ضمن مسلسل الديكتاتوريين العرب،
الذين صعدوا للسلطة في الغالب عبر انقلابات عسكرية دموية، واحتلوا الكرسي
والأرض والشعب والثروة بطريقة بشعة، وحولوا البلد بكامله لمجرد مزرعة خلفية
وأمامية لعائلاتهم، كان صدام هو الراحل الأول، وزين الهاربين بن علي
الثاني،
ثم جاء الدور على حسني مبارك ليحتل الرقم الثالث، رغم
الالتفاء والدوران في خطابه الثالث عبر الرحيل أو التنحي الصريح من خلال
توكيل نائبه عمر سليمان بصلاحياته، وقد رفضت جموع الشعب المصري الغاضبة
خطابه الثالث الالتفافي هذا، مستمرة في التظاهر للتنحي والرحيل الفوري بشكل
مباشر، سواء البقاء في مصر أو على طريقة زين العابدين بن علي ، إما في
الإمارات العربية أو ألمانيا، حيث تردد استعداد الإمارات لاستقباله
وألمانيا للعلاج فيها. لذلك ورغم هذا الخطاب الثالث الذي خيّب آمال
الجماهير المصرية، إلا أنّه في الواقع يعتبر حسني مبارك مطرودا أو مرفوضا
أو راحلا!!!. رغم أنّه يصرّ بعناد وكبرياء زائفة على البقاء حتى نهاية
ولايته في سبتمبر القادم، إذ كان خطابه الثالث لمدة سبعة عشر دقيقة تقريبا،
كلها إنشاء خطابي فارغ لا قيمة إلا جملة نقل صلاحياته لنائبه عمر سليمان ،
وقد رفض الشعب المصري الغاضب هذا الحل الالتفافي.
مالفرق بين نقل الصلاحيات كاملة والرحيل الفوري
إنّ نقل الصلاحيات حسب الدستور والقانون، يعني أن يتولى نائب
الرئيس المنقولة له الصلاحيات كامل المسؤولية الرئاسية، أي أن لا تبقى أية
صلاحيات أو مسؤوليات في يد الرئيس السابق، وبالتالي فهي تعني بوضوح انتهاء
مدة صلاحيته أي أنّه راحل عن السلطة، فلماذا هذا اللف والدوران بدلا من
القول الصريح: ( استجابة لمطالب الشعب، أعلن التنحي والرحيل الفوري ).
والأكثر تعقيدا في المسألة أنّ الشعب المصري يرفض هذا النقل للصلاحيات،
ومستمر في التظاهرات المليونية، مما يعني أننا في انتظار الخطاب الرابع
لحسني مبارك، الذي بعده ربما يغادر مصر بحرا، حيث أكّدت صحف مصرية أنه توجه
لشرم الشيخ قبل القاء خطابه الذي كان قد سجّله قبل ساعات من إذاعته، وتعمد
التلفزيون المصري التأخير عن الوقت المحدد سابقا لإذاعته، لمزيد من شحن
الجماهير على ترقب المفاجأة التي رفضتها هذه الجماهير الغاضبة بحنق وإصرار
لا مثيل له في التاريخ العربي.
من أين هذه المليارات؟
السجل الشخصي لحسني مبارك لم يكن يعرف أحد أية معلومات عنه،
سوى أنه من ضباط الجيش تسّلم السلطة بعد أنور السادات منذ عام 1981 ، وما
زال مسيطرا عليها حتى اندلاع ثورة غضب الشباب المصري، التي أطاحت به كحلم
من كوابيس الليل التي لا يصدقها أحد. ولكن قبل ذلك من كان يعرف أية معلومة
عن ثروته التي قدّرتها صحيفة بريطانية بسبعين مليارا. تخيلوا سبعين مليارا
خلال ثلاثين عاما، أي أنه كان يسرق ما قيمته حوالي مليارين ونصف سنويا. أما
ثروة نجله الوريث الذي طار منه التوريث، فرحا بالثروة التي تقدّر بثمانية
مليارات دولار، بالإضافة للبيوت والشركات في لندن تحديدا. من أين لك يا
مبارك وجمال اللامبارك هذ المليارات؟. وكذلك ما نشر عن ثروة وزير الداخلية
حبيب العادلي حوالي سبعة مليارات!!.
وعودة لخطابه الثالث،
لم يكن مخيبا لآمال الجماهير المصرية فقط، بل حاول فيه
الايحاء بأنّ هناك مؤامرة خارجية ضد مصر، عبر تكراره رفض الإملاءات
الخارجية، ومحاولته تصوير نفسه أنه هو بطل السلام والحرب والتحرير والأمن
والاستقرار والمستقبل في مصر. لقد كان خطابا مثيرا للجماهير لأنه خلا من
تلبية مطلبهم الرئيسي وهو التنحي الفوري المباشر العاجل، وكون الرئيس
مرفوضا من الشارع بهذه الكثافة فهو غير مخول بتفويض نائبه بصلاحياته، خاصة
أنّ هذا النائب تمّ تعيينه بعد رفض ثلاثين عاما من مبارك نفسه، ولم يلجأ له
إلا التفافا وخدعة للجماهير الغاضبة.