مخاطر غير مقصودة: سياسات دول الخليج تجاه الصراع في سوريا
إيمان رجب يكتسب الصراع الدائر في سوريا، منذ ما يزيد على 18 شهرا، أهمية كبيرة
لدى دول الخليج، حيث تعد سوريا الحالة الثانية بعد اليمن، التي هناك تخوف
من تأثيراتها في الأوضاع الداخلية لدول الخليج. كما تشير تقييمات مراكز
الفكر الأمريكية، خاصة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إلى أهمية دور
مجلس التعاون في حسم الصراع في سوريا لصالح المعارضة المسلحة. ولكن تحليل
سياسات دول الخليج تجاه سوريا، منذ مارس 2011 حتى اليوم، يكشف عن وجود
"حدود" لقدرة هذه الدول على التأثير في مسار الصراع.
استراتيجيتان بالخليج تجاه الثورات:
منذ انطلاق الثورات العربية، اتجهت دول الخليج، بدرجات متفاوتة، لتبني استراتيجيتين، وهما :
- الاستراتيجية الأولى، وتتمثل في حماية دول الخليج لنفسها من انتقال تأثيرات الثورات العربية إليها،
وهذا ما يعبر عنه إرسال مجلس التعاون الخليجي قوات درع الجزيرة إلى
البحرين، من أجل حماية النظام، في مواجهة الاضطرابات التي اندلعت منذ 14
فبراير 2011، ولا تزال هذه القوات موجودة هناك، وهناك حديث عن إنشاء مقر
دائم لها في المنامة.
- الاستراتيجية الثانية وتتمثل في التأثير في مسار التغيير في الدول القريبة منها جغرافيا،
مثل اليمن، حيث طرحت السعودية، من خلال مجلس التعاون، مبادرة ضمنت
الانتقال "السلمي" للسلطة، قضت بتنحي الرئيس علي عبدالله صالح، وتولي نائبه
الحكم لفترة انتقالية، دون أن تحدث تغييرا حقيقيا في هيكل السلطة في
الدولة.
وتقع سياسات دول الخليج تجاه الصراع الدائر في سوريا ضمن إطار
الاستراتيجية الثانية، دون أن تقتصر سياساتها على المطالبة بتنحي الأسد،
حيث تطالب قطر والسعودية بتسليح المعارضة، كما طالب أمير قطر- في كلمته
أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2012 -الدول العربية
بالتدخل عسكريا في سوريا "انطلاقا من واجباتها الإنسانية والسياسية
والعسكرية".
وتجدر الإشارة إلى أن دوافع السياسات الخليجية تجاه سوريا تختلف عن حالة
اليمن. ففي الحالة الأخيرة، كان هناك تخوف سعودي، وبدرجة أقل من قبل دول
الخليج الأخرى، من امتداد حالة عدم الاستقرار في اليمن إلى داخل أراضيها،
كما حدث أثناء الحرب السادسة مع الحوثيين في 2009. بينما يمكن فهم سياسات
دول الخليج، خاصة السعودية، تجاه الصراع الدائر في سوريا، في إطار المخاوف
من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، إذا استمر نظام الأسد في الحكم، مع
وجود رغبة سعودية في إعادة تعريف مجالات النفوذ الإيراني، على ضوء
التغيرات التي وقعت في المنطقة بعد الثورات العربية، خاصة أن هناك تنافسا
تاريخيا على النفوذ بينها وإيران، وهذا التنافس يجد صداه في البحرين، وفي
لبنان، خاصة بعد مقتل الحريري.
دوافع الاهتمام الخليجي بسوريا تتمتع سوريا تاريخيا بأهمية كبيرة في الإقليم، وقد اهتم باتريك سيل في
كتابه The Struggle for Syriaالذي صدر خلال الستينيات، ببيان العلاقة بين
الأوضاع الداخلية في سوريا، والصراع على النفوذ في الإقليم، وهذه العلاقة
لا تزال قابلة للاختبار في ظل التطورات الحالية. ورغم البعد الجغرافي
لسوريا عن دول الخليج الست، فإنها ظلت منذ استقلال هذه الدول تؤثر في
أمنها. فمن ناحية، تتمتع سوريا بأهمية لدول الخليج نتيجة كونها مصدرا لحجم
مهم من العمالة، ومن صغار الجنود الذين يتم استقدامهم لتعزيز جيوش هذه
الدول، بهدف معالجة النقص الناتج عن الخفة السكانية فيها، وعزوف مواطنيها
عن الانضمام للجيش.
ومن ناحية ثانية، مثلت سياسات سوريا الخارجية، خاصة أثناء الحرب
العراقية-الإيرانية، تحديا رئيسيا لأمن دول الخليج، حيث ساندت سوريا إيران
في حربها ضد العراق، بينما ساندت دول الخليج العراق. ونظرا لما تردد حينها
من تهديدات إيرانية بتوسيع نطاق الحرب ليشمل بعض دول الخليج، خاصة
السعودية، كما يذكر هاشمي رفسنجاني في مذكراته "يد القدر"، فإن الموقف
السوري كان يعد موقفا عدائيا بالنسبة لدول الخليج. ومع حرب الخليج الثانية،
تبنت سوريا، لأسباب متعددة، موقفا مختلفا، حيث وقفت ضد احتلال العراق
للكويت، وشاركت فيما يعرف بإعلان دمشق، وقد أسس هذا الإعلان ما عُد حينها
نواة لإطار أمني جديد يضمن دورا لسوريا في تحقيق الأمن في الخليج.
ومن ناحية ثالثة، ومنذ احتلال العراق في 2003 ، وما ارتبط به من تأثيرات
في أمن النظم الخليجية، خاصة من ناحية تأثير صعود القوى السياسية الشيعية
في العراق، في شيعة الخليج، خاصة في البحرين والسعودية، اكتسبت منطقة
المشرق أهمية كبيرة لدول الخليج، وتم التعامل معها على أنها منطقة التنافس
الحقيقي بين النفوذ الإيراني والنفوذ الخليجي، لاسيما السعودي.
إلى جانب ذلك، يعد هيكل السلطة في سوريا من المحددات المهمة في تعريف
ميزان القوى في منطقة المشرق، وفي التأثير في أمن دول الخليج، حيث سيفجر
الوضع في سوريا مشاكل داخلية في دول الخليج، قد تعظم من أزمة الشرعية فيها،
خاصة البحرين والسعودية. فاستنادا لأحد السياسيين السنة في البحرين،
"سيتحدد بصورة كبيرة كيفية تعامل النظام مع المعارضة الشيعية، وحجم
التنازلات التي يمكن أن يقدمها لهم، بما سينتهي إليه الوضع في سوريا، حيث
إن إسقاط نظام الأسد سيكون بمثابة الضوء الأخضر للنظام البحريني للقضاء على
المعارضة، بينما سيعنى استمرار سيطرة العلويين على الحكم ضرورة تقديم
تنازلات للمعارضة الشيعية"، ويمكن الحديث عن التأثيرات ذاتها في حالة
السعودية.
سياسات خليجية " ليست موحدة" تجاه سوريا: تكشف متابعة سياسة الخليج تجاه الصراع الدائر في سوريا عن أنها ليست سياسة
موحدة، كما أنها ليست ثابتة، من حيث جانبها العملياتي، بينما يعد الثابت
فيها هو الرغبة في إنهاء الصراع الدائر في سوريا من خلال إسقاط الأسد.
ويمكن التمييز بين نوعين من السياسات، وهما: -
النوع الأول في السياسات الرسمية، ويعبر عنها تياران رئيسيان تختلف درجة تأثيرهما من دولة خليجية لأخرى. يهدف التيار الأول للتعجيل بسقوط الأسد، من خلال تقديم الدعم المالي،
والعسكري، والإنساني للمعارضة السورية، بينما يهدف التيار الثاني لإنهاء
الصراع في سوريا من خلال الحل السلمي.
ويعبر عن التيار الأول قطر والسعودية، حيث طالب وزير الخارجية القطري- في
مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في تونس في فبراير 2012- بمساعدة المعارضة،
من خلال "منحها أسلحة للدفاع"، وقد انسحب وزير الخارجية السعودي منه،
اعتراضا على قصر بيان المؤتمر على المساعدات الإنسانية. كما طالب وزير
الخارجية السعودي- في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في اسطنبول في مارس
2012- بتسليح المعارضة، ورآه "واجبا". كما تحدث وزير الخارجية القطري- في
اجتماع أصدقاء الشعب السوري في باريس في أبريل 2012- عن استعداد "الدول
العربية لدعم الشعب السوري عسكريا للدفاع عن نفسه".
ويلاحظ أن هناك نوعا من التراجع لتأثير هذا التيار في الدول الخليجية،
خاصة ما يتعلق منه بالدعم العسكري، حيث يلاحظ تراجع الخطاب السعودي عن
مطالبة المجتمع الدولي بتسليح المعارضة السورية لصالح المطالبة بالحل
السلمي، وهذا ما عبرت عنه دعوة السعودية لقمة مكة في يوليو 2012، وكان
الهدف الرئيسي لها هو البحث عن حل سلمي للصراع في سوريا من خلال إشراك
إيران فيه. وقد طرح خلالها الرئيس المصري محمد مرسي مبادرة الرباعية
الإقليمية ، التي لم ترفضها السعودية، كما لم تقبل بها. وتفيد عدة مصادر
دبلوماسية بعدم اعتراض السعودية عليها حتى انعقاد الاجتماع التحضيري لها في
الأسبوع الأول في سبتمبر 2012.
بينما تظل الإمارات متمسكة بالخيار السلمي، من خلال دعم مهمة كوفي أنان،
ثم مهمة الأخضر الإبراهيمي، والعمل من خلال مجلس التعاون والجامعة العربية
من أجل الضغط على الأسد. بينما تتبنى عمان موقفا ضبابيا من الصراع في
سوريا، وتميل في مواقفها للموقف الإيراني المتمثل في تفضيل الحوار بين
المعارضة والنظام، ورفض تسليح المعارضة، وهو موقف مفهوم في إطار العلاقة
الخاصة بين عمان وإيران.
- النوع الثاني في السياسات غير الرسمية، ويتمثل التي تعكسها تحركات الجماعات السلفية والوهابية في دول الخليج،
وتعد طرفا مباشرا في الصراع السني- الشيعي في المنطقة، والذي من المتوقع
أن يتأجج نتيجة استمرار الصراع في سوريا، حيث يلاحظ ما يلي:
- تزايد نشاط الجماعات السلفية في شمال لبنان، وتشير عدة تقارير إلى
حصولها على دعم سعودي، من أجل ممارسة الضغوط على حزب الله، من أجل التخلي
عن دعم الأسد.
- تشكل ظاهرة "المهاجرين إلى سوريا"، على غرار "المهاجرين إلى العراق"
التي عرفتها المنطقة منذ ما يقرب من عقد، حيث سافر نواب من جمعية الأصالة
البحرينية المعروفة بتوجهاتها السلفية-الوهابية إلى سوريا، لمساندة الجيش
السوري الحر، في الوقت الذي تندد فيه المعارضة البحرينية التي يغلب عليها
المكون الشيعي بالتضييق على نظام الأسد، وكذلك سافرت قيادات سلفية كويتية
لدعم المقاتلين في سوريا.
- تنظيم العديد من الجمعيات الخيرية السلفية والوهابية والإخوانية في
البحرين والسعودية والكويت العديد من حملات التبرعات للشعب السوري،
وللمعارضة السورية، مع عزوف الشيعة في هذه الدول عن المشاركة في هذه
الحملات، وذلك الى جانب حملات الدعوة إلى الجهاد التي تبثها القنوات
الدينية الممولة من السعودية، مثل قناة المجد الفضائية.
مسارات التحرك الخليجي تجاه سوريا:
ويمكن التمييز بين ثلاثة مستويات للتحرك الخليجي على مستوى السياسات العملية:
- المستوى الأول في التحرك من خلال مجلس التعاون، حيث
اتجهت السعودية والكويت والبحرين، ومن قبلها قطر، بعد خطاب الملك عبدالله
بن عبد العزيز في 7 أغسطس 2011، إلى سحب سفرائها، احتجاجا على سياسات
الأسد، حيث دعا الملك عبدالله في خطابه النظام السوري إلى "وقف آلة القتل
وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان"، ورأى أن "مستقبل سوريا بين
خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى
أعماق الفوضى والضياع". وقد صاحب هذه المرحلة حديث عن مبادرة خليجية تسعى
هذه الدول إلى طرحها، من خلال مجلس التعاون، على غرار مبادرتها في اليمن،
ولكن لم تكن هناك تفاصيل كثيرة حولها.
- المستوى الثاني في التحرك من خلال الجامعة العربية، حيث عملت هذه الدول، خاصة قطر، على التحرك من خلال آليات الجامعة منذ
أغسطس 2011، وتم طرح المبادرة العربية الأولى التي نصت على وقف العنف،
وإيجاد آلية لمراقبة ذلك، ثم بدء حوار وطني بين النظام والمعارضة برعاية
الجامعة العربية.
كما تم تشكيل لجنة وزارية في 16 أكتوبر 2011 برئاسة قطر، خاصة بالأزمة
السورية، تتولى الاتصال مع الحكومة السورية، والمعارضة، في محاولة لعقد
حوار وطني خلال 15 يوما. ونتيجة عدم التزام النظام السوري بتعهداته الخاصة
بوقف العنف، تم في نوفمبر 2011 فرض عقوبات اقتصادية على عدد من القيادات
السورية، ومطالبة "الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق"، كما تقرر إرسال
لجنة من المراقبين العرب إلى سوريا، وتم إرسال 165 مراقبا، منهم 55 من دول
الخليج.
وقد شملت العقوبات التي فرضتها الجامعة على سوريا منع سفر كبار الشخصيات
والمسئولين السوريين إلى الدول العربية، ووقف التعامل مع مصرف سوريا
المركزي، ووقف المبادلات التجارية الحكومية مع الحكومة السورية، باستثناء
السلع الاستراتيجية التي تؤثر في الشعب السوري، وتجميد الأرصدة المالية
للحكومة السورية، ووقف التعاملات المالية معها، ووقف جميع التعاملات مع
البنك التجاري السوري، ووقف تمويل أي مبادلات تجارية حكومية من قبل البنوك
المركزية العربية مع البنك المركزي السوري، وكذلك الطلب من البنوك المركزية
العربية مراقبة الحوالات المصرفية والاعتمادات التجارية، باستثناء
الحوالات المصرفية المرسلة من العمالة السورية في الخارج إلى أسرهم في
سوريا، والحوالات من المواطنين العرب في سوريا.
وقد كان لهذا التحرك دور مهم في إعادة تعريف دور الجامعة العربية في
الثورات العربية، حيث تمثل هذه الإجراءات خرقا لمبدأ عدم التدخل في الشئون
الداخلية للدول العربية، والذي ينص عليه ميثاق الجامعة العربية، وهو تحرك
لم تتم مأسسته بعد، ولم يتم وضع إطار مؤسسي له في ميثاق الجامعة العربية.
ثم طرحت الجامعة العربية المبادرة العربية الثانية، في يناير 2012، والتي
دعت بشار الأسد للتنحي والتنازل عن سلطاته لنائبه، وإجراء انتخابات رئاسية
وبرلمانية. ومع مواصلة نظام الأسد استخدام العنف، دعا المجلس الوزاري
العربي، برئاسة قطر، مجلس الأمن لإصدار قرار يدعم المبادرة العربية
الثانية، وإنهاء بعثة المراقبين العرب.
- المستوى الثالث في التحرك على المستوى الدولي، حيث
بذلت دول الخليج جهودا كبيرة في الأمم المتحدة، حتى صدر القرار الخاص
بتعيين كوفي أنان مبعوثا أمميا وعربيا إلى سوريا في فبراير 2012. وقد قدم
النقاط الست لتسوية الصراع في سوريا، والتي شملت وقف القتال، وتقديم
المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المعتقلين، وضمان حرية تحرك الإعلاميين،
والتظاهر السلمي، والتعاون في عملية سياسية تشمل كل الأطياف لتحقيق
المطالب المشروعة للشعب السوري. وقد تواصل مع هذا التحرك النشاط الخليجي
على المستوى العربي، حيث عقدت لجنة الاتصال اجتماعاتها في قطر. وفي أثناء
اجتماع الدوحة في يونيو 2012، دعا وزير الخارجية القطري إلى تحديد سقف
زمني لمهمة أنان ، وطالب مجلس الأمن باتخاذ تدابير غير عسكرية في إطار
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
"حدود" التأثير الخليجي: تعد الحالة السورية حالة نموذجية من حيث تأثير القوى الإقليمية في مسار
تطورها، خاصة تركيا وإيران. وتشير عدة تقديرات أمريكية إلى قدرة دول الخليج
على إسقاط نظام الأسد، من خلال قيامها بالتدخل العسكري المباشر تحت غطاء
دولي، أو من خلال تسليح المعارضة السورية. ولكن قدرة دول الخليج على
التأثير في مسار الصراع مرتبطة بدعمها الحل "السلمي" للصراع في إطار
إقليمي، على غرار ما حدث في اليمن، وليس بدعم الحل العسكري للصراع.
وفي هذا الإطار، تعد مبادرة الرئيس مرسي الخاصة بالرباعية الإقليمية مدخلا
لذلك، حيث تضم الرباعية السعودية، وتركيا، وإيران، ومصر. ولكن ما يحول دون
تفعيل هذه المبادرة هو عدم استعداد السعودية وإيران لتقديم تنازلات مقابل
التسوية "الإقليمية" للصراع في سوريا. حيث عقد الاجتماع التحضيري لهذه
الرباعية في القاهرة في الأسبوع الأول من سبتمبر 2012، ثم عقد الاجتماع
الأول على مستوى وزراء الخارجية في الأسبوع الثاني من سبتمبر، وقد غابت عنه
السعودية. ويشير عدد من المحللين السعوديين إلى أن غياب السعودية، نتيجة
خلافات سعودية- إيرانية حول الوضع في سوريا، نتيجة محاولات إيران حرف
الرباعية عن هدفها الحقيقي، من خلال مطالبتها بضم فنزويلا والعراق إلى
الرباعية. ويشير عدد من المعلقين الخليجيين إلى أن "السعودية تعرف أبعاد
لعبة نقل إيران من دائرة (الخصم) إلى دائرة (الحكم)".
والحديث عن دعم الخليج التدخل الدولي لإنهاء الصراع في سوريا مرتبط
بمحدودية التداعيات السياسية لهذا التحرك في المدى القصير، خاصة أن قطر
والإمارات شاركتا في عملية الناتو في ليبيا، ولكن من المتوقع في المدى
البعيد أن يخلق هذا الخيار العديد من المشاكل لهذه الدول، كما حدث في حالة
العراق. ويعد هذا أحد المبررات التي تجعل هناك ترددا دوليا تجاه هذا
الخيار. كما أن الدعم المفرط للمعارضة السورية بالسلاح قد يولد مخاطر غير
مقصودة unintended consequences يصعب السيطرة عليها، كما حدث نتيجة دعم دول
الخليج للمجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات. فالمشكلة ليست في التدخل،
وإنما في كيفيته، وفي مشروع ما بعد التدخل.
ويبدو أن السعودية وغيرها من دول الخليج تدرك أنه لا يوجد توافق دولي حول
التدخل العسكري في سوريا، أو رغبة أمريكية في قيادة هذا التدخل. ورغم ذلك،
فإنها حتى الآن تعمل على الحفاظ على مستوى ما من الضغط الدولي على الأسد،
من خلال التحرك في إطار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حيث تقدمت
الكويت، والسعودية، وقطر، وليبيا، والأردن، والمغرب بمشروع قرار أقره
المجلس في 28 سبتمبر 2012 ، طالب بتمديد ولاية لجنة التحقيق الدولية
المستقلة التابعة له، والتي توثق انتهاكات النظام السوري، وتقديم تقريرها
خلال دورة المجلس العام المقبل.
تعد دول الخليج طرفا لا يمكن إغفاله في الصراع الدائر في سوريا،
وفي تسويته سلميا، وفي إعادة بناء سوريا بعد الأسد. وتظل "حدود" الدور
الخليجي مرتبطة بديناميكيات صراع النفوذ "التقليدي" بين دول الخليج، خاصة
السعودية وإيران، وبمدى رغبة المجتمع الدولي في تفعيل هذا الدور في اتجاه
التسوية السلمية للصراع في إطار إقليمي.