المزاج العام في مصر بعد 25 يناير:"وكأن الثورة لم تقم"
كثر الحديث في الأوساط الصحافية المصرية عن وجود مضايقات يتعرض لها
الإعلاميون بعد نجاح ثورة 25 يناير . ولإلقاء المزيد من الأضواء على هذا
الموضوع أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع المدون والصحفي المصري أحمد
رجب. يشكو
بعض الصحافيين عما يصفونه بـ "انتكاسة أوضاع حرية الصحافة في مصر بعد
الثورة. فقد تم غلق إحدى القنوات التلفزيونية وحرمانها من بث الصور الحية
للأحداث التي تشهدها البلاد. كما علق أحد برامج الإعلاميين المستقلين
البارزين في البلاد، دون معرفة من يقف وراء هذا القرار، بمعنى هل هو قرار
نابع فعلا من داخل هذا الإعلامي نفسه أم جاء بضغوط خارجية. دويتشه فيله
حاورت المدون والصحفي احمد رجب للتعرف على الساحة الإعلامية حاليا وبعد
ثورة 25 يناير.
دويتشه فيله: كيف تصف حرية الإعلام في مصر في الوقت الراهن وما هي التحولات التي شهدتها منذ ثورة 25 يناير؟
أحمد رجب:
حرية الإعلام بشكل كبير، بعد 25 يناير، مرت كما أرى بثلاث مراحل. أولها
بعد 25 يناير مباشرة، وفي هذا الوقت لم يكن هناك رقيب أو أي نوع من أنواع
الرقابة حتى الرقيب الضمني، وهو وزير الإعلام، لم يكن له حضور ولم يكن
المجلس العسكري يباشر هذه الرقابة الضمنية على أحد. بعد فترة قام بعض
الزملاء، من الصحفيين خاصة في الصحف القومية، بممارسة الرقابة الذاتية على
أنفسهم لتبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة الرقابة الذاتية. وبمرور القوت
التقط المجلس العسكري هذا الطرف من الخيط وبدأ في ممارسة هذه الرقابة بشكل
مباشر عبر اتصاله بمثل هذه الشخصيات التي مارست هذه الرقابة الذاتية في
البداية. هذه هي المراحل الثلاث التي تطورت فيها حرية التعبير والإعلام في
مصر، بعد ثورة 25 يناير.
كان
علينا أن نستغل المرحلة الأولى، أي مرحلة عدم وجود رقابة، إلى أبعد ما
يكون حتى لا نتراجع عنها ولكن هؤلاء ممن مارسوا هذه الرقابة الذاتية هم من
أعطوا الحق للمجلس العسكري أن يمارس رقابته على وسائل الإعلام، علما بأنها
رقابة، غير قانونية والمجلس العسكري يعلم ذلك جيدا لكنه يمارس الرقابة
الضمنية.
تتزايد المخاوف من عدم تخلي المجلس العسكري عن السلطة هذه الرقابة الذاتية التي ذكرتها هل هي نابعة من الخوف؟
الخوف
تحديدا هو خوف القائمين على وضع السياسات التحريرية في وسائل الإعلام وخوف
الأشخاص النافذين في صالات التحرير وخوف عدد كبير من القيادات الموجودة في
غرف الأخبار وجلهم أشخاص اعتادوا العمل في ظل أجواء ما قبل ثورة 25 يناير.
هؤلاء الصحافيون لم يستسيغوا، حتى نفسيا، فكرة أن لهم مطلق الحرية في وضع
سياستهم التحريرية وأن الفيصل هو الضمير المهني.
أين الإعلام المستقل حاليا في الساحة ؟
بالتأكيد
الإعلام المستقل حاليا أكثر حرية من الإعلام الحكومي. فعدد كبير من
القائمين على الإعلام الحكومي قبل ثورة 25 يناير هم نفس الأشخاص القائمين
عليه بعد الثورة. ونظرية "عاش الملك، مات الملك" لم يتغير فيها سوى اسم
الملك نفسه بدلا من مبارك أصبح المجلس العسكري، مصالح المجلس العسكري بديلا
عن مصالح مبارك. والإعلام المستقل ضخخ الكثير من الأموال في الإعلام
الفضائي تحديدا وكذلك في مجال الصحافة حيث صدرت صحف جديدة بعد الثورة وكذلك
قنوات فضائية.
هذا
الإعلام المستقل عادة يكون في مصر تابعا لرجال أعمال مرتبطين بمصالح مع
النظام أو هم حتى جزء منه. وهم لم يستسيغوا إلى ما لا نهاية فكرة الوقوف ضد
المجلس العسكري. والقائمين على هذه القنوات الفضائية أو الصحف المستقلة
بدؤوا يمارسون رقابة ذاتية ومع الوقت تحولت هذه الرقابة إلى رقابة من قبل
المجلس العسكري عن طريق إرسال رسائل ضمنية أو مكالمات لإيقاف ما يصفونه
بالـ"هجوم الحاد" أو "يمكنكم الهجوم على حكومة عصام شرف ولكن لا تهاجموا
المجلس العسكري". وهنا بدأ بعض الانتهازيين في صالات التحرير وغرف الأخبار
التقاط الخيط ومد جسر من التواصل بينهم وبين المجلس العسكري. مصر إعلاميا
ليست محكومة بالرصاص ولكنها محكومة بالود الذي تخاف غرف الأخبار من أن
ينقطع بينها وبين المجلس العسكري.
ما هو دور الصحافة الشعبية في مصر وكيف يمكن أن ترسخ مصداقيتها في هذه الحالة؟
الإنترنت
يبقى له مكان وحيد لم يدخله في مصر حتى الآن وهي الغرف التي يجتمع فيها
المجلس العسكري. المجلس العسكري هو الكيان الوحيد لذي يتوقع ومقتنع تماما
بأنه يمكن تغيير واقع من خلال الإعلام. هو مقتنع بأن وسائل الإعلام قد تغير
الواقع وهذا ما مارسه في أحداث ماسبيرو الأخيرة. فقد أثبتت الفيديوهات
المنشورة في الإنترنت أن ما حدث كان عكس ما ذهبت إليه تغطية التلفزيون. وقد
اضطر المجلس العسكري نفسه إلى الخروج بفيديوهات مصورة عن طريق الصحافة
الشعبية للدفاع عن نفسه. الصحافة الشعبية في مصر، أجزم بأنها صاحبة أكبر
دور في الثورة إعلاميا وأظن أنها هي من ستواصل الثورة.
مازالت تداعيات حادثة ماسبيرو أو الأحد الدامي حيث قتل أربعة وعشرون شخصا تتفاعل ولكن
هناك إشكالية في الصحافة الشعبية، من حيث مصداقيتها. فهناك من يشكك في صحة
هذه الفيديوهات أو الصور استنادا إلى القصة المعروفة حين تم تغيير صورة
جمعت الرئيس المخلوع مبارك بالرئيس الأمريكي باراك أوباما وتم تغيير
مواقعهم باستخدام برنامج الـ "فوتو شوب".
لنعد
إلى واحدة من مفاهيم الصحافة الشعبية وهي أنها صحافة مقدمة من الشعب وإلى
الشعب. وطالما أن هذه الصحافة تقدم إلى الشعب فأنا اعتقد أن عددا قليلا جدا
من الناس هم من يشاهدون فيديو يقولون إنه فيديو ملفق. عادة الجهات الرسمية
هي من تقول ذلك أو الجهات القضائية التي لا تعترف بما تقدمه الصحافة
الشعبية.والصحافة الشعبية غير موجهة لهؤلاء وإنما هي موجهة إلى الشعب
ليقتنع بالحقيقية ولتنقل له الواقع أو ما حدث.
ولنكن
منطقيين ففي أحداث ماسبيرو، على سبيل المثال كم كان عدد الأشخاص الذين
خرجوا قائلين أن دهس المتظاهرين كان "فوتوشوب"؟ قد تكون نسبة قليلة جدا
وأغلب الناس اقتنعت بهذه الفيديوهات. بل حتى المجلس العسكري نفسه في
البداية لم ير هذه الفيديوهات ثم شاهدها وخرج ليقول انه تمت سرقة المدرعة
وفي آخر لقاء له قال إن العسكري الذي قام بهذه الأفعال كان متوترا لما حدث
فحاول الهروب. إذا في النهاية المجلس العسكري اقتنع بهذه الفيديوهات التي
قدمتها الصحافة الشعبية واضطر إلى الدفاع عن نفسه. فكرة الصحافة الشعبية
إذا ما طرحت أمام النظام فهي في نظره بلا مصداقية وإذا ما طرحت أمام الشعب
فمصداقيتها كبيرة جدا. النقطة الثانية أن مصداقية الصحافة الشعبية قد تكون
مطروحة إذا ما تناولت شيئا بالكتابة فقط بدون صورة أو فيديو. هناك قد تطرح
مصداقية الصحافة الشعبية وتتعرض إلى أزمة ثقة.