هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | السيميائية في الدرس النقدي المعاصر 1 | |
النقد - المناهج النقدية | الاثنين, 09 مايو 2011 20:43 | السيميائية في الدرس النقدي المعاصر عند رولان بارتد . مراد عبد الرحمن مبروك (1)
فاتحة الدراسة “المفهوم”
1- مفتتح :
لسنا بصدد تتبع جذور السيميوطيقا في الآداب الأوروبية والعربية القديمة ، ” بداية من الرواقيين Stoics في القرن الثالث قبل الميلاد وحديثهم عن العلامة بجانبيها الدال Signifiant والمدلور Signifie مروراً بالمدرسة الشكلية تحت قيادة الفيلسوف أينيسيديموس Anesesid- emus في القرن الأول قبل الميلاد الذي استقي صيغة البحثية من تحليل العلامات وورود تصنيف العلامات عند الناقد البلاغي شيشرون Cicero في القرن الأول قبل الميلاد ، ومحاولات كل من الفليسوف الطبيب سيكتوس أمبريكوس Sextus Empiricus في تصنيف العلامات المستترة، والطبيب جالينوس Golen في التمييز بين العلامات العامة والخاصة، في القرن الثاني الميلادي. وكذلك محاولات المفكر الجزائري القديس أوجستين (354 – 430 ) في تعريفه العلامة ضمن أبحاثة في التأويل ونهاية بمحاولات جوتفرد لايبنتز – Gottfried Leib –niz (1646 – 1716) في كشف دور العلامات في المنهج العلمي ” . [1]
ولكننا بصدد تناول مفهوم السيميائية في الدرس النقدي المعاصر عند بعض النقاد . فقد تعددت المفاهيم والتغييرات حول المصطلح نفسه ، فهناك بعض النقاد يطلقون عليه “السيميوطيقا” Semiotica خاصة كتاب الإنجليزية الذين ” يفضلون استخدام جون لوك لها ( 1632- 1704 ) أول الأمر عن طريق استعارتها مباشرة من اليونانية Semiotike ، كما أن دراسي الأدب الإنجليزي يألفون قوله في دراسته الشهيرة عن “طبيعة الفهم” أنها تعني مذهب العلامات Doct of Signs ، الذي يعرفه بأنه النشاط الذي يختص بالبحث في طبيعة العلامات التي يستخدمها الذهن للوصول إلي فهم الأشياء أو في توصيل معارفه إلي الآخرين . [2]
والبعض الآخر يطلقون عليه السيميولوجيا Semiology خاصة كتَاب الفرنسية ، فإذا كان تشارلز ساندرز بيرس رائداً للسيميوطيقا الإنجليزية فإن سوسير يعد رائداً للسيميلوجيا الفرنسية ؛ ومن هنا شاع المصطلحات في الدراسات النقدية ، وحاول البعض أن يفوق بين المصطلحين ، فهناك من يري أن “السيميولوجيا تعني بدراسة نظام محدد من أنظمة التوصيل ، من خلال علاماته وإشارته ودراسة الدلالات والمعاني أينما وجدت ، وعلي الخصوص في النظام اللغوي ، أما السيميوطيقا فتهتم بدراسة الاتصال والدلالة عبر أنظمة العلامات في علوم مختلفة ، وفي تطبيقاتها وممارستها الخيالية ، فهي تتخصص في الاتصال الآلي ، والاتصال الحيواني ، وتصل إلي أكثر أنظمة الاتصال الإنساني تعقيداً وتركيباً ؛ لغة الأساطير ، واللغة الشعرية مثلاً ، مستعملة في هذه المجالات المختلفة علوم اللغويات ، والأنثروبولوجيا ، والمنطق والفلسفة والألسنية “[3] .
وهناك من يري تطابقاً بين المصطلحين ويستخدمها بمفهوم واحد استناداً إلي القرار الذي اتخذته الجمعية العالمية للسيميوطيقا Semiotica التي انعقدت في فبراير عام 1969 بباريس وقررت تبني استخدام مصطلح السيميوطيقا ، وتأسيس الرابطة الدولية للدراسات السيميوطيقية [4] .
* * *
وعلي الرغم من أن السيمائية انحضرت في أغلب الأحيان في مفهومين هما السيميوطيقا والسيمولوجيا في الدراسات الإنجليزية والفرنسية ، إلا أنها تشعبت وتعددت واختلفت تسمياتها في الدراسات النقدية العربية .
فهناك عدد كبير من الدراسين العرب [5] يستخدمون مصطلح “سيمياء” ومنهم : الدكتور محمد مفتاح ، وسامي سويدان والدكتور عبد المالك مرتاض ، عبد العالي بوطيب والدكتور رضوان ظاظا ، والدكتور جوزيف ميشال شرم ، وحسن بحراوي ، جمال شحيد ، ومحمد حمود وعبد النبي اصطيف ، ومحمد عزام والدكتور عادل فاخوري ، حنوزن مبارك ، والدكتور رئيف كرم ، وأنطوان أبو زيد وغيرهم .
وفريق اخر [6] يستخدم مصطلح “علم العلامات ” أو ” العلامية ” أو ” الدلائلية ” ومنهم: مجدي وهبة ، والدكتور زكريا إبراهيم والدكتور عز الدين إسماعيل ، والدكتور عبد السلام المسدي والدكتور عبد الكريم حسن ، وشكري المبحوث ، وسمير المرزوقي وغيرهم .
وفريق ثالث يستخدم مصطلح ” السيميولوجيا” ومنهم [7] الدكتور صلاح فضل ، والدكتور سعيد حسن بحيرى ، وحياة جاسم محمد الدكتور حميد لحمداني ، والدكتور أنطون طعمة ، والدكتور لطيف زيتوني وغيرهم .
وفريق رابع يستخدم مصطلح ” السيميوطيقا ” ومنهم [8] : الدكتور محمد عناني والدكتور عبد المنعم تليمة ، والدكتورة أمينة رشيد وكاطع الحلفي ، والدكتور عبد الحميد إبراهيم شيحة ، ومحمد الماكري ؛ وفريق خامس يستخدم المصطلحات الثلاثة في آن واحد دون تفضيل مصطلح علي آخر ومنهم [9] : الدكتورة سيزا قاسم ، والدكتور سامي حنا ، والدكتورة فريال غزوال ، والدكتور حامد أبو زيد وفرق عديدة أخري في ساحتنا النقدية العربية تستخدم تارة علم الدلالات ، وأخري علم الإشارة وثالثة علم الأدلة ، وعلم الدلائل وغيرها .
وكل هذه التسميات لها ما يبررها من الناحيتين الفنية والموضوعية واختيار مصطلح “سيميائية” لا يعني تفضيل مصطلح علي اخر ولكن نظراً لأن معظم الدراسات النقدية العربية المعاصرة استخدمت مصطلح “سيمياء” استناداً إلي كلمة “السيما” أى العلامة . وهي تعبير قريب من مفهومي السيميولوجيا أو السيميوطيقا فضلاً عن تطلعنا إلي توحيد المصطلح في نقدنا العربي ، وإذا كان الدرس النقدي الإنجليزي يفضل مصطلح “السيميوطيقا” والدرس النقدي الفرنسي يفضل مصطلح “السيميولوجيا” فمن الممكن في درسنا النقدي العربي استخدام مصطلح “السيميائية” وترسيخه لوجود عشرات الدرسات النقدية العربية التي استخدمت هذا المصطلح في درسنا النقدي العربي المعاصر.
وما يعنينا في هذا الموضع هو محاولة توحيد مصطلحاتنا لنقدية وتحديد معاييرها ومفاهيميها ، حتى لا تتداخل أبعادها في وعي المتلقي للنص النقدي العربي ، لا سيما أن هذا العلم أصبح راسخاً في الدرسين النقدي والثقافي ، ففي الدرس الأوروبي صدرت دوريات متخصصة تحمل اسمه مثل دورية الجعية الدولية للدراسات السيميوطيقية Semiotica ودورية Semiosis اللمانية ، وVersus الإيطالية Degres البلجيكية , فضلاً عن مئات الدراسات التي تنتشر فر دوريات علم اللغة ، واللسانيات ، والأسلوبية ، وعلم الجمال ، والنقد الأدبي . وفي نقدنا العربي توجد عشرات الدراسات السيميائية التي صدرت عن دور النشر العربية ، ومنها ما هو منشور في الدوريات النقدية المختصصة ، يضاف لذلك ظهور دورية نقدية تحمل اسم علامات في النقد تصدر عن النادي الأدبي بجدة ، غير أننا لا ندري إذا كانت هذه التسمية تم اختيارها لترسيخ “علم السيمياء” أم أنها مجرد تسمية غير قصدية الدورية في معظمها بالدراسات السيميائية يجعلنا نرجح الرأي الأول القصدى .
ولعل تعدد الدراسات حول هذا الاتجاه النقدي بجعلنا أكثر حرصاً علي توحيد مصطلحه وتحديد مفاهيمه في الخطاب النقدي المعاصر .
(2)
وفي الدرس النقدي الأوروبي تعددت الدراسات السيميوطيقية والسيميولوجية منذ أوائل القرن العشرين ، وقد تضمنت ببليوجرافيا علم الدلالة ( 1965 – 1978) [10] (Semantics. 1987 -1965 ) العديد من الدراسات السيميائية . وكذلك الأمر بالنسبة للدراسات العربية خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة . وهذا لكم من الدراسات العديدة انعكس بدوره علي مفهوم السيميائية ومن ثم لزم التخصيص والاقتصار علي بعض النقاد الذين اهتموا بمفهوم السيميائية علي سبيل المثال وليس الحصر . ومنهم الفيلسوف الأمريكي تشارلز ساندرزبيرس C.S.Peies (1839-1914) واللغوي السويسري فردينادي سوسير Ferdinand de Saussure ( 1857- 1914) ، والناقد الفرنسي رولان بارت R.Barthes (1915- 1980) .
***
2- أتشارلز ساندرزبيرس C.S.Peirs : دعا بيرس علي الوظيفة المنطقية لها . وعرف “العلامة بأنها تمثيل Representaion لشئ ما بحيث يكون قادراً علي توصيل بعض جوانبه أو طاقاته إلي شخص ماء [11].
وهنا يتضح أن تشارلز بيرس عني بالمستوي الأنطولوجي للسيميوطيقا (السيميائية) أي بتحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها وطبيعة علاقاتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها . وعلي الرغم من موسوعية بيرس حيث كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ، إلا أنه كان شديد الاهتمام باللغة والأدب لا سيما الدراسات السيميوطيقية ، حيث قسم العلامة إلي أيقونة Icon ومؤشر Index ، ورمز Symbol وذلك علي النحو التالي :
I – الأيقونة Icon :
وهي عند بيرس “علامة تحيل إلي الشئ الذي تشير إليه بفضل تمتلكها ، خاصة بها وحدها . فقد يكون أي شئ أيقونه لأي شئ اخر سواء كان هذا الشئ صفة أو كائناً فرداً أو قانوناً بمجرد أن تشبه الأيقونة هذا الشئ وتستخدم علامة له ” [12] .
أي أن الأيقونة تشبه الشئ الذي تشير إليه وتشترك معه في صفة . أو يكون بينها وبين المشار إليها عامل مشترك يربط بينهما مثل الرابط بين أصل الشئ وصورته أو الإنسان وظله أو القرين وما يقترب به .
ويختلف أمبرتو إيكو مع تشالزبيرس في مفهومه للعلامات الأيقونية علي أن الرابط بينهما هو مجرد التشابه ، لأن هذه النظرية نظرة مباشرة وعلاقة الأيقونية Icon بالشئ ى تقف عند حد التشابه فحسب بل تتجاوز ذلك إلي إدراكها بالحواس . ويعرض إيكو لمفهوم بيرس حول العلامة فيقول “عمد بيرس في العام 1897 (2-228 ) الى التخصيص ايضاحاً ( أى تخصيص مفهوم العلامة الأيقونية ) : ” إن علامة أو ماثولاً هو شىء يحل بدلا من امرئ أو شئ ضمن علاقة ما ، أو تحت عنوان ما ، وهو معد كى يخاطب أحداً أى يخلق في ذهن هذا الشخص علامة متعادلة أو علامة ربما كانت أكثر اتساعاً ، وهذه العلامة هي التى ينشئها ( لدى الملتقى ) أدعوها تعبير العلامة الأولى . تلك العلاقة تحمل بديلا عن شئ ، أى عن موضوعها الخاص ، والحال أن هذه العلامة إنماتحل بديلاً عن هذا الموضوع دون أن تمثله في علائقه كلها ، بل تؤثر الرجوع الي فكرة دعوتها أحياناً .[13]
ان امبرتو إيكو يتجاوز العلاقة المادية التى تربط بين الشئ وقرينه أو بين الأيقونة وما تقترن به الى علاقة ذهنية تقوم على الفكر والثقافة ، لأن التشابه لا يقوم على القرينة المادية بل تسبقها القرائن الثقافية والفكرية . أى أن التشابه بينهما يكون ناتجاً من ممارسات وعلاقات ثقافية بينهما ولذلك يقول ايكو ” لا شئ يحملنا على الاعتقاد بان بيرس كان يعنى بالموضوع شيئا ملموساً معطى ( وهذا ما يدعى في علم الدلالة المخصوص يأوغدن وريتشاردز ) لا بسبب أن بيرس ظل يثبت أنه يستحيل تحديد أشياء ملموسة عبر اللغة بل ، لأن ذلك يتم لعبارات بعينها .. ومن جهة أخرى فإن الفكرة هي شئ وان لم تتخذ لها نمط احدى الهذيات “[14]
وهكذا نجد ـم إيكو يوسع دلالة الربط بين الأيقونة وما تقترن به ولا تقف عند الملموس فحسب بل تتجاوزه الى الأفكار ، لأن الفكرة غالباً ما تسبق المادة ويميز بيرس بين ثلاثة أنواع من الأيقونات : الصورة والرسم البيانى والاستعارة وكلها تنطوى على جوانب تشابه بينها وبين المشار إليه .[15]
وعلى الرغم من فضل السبق لبيرس في الاشارة الي أقسام العلامة ، إلا أم بعض الدارسين السيميوطيقين قد أختلفوا معه حول ماهيتها وجوانبها لاسيما السيموطيقيين السوفيت ومنهم على سبيل المثال يورى لوتمان الذي رأى ” أن العلامة الأيقونية لا تقف عند حد التشابه بل تمتد الى أبعاد ثقافية أخرى فيرى أنه على طول التاريخ البشرى ، ومهما أوغلنا في الماضى لا نجد إلا نوعين من العلامات مستقلين ومتماثلين ثقافياً . هذان النوعان هما الكلمة والصورة لكل منهما تاريخها ولكن يبدو أن وجود كل من النظامين أمر ضرورى لتطور الثقافة ” [16]
أى ان الأيقون لا يمكن أن تتمثل في نظام واحد كلا النظامين كما يرى بيرس بل لابد للنظامين معاً حتى تتحق العلامة الأيقونية بمفهومها الشمولى .
ونحن نرى مع الدارسين السيموطيقيين ضرورة توسيع الأفق الدلالى للعلامة الأيقونية حتى تتناسب مع مستويات التأويل والتعدد الدلالى والتفجير اللغوى الذي طرأ على النصوص الابداعية المعاصرة . هذا لا يتعارض مع مفهوم العلامة بل يؤدى الى تعدد أبعادها فالقضبان علامة مباشرة للقطار والعكس صحيح ومن الممكن أن يكون القطار علامة إيحائية على بعد دلالى آخر كاستمرارية الحياة وديمومتها وجريانها الأبدى
II – المؤشر ” Index ”
وهو على حد قول بيرس ” على تحيل الى الشئ الذي تشير إليه بفضل وقوع هذا الشئ عليها في الواقع “[17]
والمؤشرات بهذا المفهوم عند بيرس هى علامات طبيعية أيضاً مثل نزول قطرات المياه من السماء مؤشر لسقوط الأمطار وسكب الدموع من العينين مؤشر للحزن أوالبكاء ، والضحك مؤشر للسعادة أو الفرح أو البهجة ، أو على حد رؤية بيرس[18]نفسه أن العلامة هي علاقة مجاورة بين الاشارة والشئ المشار غليه مثل ارتفاع الحرارة مؤشر للمرض ، والغيوم مؤشر للمطر والدخان مؤشر للنار .
على أن هذا المفهوم لا يكتمل إلا بتضافر العلامات الطبيعية والعرفية معاً ، ولا نبالغ حين نقول : ” أن العلامات العرفية تشكل ملحما بارزاً في المؤشر لأن بيرس قد أدرج بين المؤشرات بعض العلامات اللغوية – وهى أسماء الإشارة والظرف والضمائر – فكيف يمكن اعتبار مثل هذه العلامات – هي علامات عرفية محض – ضمن العلامات الطبيعية ؟”[19]
ولذلك يقول : ” إن أسماء الإشارة ( هذا ) و ( ذلك ) مؤشرات ، لأنها تتطلب مع المستمع أن يركز انتباهه ، وأن يستخدم قوة ملاحظته ، وأن يؤسس علاقة حقيقية بينه وبين الشئ الذي تحيل إليه الأسماء ، وتكمن فاعلية أسماء الإشارة في أنها تحفز المستمع إلى هذا السلوك وإن فشلت في هذا فلا يفهم معناها ، وإن قامت أسماء الإشارة وبهذه الوظيفة فإنها تصبح في جزاء ذلك مؤشرات “[20]
ومن ثم يتضح أن المؤشرات لا يمكن أن تقوم عل العلامات الطبيعية فحسب بل تتضافر معها العلامات العرفية لأن أسماء الإشارة والأسماء الموصولة تعد علامات عرفية وليست طبيعية .
ومن ثم يتضح أن بيرس قد حاول أن يشمل جميع المؤشرات اللغوية والمادية في نظام سيموطيقى واحد ، وقد يرجع هذا الى رؤيته الفلسفية الشمولية للإشارة ؛ لأنه يعتقد أن مختلف جوانب النشاط الانسانى تخضع للدراسة السيميوطيقية .
وهذه الشولية ربما هى التى أوجدت التعميم اللانهائى في دراسته للمؤشرات وعدم دراسته لها انظمة وأنساق علمية ولغوية دقيقة . وحصرها في العلامات الطبيعية دون العرفية حتى أنه حصر ستة وستين نمطا فرعيا من العلامات ” ويبدو أن بيرس كان حريصا على التميز بين المؤشرات الطبيعية التى أطلق عليها تسمية المؤشرات فقط Indexes ، فالبرغم من أن النوعين يشتركان في الوظيفة ، فانهما يختلفان من حيث الماهية ، فالنوع الأول ينتمى الى فصيلة الموجودات الطبيعية ( الدخان – السبابة – خطوة البحار ) بينما تنتمى الثانية الى فصيلة العلامات العرفية التى يبدعها الانسان “[21]. على حين أن بيرس ربط ماهية المؤشر بالعلامات الطبيعية .
III- الرمز : ” Symbol ”
والرمز عند بيرس هو ” علامة تحيل الي الشئ الذي تشير إليه بفضل قانون – غالبا ما – يعتمد على التداعى بين افكاره عامة ويحدد ترجمة الرمز بالرجوع الى هذا الشئ [22]. والعلامة في هذه الحالة تكون عرفية محضة ، لأن الرمز يربط بين الدال والمدلول الايحائى ، والمدلول الايحائى يكون علامة عرفية أكثر منها طبيعية . ومثال ذلك الميزان الذي يرمز للعدل .
* * *
2- ب فرد يناند دي سوسير –Ferdi
Nand de Saussure
ثم جاءت محاولات عالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسير Ferdinand de Saus sure (1857- 1914) ليعني بالمستوي البرجماتي للسيميولبوجيا Semlologg أي بفاعلية العلامة وتوظيفها في الحياة العملية وفي عمليات الاتصال ونقل المعلومات . وذلك من خلال دعوته إلي علم السيميولوجيا فيقول : ” اللغة هي نظام من العلامات الذي يعبرّ عن الأفكار ، ولذلك فهي مشابهة لنظام الكتابة الأبجدية للصم ، للطقوس والمذاهب الرمزية ، لصيغ المجاملة ، للإشارات العسكرية ،.. إلخ ، ولكنها أهم من كل هذه الأنظمة لقد أصبح ممكنا تصور ذلك العلم الذي يدرس حياة العلامات داخل المجتمع ولا بد أن يكون جزءاً من علم النفس الاجتماعي وبالتالي من علم النفس العام ، وسوف أسمية Semiology علم العلامات ( في اليونانية – semeion “علامة” ) ، وعلم العلامات سوف يبين ما الذي يشكل العلامات ، والقوانين التي تحكمها ولأن العلم لم يظهر للوجود ، فلا أحد يستطيع القول بماذا سيكون ولكن له حق الوجود .. وعلم اللغة هو جزء فقط من العلم العام لعلم العلامات ، وإن القوانين المكتشفة بواسطة علم العلامات (السيميولوجيا) سوف تكون ملائمة لعلم اللغة “[23].
ومن هنا يتضح أن سوسير يري أن علم اللغة جزء من علم العلامات (السيميائية) وأنها تعني بالتعبير عن الأفكار المختلفة واستطاع أن يطور هذا العلم بنقله من الدرسات الفلسفية إلي الدراسات اللغوية لا سيما علم اللغة . فإذا كان تشارلز ساندرزبيرس عنى بماهية العلامة من حيث درس مقوماتها وطبيعتها وارتباطها بالموجودات الأخرى التي تشبهها فإن سوسير عني بالعلاقة بين العلامة وعلم اللغة ، وبفاعلية العلامة وتوظيفها في الدراسات اللغوية ويري أن ” الخصائص التي تميز السيميولوجية عن جميع المؤسسات الأخرى تظهر بوضوح في اللغة .. وأن مشكلة اللغة سيميولوجية بشكل رئيس ، وأن كل التطورات استمدت أهميتها من تلك الحقيقة المهمة ، وإذا كنا سنكتشف الطبيعة الحقيقية للغة فعلينا أن نعرف الجوانب المشتركة بينها وبين جميع الأنظمة السيميولوجية “[24].
وتتمثل العلامة Sign عند سوسير في الدال Signifiant والمدلول Signified ، وتقوم علي أساسين : الأول : الطبيعة الاعتباطية Orbitrary بين الدال والمدلول أي أن العلامة اللغوية عنده اعتباطية ، والثاني : الطبيعة الطولية للدال أو الطبيعة الخطية للدال ، ذلك ” أن الدال يمثل امتداداً زمنياً وهذا الامتداد محدد ببعد واحد هو الخط الزمني أي أن سوسير يقدم النموذج التزامني Synchronic الذي يري اللغة في علاقاتها بالثقافة ونشاطاتها في لحظة زمنية واحدة بديلاً للنموذج التعاقبي Diachronic الذي فضله دراسو اللغة “[25] .
وقد ” أصبح هذا التصور واضحاً عندما تمثلت بالكتابة ، والخط الخاص للعلامات الكتابية حل محل التتابع في الزمن “[26] . وبمعني اخر يمكن القول إنه ” إذا كانت الدوال (ج.دال) المرئية ( مثل الإشارات النوتية وغيرها ) لا تخلو من تعقيد لأنها تحدث علي مستويات مختلفة ، فإن الدوال السمعية – علي العكس – لا تتوفر إلا في منحني واحد هو الخط الزمني : فعناصرها توجد متتالية أي تكون سلسة , وحتى تتضح لنا مباشرة الخاصية الخطية للدوال السمعية يكفي أن نمثل عناصرها كتابه أن نعوض التتابع الصوتي ضمن إطار الزمن بالخط المادي للعلامات الكتابية “[27] .
كما تتسم العلاقة دي سوسير أيضاً بأنها لا تبادلية حيناً وتبادلية في الحين الاخر فمن حيث كونها لا تبادليه يتضح من خلال عدم المقدرة علي تغيير العلامة أو الدوال الذي اختارته اللغة ، لأن اللغة ميراث جماعي – لو جاز لنا استخدام هذا التعبير – وهذه الجماعة لا يمكن أن الجماعة مرتبطة باللغة كما هي عليه . والحقيقة أن كل المجتمعات الإنسانية لا تعرف ولم تعرف أبداً اللغة ، بل لم تعرفها من قبل إلا بمثابة نتاج موروث عن الأجيال السابقة ينبغي أن يؤخذ علي ما هو عليه “[28] .
ومن ثم تصبح العلامة لا تبادلية ، لأن الذات الفردية أو حتى الجماعية لا تستطيع تغييرها أو استبدالها لأنها ميراث لمراحل سابقة ، وأن اللغة الأم التي استقرت رموزها الكتابية وعلاماتها في وعي الأجيال المتتابعة لا يمكن استبدالها أو إدخال تغيير عليها . أما من حيث كون العلامة تبادليه فإنه في بعض التغييرات الصوتية التي تحدث في الدال أو المعنوية التي تحدث في المدلول .
وهكذا نستطيع القول إن فرديناند دي سوسير استطاع أن يطور مفهوم ” السيميولوجيا” وينقله من الإطار الفلسفي عند بيرس إلي الإطار اللغوي . وبذلك أصبح المفهوم قريباً من الدرس النقدي عند السيميائيين . لذلك نعني بمحورين أساسين :
الأول : سيمسائية الخطاب النقدي عند رولان بارت .
الثاني : سيتميائية الخطاب النقدي العربي .
(2- ج)
سيميائية الخطاب النقدي عند رولان بارت R-Barthes
جاءت محاولات رولان بارت R-Barthes
( 1915-1980) لتواصل الجهود الفلفسية للسيميائية التي بدأها تشارلز ساندرز بيرس والجهود اللغوية التي بدأها دي سوسير فقد استطاع أن مفهوم السيميائية من خلال تجاوزه البعدين الفلسفي واللغوي للسيميائية إلي البعد النقدي لها فيري بارت أن “السيميولوجيا” (السيميائية) هي علم الدلائل ؛ استمدت مفاهيمها الإجرائية من اللسانيات , إلا أن اللسانيات ذاتها شأنها شأن الاقتصادي تقريباً في طريقها إلي الانفجار بفعل التمزق الذي ينخرها .. فاللسان المجتمعي ذاته علي حد تعبير بينفست Benve – niste وخلاصة القول فإن صرح اللسانيات أصبح يتفكك اليوم من شدة الشبع أو من شدة الجوع مداً أو جزراً , وهذا التقويض للسانيات هو ما أدعوه من جهتي “سيميولوجيا ” [29].
إن بارت ينظر إلي السيميائية علي أنها جزء من اللسانيات لأن اللسان عنده يشمل كل الأبنية الاجتماعية ونتيجة التفكك الذي أصاب كل اللسانيات فقد نجم عنه ظهور علم السيميولوجيا (السيمياء) . وهذا الرأي يخالف فيه دي سوسير لأن سوسير يري أن اللغة جزء السيميولوحيا وليس العكس . أي أن سوسير عمل توسيع دائرة السياميائية بحيث تكون الأنظمة اللغوية جزء منها بينما بارت لجأ إلي العكس حيث قسَّم المجال للسانيات بحيث تشمل كل الأنظمة للسانيات بحيث تشمل كل الأنظمة الاجتماعية وتأتي السيميائية جزء من هذا النظام الكلي .
والنقد السيميائي يعتبر الدب نظاماص للعلامات يستند إلي أنظمة اللغة , لأن اللغة هي الوعاء الذي يحوي الرموز الأدبية والمعايير النقدية , ومن ثم يعد النقد السيميولوجي نظاماً من أنظمة العلامات وهذا ما حاول بارت أن يبرزه . فربط بين اللغة والخطاب ربطاً مباشراً فيقول ” أعتقد أن اللغة من وجهة النظر التي ننظر من خلالها نحن الان لا تنفصل عن الخطاب .. والشئ اللغوي لا يمكن أن يقوم عند حدود الجملة ولا أن ينحصر فيها , فليست الفونيمات والكلمات والعلاقات الصرفية هي التي تخضع وحدها لنظام حرية مضبوطة ما دمنا لا نستطيع التركيب بينها كيفها اتفق , إن الخطاب في مجموعة هو الذي يخضع بشبكة من القواعد والإكراهات والضغوط التي تكون كثيفة ضبابية علي المستوي البلاغي ، دقيقة حادة علي المستوي النحوي , فبين اللسان والخطاب مد وجزر[30] .
وإذا كان بارت يربط بين اللسان والخطاب فإن الخطاب النقدي السيميائي يعد جزءاً من اللسان عنده . هذا الجزء يقوم بتطهير اللسانيات وتنقية الخطاب فيقول : ” السيميولوجيا هي ذلك العمل الذي يصفي اتللسان , ويطهر اللسانيات , وينقي الخطاب مما يعلق به , أي من الرغبات والمخاوف والإغراءات والعواطف والاحتجاجات والاعتذارات والاعتداءات والنغمات وكل ما تنطوي عليه اللغة الحية “[31] .
ثم تطوّر مفهوم بارت للسيميائية منذ عام 1954م تقريباً عندما ربط علم السيمياء بالنقد الاجتماعي وجمع بين أعمال حديثة إلي تغيير الصورة النقدية للفاعل الاجمتاعي والذات الناطقة ومن ناحية أخري تبين أنه يتعدد منابر المعارضة فإن السلطة ذاتها كمقوله خطاب ، كانت تتشتت وتنشر كماء ينسان في كل مكان .. وانتان الهيئات السياسية نوع من التهييج المعنوي , وحتى عندما كانت المطالبات ترتفع باسم المتعة فإنها كانت تتخذ لهجة تهديد “[32] . وانعكس هذا التحلل والتشتت والتوسع في المفهوم السيميائي علي الخطاب النقدي .
وعلي الرغم من أن بارت توغل في دراسة أنماط السيميائية فعني بالدعاية والإعلان والاحتفالات والسينما والجرائم والإذاعة والمسرح والسيارات والأدب والتلفزة والأطعمة والمصارعة وغيرها ، وعدها نماذج أسطورية وفك رموزها في كتابة أساطير Myghologies 1957 نقول علي الرغم من ذلك إلا أننا سوف نقصر دراستنا علي الوانب السيميائية المقتربة بالخطاب النقدي اقتراناً مباشراً ومنها :
1- الالية الفلسفية والمفهوم النقدي .
2- اللغة ومفهوم النص “السلطة اللغوية والنصية ” .
3- لذة النص ومستويات التلقي والكتابة .
* * *
2-1 الالية الفلسفية والمفهوم النقدي :
2-1 الرؤية الفلسفية :
لعنا لا نبالغ حين نقول إن رولان بارت R.Barghes تأثر إلي حد كبير بالوجودية السارترية ، وتركت في نفسه أثراً عميقاً حيث تؤمن الوجودية الفرد الإنساني في التغير المستمر والهرب من قبضة الماضي أو من أي تشديد نهائي يفرضه الاخرون , “فالوجود يسبق الجوهر حسب الصيغة السارترية المشهورة إذ ليس يتوقع منا أن نتحول إلي جوهر إلا عندما نموت فعلاً ولذا فإن بارت , شأنه شأن سارتر يضع سيولة الوجود فوضتاه مقابل تصلب الموت الذي يري أن الجوهرية تمثله ، ذلك أنه يري – كما يري سارتر – أن الجوهرة هي الأيديولجية التي تغذي البرجوازية ذلك العدو التقليدي الأكبر المفكرين الفرنسيين . إن الجواهر والموازين تشبه علامات الأبراج في الكون البرجوازي ، هذا ما كتبه في خاتمة أتشد كتبه عداءّ للبرجوازية وهو كتاب أساطير – My theologies (1957) ” [33] .
إن سارتر يحاول أن يربط بين الإنسان والواقع والتناهي فإذا كان الواقع إنسانياً فلا بد أن يكون متناهياً ، ومن ثم فالمرء عنده يكون متناهياً أيضاً ، إنها نزعة تجنح إلي تحليل الذات تحليلاً متناهياً حتى وإن كان خالداً لأنه جعل نفسه متناهياً من خلال اختياره أن يكون إنسانياً ، وأن يكون المرء متناهياً يعني في الحقيقة أن يكون ذاته وأن يحدث نفسه بما هو عليه وأن يوجد نفسه نحو ممكن في ظل استبعاد إمكانيات أخري وهكذا فإن حدث التحرر ذاته هو افتراض وخلق للتناهي “[34].
وهذه الاراء الفلسفية لسارتر حول الموت توضح نمط فلسفته تجاه الذات الإنسانية ، من حيث اعتماده علي التحليل المتناهي لها . وهذه الرؤية قد تأثر بها رولان بل وأصناف إليها أبعاداً أخري تؤدي إلي مزيد من تحلل الذات تحللاً لا نهائياً .
وقد تكون طبيعة الواقع الحياتي الذي عاشه كل منهما جعله يتوافق مع هذه الأفكار الوجودية فقد عاش سارتر في ظل الموت وقتاً يعتد به وخاصة كعضو من المقاومة للنازي وهذا القرب من الموت هو علي وجه الدقة ما ترك أثره علي فكر سارتر “[35].
فنظر إلي الذات نظرة وجودية تقوم علي الفناء والتناهي ولذلك يقول : ” في كل لحظة كنا نعيش المعني الكامل لهذه العبارة الصغيرة العادية – الإنسان فان – وكان الخيار الذي قام به كل منا وجهاً لوجه مع الموت يمكن التعبير عنه دائما بهذه الكلمات – الموت أفضل من …- وعلي هذا النحور طرحت مسأله الحرية الأساسية وجلبنا إلي حافة أعمق معرفة يمكن أن يحصلها الإنسان عن نفسه ، ذلك أن سر الإنسان ليس عقيدة أوديب أو عقيدة الدونية التي يعانيها : إنه حد حريته الخاصة “[36] .
إي أن هذه الحوادث التي عاشها في صفوف المقاومة الفرنسية وجعلته علي حافة الموت في كل لحظة جعلته ينظر إلي الذات نظرة تحررية إنه يريد الحرية والخلاص من القيود التي كان يعيشها بما قيود الموت تحاصره في كل حين .
والخلاص من هذه القيود يتمثل في توقه إلي حرية الذات ، التي عبّر عنها من خلال التحليل النفسي الوجودي ، ويتضح هذا في دراستة لبودلير وجان جينيه وفلوبير فقد ” استخدم علم النفس التحليلي الوجودي في دراسة هذه الشخصيات وأشار في كتابة الوجود والعدم إلي أنه يريد أن يتوسع بالنقد الأدبي حتى يستخدم التحليل النفسي الوجودي الذي يقرر فيه الشخص حريته “[37] .
وقد انعكست اراؤه الفلسفية حول الحرية علي ارائه النقدية التي تعتمد علي التحليل النفسي الوجودي وعلي حرية الذات في النص الأدبي وتحللها إلي ذوات لا متناهية ، وهذا بدوره يتناسب مع الحرية اللامتناهية التي ينادي بها في فلسفته ؛ لأنها تحاول أن تخرج الذات من حريتها ، ولكن يبدو أنها لم تستطيع تحقيق ذلك لأن فكره سارتر في الحرية غير المتناهية والمساوية لذاتها علي الدوام لا تمكننا أن نخرج من الحيرة التي تضعنا فيها إلا بابتدائتا من بعض المعايير التي لا يبدو أن الفلسفة الوجودية ذاتها قد أعطتها “[38].
ويبدو أن النزوع إلي الحرية والتحلي النفسي الوجودي عند سارتر يرجع إلي رؤيته الفلسفية الوجودية التي تحاول التخلص من السلطة المركزية حتى كانت هذه السلطة ممثله في المطلق ، ” فالإنسان عند سارتر مهجور ومنعزل ؛ لأنه ليس هناك مطلق ويترتب علي هذا شعور بالقلق والحصر النفسي , لذلك يقول ” ينشأ القلق عندما يري نفسه مقطوعاً عن ماهيته بواسطة العدم أو مفصولاً عن المستقبل بواسطة حريته نفسها “[39].
وهذه الحيرة والقلق نجم عنهما الشعور بالعدمية والتطلع للحرية ، لذلك نجد الذات في النص تتوق للحرية اللامتناهية وتحاول تحطيم كل الحواجز السلطوية المركزية ؛ لأنها تمثل قيداً علي حرية الذات لذلك يقرب القلق بالحرية , “فالقلق عنده هو كيفية وجود الحرية بالنسبة لذاتها [40]. ولذلك الذات عنده للحرية والتمرد علي كل مفاهيم تقليدية وتتجاوز كل سلطة تحول دون ذلك .
|
| |
|