الادب والفلسفة ..ومسيرة الخوف
المقال منقول من موقع جيران كوم -منتدى الفلسفة
الفلسفة
في الثقافة العربية لاتشغل حيزاً مناسباً فهي تعاني من النبذ من سلطة
الثقافة ذاتها اولاً وعدم الترحيب الاجتماعي من ناحية ثانية، فاذا كان
الادب في عمومه يشكل انشغالاً نخبوياً الى حد ما ـ فهي تعد انهماكاً لنخبة
النخبة ان صح التعبير.
فقد يعتبرها البعض رطانة عقيمة لاتفضي الا الى
عطالة لانفع لها، فهي كما قيل سابقاً المهنة الاكثر عطالة وعجزاً على
الاطلاق، وطبعاً هذا يندرج ضمن دوافع عديدة...
في رأي المفكر العربي ـ
عبد الرحمن بدوي ـ ان ليس هناك فلسفة عربية على الاطلاق حتى في العصر
الذهبي لها كما يسمى بالثقافة العربية الاسلامية ـ وحصراً التي انبثقت في
عصر المأمون العباسي ـ حينما تم نقل الثقافة الاغريقية واللاتينية الى
دائرة الثقافة الاسلامية، وكل الذي جرى هو ترجمة لمحاور الفلسفة الاغريقية
على وجه الخصوص واسئلتها وموءمتها مع الخطاب القرآني، فالاسئلة نفسها تم
الاشتغال عليها سوى طيف ضيق من المقارنة هنا وهناك وهذا لايشكل تجاوزاً او
متعيناً فلسفياً خاصاً.
فالعقلية العربية ـ على حد تعبير بدوي ـ تتسم
كونها غير متفلسفة او غير مولدة للمفاهيم والموضوعات الفلسفية ـ فهي لاتشغل
فيما غير المشتغل عليه ـ لذلك فهي تابعة.
ويمكن مقارنة هذا المنظور مع
طروحات الشاعر ـ أدونيس في كتابه ـ الثابت والمتحول ـ فهو يعتقد انه العقل
العربي تاريخياً يتصف بكونه تابعاً وهو منغمس على العموم في منظومة عامة
ومنقاد لها على الدوام، ففي الجاهلية كانت القبيلة، وفي عصر الاسلام كان
الدين، وفي العصر الراهن هي الايديولوجيا بصيغتها الديمانموذجية، وادونيس ـ
يريد ان يشير الى انعدام التفرد او الفردية على مستوى التفكير والابداع ـ
وهذه هي المعين الاصلي في تشكيل المعطى الريؤي الفكري والفلسفي..
الموروث
الثقافي العربي يعتمد على الشعر اساساً واشكالا اخرى مثل الخطابة
والمقامات، اما الادب الصوفي فلا يعتبر فلسفة في كل الاحوال لانه يعتمد
الحدس والكتابات الحسية التي تقصي البرهان والمفاهيم والمنطوقات الفلسفية،
والكتابات الصوفية تندرج احياناً في خانة الشعر او تميل للتباهي به.
ان
النشاط الفلسفي بفعاليته الفردية ـ او الجمعية يعتمد اساساً على السؤال
وينمي هذه الموهبة مما يعني ملامسة العلل والمسببات للظواهر الكونية
والاجتماعية والسياسية ـ اي ان الاشتغال الفلسفي يعني انتاج كائن حيوي
يقترب من تحقيق ذاته عبر المعرفة ومن خلال سبب غور الظواهر ومسبباتها، فما
بالك اذا شاعت الفلسفة واصبحت ذات رقعة اجتماعية واسعة النطاق..
فالتجهيل
الفلسفي من خلال كبح نشاطها هو جهد مقصود ومخطط له، حتى على مستوى نقل
الفلسفة الغربية، فاحدى الدعوات ان العقلية العربية لاتمثل مواصفات
التركيبية لتتوجه الى الظواهر، فكان الاقرب للتعبير عن هذه الذات هو الشعر
ذو الصوت الواحد، فهو الذي يهيمن على الثقافة العربية دون منازع، فالرواية
والمسرحية وحتى السينما هي اشكال ابداعية منقولة من النشاط، الغربي وهذا
يعد امراً بديهياً ولكنها وجدت مناخاً رحباً واستقبالاً مناسباً للاهتمام
والتطور الا ان الكوابح لها كانت كثيرة، كما ان التواشج مابين الفلسفة
والادب في الثقافة العربية بقي شحيحاً ومحدوداً جداً، فاغلب روايات نجيب
محفوظ مثلاً على اهميتها وقيمتها الابداعية، ولكنها تبقى في كل الاحوال
متوجهة لرصد البنيات الاجتماعية والفردية للشخصية المصرية من الخارج دون
الولوج الى ابعد من ذلك، فقد تظهر شذرات فلسفية هنا وهناك بشكل عابر...
فالاستلاب
الذي يعانيه الفرد العربي انعكس تماماً على الادب، فظهر هذا الاخير
مرتاباً وحذراً تماماً من المحذور والممنوع فظاهرية الوعي لدى المثقف
العربي تكمن في مساحة الممنوع، فالمثقف يكتب وكأنه يسير على حافة الخوف،
لهذا فهو يتحرك في ارض مليئة بالالغام.
فالثوابت كثيرة وعلى كل
المستويات لهذا فهو يظل يزحف في دائرة محدودة، مما يشكل المنتج الابداعي في
مستوى المباشرة والفقر الفكري والفلسفي، اما الدعوى الاخرى فهي ان الشعر
فهو الاقدر على النفاذ والاحتفاظ بالمعادلة على توازنها، ذلك ان الفلسفة قد
ترهق عظام الشعر، فيبقى صوته واحداً وبعيداً عن جدل الفلسفة.