أدرك بأنه لم يكن شجاعاً, كما كان يظن، في داخله شي يقرض اطمئنانه,
يملؤه بالخوف .
قال لنفسه
- ان افظع احساس ينتاب المرء هو الخوف من قوى غامضة مجهولة, هو
الخوف من شي لانعرفه ولعلنا لانتصوره, هو الغيب الذي يلاحقنا ولا نراه, ما
ابشع ذلك.
حدّث نفسه بصوت يكاد يكون مسموعا
- كلنا صائرون اليه
صعقت في اذنه عبارته الاخيرة, وخزته, احسها تدوي في اعماقه, تأمل وقعها
عليه, ثم على من حوله, حدّق في الوجوه كما لم يتأملها من قبل, راءها شاحبة,
متجهمة, تكاد تقاطيعها تهرب منها, سأل نفسه
- هل افهم ان ما يحدث لوجوههم يحدث لوجهي انا ؟
نظر اليها مليا, حاول ان يحدس شيئا, تداخل عليه المشهد, تداخلت الوجوه,
مرأها هكذا يزعجه, كما لوكان ينظر لمراة بها شروخ, انصاف وجوه وارباعها,
ووجوه ممسوخة الملامح, مفتتة, يغشاها السراب, اسبل جفنيه, فكر بأن ما يحدث
الان ما هو الا صدى لما يعتمل في الاعماق, حاول تعريتهم, حدس ربما شيئا ما,
رأهم يهربون من ذواتهم, يتخففون من انفسهم, تطاردهم رغبة في التلاشئ,
تساءل
- هل مايحدث حقيقة ؟
صمت برهة ثم استطرد
- لعله حلم, ان في الاحلام ما هو اشد وضوحا من الحقيقة
تأمل الوجوه ثانية كي يرى الانطباع عل وجهه هو, قال
- غير معقول
تملكته فكرة حمقا مؤداها انه يستطيع رؤية وجهه هكذا دون وسيط, حاول ذلك
مرارا, فشل, خجل من نفسه, تكلف ابتسامة جامدة, بدت شفتيه كصحراء من
الرمال, قال مستأنسا بصوته هذه المرة
- كلنا صائرون اليه
تأمل الحفرة المستطيلة, نزل, انهمك في العمل الى ان تعب, نظر حوله باحثا
عن بديل, اسعفه اخر, تأمل ما حوله, راى الظلام يحل, اصابته وحشة عميقة,
سيترك صاحب هذا القبر وحيدا الى الابد, فكر لو كان مكانه, ارتعدت فرائصه,
حاول ان يطرد هواجسه دون جدوى, شعر بهيجان في داخله, تمنى لو يصرخ, او يبكي
على الاقل, نظر حوله, طأطا رأسه خوفا من ان يلحظه احد, حاول مداراة ما
ينتابه, فالرجل في قاموس اهل الريف اقوى من ان يهتز مهما كانت البواعث,
تمالك نفسه نسبيا, نظر في الفراغ , فيما حوله, في الوجوه المهشمة, حاول ان
يحدس شيئا, انتابته ضحكة عالية, قهقه كثيرا, لعله يرى وجهه الان
السبت مايو 15, 2010 5:05 pm من طرف هشام مزيان