انتقال مفهوم التناص إلى الخطاب النقدي المغربي الحديث
.
محمد أيت الطالب 9 مارس 2015 في
دراســات أضف تعليقا تاريخية مفهوم التناصيُجمِعُ الدارسون والباحثون المهتمون بمفهوم التناص على ارتباطه بالشعرية الغربية الحديثة. فقد كان أول من نظَّر له الباحثة جوليا كريستيفا، التي استوحته من أعمال ميخائيل باختين، الذي تحدث عن مفهوم “الحوارية”، باعتبارها عنصراً مميزاً للشكل الروائي، المتميز بالتهجين وتعدد الأصوات.
فقد قدمت جوليا كريستيفا أبحاثها عن مفهوم التناص في أعمالها المنشورة في مجلة تيل كيل. لكن لابد من الإشارة إلى أن مجموعة من الباحثين يرون أن الإلماحات الأولى لظهور هذا المفهوم ترتبط بعدة أبحاث كأعمال اللساني السويسري فرديناند دي سوسير(1857-1913).
بعد كريستيفا اهتم عدة باحثين ونقاد بدراسة المفهوم وأهميته وكيفيات حضوره. فرواد هذا المفهوم الأوائل هم: ميخائيل باختين(Mikhaïl Bakhtine)، وجوليا كريستيفا(Julia Kristeva)، وجيرار جينيت(Gérard Genette)، وميخائيل ريفاتير(Michael Riffaterre)، ولوران جيني(Laurent Jenny)[1]. وقد نتج عن ذلك أبحاث ودراسات وكتب بالمآت إن لم تحسب بالآلاف. أثمر تعدد المنطلقات والمقاربات التي اهتمت بالتناص، اختلافاً وتنوعاً في تعريفاته وتطبيقاته.
يميز جيني لوران بين التناص الصريح، الذي يتمظهر من خلال علاقات نص بنص آخر بنيوياً، و بين التناص الضعيف(faible)، الذي لا يشكل تناصاً، وإنما يمثل كناية وتلميحاً.إن الإشكالات التي يطرحها مفهوم التناص ولَّد ظهور مفهوم آخر في الثمانينات هو إعادة الكتابة. لاسيما أن مفهوم التناص مفهوم ضبابي وغير واضح بما فيه كفاية. لذلك فإن مفهوم إعادة الكتابة(récriture) في الأسلوبية مبني على أسس متينة. إعادة الكتابة مفهوم ضروري لإدراك وفهم مجموعة من المؤلفات كلياًّ.
قدَّم جيرار جينيت مساهمات كثيرة عن دراسة النص من منظور الرؤية التناصية. ومن أهم الأعمال التي قدمها كتابه عن
التطريسات[2]، حيث قدم في هذا المؤلف تصوراً شمولياً عن التناص، يتجاوز ما كان سائداً، من خلال مفهوم المتعاليات النصية.فقد أكد جينيت على أن موضوع الشعرية هو جامع النص. وهو ما سماه جينيت بعد ذلك بالنصية الجامعة للنص. ويضيف جينيت موضحاً موضوع الشعرية “والأجدر أن أقول اليوم، وبسعة أكبر، بأن هذا الموضوع هو النصية المتعالية Transtextualité، أو التعالي النصي للنص Transcendance textuel du texte، والذي أعرفه مسبقاً، وبطريقة إجمالية ب “كل ما يجعله في علاقة ظاهرة أو ضمنية مع نصوص أخرى”[3].
لذلك عرض جينيت عدة أنواع من العلاقات الخاصة بالمتعاليات النصية تمثلت في: التناص (Intertextualité)، والنص الموازي (Paratexte)، والنصية الواصفة (Métatextualité)، والنصية الجامعة (L’architextualité)، ثم النصية المتفرعة (Hypertextualité).
يرتبط مفهوم التناص بعدة اتجاهات؛ فهو مفهوم ترعرع في أحضان الشعرية البنيوية لكنه أصبح من مفاهيم ما بعد الحداثة. فهو مفهوم “يستمد فعاليته وقيمته الإجرائية من كونه يقف راهناً، في مجال الشعرية الحديثة، في نقطة تقاطع (تلاقي) التحليل البنيوي للنصوص والأعمال الأدبية بصفة عامة، باعتبارها نظاماً مغلقاً لا يحيل إلا على نفسه، مع نظام الإحالة (أو المرجع)”[4]. إنه مفهوم مرَّ بعدة تطورات وتغيرات جوهرية، “فهو يستخدم مع النقاد البنيويين للإخلال بمفاهيم المعنى، في حين يوظف النقاد البنيويون المصطلح نفسه لتحديد أو إصلاح المعنى الأدبي، وهذا دليل كافٍ على مرونته”[5].
تطرح علاقة النص الأصلي بالنص المحاور(المتناص) إشكالات كبرى. سواء عن طبيعة تلك العلاقة أو درجاتها ومرتباتها. فالتناص هو “إعادة قراءة نص لنص آخر”[6]. لذلك تطرح هذه الإشكالية. ومن بين من حاول تأمل علاقة النصين المتحاورين وتمظهراتها دبوراه م. هيس(Deborah M. Hess)، حيث أكد أن التأثير يكون تأثيراً رمزياً، مثل تأثير الأب على الابن. لكن هذا التأثير ليس مبنياً على الأبوية والاستعلاء، وإنما تكون هذه العلاقة مبنية على التساوي.
قدمت جوليا كريستيفا في هذا الصدد مساهمتها التي تميز بين ثلاثة أنماط من الترابطات بين المقاطع الشعرية. تمثلت في النفي الكلي، حينما ينفي النص المعنى كليا، ثم النفي المتوازي، حين يظل المعنى المنطقي للمقطعين الشعرين هو نفسه. أما النمط الثالث فيتمثل في النفي الجزئي، الذي ينفى فيه جزء واحد فقط من النص المرجعي[7].
لا يقتصر تناول مفهوم التناص على النص، بل يتعداه إلى القارئ، الذي يساهم في خلق النص الأدبي وإعطائه وجوداً فعلياً. فميخائيل ريفاتير يضع القارئ في مركز تعريفه للتناص، باعتباره إحساس القارئ بالعلاقات التي تنشأ بين مؤلف ومؤلف آخر[8].إن القارئ يساهم في إدراك مظاهر التناص من خلال استحضار معارفه الخلفية، وبالتالي يكون هناك “تناص آخر يستحضره القارئ، وهنا تتعقد المسألة وتتشعب وتزداد غموضاً. فالكاتب يستحضر نصوصاً من مخزونه الثقافي أو مقروئه المعرفي… ولكن في الوقت ذاته يستحضر القارئ في أثناء قراءته للنص نصوصاً أخرى من مخزونه الثقافي الذي قد يختلف عموماً عما لدى الكاتب في أثناء كتابه”[9].
- مفهوم التناص في النقد المغربي الحديث:
يعد إشكال ترجمة المفاهيم من أهم القضايا التي تواجه عملية نقل المفاهيم والنظريات من ثقافة إلى أخرى. فالترجمة فعل إنساني عظيم يساهم في نقل المعارف والعلوم بين الأمم. فهي “اليوم وأكثر من أي وقت مضى عنصر للتبادل وللمعرفة بين الثقافات، وبداخل كل ثقافة كذلك”[10]. لكنها تستدعي الالتزام بعدة شروط ومستلزمات، تقتضيها عملية النقل. ولعل أبرزها مراعاة خصوصيات المفاهيم والمصطلحات حسب الثقافات التي تنتمي إليها. فعملية “النقل أو الترجمة تخضع لإجراء معقد يتمثل في إيجاد معادلات مصطلحية للمفهوم المراد نقله، وكذلك تبين حقل المفهوم الذي ولَّد أجزاء المفهوم وصاغه، ثم إدراك القنوات التي أوصلت المفهوم من المصدر إلى الهدف، وخاصة قناة الترجمة وما يعتريها من مشاكل”[11].
يطرح مفهوم التناص في الوطن العربي إشكالات كبرى، لعل أبرزها إشكال ترجمته. فرغم أن المصطلح الشائع والمتداول بين الباحثين هو مصطلح “التناص”، إلا أن هناك عدة مصطلحات. فقد أشار محمد مفتاح إلى إشكال ترجمة مفهوم التناص، ومعه مفهوم النص أيضاً، في كتاب:
المفاهيم معالم، حيث أكد أن “التصور النظري والمنهاجي يوجب حين ترجمة مفهوم من المفاهيم إمعان النظر، قبل الترجمة، والتأمل في الأبعاد والنتائج المؤدية إليها في الثقافة الخاصة حتى يمكن أن يتلاءم ما يترجم أو يقترض (أو يعرب) مع تلك الثقافة، ويجد سنداً له فيه حتى يشيع وينتشر ويؤدي وظائفه الثقافية والعلمية والوصفية والتأويلية والعملية”[12]. إلا أن محمد مفتاح ظل محافظاً على مصطلح التناص في كتاباته، ولم يعمل على تقديم مصطلح آخر، إلا حينما يروم تجاوزه فيقدم مفهوماً مغايراً كالحوارية أو التحويل أو الرتق…إلخ.
على العموم، فإن مصطلح التناص مصطلح شائع في الخطاب النقدي العربي الحديث، وإشارتنا إلى تلك التسميات الحاضرة إلى جانبه، منبعه التأكيد على الإشكالات التي تعيشها المفاهيم والمصطلحات في الوطن العربي، أمام غياب توحيد المصطلحات. وهذا هو دور المؤسسات المهتمة باللغة والترجمة، وكذا دور مجامع اللغة العربية ومعاهد البحث. لذلك اعتمدنا مصطلح التناص في هذا البحث لكونه المصطلح الأكثر شيوعاً.
سنتوقف عند مسميات استعملها كتاب مغاربة في معالجة مفهوم التناص، وسنركز على ثلاثة نماذج أساسية، وهي: النص الغائب والتداخل النصي، كما قدمه محمد بنيس، ثم التناص مع محمد مفتاح، ثم التفاعل النصي مع سعيد يقطين.
2. فعل التناص في النقد المغربي الحديث 1.3. النص الغائب /التداخل النصي عند محمد بنيساعتمد مجموعة من الباحثين والدارسين تسميات أخرى غير التناص. فمحمد بنيس يترجم التناص ب”التداخل النصي”، ويشير إلى إشكال الترجمة، متشبثاً بـ”التداخل النصي” رغم شيوع مصطلح “التناص”، حيث يقول:
“كان تناولنا لمفهوم “ألتداخل النصي” في
ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب جديداً على المتداول في الخطاب النقدي العربي، وهو ترجمة لمصطلح L’intertextualité. وبعد هذا العمل ظهرت دراسات عربية في المغرب أكدت أهمية هذه الخصيصة النصية، ولكنها فضلت ترجمة المصطلح ب”التناص”، الذي أصبح شائع الاستعمال في الخطاب النقدي العربي. ونتشبث، عكس ذلك، ب”التداخل النصي” لأن ترجمة المصطلح تخضع، قبل كل شيء، ل”شبكة من العلائق في لغة الانطلاق وشبكة أخرى في لغة الوصول، علائق دلالية وصرفية وتركيبية”[13].
ولدراسة التداخل النصي قدم محمد بنيس عدة مفاهيم كالنص الغائب والنص الصدى والنص الأثر. يمكن أن نميز في تصورات محمد بنيس، بخصوص مفهوم التناص، بين ما قدمه في كتاب
ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، وبين ما قدمه في كتاب
الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها؛
ففي الكتاب الأول عرض محمد بنيس قوانين يمكن قراءة النص الشعري بها وهي: الاجترار والامتصاص والحوار. لذلك فإن دراسة النص الغائب من شأنه إبراز درجات الإبداع في المتن الشعري، وعلاقته بالمتون الشعرية المحاوَرَة. هذا التصور سيقود محمد بنيس إلى ملاحظة أن الذي يهيمن على الشعر المغربي هو الامتصاص، فيما يظل وجود الحوار والاجترار ضئيلاً. يؤكد محمد بنيس ذلك قائلاً: “ويمكن أن نلتقي مع الحوار في بعض نصوص السرغيني والمجاطي، ونلتقي في آنٍ واحد مع الاجترار في بعض نصوص أحمد صبري ومحمد علي الهواري، على أن هؤلاء الشعراء، وغيرهم، لم يتمكنوا من فرض قانون الحوار كأساس لإعادة كتابة النص الغائب، ولم يسقطوا كلياً في الاجترار”[14].
أما في كتاب
الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها، فقد توقف محمد بنيس عند التداخل النصي من خلال نماذج شعرية(أدونيس، ومحمود درويش، والسياب)، ثم انتقل بعد ذلك إلى ما سماه هجرة النص؛ وفي هذا السياق قدم مفهومي النص الأثر والنص الصدى. يحدد محمد بنيس النص الأثر باعتباره النص الذي يمارس الهجرة، فيما النص الصدى هو الذي لا يمارسها.
2.3. التناص عند محمد مفتاحأشار محمد مفتاح (2010) إلى سياق ظهور مفهوم التناص، فأكد على ارتباطه بعدة أحداث تاريخية كالحرب العالمية الثانية وجلاء الاستعمار والصراع بين أنصار الشيوعية والاشتراكية وبين الليبرالية والفوضوية والطوباوية، وكذا هجرة المفكرين من المعسكر الشرقي إلى أوربا وأمريكا، فضلاً عن وقوع ثورات في العلوم الفيزيائية والرياضية والاجتماعية والإنسانية.
لذلك يرتبط مفهوم التناص أكثر باتجاه ما بعد الحداثة، وهذا ما يؤكده محمد مفتاح بقوله: “في سياق ما بعد الحداثة المعقد ازداد وليد في فرنسا الباريزية سمي، ثم شاع ذكره، فصار مفهوماً كونياً، لقبه المهتمون من العرب ب”التناص” فذاع صيته في أقاصي البلدان العربية وأدانيها، وخصوصاً أنهم عثروا فيه على ما يعزز مركزيتهم وهويتهم”[15]. فمفهوم التناص لا يقتصر، بذلك، على المجال الأدبي والشعري، بل تعداه إلى عدة فنون أخرى كالسينما والرسم والموسيقى والعمارة والتصوير وكل الإنتاجات الثقافية والفنية تقريباً. فضلاً عن كون التناص يمثل لقيم ما بعد الحداثة؛ فهو مفهوم نشأ في ظروف اعتراضية، من خلال الاعتراض على المؤسسات السياسية والثقافية والعلوم الرائجة، كما أنه مرتبط بشعارات كالقطيعة، والإبدال والإبستيمي، والفوضى والعماء، كما يؤكد محمد مفتاح.
من القضايا التي أثارها مفهوم التناص في الكتابات النقدية العربية، شأنه شأن كثير من المفاهيم الحديثة الآتية من الغرب، إشكال علاقته بمفاهيم قديمة في التراث النقدي العربي القديم كالسرقات والاقتباس….إلخ. فهناك عدة دارسين يرون أن مفهوم التناص ليس مفهوماً جديداً، مادام أنه يحضر في النقد العربي القديم، رابطين بذلك بين التناص وبين مفاهيم قديمة. كما أن هناك دارسين وباحثين آخرين حاولوا أن يقفوا موقفاً وسطاً محايداً، معتبرين أن التناص مفهوم يرتبط بمفاهيم قديمة كالمحاكاة وغيرها، لكنهم أكدوا على اختلاف تلك المفاهيم. فالتناص مفهوم متطور متسع الدلالة في النقد الحديث، بحيث أصبح شاملاً وعاماً.
إلى جانب هذه الآراء هناك عدة نقاد وباحثين يرون أن مفهوم التناص مختلف كلياًّ عن المفاهيم القديمة كالسرقات. فهو مفهوم جديد يعتمد دوافع فكرية وفنية وتقنية جديدة. فاستعمال مفهوم السرقات في تحليل النص الشعري، لا يتيح الإمكانية في تتبع درجات الإبداع ومستويات الكتابة وتصور الشاعر بشأن النصوص السابقة التي يحاكيها كما يؤكد ذلك محمد بنيس في كتاب
ظاهرة الشعر المعاصر.
في هذا الصدد أكد محمد مفتاح على تصوره الذي يرى أن مفهوم التناص عرف انتشاراً واسعاً، لكنه لم تفهم دلالته، حيث استعمل استعمالاً خاطئاً بربطه بالسرقات الشعرية. فقد “انتشر مفهوم التناص بين المؤولين والمبدعين؛ فالمؤولون يوظفونه في تفكيك الكتابة وسبر أغوارها والكشف عن معانيها وإيحاءاتها ودلالاتها، والكتاب يشغلونه لإبداع نصوص؛ إلا أن توظيفه وتشغيله قد اعتراهما كثير من التحريف والتحوير وسوء الفهم”[16]. لذلك ينتقد محمد مفتاح تلك التصورات التي تربط مفهوم التناص بالمفاهيم القديمة، مؤكداً على لا تاريخيتها، خصوصاً حينما تسعى إلى مطابقة مفاهيم انبثقت في سياق تاريخي خاص، هو المنتصف الثاني من القرن العشرين، بتسميات وليدة ذهنية محكومة بتصورات العصور الوسيطة. فتصور محمد مفتاح مبني على رفض الربط بين مفهوم التناص الحديث، وبين مفاهيم ترتبط بثقافة مغايرة وبشروط إنتاج اجتماعية وثقافية وأدبية مغايرة.
3.3. التفاعل النصي عند سعيد يقطينمن بين الدارسين المغاربة الذين اهتموا بمفهوم التناص سعيد يقطين، الذي فضل مصطلح “التفاعل النصي”، بدلاً من التناص. مبرراً سبب اختياره حيث يقول: “إننا نستعمل “التفاعل النصي” مرادفاً لما شاع تحت مفهوم “التناص” intertextualité أو “المتعاليات النصية” (transtextualité)، كما استعملها جنيت بالأخص. نفضل “التفاعل النصي”، بالأخص. لأن “التناص” في تحديدنا –الذي ننطلق فيه من جنيت- ليس إلا واحداً من أنواع التفاعل النصي”[17].
وقد قدم سعيد يقطين تصوره عن التفاعل النصي معتبراً إياه أعم من التناص. كما أكد أن تفاعل النص مع البنى النصية الأخرى يكون إما عن طريق التحويل أو التضمين أو الخرق.
ركز سعيد يقطين، في تقديم تصوره عن التفاعل النصي، على تقسيم النص إلى بنيات نصية؛ القسم الأول يتمثل في “بنية النص” ويتصل ب”عالم النص”، ثم القسم الثاني سماه “بنية المتفاعل النصي”. ولتحديد أنواع التفاعل النصي ميز بين: المناصة، والتناص، والميتانصية.
علاوة على هذا التقسيم عمل يقطين على التمييز بين أشكال التفاعل، التي تمثلت في: التفاعل النصي الذاتي، والتفاعل النصي الداخلي، ثم التفاعل النصي الخارجي. وقد عمل يقطين بعد ذلك على تطبيق تصوراته على نماذج سردية.
خلاصةقادنا تأمل حضور مفهوم التناص في الخطاب النقدي المغربي الحديث إلى التوصل إلى جملة من النتائج والخلاصات، لعل أهمها أن استعمال هذا المفهوم لم يكن خاضعاً لنفس التصورات النظرية. فرغم أن مفهوم التناص يرتبط بالشعرية الغربية عموماً، إلا أن وروده لدى الدارسين المغاربة جاء متبايناً، والسبب في ذلك هو ترجمة المفهوم، وانتقاله من فضاء ثقافي أدبي إلى فضاء آخر مغاير كلياً.
تبدى لنا كذلك أن مقاربة الأعمال الأدبية، بناءً على المقاربة التناصية، من شأنه أن يقدم دراسة وافية للنصوص، سواءً كانت شعريةً أو سرديةً. إن الدراسات التي توقفنا عندها دراساتٌ تتغيا تطوير تصوراتها عن مفهوم التناص؛ لذلك يظل مفهوم التناص مفهوماً يساهم في قراءة الأعمال الأدبية في أي مجتمع، وإبراز درجات الجدة والإبداع فيها. فهو بذلك يحتاج تضافر الأبحاث والدراسات لملامسة كل القضايا التي يطرحها.
على العموم، فإن الاشتغال على مفهوم التناص يتيح إمكانات كبرى للدراسة والتحليل. كما أن هذا الاشتغال يستطيع أن يبين علاقة الخطاب النقدي العربي بالخطابات النقدية في لغات أخرى، وكذا لكون المفهوم يجمع بين أجناس مختلفة سواء كانت سردية أم شعرية