توازن الرعب
الأمريكي
بين المعسكرين
السني والشيعي
انس محمود الشيخ مظهر - دهوك
ينشغل الإعلام الإسرائيلي والغربي هذه الأيام بالحديث عن
احتمالات ضربة إسرائيلية لإيران بالتزامن مع ضغوطات دولية عليها للحد من خطر ملفها
النووي على السلم والمجتمع الدوليين، وتتسابق الأقلام لوضع سيناريوهات هذه الضربة
وكيفيتها ومتى ستكون والمكان الذي ستنطلق منها وكيف ستكون ردة الفعل الإيرانية. فهل
إن هذه التهديدات حقيقية أم هي حرب إعلامية تصب في خانة الحرب النفسية التي يكون
الإعلام عادة ساحة لها؟
التهديدات الإسرائيلية لإيران ليست وليدة اللحظة، فهي تطلق بين
الحين والآخر منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران ولغاية يومنا هذا، وان كانت
أمريكا وإسرائيل مضطرة سابقا للدخول في هكذا حرب من اجل تحجيم الخطر الإيراني إلا
أنها حاليا ليست مضطرة للقيام بنفسها بهكذا حرب، وان تهديداتها الآن تخلو من أية
جدية مهما تعالت وتيرتها . فالمعروف أن كل ما يهم الدولتين هو تحجيم النشاط النووي
الإيراني ليس إلا، أما ما يخص التفوق العسكري الإيراني على دول المنطقة فلا يحظى
بتلك الأهمية عندها بل يمكن إنها تدفع باتجاهها في بعض الأحيان.
جاءت الثورات العربية الحالية لتضيف بعدا آخر للوضع الإيراني
الإقليمي، فعلى الرغم من أن هذه الثورات قد أتت بأنظمة إسلامية لا تستسيغ كثيرا
فكرة التعامل مع أمريكا وإسرائيل إلا أن مجيئها قد فتح الباب واسعا لما يمكن أن
نسميه التقاط الأنفاس عند إسرائيل وأمريكا والتعامل مع التطورات الراهنة في المنطقة
برؤية جديدة وهي إشغال القوتين الإسلاميتين( الشيعية المتمثلة بإيران والسنية
المتمثلة بأنظمة الدول العربية الحالية) بصراع يمهد له بان يكون طويلا لإضعاف
كليهما ولتأخير التصادم الإسلامي ( السني أو الشيعي) مع إسرائيل. وعلى هذا الأساس
فان أي حديث عن توجه أمريكي حقيقي لتضعيف القوة العسكرية لإيران هي من قبيل الهراء
لان الضغوط الأمريكية والغربية عليها (وكما قلنا) لا تتعدى عرقلة مساعي نظام
الملالي لامتلاك القوة النووية ولكن في نفس الوقت فان هذه الدول حريصة على الإبقاء
على إيران كقوة إقليمية لإيجاد توازن للقوى بينها وبين الدول السنية في المنطقة.
من المؤكد أن الحفاظ على توازن القوى هذا ليس سهلا حتى على
أمريكا والغرب إلا في حالة واحدة هي إثارة حرب استنزاف طويلة الأمد بين الطرفين،
لان أي حرب حقيقية بينهما تعني رجحان كفة إحداها وبالتالي التفرغ بعد ذلك للصراع مع
إسرائيل وهذا ما لا تريده لا أمريكا ولا إسرائيل. وهذا ما يظهر في كيفية ونوعية
التدخل الغربي في الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فحيثيات الثورة السورية
وتطوراتها تعطي مؤشرات واضحة على انه بالإمكان استغلال الحس الطائفي السني الذي بدء
يتبلور فيها بفعل تأييد إيران وحزب الله لنظام بشار الأسد، وهكذا فان الأمور تتجه
إلى أن تكون سوريا هي بؤرة للاستنزافين الشيعي والسني، وان إطالة عمر الثورة دون
الوصول إلى نتائج حاسمة فيها تؤجج النزعة الطائفية فيها أكثر فأكثر، وهذا ما تحاول
أمريكا عمله مبررة تقصيرها هذا بالفيتوهات الروسية والصينية الرافضة لاتخاذ أي قرار
حاسم بشان سوريا في مجلس الأمن . وما يزيد من ترشيح سوريا لان تكون بؤرة الصراع
الشيعي السني هو موقعها الجغرافي بين عراق المالكي ولبنان حزب الله.
هذا في موضوع الثورة السورية أما في الموضوع العراقي الذي يعتبر
الجبهة الأمامية لإيران فان تعامل أمريكا مع حكومة المالكي يظهر وبشكل واضح
الاهتمام الأمريكي بإبقاء الدور الإيراني قويا فيه, فعلى الرغم من موقف المالكي
المطابق للموقف الإيراني حيال الثورة السورية والدور العراقي في مساعدة نظام الأسد
(بمشاركة إيرانية) وكذلك محاولات المالكي مساعدة إيران للإفلات من العقوبات الدولية
إزائها على حساب الاقتصاد العراقي (وكل هذه التهم أقرتها تقارير دولية)، نقول رغم
كل هذه المآخذ على حكومة المالكي إلا أن أمريكا لا تزال تعتبر المالكي حليفا قويا
لها في الكثير من قضايا المنطقة وعلى رأسها الملف السوري ناهيك عن مضي أمريكا قدما
في تنفيذ صفقات الأسلحة بين الجانبين مع أن أطرافا عراقية وعربية كثيرة أبدت
معارضتها لإتمام هذه الصفقات، وعلى الرغم من أن تسليح جيش المالكي في هكذا ظروف
يعتبر وكأنه تسليحا للجيش الإيراني، إلا أن إصرار أمريكا على هذا النهج هو بمثابة
إعطاء المعسكر الشيعي بعدا عربيا في المنطقة يزيد من الاحتقان الموجود أصلا.
وهكذا فلو اعتمدنا الهرج والمرج الذي حصل في إسرائيل بعد
تصريحات بعض مسئوليها بقرب موعد توجيه ضربة لإيران وما تلته من خروج تقارير تفيد
بان أي ضربة إسرائيلية لإيران قد تكلفها أكثر من 42 مليار دولار بغض النضر عن
نتائجها، وبوجود جهات خارجية غير إسرائيلية مستعد لخوض هذه الحرب عن طيب خاطر كونها
حرب مقدسة لها، هذه الأمور تجعلنا متيقنين من انه لا توجد ضربة إسرائيلية لإيران
على المدى البعيد وسيستعاض عنها بحرب سنية شيعية نركض إليها جميعا مخيرين لا مسيرين
من غير أن تكون هناك أي مؤامرة أمريكية أو إسرائيلية كما تعود بعض المؤمنين بنظرية
المؤامرة تصوير الأمور دائما، وكل ما في الأمر أن أمريكا وإسرائيل فقط تستغل نتائج
خياراتنا كما تريد لا أكثر ونحن ننفذ ما تريد برضاء منا وبشكل كامل.