كان يفكر إذن بأن كونت إنساني إلى هذه الدرجة و الحدود ؟ من كان يقول بأن
حياته ستكون بهكذا طريقة مسارها الحزن و الإحباط الشديد ؟ فلم تكتنز أحلامه
النفس الطويل و القدرة على التمني و الخيال ، فلم تستطع مجارة طيش زوجته و
تمردها ، فلم ينعم بالهناء و لو ليوم واحد معها ، و لم يحس بصفة الزوج
السعيد بجوارها ، بقدر ما زادت حياته غما و نكدا ، حتى تفاقمت مخاوفه من
البهدلة و الفضيحة بسبب وقاحة أفعالها ، فما ألت إليه أوضاعه لا يصدق و لا
يقع على الحسبان ، إذ وصل به الأمر إلى التوسل إليها ، و كذلك تهديدها لتكف
السيدة العروسة عن أفعالها الشهوانية و تعود لجادة صوابها ، لكن الأمر لم
يكن بالسهولة بمكان إذ لم تتوقف عن الإسترزاق بجسدها و الإستنعام بأعضائها ،
كلما كانت في حاجة ماسة لفستان جميل أو حقيبة باهظة الثمن و القيمة ، و
الفضيع في الأمر أن فيلسوف الوضعية لم يسارع للطلاق منها و الإقرار بوضعية
الإنفصال ، بقدر ما زاد حبه لها و زاد تشبته بها أكثر فأكثر إلى حدود الذل و
المهزلة ، و التدهور و الهلوسة و كذلك الهذيان ، لينتهي به الحال في مصح
عقلي نتيجة إضطرابه المزمن و لإصابته بلوثة عقلية تداعى عقله من خلالها إلى
الوراء ، ففقد أعصابه إلى أخر الحضيض ، فلانت السيدة " كارولين " كثيرا
و راحت ترعى أستاذ الوضعية الإلحادية الهش و المريض ، و أخذت في الإهتمام
به حتى إستعاد توازنه ، و ما أن شعرت نوعا ما بتعافيه و هدوءه ، حتى راح
شيطان المغامرة و وسواس الشهوانية يعربد في جسدها من جديد ، لتختفي فجأة
دونما إعلان أو سابق إنذار ، و دونما أن يعي قبلا قرارها و عزمها ، تركته
بأنفة و عنفوان ، و غادرت البيت إلى غير رجعة ، لكن رغم فعلها و تنكرها له
إلا أن حرارة حبها له لم تنطفئ يوما بل ظلت ملتهبة تحت الرماد ، فقد عادت
في ما مضى لتداوم على دروسه في إحدى كنائس باريس ، كمستمع عادي بين الحضور ،
لم يستسغ رحيلها رائد السوسيولوجيا فيما قبل ليجن و ليختار الإنتحار كحل
إستشراقي ينهي من خلاله معاناته و ألمه الحاد ، ففضل رمي نفسه من أعلى جسر
في باريس إلى قاع نهر السين ، لكن لسوء الحظ ، فحتى الموت لم يعد راغبا فيه
بل زاد الألم و الحزن في حبه له و التشبث به ، فشاءت الصدفة أن ينتشله أحد
أعضاء الحرس الجمهوري من موت محقق و أكيد ، ليحس لأول مرة بفعلته و بحقيقة
وضعه ، كما شعر بضعفه المعنوي و النفسي ، ليعي بعد خضات تلو الخضات أن
المبرر الوحيد لوجوده على سطح الوجود هو رسالته الفلسفية لأنها الوحيدة
التي ستبادله نفس الشعور و ستشفيه من الحمق و الجنون و ستعوضه عن كل الآهات
و الزفرات ، فإجتاز محنته بعدما ألزم نفسه على نسيان الولع و الحب الجنوني
، ليعكف على الكتابة و التنظير مكرسا كل وقته للإبداع الغزير و إنتاج
المعنى الهائل و الفريد ، تخليدا لنفسه على صفحات التاريخ ، فحتى عندما
حاولت السيدة " كارولين ماسان " الإتصال به فيما بعد لنسيان الماضي و
الحفاظ على رابط الصداقة المقدس فقط ، رفض بجحود و كره كبيرين ، و أصر على
وحدته وعزلته ، فكان له ما رغب و أراد لمدة من الزمن ، إلى حدود أن إستفاق
حبه من جديد على حدث عاطفي يشبه قصص الحب العذرية المثالية إن صح التعبير ،
حدث هز كيانه من أعلى عليين إلى أسفل سافلين ، و قلب طاولة فلسفته من
العقل و منطق التفكير إلى الحب و الوجدان ، فبدأ الإعتقاد في العاطفة
البريئة و الحب الكوني عوض العلم الوضعي ، لينقلب على العلمية والتكنولوجيا
ليمجد الصوفية و القيم المثالية ، هي ضربة عاطفية أثرت على مجرى تفكيره
التقدمي و المادي ، و غيرت مسار فلسفته ، إذ أخذ قلبه في النبضان لإنسانة
متدينة ، مريضة ضعيفة الصحة و البنيان ، بل و مصابة بمرض خطير يستحيل معه
الشفاء ، كانت النقيض المطلق للعشيقة العاهرة " كارولين ماسان " هذه
المرة كانت إنسانة من طراز أخر راق و رفيع ، وقع في حبها بشكل غريب و صاعق ،
بل و جارف يتجاوز كل تفسير ، كانت فتاة شاعرة و أديبة تنتمي لعوالم
المثقفين ، أرستقراطية و محترمة كذلك ، تصغره بسبعة عشر عاما تدعى "
كلوتليد دو فو " رفضت حبه على المستوى الجسدي لبشاعته و قبحه المورفولوجي ،
لكن أصرت كما قبل هو بالمثل على أن تظل العلاقة بصبغة صداقاتية محضة
يتبادلان من خلالها الرسائل و الزيارات فقط لا غير ، دونما عشق أو هوى لا
يتقاطع و ذلك الحب الأفلاطوني العذري ، فإستحسن الأمر الذي لم يدم سوى فترة
من الزمن حصر في السنة أو السنتين كأبعد تقدير ، حتى توفاها القدر و أخذها
الموت من بين يديه و أمام عينيه و هي على فراش الموت تحتضر ، فجن جنونه
لواقع الحال و بكاها بكاء مرا ، إذ لم يتقبل بالبت ما ألت إليه الظروف ، و
لم يستسغ بالمطلق مشيئة القدر و القضاء ، ليظل وفيا لزيارة قبرها بإستمرار
حريص ، و بإنتظام شديد إلى أخر لحظات من حياته حتى وافته المنية هو الأخر
أيضا بعد عشر سنوات على رحيلها ، لتصبح ذكرى مقدسة يحتفل بها كل عام
بإعتبارها جزءا لا يتجزأ من فلسفته الوضعية القاسية ، فكل ألوان الزفرات و
الخيبات التي كابدها ، و كل أشكال التمزقات و الأهات و كذلك الصدمات التي
قاساها ، لم تزد لرائد علم الإجتماع إلا كمياء الإنتاج و نشوة الإبداع ،
فرغم فقره و عزلته عن الجميع ، و عيشه على التبرعات و المساعدات مقاصيا
الجوع و التهميش ، و رغم عيشه وحيدا في ظل أجواء التعتيم و اللامبالاة
العامة ، و تمرغه في الإهمال و سوء التعامل و الإعتراف ، و رغم إنجازه
لبحوثه الوضعية الجافة ، و تنظيره لحضارة عقلية منظمة تنبني على المنهجية
علمية و التفكير النقدي العميق و الدقة في التعامل و المواعيد ، إلا أن
شهرته لم تنفجر إلا بعد موته و رحيله ، و رغم سوء حظه مع الحب و الوجدان ، و
رغم كل إنتكاساته التي تنتهي ، إلا أنه لم يقر الإستسلام و لم يبدي
التراجع إلى الوراء ، فرغم رفض جامعات فرنسا طلباته ليصبح بروفسورا بين
جدرانها و داخل مدرجاتها ، و رغم فشله في ترشيح نفسه لمنصب الأستاذية في
التعليم العالي ، إلا أنه شحذ القلم و إستنفذ طاقات العقل ، حتى وصل به
الأمر إلى التبشير بدين جديد يسعف البشرية في التقدم ، و يحقق لها التطور و
الإزدهار ، و يعفيها من غياهب التطاحن السياسي و الإقصاء الإجتماعي ، و
يخفف عنها كل أشكال الإضطراب و الفوضى الناتجة عن الثورة و التدمير ، لرغبة
منه في فهم سبب الهزات و الإختلالات ، لإيجاد دواء لهذا للإجتماعي المنهك و
المريض ، نتيجة إستفحال قيم الفردانية فيه و تشعب التفكك و الإنعزال بين
ثناياه ، و أملا منه في الإنتقال من عوالم الكارثة و الأزمة ، لمرحلة
البناء و التعمير تجاوزا لتمزقات الإجتماعي المتنوعة من مجازره الطاحنة و
حروبه المدمرة ، و ذلك لترسيخ النظام و إستتبات الأمن و الإستقرار تحقيقا
للسلام ، و في سبيل التنمية و رفاهية الإنسان ، عوض الهروب عن المجتمع و
الإرتحال عنه ، و بدلا من إعادة الخضات البائسة نفسها ، و الإنقلابات
الكارثية المزمنة ، فهو دين فلسفي خام إشتهر بالدقة العلمية ، و الإهتمام
الحصري بالوقائع التجريبية المحسوسة ذات البنيان المادي ، و عرف بتبنيه
للمعادلات الفيزيائية و الرياضية المحضة ، بعيدا عن التحليق في سموات
مثالية وردية النهايات ، و أبعد من السباحة في خيالات مجنحة ، أو التلذذ
بشطحات شاعرية ذات البعد الصوفي الوجداني ، فالعقائد اللاهوتية لم يعد لها
معنى أو أدنى جدوى ، بعد ظهور العلم و الصناعة و بروز التكنولوجيا ، لذا
وجب حب البشرية من أجل تقدمها و سعادتها هروبا من الحروب المذهبية و
الطائفية المتشددة ، و رغبة منه في إخراجها من غياهب المجتمع الزراعي ،
الإقطاعي الأصولي و المتخلف الرجعي ، و أملا في الدخول لعصر التكنولوجيا و
الصناعة تحقيقا للتقدم و الإزدهار ، بعيدا عن دركات الفقر و الجوع و كل
أشكال المرض الإجتماعي ، و ذلك بغية تحسين معيشة الإنسان و تحويلها لجنة
مشبعة بالطمأنينة والهناء ، فهي فلسفة إجتماعية محضة تقوم على العقل و
تتأسس على العلم ، تؤمن بضرورة المنطق في قيادة البشرية نحو الحضارة و
التقدم و الرقي ، بعيدا عن خطابات الوهم و الخيال ، فالعقل هو البديل
للاهوت لا محالة ، و هو الأحق و الأجدر بتشريع المعرفة لكل نشاط بشري بعيدا
عن الميتافيزيقا و قوانين الماوراء ، و بالتالي ينبغي أن تحل العقلانية
محل اللاهوت المسيحي التقليدي الذي أدى لمحاكم التفتيش الأصولي و للتواكل و
الخمول ، و التأخر المجتمعي و الباثولوجي على كافة الأصعدة و المستويات ،
فلسفة هي وضعية بإمتياز ، دقيقة لا تؤمن إلا بالحسابات والمعادلات الرياضية
و كل قوانين الفيزياء ، تنكب بآليات الدرس و التحليل على الإستتيكا
الإجتماعية و الأخرى الديناميكية من أجل فهم ما يعتمل بعوالمهما تقويضا
لعمق الإشكال ، فلسفة هي مهووسة بإكتشاف القوانين سواء تلك التي تتحكم
بظواهر الطبيعة و الفيزياء ، أو تلك التي تتحكم بتصرفات البشر و عقليتهم ،
فلسفة تعادي مبادئ الدين التقليدي و تعلن الخصام للمعتقدات الجاهزة و
للأساطير اللاهوت الخيالية ، و لكل ما يسهم في تظليل العقل و تخريب التفكير
، فمهمتها التحرر و غرضها الأسمى فهم علل الإنشقاقات و الهزات ، و تحرر
التحرر غايتها في جميع الميادين و المجالات ، فنهجها بارد قاسي يفتقر
للعاطفة و الوجدان ، و مبتاغها صلب فولاذي يبدأ بإحلال الأرضي محل السماوي ،
و الوضعي محل الغيبي ، و الواقعي محل الشاعري ، فبالتدرج إذن من مراحل
اللاهوت تؤمن ، و إنتقالا إلى الميتافيزيقا المؤقتة تكد و تجتهد ، بغية
الوصول لصرح العقل و لبلاط التفكير ، مسار هو تدريجي من الحس و الإحساس إلى
المنطق و التحليل الوضعي ، إنقاذا لتاج العقل من الأغلال المتوارثة و
القيود الصدئة ، و حفاظا عليه من دناسة الخرافة و قوى الغيب الخارقة ، حتى
يتسنى له الوصول لمستوى بارز أخاذ من السيطرة على الحوادث و الظواهر
بالإستناد على قواعد تنظم إشتغاله ، و على متاريس تؤمن منطق عمله ، و
بالإرتهان أيضا لشغفه اللامحدود لفهم واقع الحال ، و لتحليل الحوادث
المحدثة ثم تشفير الأخرى الحادثة ، قصد الإستفادة منها و التحكم فيها على
الأقل تحت مظلة منهجية صارمة ، من ملاحظة حيادية و تجربة مقارناتية
تاريخانية ، و بمعية حجج دامغة و منطقية توفرها فيزياء الإجتماعي أو
السوسيولوجيا كأخر علوم الفيزياء و أرقاها ، لا لشيء سوى للإرتقاء و التطور
نحو السعادة و الهناء ، خدمة للبشرية في البدء و في الختام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع يونس بنمورو :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

أوغست كونت : عندما تكون الإنهيارات الداخلية وراء الخلق و الإبداع يونس بنمورو

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» أوغست كونت (Auguste Comte)
» الإنسان شيء لا بد من تجاوزه ـ يونس بنمورو
»  بيير بورديو : مفكر الخلخلة و الإزعاج يونس بنمورو
»  بيير بورديو : مفكر الخلخلة و الإزعاج يونس بنمورو
» عندما تقرر موسكو أن تكون في مرمى نيران العرب

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: