** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الصورة الروائية في الخطاب النقدي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

الصورة الروائية في الخطاب النقدي Empty
24072010
مُساهمةالصورة الروائية في الخطاب النقدي

نص المداخلة التي ألقاها الباحث في لقاء أسئلة النقد
الجديد بالصالون الأدبي


تقترح
هذه الورقة إثارة الانتباه إلى مفهوم الصورة الروائية باعتباره أحد
المفاهيم التي أصبح النقد الأدبي ينشغل بها داخل الساحة النقدية بصفة عامة و
الساحة النقدية المغربية على وجه الخصوص.
و هذه الورقة لا تدعي القيام بمسح شامل للدراسات التي اهتمت بهذا المفهوم
بل أقصى ما تستطيع هو الوقوف عند أهمها قصد إثارة النقاش من جهة و فتح
المجال للتفكير في الأدوات و المنهجية الملائمة التي يمكن أن تسعف الدارس
في تناول هذا الموضوع تطبيقيا.
سنحاول إبراز كيف تم التعاطي مع مفهوم الصورة داخل المجالين النقديين
المقارن و الروائي قصد تبيان نوعية الأسئلة المطروحة و المنهجية المعتمد
عليها.
إن الحديث عن الصورة في المجال الأدبي اقترن لمدة طويلة بالخطاب الشعري،
حيث نجد دراسات عديدة تنشغل بمقاربة الصورة داخل مجال الشعر، ومن بين
العناوين الدالة على ذلك يكفي أن نقرأ أحد العناوين المشهورة (الصورة
الفنية )[1]حتى نفهم أن الأمر يتعلق بمقاربة نقدية تتخذ النص الشعري حقلا
للبحث، ومن هنا نفهم ذلك المصطلح الشائع للصورة الشعرية التي تهتم
بالتشبيه، المجاز، الاستعارة، والكناية.
لكن، السؤال الذي يطرح نفسه هو على الشكل التالي:هل الصورة بصفتها مصطلحا
نقديا مرتبطة فقط بنقد الشعر؟ و هل صحيح أن مجال توظيفها لم يتجاوز النصوص
الشعرية؟
يمكن لنا القول بكل اطمئنان أن دراسة الصورة في المجال الأدبي لم ينحصر فقط
بالشعر، بل امتد أيضا إلى النصوص النثرية الروائية على وجه الخصوص، و قد
تجسد ذلك في مجموعة من الأبحاث التي تنتمي إلى مجال النقد المقارن من جهة و
مجال النقد الروائي من جهة أخرى.
1 الصورة في النقد المقارن.
1-1 صورة في النقد المقارن الغربي
تم الاهتمام بالصورة في النقد المقارن ضمن إطار مبحث الصوراتية
(imagologie’.(L و قد عرفه جون مارك مورا وهو أحد المختصين بهذا المجال جون
مارك مورا على الشكل التالي:" مجموعة من الأعمال في الأدب المقارن مختصة
بتمثلات الأجنبي"[2]. و يرى الباحث أن الموضوعات المفضلة للصوراتية تنحصر
في اثنتين:" محكيات الأسفار و الأعمال التخييلية التي تعمل على مسرحت
الأجنبي."[3]
لقد تم ابتداع كلمة الصوراتية في القرن العشرين، حيث استعملت من قبل دارسي
علم النفس الاجتماعي في سياق دراستهم لنفسية الشعوب، ثم " تناولت النظرية
الأدبية هذا المفهوم عند نهاية سنوات الستينات[من القرن العشرين] للدلالة
على الدراسات المقارنة على الدراسات المقارنة حول صُوَر الأجنبي"[4]
إن الصوراتية تهتم بالعلاقة التي تتم بين الكاتب من جهة و البلد الأجنبي من
جهة أخرى، و هي تترصد هذه العلاقة من خلال الأعمال الأدبية. و قد عمقت
مفهوم الصورة في ثلاثة اتجاهات:
أولا، تم إعطاء الأولوية للصورة من خلال الاهتمام بمنطقها الداخلي، و من
هذا المنطلق أصبح المرجع الذي تحيل عليه ثانويا.
ثانيا، تم التعامل مع الصورة في بعدها المرآوي، بحيث أصبحت تكشف الفضاء
الإيديولوجي و الثقافي الذين يتموضع الكاتب و جمهوره بداخلهما و تعمل على
ترجمته.
ثالثا، دراسة الصورة في بعديها الجمالي و الاجتماعي لأنها تنتمي إلى متخيل
مجتمع ما.
و في نفس الإطار، لاحظ الباحث دانييل هنري باجو في مقال له بعنوان ( من
المتصورة الثقافية إلى المتخيل)[5] أنه إذا كانت فرنسا سباقة في الاهتمام
بالصوراتية فإن هذه الأخيرة عرفت في ما بعد اهتماما متزايدا في كل من
إنجلترا و ألمانيا.
إنها تشكل المجال الذي تتقاطع بداخله مجموعة من الأبحاث المنجزة من قبل
باحثين أنثربولوجيين، وإتنولوجيين، و سوسيولوجيين، و مؤرخي العقليات الذين
يطرحون قضايا و أسئلة تتعلق بالتثاقف، و الاستلاب الثقافي إلى غير ذلك من
القضايا. إن هذا التقاطع يرجع إلى كون أحد مهام الدارس المقارن تكمن في
إعادة طرح نفس اهتمامات الباحثين المشار إليهم أعلاه على الحقل الأدبي لأن
الأمر بالنسبة لهذا الدارس هو " إدراج التفكير الأدبي داخل تحليل عام يخص
ثقافة مجتمع واحد أو أكثر"[6]
أما الطابع الأدبي للصوراتية فيكمن في ما يسميه باجو بالصورة (الأدبية)
L'Image littéraireا حيث يعرفها على أنها " مجموعة من الأفكار المتعلقة
بالأجنبي الممسك بها في إطار سيرورة ما هو أدبي و اجتماعي"[7]
يعمل باجو على صياغة مفهوم للصورة باعتباره فرضية عمل أكثر منه تعريفا على
الشكل التالي: " كل صورة تنبثق عن وعي، مهما كان ضئيلا، لأنا في علاقتها
بالآخر، و لهنا في علاقتها بمكان آخر. فالصورة إذن تعبير، أدبي أو غير
أدبي، عن انزياح دلالي ما بين مستويين للواقع الثقافي"[8].
إن الصورة يمكن أن تشكل أيضا تعبيرا أدبيا عن فارق واضح بين نظامين
ثقافيين، من هنا يمكن اعتبارها تمثلا لواقع ثقافي من خلاله يترجم الفرد أو
الجماعة التي تنتجها فضاءهما الاجتماعي، الثقافي، الإيديولوجي و التخييلي.
و باعتبارها تمثلا، فإن عناصر الصورة الحاضرة في الفكر تقوم مقام خليط من
العواطف والأفكار التي من الأهمية بمكان أن يتم القبض على أصدائها العاطفية
والإيديولوجية. إن الصورة المقارنة في نظر الدارس ليست استنساخا للواقع،
بل تتشكل انطلاقا من خطاطات وإجراءات موجودة بشكل مسبق داخل الثقافة
الناظرة. إنها حدث ثقافي، و مكانها لا ينفصل عن العالم الرمزي المسمى
بالمتخيل، هذا الأخير لا يمكن فصله عن التنظيم الاجتماعي لثقافة ما، ومن
هنا تسميته بالمتخيل الاجتماعي.
يقدم الباحث بعض الآليات لتحليل الصورة داخل مجال الأدب المقارن، وهي آليات
تتناول العناصر التي انطلاقا منها تتشكـل هذه الصـورة، وهـذه العناصـر
هـي: الكلـمة (أو المعجم) ، العلاقات المقدمة بشكل هرمي ما بين الأنا
والآخر، ثم السيناريو.إن النص الأدبي هنا يتخذ على أنه وثيقة أنثروبولوجية،
ينكشف من خلال تحليله نظام قيم الآخر وتعبيرات ثقافته بالمعنى
الأنثروبولوجي.
بهذا المعنى تبدو الصوراتية تنويعا على الموضوعاتية، فهي تسائل قضايا مهمة
مثل الهوية والعلاقات الممكنة بين الذات والآخر. والمكسب الأساسي الذي
افتتحته داخل مجال الأدب المقارن هو الاعتراف بشكل واضح بمشروعية تناول
الصورة داخل مجال النثر وخصوصا الرواية، وتقديم بعض الآليات المنهجية التي
تمنح الإمكانية للتحليل الأدبي من مقاربة الصورة داخل النصوص الروائية.
2-1الصورة في النقد المقارن العربي
إن الانشغال بالصوراتية لم ينحصر فقط في الأدب المقارن الغربي، بل كان له
صدى كبير في الأدب المقارن العربي و المغربي أيضا، بحيث اهتمت دراسات عربية
عديدة بالعلاقة القائمة بين الثقافة العربية من جهة، و الثقافة الغربية من
جهة أخرى و كيف تنظر كل ثقافة إلى أخرى. سنقدم على سبيل المثال دراستين:
الأولى لعبد المجيد حنون، و الثانية للدكتور محمد أنقار.
في دراسة لعبد المجيد حنون تحت عنوان: (صورة الفرنسي في الرواية
المغربية)[9] حاول الباحث دراسة صورة الفرنسي كما رسمها الروائي المغربي. و
الملاحظ أن الباحث يعي منطلقاته من خلال تقسيمه لصور الشعوب إلى نوعين:
"صورة شعب في أدبه: مثل صورة الفرنسيين في أدبهم أو صورة المرأة الألمانية
لدى أديب ألماني[...] وهناك صورة أخرى هي صورة شعب في أدب شعب آخر"[10]
و في نظر الباحث أن الموضوعات التي تتعامل مع الصورة تتكون من شقين:"الشق
الأول صورة بلد أو شعب أو شخص يمثل شعبه أو بلده، و الشق الثاني يتكون من
انعكاس صورة البلد أو الشعب أو الشخص في أدب شعب آخر أو أدب أديب من ذلك
الشعب."[11]
و يدرك الدارس جيدا أن مبحثه يندرج ضمن الأدب المقارن الذي يرى أن الاهتمام
به آخذ بالتزايد داخل الآداب الغربية في مقابل ندرته في الأدب العربي.
هناك مسألة أخرى يعيها الكاتب جيدا تتعلق كونه يشغل مفهوم الصورة. و يعمل
على تحديده على الشكل التالي:" فكلمة (صورة) في مفهومها العادي تعني تمثيلا
معقولا أو أمينا، لكن الذين تحدثوا عن (صورة الشعوب) يحددون بأنهم يقصدون
(بصورة الشعب) (كل ما في الذهن حول ذلك الشعب)"[12]
ثم يستخلص الدارس تعريفا للصورة يقول فيه:" الصورة إذن تمثيل يعتمد على
معلومات شبه ثابتة ذات طابع عام و معقول، و لها شيء من الواقع الملموس"[13]
و لتحديد صورة الفرنسي في الرواية المغربية فإن الباحث يقوم بدراسة
الشخصيات الفرنسية و رصد كيفية رسمها داخل الأعمال الروائية المغربية. و
تقوم منهجيته في ذلك على " استخلاص الصفات المادية و المعنوية المبثوثة في
كل رواية، و تجميعها لتتخذ كل شخصية سماتها و ملامحها العامة"[14].
إن الهم الأساسي لهذه الدراسة هو استخلاص صورة معينة للفرنسي من خلال فرز
الشخصيات و تصنيفها و ترتيبها جسميا و فعليا و معنويا، للوصول في الأخير
إلى نموذج واحد يعبر عن تمثل للشخصيات الفرنسية جمعاء.
من بين الدراسات الأخرى المقارنة التي انشغلت بمفهوم الصورة يمكن أن نسوق
دراسة لمحمد أنقار في كتابه" بناء الصورة في الرواية الاستعمارية "[15].
إن الدارس بقدرما يعي كون عمله التحليلي يندرج ضمن إطار الصوراتية التي هي
دراسة صورة الآخر في الأدب المقارن، فإنه من جهة أخرى يستخدم مفهوم الصورة
الروائية للدلالة على محاولة غرس مبحثه داخل إطار الجنس الأدبي الروائي.
إننا نجد أنقار يستخدم أيضا مفهوم الصورة السردية و ذلك لتمييزها عن نوع
آخر من الصور كالصورة الشعرية مثلا.
بعد أن يقوم الدارس بتعريف الصورة عربيا على أنها الهيئة والشكل، النوع
والصفة، ينتقل لتحديد الصورة الروائية باعتبارها " نقلا فنيا، و محاولة
لتجسيم معطيات الواقع الخارجي بواسطة اللغة"[16]. إن الصورة الروائية في
نظر أنقار لا تكتسب بلاغتها فقط من داخل الإطار المتعلق بالتشبيه والمجاز
والاستعارة، إن هذا الإطار ليس سوى إمكانية تصويرية واحدة من بين إمكانات
هائلة تتيحها اللغة.
ويخلص الكاتب إلى إعطاء تحديد أكثر شمولية للصورة الروائية، حيث يعتبرها:
"نقلا لغويا لمعطيات الواقع، وهي تقليد وتشكيل وتركيب وتنظيم في وحدة، وهي
هيئة وشكل ونوع وصفة، وهي ذات مظهر عقلي ووظيفة تمثيلية، ثرية في قوالبها
ثراء فنون الرسم والحفر والتصوير الشمسي، موغلة في امتداداتها إيغال الرموز
والصور النفسية والاجتماعية والأنثروبولوجية و الإثنية، جمالية في وظائفها
مثلما هي سائر صور البلاغة ومحسناتها، ثم هي حسية، وقبل كل شيء، هي إفراز
خيالي".[17]
و بإمكاننا أن نستخلص مجموعة من التحديدات الإضافية المتعلقة بالصورة
الروائية كما يقدمها محمد أنقار و هي على الشكل التالي:
أول تحديد يمكن لنا الإشارة إليه هو أن الصورة الروائية تتشكل من خلال
التصوير اللغوي، و بفعل الوظائف التي تقوم بها داخل إطار السرد. إن التصوير
اللغوي يتم بناؤه انطلاقا من السياق النصي، المستوى الذهني، قواعد الجنس،
الطاقة اللغوية والطاقة البلاغية. وللتدليل على هذا يأخذ الباحث مقطعا من
رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، ويعلق عليه بالقول بأن "اللغة في تلك
الصورة تصف، وتستثير تراكيبها جملة من التصورات الذهنية"[18]
ويعمل الدارس على استخراج كلمات يتصل حقلها المعجمي بالفضاء، ليدلل على
أنها تبني الصورة.
يرفض الباحث اعتبار الصورة حكرا على الشعر وحده، مشيرا إلى أن قوانينها
ليست هي نفسها في الشعر، معترفا بأن "النقد الأدبي يفتقر راهنا إلى تصور
نظري عن الصورة الروائية التي لم ترق بعد إلى مستوى الإشكال، لذلك لن يكون
هناك كشف عن ماهيتها بعيدا عن معاينة المنطق المتحكم في تكوين الصورة
الشعرية واستثمار الموروث النقدي الثري الذي واكبها"[19].
ثاني تحديد يمكن لنا الإشارة إليه في معرض استخلاص كيفية تصور أنقار للصورة
الروائية ننفتح عليه من خلال السؤال الذي يطرحه الباحث وهو :
"كيف تتشكل الصـورة الروائيـة ؟ ومتى تتحول من مجموعة من الكلمات في نص
سردي إلى صـورة روائيـة ؟."[20]
إن الصورة الروائية لا تتحقق إلا داخل النص. وبما أننا أمام نص سردي، فإن
مكونات هذا النص السردي من فقرة، ومشهد، ومقطوعة، وحوار، وأحداث، وفضاء
وشخصية، وموضوع، وانطباع ذهني ونفسي اللذين يثيرهما ذلك المجموع في المتلقي
يساهم في ذلك التحقق.
و في نظر أنقار أن صورة الشخصية الإنسانية المتمظهرة في السرد الروائي يتم
بناؤها من خلال علاقة الشخصية بالزمان والمكان، و الأفعال التي تقوم بها،
والأدوار التي تؤديها هذه الشخصية.
يميز الباحث بين الصورة الجزئية والصورة الكلية، حيث يرى أن" الصورة
الجزئية تتسم بالحضور الفعلي داخل النص"[21]، أما الصورة الكلية فهي لا
يمكن أن تكتمل إلا بعد الانتهاء من الإطلاع الكلي على المتن، إن كيان
الصورة لا يتحقق إلا في إطار الكلية.
وبما أن الصورة تتعرض للتقييم، فإن أنقار يميز بين نوعين من الصور : صورة
مختلة وأخرى متوازنة.
وبعد أن يرصد طبيعة الصورة و علاقاتها بجملة من المكونات الروائية، يصل إلى
افتراض مفاده أن الصورة الروائية "هي أيضا نسق من المجاز، خاصة في بعده
التماثلي،من هنا تصبح الإمكانات البلاغية وسائل إجرائية مسعفة في تقنين
الجانب التشبيهي من تلك الصورة وتأطيره"[22].
و يستفيد الدارس من مجموعة من الدراسات و الأبحاث كتلك التي يقدمها ستيفان
أولمان من جهة، و نظرية التلقي من جهة أخرى في شخص إيزر. و هذا يرجع إلى
كون تحقق الصورة في نظر الدارس يتم بالارتكاز على بعدين أساسيين هما: البعد
الأسلوبي و البعد الذهني.
إن أنقار يعترف بأن الصورة الروائية لم تتخذ لنفسها التحديد النهائي، فهي
ما تزال في إطار التبلور والاجتهاد، و ما قام به يدخل فقط في إطار محاولة
إغناء الدرس النقدي بخصوص الصورة الروائية من منظور الإنشائية المقارنة
التي يقصد بها :"النهج التحليلي الذي يواجه الظاهرة الأدبية في نص ما
مواجهة قائمة على استنطاق القدرات التعبيرية لمجموع سماته ومكوناته
المتشكلة في صور لغوية، مع مراعاة مقتضيات الجنس الأدبي و البنيات، وقوانين
الصفة ومستلزمات التلقي"[23].
بعد هذا التوقف عند بعض النماذج المشتغلة على مفهوم الصورة في النقد
المقارن سواء في الساحة الغربية أو الساحة العربية، سنحاول الانتقال إلى
مجال النقد الروائي لنرى كيف طرح هذا المفهوم و ما هي نوع الغضافات التي تم
تقديمها.
2الصورة في النقد الروائي
1-2الصورة في النقد الروائي الغربي.
1-1-2 الصورة تعبير تماثلي.
يعد الباحث ستيفن أولمان أحد أبرز الدارسين الذين تطرقوا لمفهوم الصورة في
الرواية من منظور أسلوبي، و هو يحذر من " خطر الخلط بين ( الصورة) من حيث
هي تعبير لغوي عن تماثل ما، و (الصورة) من حيث هي تصور ذهني"[24]. و يتبنى
الباحث في دراسته الأسلوبية للصورة الروائية المعنى الأول، وهو يرى بأن كل
صورة هي استعارية، إلا أنه يرفض حصر الصورة الأدبية في هذا الجانب، ويشرع
الباب أمام مختلف أنماط التصوير، بما فيها الكناية.
و يطمح أولمان من خلال دراسته للصورة داخل العمل الروائي فحص " ثلاثة أنظمة
من الوقائع التي تثير أسئلة منهجية مهمة: البنية الشكلية للصور، طبيعة
العلاقات التي تقوم عليها، و أخيرا الدور الذي تضطلع به في تنظيم عمل أدبي
ما"[25]
و قد خصص أولمان لدراسة الصورة مؤلفا تحت عنوان (الصورة في الرواية)[26]،
حيث تناول مجموعة من الروايات الفرنسية كل واحدة على حدة باعتبارها عالما
أسلوبيا في حد ذاته، و حاول رسم تطور الصورة من خلال الأعمال السردية لكل
كاتب.
فقد تتبع الباحث في هذا الكتاب كيف يستخدم كل من جيد، بروست و كامو الصورة
أو الصور في رواياتهم. و عمل على استخلاص خصائص استخدام الصورة لدى كل
كاتب. فالصورة عند جيد مثلا تتميز بكونها أولا ذات مصدر فكري و فني من جهة،
ثانيا هي شكل من أشكال الفكاهة ، ثالثا هي وسيلة من وسائل التصوير و
التهكم ، وأخيرا تقوم بوظائف على صعيد الرواية ككل.
إن الدراسة الأسلوبية للصورة التي يقوم بها أولمان ترتكز بشكل أساسي على
اعتبار الصورة ضرب من التشبيه و الاستعارة و الكناية. و ترك جانبا الصورة
باعتبارها تمثلا.
2-1-2 الصورة الأدبية تمثل ذهني.
يبدو لنا جليا أن الدراسات النقدية التي بإمكانها التفكير في الصورة بصفتها
تمثلا هي الدراسات التي تنشغل بتلقي النصوص، بحيث تصبح الصورة ذلك النشاط
الذي يقوم به القارئ في تمثله لما يقرأ، فيقوم بالتالي ببناء صور عن
الأمكنة و الشخصيات.
إذا كان إيزر باعتباره أحد منظري نظرية التلقي قد بين كيف تتم عملية
التفاعل بين القارئ و النص، فإن فانسون جوف قد توقف بدوره من منظور التلقي
ليبين كيف تتشكل الصورة الأدبية.
في كتابه (أثر-الشخصية)[27] يخصص جوف فصلا بعنوان صورة-الشخصية
l’image-personnage)) يتحدث فيه عن الصورة الأدبية من خلال كلامه عن طبيعة
صورة الشخصية، وعن كيفية بنائها و تمثلها من طرف القارئ.
يرى جوف أن الطبيعة اللسانية للشخصيات تجعلها لا تمنح نفسها لرؤية مباشرة "
فهي تتطلب من القارئ (إعادة خلق) تخييلية حقيقية"[28]، فالشخصية الروائية
هي نتاج عملية تمثلية و ليس إدراكية. إن كلام جوف يتأسس على تصور لإيزر
يميز فيه بين الإدراك و التمثل[29]، حيث ينطلق هذا الأخير من أن المخيلة
البصرية تستند على عملية التمثل و ليس فقط على انطباع الموضوعات داخل
أحاسيسنا. من هنا تمييزه بين الإدراك و التمثل على أنهما" نمطان مختلفان
لولوج العالم"[30].
إن الإدراك بالنسبة لإيزر " يفترض بشكل قبلي وجود الشيء، في حين يرتبط
التمثل دائما، استنادا إلى نمط تكونه، إلى عنصر غير معطى، أو هو غائب و لا
يمكن أن يظهر إلا بفضل وجود النشاط التمثلي"[31].
يرى إيزر أننا حينما نقارن بين صورة ذهنية كوناها عن شخصية روائية ما و
صورة بصرية لنفس الشخصية الرواية في فيلم ما، فإن الصورة البصرية لهذه
الشخصية تكون فقيرة بالمقارنة مع الصورة الذهنية.
و بناء على هذا التصور اعتبر جوف الصورة الذهنية على أنها أقل تحديدا من
الصورة المرئية أو البصرية، فلا يمكن تصور الشخصية في كل جوانبها بالمقارنة
مع الصورة البصرية التي تقدم لنا كل المعلومات، إن عدم التحديد هذا يخلق
نوعا من الحميمية بين القارئ و الشخصية، فذاتية القارئ تلعب دورا كبيرا في
عملية التمثل.
يرى جوف أن الصورة الأدبية هي تركيب بين الانطباعات البصرية للقارئ و
هواماته الحلمية. و حينما يعمل القارئ على تمثل شخصية روائية ما فإن تمثله
ذاك ينطلق من العلامات النصية التي يقدمها النص للقارئ و يقوم بملء تلك
العلامات بدلالات خارج نصية من جهة، وتناصية من جهة أخرى. فالمعطيات النصية
التي يعمل القارئ على تحيينها أو تجسيدها ترجع من جهة أولى إلى تخيلاته و
إدراكاته اليومية، و من جهة ثانية إلى نصوص سبق للقارئ أن طالعها.
فأثناء عملية التمثل، و في محاولة القارئ منح الشخصية الروائية صورة ما،
فإن القارئ يشكل هذه الصورة في ذهنه بالرجوع إلى صور لشخصيات قد تنتمي إلى
عالم الكتب، أو السينما، أو عالم الواقع الخارجي و اليومي.
و يلخص جوف عملية تشكيل صورة للشخصية قائلا: " في كل رواية، فإن صورة
الشخصيات عبارة إذن عن خليط ما بين معطيات موضوعية للنص و المساهمة الذاتية
للقارئ"[32].
لقد طرح جوف أفكاره هاته حول الصورة الأدبية بصفة عامة و صورة الشخصية
الروائية بصفة خاصة داخل إطار تصور معين للشخصية من منطلق نظرية التلقي و
سنعمل على عرض أهم هذه القضايا في الفصل الثاني من هذا الباب أثناء حديثنا
عن التصورات النظرية التي عالجت قضية الشخصية الروائية.
و إذا كانت الدراسات الغربية قد قاربت مفهوم (الصورة) في مجال الروائية،
فإن الدراسات النقدية العربية استخدمت هي الأخرى هذا المفهوم في مجال
الرواية إلا أن هذا الاستخدام ما يزال يشكو من عدم وضوح الأدوات المنهجية
المعتمدة في دراسة الصورة.
2-2 الصورة في النقد الروائي العربي.
1-2-2 حضور المصطلح و غياب المفهوم.
من بين الدراسات النقدية العربية التي تناولت الصورة في الرواية يمكن أن
نذكر دراسة للناقد طه وادي تناول فيها (صورة المرأة في الرواية
العربية)[33]. فقد انصب اهتمام الدارس على رصد "التغيرات السياسية و
الاجتماعية و الفكرية و الأدبية التي انعكست في الرواية باعتبارها وثيقة
الصلة بالواقع[...] من خلال زاوية الصورة الفنية للمرأة"[34]، و ذلك لتوضيح
"كيف عبر الروائيون عن الواقع من خلال صورة المرأة"[35]. على اعتبار أن
هناك صلة بين حركية المرأة و حركية المجتمع.
و بما أن المرأة رمز للنوع البشري فهي أيضا رمز يحيل على الوطن، على طبقة و
على شريحة اجتماعية خاصة. لهذا فالباحث يرجع إلى التاريخ الاجتماعي و
السياسي و الثقافي لمصر. و انطلاقا من هذه العودة يطرح قضية المرأة داخل
الرواية على اعتبار أن هذه الأخيرة تكثيف لرؤية الأديب للواقع و لإدراكه
لعلاقات هذا الواقع.
و قد حصر الدارس الأدوات الفنية الروائية في: الحوار بالعامية، الحدث،
المونولوج الداخلي. و توقف الدارس عند الجذور الاجتماعية للانتقالات
الأساسية في التاريخ المصري، وتحدث عن مذاهب التعبير الأدبي المواكبة لها،
كنشأة الطبقة الوسطى في مصر والرومانسية و الروائيين الرومانسيين في مصر ثم
مجيء الواقعية كتعبير أدبي وعن القوى الاجتماعية الجديدة بعد ثورة 1952.
بعدها طرح قضية المرأة في الفكر و الواقع، و علاقة تحرير المرأة بتحرير
الوطن. و تناول في الباب الأول من دراسته الصورة الفردية كما يتصورها
التيار الرومانسي، حيث تحدث عن الصورة النامية وعن الصورة السلبية. أما في
الباب الثاني فقد تناول الصورة الإيجابية في الرواية الواقعية.
لقد كان هم الدارس عرض تطور الرواية الاجتماعية و التاريخية في مصر و رسم
خريطة عامة لحركة الرواية، و تحديد حجم الجهد الفني لكل من شارك فيها، مع
الاتكاء على الصورة الفنية للمرأة ليبين علاقتها بالمجتمع و دلالتها
الفكرية و الفنية، ملتزما بوجهة نظر واقعية تهتم بتوضيح الموقف الإيديولوجي
للأديب، بالإضافة إلى بيان العلاقات الجمالية في النص الأدبي.
على الرغم من استعمال طه وادي لمصطلح ( الصورة) بشكل ملفت للنظر، فإننا
نلاحظ بأنه لم يكلف نفسه عناء الالتفات إلى هذا المفهوم مثلما فعل بالنسبة
للمفاهيم الأخرى مثل: الرومانسية و المرأة.. و ما يمكن لنا استنتاجه من هذا
الإهمال هو أن الدارس لا يعي كومه يستخدم مفهوما في حاجة إلى البلورة
الشيء الذي ترتب عنه غياب منهجية لمقاربة الصورة في الرواية.
إن ملاحظتنا على هذه الدراسة و دراسات مماثلة لها [36] على الرغم من
استخدامها لمصطلح الصورة بصفته عنوانا لدراستها فإنها لا تنشغل به باعتباره
أداة، و لا تهتم بالبحث عن الآلية المنهجية التي بواسطتها يمكن مقاربة
الصورة في العمل الروائي.
يمكن أن نشير أيضا إلى دراسة للدكتور منير فوزي تتخذ موضوعا لها (صورة
الطفل في الرواية المصرية)[37]، حيث يحاول أن يحدد ما يقصده ب(صورة الطفل)
فيقول بأنها " مجموعة من الخصائص الجمالية و التشكيلات الدلالية و الفنية
التي يحققها وجود الطفل في النص الأدبي و مجال التحقق هنا هو (فن
الرواية)"[38].
ثم يميز الدارس بين صورة الطفل و وجود الطفل في نص روائي:" ثمة فارق يتمثل
في أن وجود الطفل يعني التحقق الفيزيقي فحسب، أما (صورة الطفل) فهي التحقق
الفتي و الجمالي عبر مستويات: ارتباط الطفل ببناء الشخصية، و علاقته بتطور
أحداث الرواية، وتأثيره في فنية اللغة الروائية، و ارتباطه بالمكونات
التراثية، و الأنماط الرمزية.."[39].
على الرغم من أن الدارس يقوم بهذه التمييزات و التحديدات، فإنه يهمل الحديث
عن الصورة ليتوقف فقط عند قضايا(الطفل و بناء الشخصية الروائية) و (الطفل و
المكونات التراثية) ثم (الطفل و الرمز).
2-2-2 الصورة و الهاجس السايكوتربوي
إلى جانب هذه الدراسات يمكن ذكر دراسة لأحمد فرشوخ اهتمت بصورة الطفل في
القصة المغربية[40]، ركزت على مقاربة بنيات الصورة الطفلية في القصة
المغربية القصيرة وذلك بالوقوف عند مكوناتها النفسية و الاجتماعية .
يعتبر صاحب هذه الدراسة الصورة على أنها إعادة إنتاج ذهنية. إنها رؤية و
موقف، و هي أيضا معرفة متولدة عن أنماط الوعي. فالصورة ليست تمثلا لشيء
فحسب، بل تمثيل له.
يتداخل بحث الدارس مع الصوراتية التي يهتم بها الدرس المقارن:صورة شعب كما
تتمثلها ثقافة شعب آخر. و هو يقترح مصطلح الإيكونولوجيا لأن الأمر يتعلق
بصورة الفرد داخل الثقافة المحلية.
ما نلاحظه على هذه الدراسة، هو وعي الباحث بأهمية مفهوم الصورة، لذلك فهو
يعمل على تجليته و ذلك بالرجوع إلى المعاجم مستنطقا دلالته، ليخلص في
الأخير إلى حصر خاصيات الصورة التي يرى أنها: تربط بين المحسوس و المجرد و
تنفتح على الفردي و الجماعي، كما أن لها علاقة بما هو إيديولوجي؛ و تعمل
على تزييف الواقع وتبرير السلطة، و ممارسة الإدماج الاجتماعي.
ويقوم الباحث بقراءة مكونات الصورة الطفلية الداخلية و الخارجية من
خلال:أهم الموضوعات من جهة أولى، و الوحدات المعجمية المشكلة لتشخيص لغوي
كاشف للأبعاد الإيديولوجية و الثقافية و السيكولوجية من جهة ثانية ثم أخيرا
التركيب العام لنصوص المتن من خلال تجلية الأنساق سيكولوجية، والثقافية
المؤطرة للصورة في سياقها الاجتماعي.
الملاحظ بخصوص هذه الدراسة على الرغم من كونها تقترح بعض الآليات لدراسة
الصورة إلا أن الهاجس السوسيولوجي و التحليل النفسي و التربوي أثقل البحث
بمجموعة من المفاهيم المنتمية إلى حقل العلوم الإنسانية، الشيء الذي يجعل
القارئ يشعر أنه أمام بحث في السوسيولوجيا و التحليل النفسي أكثر منه في
النقد الأدبي.
بعمن خلال هذا الستعراض السريع للدراسات التي تناولت مفهوم الصورة في
المجال الروائي، فقد بدا لنا أنه يطرح إشكاليات منهحية و صعوبات تخص
الكيفية التي بها ندرس الصورة في الحقل الروائي و الإطار النظري الذي من
خلاله يمكن لنا الاشتغال على هذا المفهوم. إنها في نظرنا صعوبات حقيقة
لأنها تتعلق بمسألة الآليات و الأدوات المنهجية التي تسعف في قراءة الصورة
في الرواية. و لتذليل هذه الصعوبات فإن الأمر يحتاج إلى وقفة تأملية من أجل
إعطاء هذا المفهوم كامل الصلاحية داخل النقد الأدبي الروائي.
إن الدراسات التي سقنا بعضها لا تخلو من أهمية فهي تنير لنا الطريق نحو
إعادة بناء هذا المفهوم، و بناء شبكة من الآليات و الأدوات المنهجية
الكفيلة بمساعدتنا على دراسة الصورة الروائية بدقة أكثر.


* ملاحظة: هذه الورقة جزء من رسالة الدكتوراه تحت
عنوان: صورة الإنسان في رواية " الآن.. هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى" لعبد
الرحمن منيف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الصورة الروائية في الخطاب النقدي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الصورة الروائية في الخطاب النقدي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» نقد الاستشراق بدل نقد التراث في الخطاب النقدي العربي
» إشكالية المعنى في الخطاب النقدي العربي الجديد
» انتقال مفهوم التناص إلى الخطاب النقدي المغربي الحديث
» في كتاب ‘التفكيكية التأسيس والمراس’: إستراتيجية الخطاب النقدي ما بعد الحداثي
» وحدة الخطاب الرشدي بين الفقه والفلسفة: قراءةٌ في كتاب الفقه والفلسفة في الخطاب الرشدي

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: