** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 السيميائية في الدرس النقدي المعاصر 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

السيميائية في الدرس النقدي المعاصر 2 Empty
15102012
مُساهمةالسيميائية في الدرس النقدي المعاصر 2

وقد عاش رولان بارت Roland Barthes واقعاً
قريباً من الواقع الذي عايشة سارتر – Sartre , فقد أصيب بمرض السل في
أواخر العشرينات وأوائل من عمره , وأصبح قريباً من حافة الموت مثلما كان
سارتر قريباً من حافته أيضاً . وقد أدي هذا إلي كراهية بارت R. Barthes
للفلسفة الجوهرية ؛ لأنها فلسفة من الفلسفات الحتمية ” التي تؤمن بأن في كل
فرد إنسانيّ جوهراً ما لا يتغير بفرض علينا التصرف أثناء مسيرتنا الحياتية
ضمن حدود يمكن التنبؤ بها علي نحو ما . وقد ترجع هذه الكراهية إلي حالته
المرضية التي مرّ بها بين عامي ( 1942-1947) حيث أصيب بداء السل وقضي هذه
الفترة في المصحات للعلاج وتركت أثراُ في نفسه جعلته يذهب أكثر مما ذهب
إليه سارتر في مقته للجوهرية ” فسارتر يقر بوجود قدر من التكامل أو الوحدة
في الشخص الإنساني, أما بارت فيؤمن بفلسفة التحلل التي تنحل فيها الوحدة
المفترضة في أي فرد إلي تعددية بحيث يصبح كل منا كثيرة لا وحدة . إن بارت
لا يؤمن بالوحدة ولا حتى بالله الواحد بل يدعم كل ما هو متعدد أو منقطع ,
لذا فإن السيرة عنده نوع أدبي كريه ؛ لأنها تمثل وحدة مزيفة لموضوعها “[41]
.

ونجد أثر هذه الفلسفة في تحليلاته لبعض
النصوص الأدبية وفي ارائه النقدية , ونفق علي سبيل التمثيل عند نص أدبي
واحد لتوضيح أثر حالته المرضية علي ارائة الفلسفية من ناحية ونصوصه الأدبية
من ناحية ثانية وارائة النقدية من ناحية ثالثة . يقول : ” منذ أيام أعدت
قراءه رواية توماس مان Thomas Mann ” الجبل السحري ” يستعرض هذا الكتاب
مرضاً عانيت منه مدة طويلة هو مرض السل . عن طريق هذه القراءة كنت أحتفظ في
وعي ثلاث فترات عن هذا المرض . فترة الحادثة التي تدور قبل حرب 1914,
وفترة مرضي أنا حوالي 1942 ، ثم الفترة الحالية التي لم يعد فيها لهذا
المرض أثر بعد أن قضت عليه الأدوية الكيماوية , تلك الصورة التي كان فيما
مضي , والحال أن السل الذي عرفته لا يختلف إلا قليلاً عن السل الذي تتحدث
عنه رواية الجبل السحري , كانت الفترتان تمتزجان وتبتعدان عن حالتي الراهنة
نفس المسافة الزمنية تبينت لحظتها باندهاش (والبداهات وحدها هي القادرة
علي أت تبعث علي الدهشة ) إن جسمي يمتد في التاريخ .. إذا أردت أن أحيا علي
إذن أن أنسي أن جسمي ينتمي إلي التاريخ وأغرق في الوهم “[42] .

أي أن النقد هو معني ثان للعمل الأدبي
يرتبط بالمعني الأول عن طريق العلامات, أو بمعني اخر المعني الثاني يكون
علامة علي المعني الأول أو العكس . خاصة أن بارت يري أن العهلاقة التي تحكم
النقد بالعمل الأدبي هي بمثابة علاقة المعني بالشكل , فالنقد عنده هو
المعني والعمل الأدبي هو الشكل ومن ثم يكون النقد معني ثانياً للعمل الأدبي
وعلامة له “فالناقد حين يضيف كلامه إلي كلام المؤلف ى “يشوه” الموضوع حتى
يمكن له أن يعبّر به عن ذاته , ولا يسعي أن يجعله محمول شخصه بل بعيد
صياغته مرة أخري , معتبراً إياه علامة منفصلة ومتنوعة شئ علامة الأعمال
الأدبية ذاتها [43]. م . أي أن النقد حتى لو كان ذاتياً فهو قراءة ثانية
للعمل وإضافة له تعكس الموروث الثقافي للناقد وتتقصي الموضوع الأدبي خاصة
إذا كانت الذاتية منظمة ومثقفة وتقوم علي مزج الذاتي بالموضوعي مزجاً
مقتناً . وحينئذ تكون هذه الإضافة النقدية هي علامة العمل الأدبي ذاته.
“فالنقد عنده ليس العلم وليس بمعارضة الموضوع بالذات بل بما له من صفات
“[44].

ومن ثم لا يري النقد الأدبي تقويماً للعمل
الأدبي بل قراءة ثانية له وإضافة معاني إليها فيقول “لا غرابة في أن يضاعف
الناقد المعاني , فيضفي علي سطح الكلام كلاماً ثانياً , أي ترابطاً
منطقياً للعلامات “[45].

أي أن النقد هو معني ثان للعمل الأدبي
يرتبط بالمعني الأول عن طريق العلامات , أو بمعني اخر المعني الثاني يكون
علامة علي المعني الأول أو العكس . خاصة أن بارت يرى أن العلاقة التي تحكم
النقد بالعمل الأدبي هي بمثابة علاقة المعني بالشكل , فالنقد عنده هو
المعني والعمل الأدبي هو شكل ومن ثم يكون النقد معني ثانياً للعمل الأدبي
وعلامة له ” فالناقد حين يضيف كلامة إلي كلام المؤلف لا “يشوه” الموضوع حتى
يمكن له أن يعبّر به عن ذاته , ولا يسعى أن يجعله محمود شخصية بل بعيد
صياغته مرة أخرى معتبراً إياه علامة منفصله ومتنوعه هي علامة الأعمال
الأدبية ذاتها [46]م .

أي أن النقد حتى لو كان ذاتياً فهو قراءة
ثانية للعمل وإضافة له تعكس الموروث الثقافي للناقد وتتقصي الموضوع الأدبي
خاصة إذا كانت الذاتية منظمة ومثقفة ونقوم علي مزج الذاتي بالموضوعي مزجاً
متقنا . وحينئذ تكون هذه الإضافة النقدية هي علامة العمل الأدبي ذاته .
“فالنقد عنده ليس العلم وليس بمعارضة الموضوع بالذات بل بما له من صفات
“[47].

ولذلك يقول : ” إن النقد هو قراءة عميقة
جانبية إذ يكشف في العمل الأدبي أمراً معقولاً , وهو بذلك يكشف عن تأويل
ويسهم فيه غير أن ما يظهره هذا النقد لا يمكن أن يكون مدلولاً (إذ لا يزال
يتراجع هذا المدلول حتى يصل إلي فراغ الذات ) بل سلاسل من الرموز ومشابهات
في العلاقات “فالمعني” الذي يهبه النقد للعمل الأدبي ليس في النهاية إلا
ازاهاراً جديداً للرموز التي تصنع هذا العمل ” [48].

أي أن النقد في حالة تجدد دائم للمعني
الذي يطرحه النص الأدبي من ناحية وثقافية النقاد من ناحية ثانية , ولا
يتوقع هذا المعني حول المدلول بالمفهوم السويسري , بل يظل في حالة تجدد حتى
يصل إلي تلاشي المعني الذاتي ويتولد منه معاني أخري متجددة تطرحها الرموز
الأولية للعمل الأدبي ولذلك يقول : ” المعني لا يحدد حقيقة أخيرة للصورة بل
صورة جديدة تكون معلقة , وليس النقد ترجمة بل ثورة , وهو لا يدعي تقصي عمق
العمل الأدبي , لأن العمق هو الذات نفسها أي غياب وكل مجاز هو علاقة دونما
عمق إنه بمثابة المدلول البعيد الذي تسعي الدعوي الرمزية إلي تعيينه خلال
إسرافها ولا يسع النقد إلا أن يتابع مجازات العمل الأدبي دون أن يختصرها ؛
ومن العقيم أن نرد العمل الأدبي إلي الواضح المحض , كما يبدو أقل عبثاً أن
يفترض بعضهم في العمل الأدبي سر كبيراً حالما يكشفه الناقد لن يجد شيئاً
الناقد لن يجد شيئاً يضيفه إليه ، ومهما قيل عن العمل الأدبي يظل كما
اللحظة الأولي نتاج الكلام والذات والغياب “[49].

وهكذا يتضح أن بارت يميل في مفهومه للنقد
إلي كونه معني وهذا المعني يظل في حالة تجدد , ومنه تتناسل الصور وتنسلخ من
بعضها البعض , ولا يوجد معني مركزي أو رمز جوهري يكتشف في العمل الأدبي
فحسب , بل إن العمل الأدبي يظل نتاج العملية الإبداعية والذات المبدعة
والناقدة في اللحظة الانية والمستقبلية . ولذلك يتمرد علي مفهوم البطولة
الملحمية ويري أن “البطل يعيش في عالم من العلامات , وهو معني بها, وهذه
العلامات ليست ثانية , فضلاً عن عدم تأكيد هذه العلامات , فهو يضيف إلي
غموضها من خلال توظيف العلامة ذاتها حقائق مختلفة , وعندما يعطي البطل
الثقة لدلالة ما, شئ ما يحدث هنا . ويلتقي بالبطل في الاضطراب والإحباط ,
كذلك فإن العالم يبدو للبطل محاطاً بألوان من الحبل [50] . أي أن البطولة
الثانية عند مفهوم واحد ووظيفة واحدة تحدث نوعاً من الاضراب ولكن لابد
للذات في النص من أن تعدد أبعادها ودلالاتها ومن ثم علاماتها . لأن العلامة
عند بارت في حالة تجدد وتغير وتحول مستمر وهذا ما يعطي البعد النقدي نوعاً
من الحيوية الخلاقة . لأبه يتجاوز بذلك المعاني المركزية للبطل أو للنقد.

وهذا المفهوم يتوافق مع الفلسفة الوجودية
التي انطلق منها حيث مليها إلي تحلل المعني وعدم مركزيته وتناسله الدائم ,
ولذلك يلجأ إلي وحدات النص وتحليلها من خلال اقتران المجاوز بالعلامة فكل
منجاز في النص يشكل علامة والنقد هذه المجازات المكونة للعلامات دون أن
يختزلها بل يتركها في حالة تجدد وتناسخ وتكاثر مستمر .

* * *

وهذه الفلسفة الوجودية التي أفرزت هذا
المفهوم النقدي لدي بارت لم تتوافق والنقد التقليدي الذي كان سانداً في
فرنسا انذاك . واتضح هذا في بعض ارائة النقدية ومنها :

- اعتراضه علي الفلسفة الحتمية التي مان
تؤمن بها أنصار الأكاديمي الذين وضعوا “في أذهانهم نموذجاً للشخصية
الإنسانية جعلت مكشفات التحليل النفسي نموذجاً بالياً ، وقد كانت تلك
السذاجة وتلك الحتمية ضارتين – فيما يقول بارت – عندما كان النقاد يلجأون
إلي تفسير المعطيات النصية بالرجوع إلي حياة المؤلف ، وهو أسلوب غير مقصور
علي النقاد الفرنسيين . ولم يختلف بعد من أي بلد من البلدان “[51]

وعله اعتراض بارت علي هذا التصور أن
المبدأ الحتمي الناقد مجموعة قوالب نقدية جاهزة مثل حياة المؤلف وسيرته ،
وهذه القوالب تؤدي إلي مركزية المعني التي تذكره بدورها بالفلسفة الحتمية
التي يرفضها بارت .

معارضته للنقاد الأكاديميين الذين ” لا
يرون إلا معني واحداً في النصوص التي يتناولها ، وذلك المعني هو عادة حرفي
جداً . وهذا المعني الحرفي يعتبرونه بعد ذلك هو معني النص وأن أي بحث عن
معان مكملة أو بديلة مضيعة للوقت ، وإنهم اناس ضيقو الأفق ، متسلطو المزاج
يتوهمون أنهم علميون بينما هم متعنتون في ارائهم بشكل لا يغتفر ، فقد
انغلقت أذهانهم أمام لطائف اللغة Ambiguities ، وإلي إمكان تعايش معان
مختلفة ضمن مجموعة الكلمات ذاتها “[52] .

إن المعني الأحادي عند بارت مرفوض : لأنه
معني حتمي – لو جاز لنا استخدام هذا التغبير – أي أن الناقد التقليدي لا
يري في النص إلا معني مفرداً لا يتغير ولا يفسح المجال لمعان أخري قد
يطرحها الني . وهذه الأحادية لا تتناسب وفلسفة التحلل التي يتحلل فيها النص
إلي معان ووحدات متعددة والتي تتوافق وفلسفة بارت النقدية ولذلك يقول : ”
إن العمل الأدبي لا يحيطه أو يسميه أو يحميه أو يوجهه أي موقف ، وليس فيه
حياة عملية تقول لنا أي المعاني نعطيه ، ومعما استرسل العمل وفصل فيه شيئاً
فإن أشبه بإيجار النبوءات الدلفية (نسبية إلي معبد دلفاي ) وتنسجم كلماته
مع نظام أولي للرموز (النبوءات لم تستطرد) ولكنه مع ذلك يتقبل تفسيرات
متعددة ؛ لأن تلك الكلمات قيلت خارج أي موقف باستثناء موقف الغموض نفسه
“[53].

فالنقد عنده لابد أن يميل إلي تفسيرات
ومعان متعددة ولا يجب أن ينحصر في مواقف أحادية مثل حياة المؤلف وغيرها .
ولذلك ” يرفض النقد المعياري Normative مهما كان شكله ويري أنه كلما كثرت
المعاني التي يضمها النص كان ذلك أفضل وأنه يجب ألا يعطي أي من هذه المعاني
أفضلية علي المعاني الأخرى وإن المعني الذي يتخلل النص ليس هو ذلك الكشف
النهائي الذي لا نحصل عليه إلا إذا أنهينا قراءة ذلك النص”[54].

أخذ بارت علي النقاد التقليديين أيضاً عدم
تصريحهم بأيديولوجيتهم النقدية ” أي أنهم فشلوا بالمصطلح السارتري في تبني
القيم التي طبقوها عندما أطلقوا أحكامهم علي عمل أدبي ما، وقد كان أحد
الأمور التي شدد عليها الوجودية أن علي أتباعها يتحملوا مسؤولية قيمهم بأن
يكونوا صرحين بشأنها . وأي تصرف مخالف ذلك هو من قبيل الخداع . غير أن
أيديولوجية الفلسفة الوضعية التي سحبها بارت متفشية في الحياة الأكاديمية
ظلت أيديولوجية غير مصرح بها مما كان الوضعيين من إبهام الناس بأن قيمهم
كليه شاملة ، لا يأيتها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها , وأنها ليست
قيم طبقة من الطبقات في مجتمع من المجتمعات في وقت من أوقات التاريخ . لقد
كان خداعهم كاملاً [55].

وقد هاجم بارت هذه التعمية التي حاول
النقاد التقليديون أن يضللوا المجتمع بها ، من حيث كونهم يعشون حالة من
التناقص بين الرؤية والأداة أو بين أفكارهم الحقيقية غير الواضحة التي لا
تلتزم موقفاً فكرياُ معنياً أو أيديولوجية معرفة وبين كتابتهم النقدية التي
يزعمون فيها تبنيهم فلسفة شاملة ، في حين أن بارت رأي أن المزية الفكرية
التي يعتزون بها وهي فكرة الوضوح ويرون أنها تطبق علي المجتمع الفرنسي إنها
في حقيقة الأمر تنطبق علي اللغة الفرنسية المستعملة في البلاط ، أي أنها
مميزة لجماعة أو لطبقة بعينها وليس كل الطبقات . يقول :” إن الوضوح مزية
محلية وسياسية ، إنها صفة بلاغة وليست صفة عامة من صفات اللغة ، صفة ممكنة
في كل الأزمنة والأمكنة , والواضح باختصار فعال حيث كانت البلاغة فعاله
يوماً ما : في المحاكم وربما في المحافل الانتخابية وهو من صفات اللغة توجه
نحو تشكيل الاراء , أي أنه بتغبير بارت الحاسم لغة طبقة “[56].

إن هذه اللغة هي لغة الطبقة العليا
الحاكمة في المجتمع ولذلك يقول :” الاصطلاح التعبيري الذي أسميناه – الوضوح
الفرنسي – هو سياسية بشكل خاص ، ولدت ساعة تمنت طبقات المجتمع العليا أن
تحول قراءة كتابتها إلي كلام عالمي , وهي تسعي جاهدة إلي إقناع الكل بأن
منطق اللغة الفرنسية هو المنطق الأمثل … غير أن تلك الأسطورة تخطاها العلم
عبر الألسنية الحديثة , فاللغة الفرنسية ليست أقل ولا أكثر “منطقية” من أيه
لغة أخري ونعرف جيداً ما أحدثته المؤسسات الكلاسيكية من تشويهات في لغتنا
“[57].

وهكذا استطاع بارت أن يكشف تناقص النقاد
التقليديين بين أيديولوجيتهم وكتاباتهم النقدية وتعميتهم للواقع الاجتماعي
في تبني رؤية تتوافق مع شريحة معّينة في المجتمع الفرنسي هي شريحة البلاط
الفرنسي ولا تتوافق مع بقية الشرائح الأخرى . وتبلورت هذه الرؤية في فكرة
الوضع La Clarte . فضلاً عن أن الوضوح يتوافق والمعني الأحادي أو المركزي
وهذا ما يمقته بارت ؛ لأن هذه الأحادية تذكرّه بالفلسفة الحتمية التي
يمقتها .

فضلاً عن رفضه لكل ما هو طبيعي ؛ لأن ” كل
ما هو طبيعي يؤخذ علي أنه مفروض من قبل قوة غير القوة الإنسانية والنفوذ
النهائي يحدث عندما يخدع سكان بلد من البلدان من قبل الطبقة الحاكمة
ليسلمّوا بأن التراتيب الاجتماعية التي بموجبها ليست نتاجاً إنسانياً بل من
عمل الله أو الطبيعة .. أي أن صوت الطبيعي صوت يحابي الوضع القائم،[58].

ومن ثم فإن خروجه علي النقد التقليدي له
ما يبرره فلسفياً واجتماعياً حيث تساير متغيرات الواقع الحياتى في فرنسا؛
لأن التقليدية تساير الواقع الطبيعي الذي يميل إلي السكونية والرتابة ,
وهذه السكونيّة تتوافق وقداسة السلطة ورتابتها في الواقع ؛ لأنها تريد أن
يظل الواقع ساكناً كما هو دون أن يكدر صفو حياتها تغيير أو تبديل . ولذلك
رفض بارت هذا الواقع النقدي التقليدي الذي يتوافق ورتابه الواضع الطبيعي في
الواقع المعيش للطبقة السلطوية ، علي أننا ندرك أن منطلق بارت ليست النزعة
الثورة فهو لم يكن ثورياً بالمعني المفهوم لهذه الكلمة ولكن الرغبة في
التجديد وشعوره بالمتعة في فضح التعمية السائدة زكشف جوانبها وأبعادها , هو
ما دفعة لذلك فضلاً عن شعوره بالمتعة أيضاً عندما يكتشف جوانب التناقض
السائدة بين الاراء المختلفة . أي أننا نستطيع القول إن الشعور بالمتعة
دافعا قوياً وراء هذه المفاهيم النقدية لبارت , وكانت الفلسفة الوجودية
ومقته للجوهرية دافعاً أيضاً لإفراز الشعور بالمتعة نتيجة إتاحها
الاختيارات المتعددة إلي هذا التناسخ والتناسل والتعدد اللانهائي للمعني .
وكانت السيميائية هي الوعاء الذي صب فيه مفهومة النقدي . من حيث ربطة
المعاني المتعددة بالعلامات التي يطرحها النص .

2-2- اللغة ومفهوم النص :” السلطة اللغوية والنصية “:

2-2-أ- السلطة اللغوية :

ينظر رولان بارت إلي اللغة علي أنها خطاب
السلطة “وأن السلطة جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع ، ويرتبط بتاريخ
البشرية في مجموعة ,وليس بالتاريخ السياسي وحده ,هذا الشئ الذي ترتسم فيه
السلطة ومنذ الأزل هو اللغة أو بتعبير أدق : اللسان , فاللغة سلطة تشريعية
واللسان قانونها [59].

أي أن اللغة عند بارت علامة علي السلطة
المرتسمة في وعي البشرية منذ القدم , ولا تستطيع البشرية الفكاك من هذا
الأسر اللغوي . بل ولا يمكن عن تراكيبها المألوفة من حيث سياق الجملة
وتذكيرها وتأنيثها وإفرادها وجمعها وأنواع ضمائرها وغيرها من أنظمة اللغة
ومثل هذه الأنظمة اللغوية يرها بارت نوعاً من القيود والقهر التي تسيطر علي
الإنسان وتجعله أسيراً لهذه السلطة ولذلك يقول :” إنَّ اللغة بطبيعة
بنيتها تنطوي علي علاقة استلاب قاهرة . ليس النطق أو الخطاب بالأخرى
تبليغاً كما يقول عادة إنه إخضاع؛ فاللغة توجية وإخضاع معمّمان “[60] .

إن اللغة عنده نوع من الخضوع والقهر للذات
الإنسانية وأنها لا تقف عند مجرد الخطاب البشري “بل تمارس سلطة أبدية
للإنسان لا يستطيع التخلص منها وتوجهه إلي حيث تشير أنظمتها وسياقها .
فيقول :” إن اللغة ما أن ينطق بها حتى وإن ظلت مجرد همهمة فهي تصبح في خدمة
سلطة بعينها إذ لا بد أن ترتسم منها خانتان ، نفوذ القول الجازم , وتبعية
التكرار والاجترار , فمن ناحية اللغة جزم وتقرير , وما النفي والشك والمكان
وتعليق الحكم إلا حالات تستلزم عوامل خاصة سرعان ما تدخل هي ذاتها في
عمليّات اللغوي … وما أحاول بفضله استرحاماً التخفيف من سلتطها التقريرية
القاهرة , ومن ناحية أخرى فإن الدلائل والعلامات التي تتكون منها اللغة لا
توجد إلا بقدر ما يعتبر بها ، أي بقدر ما تتكرر وتتردّد , فالدليل تبعي
مقلد , وفي كل دليل يرقد تموذج متحجر.. وما أن أصُغ عبارة من عندي تلتقي
عني الخانتان المذكورتان وأكون في ذلك الوقت سيداً ومسوداً : إذ أنني لا
أكتفي بأن ألوك ما قيل وأردده مرتكناً بارتياح إلي عبودية الدلائل , بل
إنني أوؤكد وأثبت وأفند ما أردده “[61] .

وهكذا نجد بارت يجعل من اللغة سلطة تسيطر
علي الإنسان وتجعله خاضعاً للمعني الدلالي الجازم من ناحية وتبعية التكرار
من ناحية ثانية ويحاول التطلع لإمكانية التخفف من هذه القيود السلطوية للغة
, التي تجعله أسيراً لمفهوم محدد للكلمة أو الجملة أو الصورة أو العلامة
اللغوية عامة ولا يستطيع الخروج عن مفهوم هذه العلامة أو الدليل اللغوي ,
وعندما يحاول ذلك من خلال صياغة لجملة أو عبارة معينة فيصبح حينئذ قائداً
ومقوداً في ان واحد قائداً ؛ لأنه يحاول صياغة ما يريد قوله ومقوداً ؛ لأنه
يخضع لأنظمة اللغة وسياقاتها ونسقها .

ونظن أن محاولات التمرد هذه علي سلطة
اللغة جاءت مواكبة للفلسفة الوجودية لبارت وتعبيراً عن رفضة للفلسفة
الحتمية , إذ أن سلطة اللغة وقيودها وخضوعه لها تذكره بخضوعه للموت علي أنه
قدر حتمي لا ستطيع الفكاك منه خاصة أن حالاته المرضية التي مر بها جعلته
يتطلع للتخلص من القدرة . وكانت الفلسفة الوجودية أقرب الرؤى إلي نفسه
لتجاوز هذه القيود , فيحاول التمرد علي كل ما يقيد حرية الإنسان لأن
الإنسان خلق حر وعليه أن يختار ويتحمل تبعية الاختيار . واللغة بالنسبة له
قيد وخضوع لسلطتها , ولا بد به من البحث عن مخرج من هذا الأسر . يقول :” في
اللغة إذن خضوع وسلطة يمترجان بلا هوادة, فإذا لم تكن الحرية مجرد القدرة
علي الانفلاق من قهر السلطة , فإنها علي الخصوص عدم إخضاع أي كان . فلا
مكان للحرية إلا خارج اللغة , بيد أن اللغة البشرية من سوء الحظ لا خارج
لها . إنها انغلاق ولا محيد لنا عنها إلا عن طريق المستحيل …. ولكن لا
يتبقي لنا إلا مراوغة اللغة وخيانتها هذه الملائمة , وهذا التلافي والهروب ,
وهذه الخديعة العجيبة التي تسمح بإدراك اللغة خارج سلطتها في عظمة ثورة
دائمة للغة , هذا ما أطلق عليه أدباً [62].

ومن ثم نستطيع القول إن نظرة بارت للغة
انطلقت من نظرته الفلسفية للواقع والوجود واللغة , وإنه يتطلع للحرية
الفكرية في شتئ جوانب الحياة ولا يريد شيئاً يحد من انطلاقه حتى لو كان هذا
الشئ هو اللغة التي يستخدمها في الخطاب .

ولذلك حاول أن يجد طريقة للخروج من سلطة
اللغة إلا أنه لم يستطيع اتباع طريقة الوحدة الصوفية التي أشار إليها “كبير
كغادر – Kierkegaard وحددها بفداء إبراهيم كفعل لا مثيل له خال من إي كلام
حتى لو كان كلاماُ باطنياً يقوم ضد شمولية اللغة وتبعيتها . ولا اتباع
طريقة الإنسان الأعلي عند نيشته “[63] . ولكنه رأي أن الخروج علي سلطة
اللغة يتمثل في مراوغتها والهروب من أحاديتها وإدراك أبعادها ومعانيها
التفخيرية وهذا لا يتحقق إلا من خلال الخروج علي الأعمال التقليدية والتطلع
للغة النص المراوغ – لو جاز لنا استخدام هذا التعبير – لأن النص يقوم علي
اللغة وحتى يتحقق له الخروج علي سلطة اللغة الأحادية فلا بد له من الانفتاح
علي اللغة الانفجارية المراوغة وهذا لا يتحقق إلا من خلال النص الذي يحمل
مفاهيم مستحدثة تغاير العمل الأدبي من ناحية وقتل أبوه هذا النص من ماحية
ثانية ثم الدخول به إلي مرحلة اللذة والمتعة . أي أن بارت خرج من سلطة
اللغة ليقع في سلطة النص بأبعاده المتعددة ومفاهيمه المتباينة .

3-2-ب- مفهوم النص ومقوماته :

لقد كثرت الدراسات التي عنيت بمفهوم النص
في البنيوية والسيميولوجية , وفي الخطاب النقدي المعاصر [64], غير أننا سوف
نقتصر علي مفهوم رولان بارت للنص من خلال دراساته ومقالاته النقدية
المختلفة لا سيما المرحلة التي تطور فيها مفهومة للسيميولوجيا , وانفتحت
علي العديد من العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلمية , وتجاوز فكرة سلطة
اللغة إلي سلطة النص , فرأي أن سلطة النص علامة علي انعدام سلطة اللغة يقول
: ” إذا كانت السيميولوجيا التي أتحدث عنها قد عادت إلي النص ؛ فلأن النصّ
قد بدا لها خلال مجموع أشكال الهيمنة . هو العلامة علي انعدام السلطة ،
فالنص يحمل في طياته قوة الانفلات اللانهائي من الكلام الاتباعي , حتى ولو
أراد هذا الكلام أن يعيد بناء ذاته في حضنه , إن النص لا يفتأ يرمي بك
بعيداً , إنه يلقي خارجاً نحو مكان لا موقع له , نحو اللامكان .. إن النص
يخلع شيئاً فشيئاً وبكيفية مؤقتة دواء العمومية والأخلاقية واللااختلاف
الذي يثقل كاهل خطابنا الجماعي , وهكذا تتضافر جهود الأدب والسيميولوجيا
ليكمل أحدهما نقص الاخر”[65].

ومن هن يتضح أمن مرحلة العناية بالنص جاءت
بعد مرحلة العناية بالغة , أو بمعني اخر يمكن القول إن المرحلة
السيميولوجية الأولي عني فيها بارت بسلطة اللغة , والمرحلة الثانية انتقل
من سلطة اللغة إلي سلطة النص , خاص بعد أن اتسع نطاق السيميولوجيا عنده
وأصبحت تشمل الموضوعات السياسية والاجتماعية والإذاعية والدعائيّة
والسينمائية وغيرها , وتأتي هذه المرحلة امتداداً للمرحةل الأولي من ناحية
ورؤية الفلسفية من ناحية ثانية لا سيما فلسفة سارتر الوجودية . فالتحلل
والتعدد الذي انعكس علي مفهومة للنقد الأدبي نجده انعكس أيضاً علي مفهومه
للنص . فالنص وفق مفهوم بارت تحمل في طياته عوامل الخروج والانفلات من
الكلمات والجمال والمعاني التقليدية , بل إنه لا يتقوقع حول مكان طبيعي .
وموقع مألوف بل يمتد إلي اللا موقع واللا مكان , لأنه نص يميل إلي التعدد
اللانهائي .

وفي مقال بارت من العمل إلي النص “حدد بعض
المقاربات للعمل والنص , وعلي الرغم من الدراسات العربية العديدة التي
أشارت إليها إلا أننا نقتصر فقط علي توضيح بعض المقاربات النصية عنده ؛ حتى
تعيننا في تواضيح مفهوم بارت للنص ومنها [66]:

1- إن النص حقل منهجي يبرهن عليه ويتحدث
عنه وفق بعض القواعد أو ضد بعض القواعد ويتم تناوله من خلال اللغة ولا يوجد
إلا داخل الخطاب ولا يتوقف بل هو في حركة دائبة .

2- لا ينحصر النص الجيد , ولا يؤخذ من
خلال تقطيع بسيط للأجناس , بل يتشكل من خلال مقدرته علي خلخلة التصنيفات
القديمة ، فالنص هو ما يوجد علي حدود قواعد القول من معقولية وقابلية
للقراءة , ويحاول أن يضع نفسه وراء حدود الرأي السائد فهو دوماً بدعة وخروج
عن حدود الاراء السائدة .

3- إن النص يكرس التراجع اللانهائي
للمدلول , وبهذا يكون تمددياً ومجاله هو الدال , ولا ينبغي تصور الدال علي
أنه الجزء الأول من المعني وحامله المادي , بل يجب يتصور بأنه هو الذي يأتي
بعد حين , وأن لا نهائية الدال لا تحيل إلي ما يعجز اللسان عن التعبير عنه
(أي إلي مدلول لا يمكن أن تجد التعبير عنه) وإنما إلي فكرة اللعب ,
فالتوليد الدائم للدال الذي مجاله النص لا يتم وفق النمو العضوي أو حسب
طريق تأويلي وإنما وفق حركة تسلسلية للتداخل والتغير , فالمنطق الذي يتحكم
في النص ليس إفهامياً (أي يحدد مقصد النص) لكنة كنائي , فالتداعي والتجاوز
والإحالة هي نوع من الإفصاح عن الطاقة الرمزية .

4- النص تعددي . لا يعني هذا فحسب إنه
ينطوي علي معان عدّة وإنما يحقق تعدد المعني ذاته , إنه تعدد لا يؤول إلي
أيه وحدة , وإنما هو مجاز وانتقال بناء علي ذلك فلا يمكن أن يخضع لتأويل –
وحتى لو كان حراً – وإنما لتفجير وتشتيت , ذلك أن تعددية النص لا تعود
لالتباس محتوياته وإنما لما يمكن أن نطلق عليه التعدد المتناغم للدلائل
التي يتكون منها .

5- النص يقرأ من غير أن يسند إلي أب ,
فقيام التناص يلغي التراث ويقضي عليه . ولا يعني هذا أن المؤلف لا يمكن أن
يعود للظهور في نصه , لكنّه لو عاد فإنما في صورة “مدعوّ” فإن كان كاتب
رواية فإنه يظر فيها كشخصية من شخصياتها , بيد أن ظهوره لا يتمتع بأي
امتياز , إنه يصبح كائناً من ورق إن صح التعبير .

6- النص ينقذ العمل من الاستهلاك وينظر
إليه كلعب وعمل وإنتاج وممارسة , وهذا يعني أن النص يتطلب منا محاولة قهر
المسافة التي تفصل الكتابة عن القراءة , لا بالزيادة من إسقاط القارئ علي
العمل وإنما بضمهما معاً في الممارسة الدالة نفسها , فالقراءة بمعني
الاستهلاك تعني ألا يلعب القارئ لعبة النص – ويقصد بها محاولة القارئ
استعادة النص لحسابة- ولكن لكي لا يرتد عملة إي مجرد محاكاة سلبية منفعلة
باطنية فإنه يمثل النص تمثيلاً مسرحياً , ولفظ اللعب له معني الدلالة
الموسيقية بالإضافة إلي معناه المسرحي . وكما أن الموسيقي المعاصرة قد
زعرعت اليوم دور العازف الذي يطلب منه أن يكون مشاركاً للمؤلف في مقطوعته
التي يعمل علي إكمالها أكثر مما يعمل علي التعبير عنها , فإن النص يكاد
يشبه مقطوعة من هذا النوع ، إنه يتطلب من القارئ مساهمة فعاله وهذا تحول
كبير .

7- إن النص مشدود إلي المتعة “اللذة” التي
لا تنفصم , وإن يكن يحقق شفافية العلاقات الاجتماعية فعلي الأقل شفافية
العلاقات اللغوية , فهو الفضاء الذي لا تتغلب فيه لغة علي أخري وتروج فيه
اللغات وتدور”.

ومن خلال هذه الأسس التي وضها بارت لمفهوم
النص لنا أن النص عنده لا يخرج عن الرؤية الفلسفية الوجودية التي ارتضاها
لنفسه فنجد أن الأسس السبعة التي وضعها بارت لتوضيح مفهوم النص ومدي
مفارقته عن مفهوم العمل لا تخرج عن هذه الرؤية الفلسفية . فالنص عنده يتسم
بالاتي :

- الحركة الذاتية التي تجعله بتوافق حيناً
مع بعض القواعد الفنية أو التركيبية ويتعارض معها في الحين الاخر , وكأنّ
حركة النص تتشكل من خلال المد والجزر بين المعاني ونقيضها أو القواعد
التركيبية وضدها . ويتأتي هذا نتيجة تحلل النص إلي جزئيات وهذا التحلل
يتوافق والرؤية الفلسفية التي نهجها .

وعلي الرغم من أن هذا التناقض يشكل لبنة
أساسية في تشكيل النص عد بارت إلا أن هذا التناقض يبدو أنه انتقل إلي الأسس
التي وضعها لنفسة حول النص , فعلي حين أنه يري أن “النص حقل منهجي”[67] ,
فيري في موضوع اخر أن المنهج وهم , فيقول كل منهج وهم”[68].

ويبدوا أن بارت مثلما يشعر بالمتعة من
خلال تناقض النص يشعر بالمتعة أيضاً من خلال تناقض الرؤي لأنه يحاول أن
يحطم كل معايير نقدية كلاسيكية تقوم علي أسس منهجية معينة , أي أنه ضد
المنهجية التقليدية . غير أننا نري أن اللامنهجية التي حاول بارت أن يكرسها
في مفاهيمه النقدية هي في حد ذاتها منهج . خاصة إذا طبقها الناقد علي كل
مفاهيمه النقدية , وهذا ما حاول بارت أن يفعله في مفهومة للنقد أو للنص .
فالنص عنده يتجاوز التراكيب المألوفة ولا يوجد إلا داخل الخطاب وهو في
حركية لا نهائية . وإذا كانت هذه اللامنهجية تنطلق من رؤيته الفلسفية
الوجودية فهي منهج .

لا يقف النص عند بارت عند حدود الأدب
الجيد الذي يعتمد علي الجناس البسيطة المباشرة ولكنه يتجاوز ذلك إلي
مستويات التمرد علي الأشكال الكلاسكية القديمة ويتجاوز المفاهيم السائدة .
وهذا ما يجعل النص في حالة من التجدد المستمر , وحينئذ لاتقف علامات النص
عند رؤية بعينها بل تتجاوز ذلك إلي رؤى عديدة .

إن هذا المفهوم يقترب من مفهوم روبرت شولز
الذي يرى أن “النص في مقابل العمل شئ مفتوح وغير كامل ,وغير مكتف , وليست
هذه خاصية لصيغة بأية قطعة كتابية بل مجرد طريقة في التعامل مع هذه القطعة
الكنابية أو أية مجموعة أخري من الإشارات , ويمكن للكلمات نفسها أن تعد
نصاً أو عملاً , وكنص ينبغي فهم القطعة الكتابية بوصفها نتاجاً لشخص أو
أشخاص عند نقطة معينة من التاريخ الإنساني ,وفي صورة معينة من الخطاب تستمد
معانية من الإيماءات التأويلية لأفراد الذين يستعلمون الشفرات النحوية
والدلالية والثقافية لهم . النص دائماً يردد صدي نصوص أخري”[69].

وهكذا نجد أن النص وفق مفهومي بارت وشولز في حالة من التجدد المستمر.

ارتباط النص عند بارت بالدال والمدلول ,
فالمدلول لا يقف عند معني بعينه لكنه يمتد إلي ما لا نهاية فيصبح النص
متمدداً ومتحللاً إلي جزئيات دقيقة , ويتشكل هذا التمدد اللانهائي – لو جاز
استخدام هذا التعبير – من الدال , الذي لا يقف عند المعني الأول بل يشكل
معاني عديدة من خلال المد والجزر وفق الحركة المتداخلة وحالات التغير التي
تسيطر علي النص عن طريق التداعيات النفسية والشعورية والتداعي الحر للمعاني
والتجاوز الدلالي والإحالة الصوتية والتركيبية والسياقية . وهذا بدوره
يؤدي إلأي تعدد العلامات النصية .

يضاف إلي ذلك أن بارت تأثر بسويسر في
ثنائية الدال والمدلول القضية في علم السيمياء ، وير “أن العلامة وحدة ذات
وجهين دال, ومدلول , أو شكل ومادة فالشكل هو ما تحاول اللسانيات وصفة ,
بينما تعني المادة بالعالم اللالغوي “[70] . وحاول في ضوء هذه الثنائية أن
يطرح مفهومه للنص معتمداً علي فلسفته الوجودية من حيث التحلل والتجزئ
اللانهائي للدال والمدلول من ناحية , وعلي تأثره بثنائية سوسير في العلامة
من ناحية أخري .

ولعل تحليله لقصة سارازين Sarrasine ليزاك
Balzac , ويوضح إلي أي مدي اعتمد بارت علي التجرئ الدقيق لجزئيات النص من
خلال تحليله للجمل المتتابعة وربطها بالشفرات النصية التي تمثلت عنده في
خمس شفرات هي شفرة الفراسة , والشفرة التأويلية والشفرة الثقافية والشفرة
الايحائية والشفرة الرمزية .

ويبدأ تطبيقه علي بداية قصة سارازين التي
تبدأ بقول الراوي :”كنت غارقاً في واحد من تلك الأحلام العميقة التي تستولي
علي الجميع حتى علي من يحبون الهو في أكثر الاحتفالات صخبا وضجيجاً وكانت
ساعة الإليزية بوربون قد أعلنت لتوها عن منتصف الليل” [71] .

بعدها يبدأ بارت في تحليل فقرات القصة
وجملها وتحويلها الى وحدات قرائية صغرى وفقاً لأنماط الشفرات النصية التي
توصل إليها . وهذا التحليل والتجزئ الديقيق لجزئيات النص عنده يتوافق
ورؤيته الفلسفية والنقدية للنص الأدبى .

وفى قراءة أصلية لأقصوصة Sarrasine Balzac
يقترح Barthes منهجاً يحتمى بمفهوم ” التعدد الدلالى ليخضع النص لنظرات
نقدية متعددة “[72]

ويتناسب النص المتعدد – لو جاز لنا
استخدام هذا التعبير – مع التحلل والتجزىء الذي نهجه بارت ، فالنص عنده لا
يقف عند تعدد المعانى المتتابعة في النص بل يتجاوزها الى التعدد الناتج عن
النص الكلى أو بمعنى أخر لا يقف التعدد عند جزئيات النص بل يتعداها الى
كليات النص وهذا يتضح من خلال التفجير الدلالى للنص ، لأن هذا التفجير يؤدى
الى تفجير المعنى وتناثره ومن ثم إلي تعدده . وحينئذ تعدد العلامات في
النص , وتناسب هذه التعددية مع دلائل النص ومعانية ؛ ويبدو أن هذه الرؤية
التحليلية عند بارت امتدت لتشمل منظوره البلاغي لأسلوب فيري أن “الأسلوبية
تعني بدراسة أنماط التعبير التي لا تبارح مستوي الكلام Parole فيما تعني
البلاغة بدراسة الشفرات التي تعمل علي مستوي اللغة Langue [73] فهذه الرؤية
التحليلية والتجزيئية للنص انعكست علي مستويات اللسانية والأسلوبية
والبلاغية ؛ بحيث أصبح نصاً يميل إلي التعدد .

2-2-ج- النص وغياب الأبوة :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

السيميائية في الدرس النقدي المعاصر 2 :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

السيميائية في الدرس النقدي المعاصر 2

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: