حتمية الحسم العسكري في الثورة الشعبية في سورية
معالم في سياسة الثورة للحسم العسكري
نبيل شبيبلا يصح طرح السؤال: هل يمكن الحسم العسكري في الثورة الشعبية في
سورية؟.. بل من المفروض طرح سؤال آخر يفرضه مسار الثورة: هل يمكن أن تنتهي الثورة
إلا إلى الحسم العسكري؟..
ولا يصحّ طرح السؤال: هل ستنتصر الثورة؟.. فقد بات الانتصار
محتما بالضرورة، لأنّ البديل هو تعرّض الشعب لإجرام أشدّ وأشنع حتى ممّا يجري
ارتكابه الآن من جرائم همجية، أو بتعبير آخر لأن البديل الوحيد هو بقاء العصابات
الإجرامية المتسلّطة متسلّطة على أرض أبيد الشعب فيها، وهذا مستحيل بالمقاييس
النظرية والعملية، ومرفوض بجميع المعايير التاريخية والإنسانية والسياسية
والقانونية.
لا يمكن فصل الحديث حول "إمكانية" الحسم العسكري إذن عن حقيقة
استحالة الرجوع في مسار الثورة، رغم ارتفاع نسبة التضحيات إلى درجة لا يكاد يمكن
استيعابها، والواقع أنّ هذه التضحيات البطولية الجسيمة تعطى الدليل الأقوى على
إدراك الشعب الثائر أنّ "الرجوع" عن طريق الثورة وانتصارها مستحيل ومحرّم.
. . .
رغم ذلك يتواصل الكلام العبثي عن حلّ سياسي ما، ويعلم الثوار
أنّه يعني واقعيا مهلة زمنية أخرى لممارسة التقتيل والتدمير. هنا لا ينبغي الوقوف
طويلا أو قصيرا عند ما يُطرح دوليا، فجميع التحركات القديمة والحالية، باسم
مبادرات، وباسم مجلس أمن، وباسم مبعوثين دوليين، بقيت في حدود "تجاذبات نفوذ دولية
وإقليمية" ولم تدخل قطّ مرحلة البحث عن حلّ سياسي منطقي ومقبول، ليس بسبب غياب
الإرادة السياسية فقط، بل كذلك بسبب إدراك الجميع أنّ الحلول السياسية بالصيغ
المعروفة عن "أزمات" و"نزاعات" تقليدية، لا يسري مفعولها على الثورة الشعبية في
سورية ضدّ تسلّط عصابات إجرامية، فالثورة ثورة وليست أزمة، والعصابات المتسلّطة من
صنف لا يكفي معه نزع المخالب والأنياب، ويستحيل على تلك العصابات الهمجية أن تتحوّل
إلى "فريق" في إطار شعب ودولة، ولهذا -وليس بسبب ميزان القوى أو التجاذبات الدولية-
لا حلّ معها سوى استئصالها من الجذور، ومحاكمة أكابر مجرميها، وهي التي اختارت
لنفسها هذا المصير من خلال تشبّثها من اللحظة الأولى للثورة بمحاولة انتحارية
مقتصرة على استخدام العنف العسكري الإجرامي لاستئصال الثورة وشعبها الثائر.
. . .
كذلك لا يفيد الوقوف عند من لا يزالون ينتمون إلى سورية
ويتحدّثون عن حلّ سياسي بصورة ما، ليس لأنّهم فصلوا أنفسهم أصلا عن الثورة وبالتالي
عن "مستقبل الشعب الثائر" فحسب، بل لأنهم يتحدّثون علاوة على ذلك من عالم خيالي، عن
أوهام، يُفترض أنهم يدركون استحالة تحقيقها، ولعلّهم لا يستطعون بلوغ هامة الشعب
الثائر، لا يستطيعون تصوّر قابلية تحقيق هدف الحرية والكرامة، فهم يبحثون لأنفسهم
عن زاوية ما تحت تسلّط البقية الباقية من العصابات الإجرامية، فيما لو تمكّنت -حسب
توهّمهم- من الحفاظ على تسلّطها!..
لا ينفي ذلك مشروعية التساؤلات المخلصة المطروحة بصدد الحسم
العسكري، وعلى وجه التحدي كيف يتحقق ومتى، وإن شابها التشاؤم تحت تأثير مشاهد
"الغارات الجوية" وضجيجها الذي يموّه على عجز عسكري في المواجهات المباشرة مع كتائب
جيش حرّ محدودة التسلّح، وكذلك تحت تأثير مشاهد ما تصنعه الهجمات الهمجية بعد
الغارات الجوية من مذابح مروّعة على حساب المدنيين. ويزداد مفعول هذه المشاهد نتيجة
استمرار المراوغة حول توريد سلاح فعال يمكن أن يضاعف سرعة حسم المعركة حقا، أو حول
الإحجام عن دعم مالي كبير يزيد القدرة على الحسم. وجميع ذلك ينشر تلقائيا الحديث عن
مقاصد تآمرية، فلا يراد إقليميا ودوليا للثورة أن تنتصر انتصارا كاملا بتحرير إرادة
الشعب مع بقاء الوطن والدولة، مقابل ثبوت استحالة إخمادها من جانب بقايا عصاباتٍ
إجرامية أصبح وجودها عبئا ثقيلا حتى على أشدّ القوى تحالفا معها.
لا يصحّ وصف هذه الحالة بالاستعصاء بين قوتين، إنّما يجب إدراك
أنّ مهمة تحقيق النصر بالحسم العسكري مهمة جسيمة تفرض مزيدا من العطاء.
. . .
مع إدراك جميع ما سبق يجب التأكيد إذن:
لا خيار أمام الثورة الشعبية في سورية سوى الحسم، وعلى وجه
التحديد الحسم العسكري. ولهذا أصبح من الضرورة بمنطق سياسة الثورة:
1- تجنّب الجدل حول ما يشغل عن الحسم العسكري باعتباره هدفا
قاطعا ومفروضا.
2- اعتبار العمل للحسم العسكري معيارا من معايير الانتماء إلى
الثورة ومستقبل الشعب والبلد.
3- التعامل مع كلّ ما يعيق الحسم العسكري بمنطق ضرورة القضاء
على العوائق والعقبات وليس اعتبارها أسبابا تستدعي التراجع.
وتتطلّب هذه الرؤية بمرتكزاتها الثلاثة تثبيت (منطلقات سياسية)
و(إجراءات عملية).. ومن القواعد السياسية على سبيل المثال دون الحصر:
المنطلق الأول: تقتضي سياسة الثورة الردّ على المناورات
المطروحة بشأن حلّ سياسي عبثي بيان رفضه انطلاقا من اليقين باستحالته نتيجة طبيعة
العصابات المتسلّطة نفسها وممارساتها، من قبل اندلاع الثورة وحتى الآن، وليس لمجرد
الرفض لكل ما هو سياسي.
المنطلق الثاني: كل ردّ سياسي ثوري على تحرّك سياسي عقيم يتطلّب
صدوره في الوقت المناسب، دون تسرّع ولا تأخير، ولكن مع ضرورة تدارس مضمون التحرّك
وتدارس صياغة الردّ المناسب والتشاور حولها.
المنطلق الثالث: من الضروري التعامل السياسي الثوري بأسلوب
يتجنّب المعارك الجانبية على حساب مسار الثورة، كما يتجنّب أيضا إعطاء قيمة سياسية
لأطروحات لا قيمة لها ولجهاتٍ لا تشارك في الثورة ولا في دعمها أصلا.
ومن الإجراءات العملية على سبيل المثال دون الحصر:
الإجراء الأول: انتزاع الثوار زمام المبادرة السياسية، بطرح
ثوابت السياسة الثورية ومطالبها والآليات العملية الضرورية لتحقيق أهدافها، طرحا
يعطي الثورة وجهها السياسي الذي تتلاقى عليه النسبة الأعظم من التجمعات والهيئات
الثورية المدنية والكتائبية، وتكون له من الإحكام والقوّة الذاتية ما يسدّ الأبواب
أمام ذرائع منطق السياسات العبثية.
الإجراء الثاني: مضاعفة جهود التنسيق والتواصل الثوري الميداني،
مدنيا وكتائبيا، بحيث تتكامل حصيلة المواجهات المفروضة على الثورة والقوى الثورية،
ولا تبقى بينها ثغرات تستغلّها العصابات المتسلّطة في سورية أو توجد ذرائع بين يدي
المصرّين إقليميا ودوليا على المناورات السياسية العبثية.
الإجراء الثالث: متابعة ما بدأ بالفعل من التمهيد على الأرض
"شبه المحررة" بخطوات تستهدف ضمان القدرة على ضمان عنصري الأمن الأهلي الشعبي
والاحتياجات المعيشية والإدارية الضرورية، للحدّ قدر الإمكان من الأضرار الكبيرة
التي تتعمّد ممارسات "الأرض المحروقة.. والمدمّرة" من جانب العصابات أن تعمل على أن
تخلّفها ساعة سقوطها المحتم.
. . .
لا يتناول ما سبق بصدد الأرضية السياسية للحسم العسكري، شيئا
ممّا يرتبط بكيفية تحقيق الحسم العسكري نفسه، فليست هي موضع الحديث هنا، بل هي من
شأن أصحاب القرار الميداني وحدهم، وليس مجهولا أن الحسمه يتطلّب ضمان مزيد من
السلاح النوعي.. ومزيد من التمويل الكافي، علاوة على تطوير التنسيق العسكري والثوري
داخليا. إنّما آن الأوان -وفق مسار الثورة- تثبيت معالم سياسية جوهرية من وراء ذلك
على أساس ما سبق التنويه إليه (ينبغي اعتبار العمل من أجل الحسم العسكري معيار
الانتماء إلى الثورة ومستقبل الشعب والبلد).. ومن ذلك على سبيل الإيجاز دون
التفصيل:
أولا: أصبح واضحا أنّ ربط التمويل والتسليح بالولاء لأي جهة من
الجهات "السورية الخارجية" هو ممارسة حزبية، خطيرة على الثورة، تخدم من يمارسها،
ولا تخدم الثورة ولا الشعب الثائر ولا مستقبل سورية المشترك، ويجب على سياسة الثورة
أن تقلب هذه "المعادلة" بصورة قاطعة:
الجميع في حاجة إلى الثورة وما تصنعه الثورة في سورية وخارج
حدودها، فشرط الانتماء للثورة، وشرط الانتماء إلى مستقبل سورية عبر الثورة، هو دعم
القادرين لها الآن، بالمال والسلاح، دون شروط.. وليس العكس، ومن يسلك غير هذا
السبيل، يخسر هو مقوّمات مشاركته في صناعة مستقبل سورية، ابتداء من اللحظة الأولى
لحلول يوم الحسم العسكري وتحقيق الهدف الأول للثورة: إسقاط بقايا العصابات
المتسلّطة ومحاكمة أكابر مجرميها.
ثانيا: إنّ العبء الأعظم من تأمين سلاح الثورة هو ما يصنعه
الثوار في الداخل عبر غنائم السلاح في المواجهات المباشرة والعمليات العسكرية
النوعية، ومن المؤكّد أنّ من يحملون هذا العبء الكبير والحاسم، باتوا يدركون ذلك
أكثر من ذي قبل، ويعملون على النهوض به، وهؤلاء هم من يقرّرون الحسم العسكري، ومتى
يكون وكيف يكون، ولا يصنعه من يعملون على ربط صناعة الحسم بمواقعهم هم في نطاق
الأهداف السياسية وغير السياسية القادمة، بعد سقوط الإجرام المتسلّط ومحاكمة أكابر
المجرمين.