حياة فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1546
الموقع : صهوة الشعر تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض تاريخ التسجيل : 23/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | الأهرامات المصرية.. اليهود والأساطير والتضليل | |
د. عمرو عبد العزيز منير شاعت حول أهرامات مصر وآثارها أقاويل, ونظريات كثيرة اعتنقها الرحالة والمؤرخون القدماء. حيث تركوا لنا سيلاً من الافتراضات تتناقض فيما بينها خصوصاً عندما يشيرون إلى أسباب تشييدها، والكيفية التي شيدت بها تلك الأهرامات، فحركت خيال مؤرخيهم وكتَّابهم, فراحوا يبحثون عن أسرارها، لماذا شيدت؟ وكيف شيدت؟ ومن شيدها؟ وماذا حدث؟ فحيكت الأساطير, وكثرت الأقاويل والخرافات، وتكأكأ الضباب حولها، ووصفوا تلك الأهرامات، وأثبتوا دهشتهم الشديدة وانبهارهم بتلك الأوصاف التي قد تعتبر الشئ الوحيد المعقول من بين أقوالهم الأخرى!!. تاريخ الأهرامات عبير السحر وأريج الأسطورة! وقد ورد الكثير من الحكايات في هذا الشأن في كتابات الرحالة والمؤرخين؛ يقول المقريزي : "اعلم أن الأهرام كانت بأرض مصر كثيرة جداً .. وأعظم الأهرام الثلاثة التي هي اليوم قائمة تجاه مصر، وقد اختلف الناس في وقت بنائها واسم بانيها، والسبب في بنائها، وقالوا في ذلك أقوال متباينة أكثرها غير صحيح". وتشير بعض الروايات إلى هذا بقولها: "وما أكثر الروايات والأساطير التي تتداولها الألسنة في أصل هذه الجبال". ورغم ذلك لم يجد لها البغدادي ذكرا ً"في التوراة ولا في غيرها ولا رأيت أرسطو ذكرها" فكيف إذن بناها اليهود أو شاركوا في بنائها؟!. ويذكر التلمساني: "أن أحوال الأهرام عجيبة وحكاياتها غريبة وللناس فيها كلام كثير وهي من عجائب البلدان وغرائب البنيان". ويقرر أبو الصلت :"أن الأهرام والبرابي فإنها من الآثار التي حيرت الأذهان الثاقبة واستعجزت الأفكار الراجحة ,وتركت لها شغلا بالتعجب منها والتفكير فيها..". ، ولم يشذ الهروي عن ذلك القول: "الأهرام: من عجائب الدنيا وقد اختلفت الأقاويل بين الناس فيها ,وفيمن بناها. ما أريد بها..". ، وأجمل المقدسي الآراء التي دارت في عصره حولها فقال: "سمعت في الأهرام أشياء مختلفة؛ فمنهم من قال: هما طلسمان ومنهم من قال: كانتا أهراء يوسف، وقيل بل كانت هي قبورهم وقرأت أنهما للرمل المحبوس".، ويستقر رأي المقدسي على أنهما مقابر : "آلا ترى إلى ملوك الديلم بالري كيف اتخذوا على قبورهم قباباً عالية". ، وهكذا، للناس في أمرها اختلاف: فمنهم من يجعلها قبوراً لعاد وبنيه ومنهم من يزعم غير ذلك". الطوفان وأهرامات الإغريق وأهرامات العرب!!
أما أسباب بناء الأهرام كما جاء في تلك الحكايات: يذكر الرحالة أبو الصلت رواية تعكس استمرار تنازع الاتجاهات السائدة في ذلك الوقت سواء ؛ القبطية المصرية أو الإغريقية أو العربية. ورغبة كل اتجاه في نسبة منجزات الحضارة المصرية القديمة إليه, تلبيه لحاجات ثقافية / اجتماعية آنذاك فيقول: "زعم نفر من الناس أن هرمس الأول المدعو بالمثلث بالنبوة والملك والحكمة، وهو الذي يسميه العبرانيون خنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم ـ وهو إدريس ـ استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعم الأرض، فأكثر في بنيان الأهرام ,وإيداعها الأموال وصحائف العلوم ,وما يشفق عليه من الذهاب والدروس حفظا لها واحتياطاً عليها. ويقال : إن الذي بناها ملك اسمه سوريد بن سهلوق بن سرياق، وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط : شداد بن عاد، لرؤيا رآها. والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر، وتحقق أن بانيها سوريد. لرؤيا رآها وهي آفة تنزل من السماء، وهي الطوفان". ويضيف ابن خرداذبة: "ويقال والله أعلم أنهما من بناء بطليموس القلوني الملك". أما الرحالة القزويني فيذكر أن : "من الناس من يزعم أن إدريس أمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم؛ إشفاقاً عليها من الدروس واحتياطا عليها وحفظا لها..". ، ومنهم من قال إنما عملوها خوفاً من الطوفان. وباتفاق في المعنى واختلاف في الألفاظ تحدث كلٌ من المقريزي والسيوطي عن أسباب بناء الأهرام فقالا:"..قال جماعة من أهل التاريخ: الذي بنى الأهرام سوريد بن سلهوق بن شرياق ملك مصر، وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة؛ وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هاربون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت، ويصدم بعضها بعضاً؛ بأصوات هائلة، فأغمه ذلك، وكتمه، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض، وكأنها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة، فانتبه مذعوراً وجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصرـ وكانوا مائة وثلاثين كاهناً ـ فأخذوا في ارتفاع الكواكب، فأخبروا بأمر الطوفان، فأمر عند ذلك ببناء الأهرام وملأها طلسمات وعجائب، أموالاً، وخزائن، وغير ذلك ، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء وجميع العلوم الغامضة، وأسماء العقاقير، منافعها ومضارها، وعلم الطلسمات (الألغاز والرموز)، والحساب والهندسة والطب، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم، ولما أمر ببنائها ، وقطعوا الأسطوانات العظام والبلاطات الهائلة وأحضروا الصخور من ناحية أسوان فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة, وشدها بالرصاص والحديد والصفر، وجعل أبوابها تحت الأرض بأربعين ذراعاً. وكان ابتداء بنائها؛ في طالع سعيد، فلما فرغ منها، كساها ديباجاً ملوناً من فوق لأسفل، وجعل لها عيداً حضره أهل مملكته كلها. ثم عمل في الهرم الغربي؛ ثلاثين مخزناً مملوءة بالأموال الجمة، والآلات والتماثيل المصنوعة من الجواهر النفيسة وآلات الحديد الفاخر والسلام الذي لا يصدأ والزجاج الذي ينطوي ولا تكسر، والطلسمات الغريبة، وأصناف العقاقير المفردة والمؤلفة والسموم القاتلة، وغير ذلك، وعمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب وما صنع أجداده من التماثيل، وجعل في الهرم الملون [الأكبر] أخبار الكهنة في توابيت من صنوان أسود، ومع كل كاهن مصحفة، وفيها عجائب صنعته، وحكمته وسيرته، وما عمل في وقته ,وما كان وما يكون من أول الزمان إلى آخره. وجعل لكل هرم خازناً من قرب منه وثبت إليه من ناحية قصده وطوقت على عنقه فقتله .." ، ونجد ابن حوقل يناقش قيل عن الأهرام فيقول: "وقد ذكر قوم أنهما قبران وهما ليسا كذلك وإنما حدا صاحبهما أن عملهما أنه قضى بالطوفان وهلاك جميع ما على وجه الأرض إلا ما حصن في مثلهما فخزن ذخائره, وأمواله فيهما وأتى الطوفان, ثم نضب فصار ما كان فيهما إلى بيصر بن نوح." ، كما يؤكد الدمشقي أن :" السبب الموجب لبنائها استدلال هرمس بالأحوال الكوكبية على حدوث الطوفان فأمر ببنائها وإيداعها صحائف العلوم والأموال وما تخاف عليه من الذهاب الدثور..". ، وأن "هرمس الأول الذي يسمه اليونانيون أخنوخ بن يرد وهو إدريس علم بطوفان نوح إما بالوحي أو بالاستدلال .. فأمر ببناء الأهرام ..". ما يهمنا في تلك الروايات عن أسباب بناء الأهرامات, هو تأثير قصة الطوفان عليها، وقد تبين لنا كيف يصير القصص الديني مادة لأمثال هذا النوع من القصص، كما تفصح عن ما كان للأهرامات من شغل شاغل في فكر المصريين، فلقد اكتنزوا فيها علومهم النافعة وفنونهم وأموالهم وذهبهم, وادخروها لمن يأتي بعدهم, وينجح في حل طلاسمها وقراءة رموزها، مما يعني حكمة وحصافة وعلم لم يتسن لغيرهم من الأمم، و لسان حالهم يقول : "كونوا اسعد حظاً منا" فلم يكونوا أبدا من الجبارين والطغاة الذين استعبدوا شعوبهم وسخروهم فيما لا فائدة منه من أجل مجد شخصي، وإنما كان في مخيلتهم من أجل الإنسانية.كما أن أبا الصلت في روايته القائلة :"وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربي على ما شاهدناه منهما " ( ). يكشف لنا عن أن الهرم الثالث كان مازال مطموراً لم يكشف عنه بعد حتى حوالي عام 487هـ . كما أن هذه الحكايات تعيد إلى الأذهان قصة حلم فرعون الذي ربط القصص الديني بينه وبين يوسف بن يعقوب، ذلك الحلم الذي كان نبؤة بكارثة الجوع، وما كان من تأويله، والقيام بتخزين, وحفظ القمح المصري في سنوات الوفرة إلى سنوات الجوع، كما أننا نجد في الرواية الأخيرة والتي سجلها كلٌّ من السيوطي والمقريزي والتي نسبها السيوطي إلى مجهول مبهم وغير محدد سماه "جماعة من أهل التاريخ" ؛ الذين هم في الحقيقة رواة التاريخ الشفاهي الفولكلوري، الذين تختلط في رواياتهم بقايا المعرفة التاريخية الحقيقية ببقايا الأساطير ,التي تحولت إلى مأثورات شعبية حيث تشكل هذه المأثورات الفولكلورية في بعض جوانبها: "الحجرة الخاصة" للتاريخ؛ وهي الحجرة التي تضع فيها الطبقات الشعبية عواطفها، وتخْزن فيها موروثها التاريخي ـ كما ينبغي أن يكون لا كما كان ـ وتودع فيها تصوراتها ورؤاها وحكمتها العملية ولعل ترميم تلك الحكايات الشعبية وفحص عناصرها مجهرياً , وإعادة صياغتها طبقاً للإطار التاريخي الذي جرت فيه , سيساعد على رؤيتها بوصفها قصة غير خيالية تماماً كما يفترض القراء , إذ لا ريب أنها تتضمن عناصر فعالة وواقعية لم يعاملها المؤرخون بقدر كاف من الرأفة ، والباحث المدقق في رواية السيوطي عن الأهرام سيجد فيها مزجاً أدبياً بين الحقائق التاريخية والمأثورات الشعبية ـ أو أنه بتعبير آخر سيجد صياغة فولكلورية لبعض الحقائق التاريخية القليلة التي وصلت لعصر السيوطي، وهي صياغة تحاول أن تملأ الفراغات التاريخية بالخيال الأدبي: وهو تقليد عرفه المؤرخون والجغرافيون والعلماء العرب منذ العصور الإسلامية؛ عندما انفتح أمام العرب عالم العجائب والغرائب والحقائق في البر والبحر ، في البلدان الحقيقية والبلدان الأسطورية وكانت مصر بالتالي في طليعة تلك البلدان. اليهود وأهرامات يوسف عليه السلام سبب آخر رآه المؤرخون دعى إلى بناء الأهرام يقول عنه البيروني: ".. وقالوا أن أهل المغرب لما أنذر به حكماؤهم ـ يعني الطوفان ـ بنو أبنية كالهرمين المبنيين في أرض مصر, إذا كانت الآفة من السماء دخلناها ، وإذا كانت من الأرض صعدناها، فزعموا أن آثار ماء الطوفان، وتأثيرات الأمواج بينه على أنصاف هذين الهرمين لم يجاوزهما .. وقيل أن يوسف .. جعلهما هرياً وجعل فيهما الطعام والميرة لسني القحط". ، ويعتمد المسعودي على جماعة من رواة التاريخ الشفاهي الشعبي في قوله: "فإني سمعت جماعة من أهل الخبرة يخبرون أن يوسف النبي حين بنى الأهرام اتخذ مقياساً لمعرفة زيادة النيل..". ، ويشير إلى ذلك صاحب "آكام المرجان" بقوله: "الهرمان ارتفاعهما مائة ذراع وهي من صخرة وبها كان يجمع الطعام في أيام يوسف ". ونجد قول البلوي حين يتحدث عن فضائل مصر فيقول: "إن بها الأهرام القديمة المعجزة البناء الغريبة المنظر البديعة الإنشاء كأنها القباب المضروبة في جو السماء وبها كان يجعل الطعام في أيام يوسف ..". ، وقال المقدسي:" ومنهم من قال كانتا أهراء يوسف ". بينما اقترب المؤرخ (ابن ظهيرة) من بعض الحقائق التاريخية والتي تتصل بجوهر عقيدة البعث والخلود لدى القدماء المصريين فيقول : "لم تزل مشايخ مصر يقولون: الأهرام بناها شداد بن عاد ,وهو الذي بنى الغار وجند الأجناد وهي الدفائن، وكانوا يقولون بالرجعة، فكان إذا مات أحدهم دفن معه ماله كائناً من كان وإن كان صانعاً دفنت معه آلته..". في الروايات السابقة والتي جعلت من الأهرامات (أهراء) أو مخازن خزن فيها النبي يوسف القمح يتبين لنا كيف يصير القصص الديني ـ مرة أخرى ـ مادة لأمثال هذا النوع من القصص، وكيف يستمر لجوء الخيال الشعبي إلى الخرافة, والحكايات الشعبية لسد النقص في سطور القصص الديني أو لتأكيد الإيمان بالقصص الديني نفسه كإضافة إلى رصيده في الوجدان الشعبي لا الخصم منه، كما يتبين لنا أن أصحاب النزعة الإسلامية من المؤرخين حاولوا أن ينسبوا كل شئ في مصر القديمة إلى يوسف ، ولا شك أن تياراً يهودياً ساعد في هذا وأكده؛ فحكاية أن يوسف هو باني الأهرامات وصاحب عمارتها, وأمرها .كل هذا ربما دخله عنصر إسلامي قرآني من ناحية، ودخله عنصر يهودي مغرض وفاهم ومنظم في دنيا الأخبار والتاريخ من ناحية أخرى، وسنجد الكثير من الكتابات التاريخية خضعت لهذه الأخبار موردة لها عن اقتناع ديني مرة، وعن اقتناع عصبي مرات، ولكنها ـ الكتابات التاريخية ـ لا تغفل في كل أخبارها دور يوسف في حياة مصر، محملة كل خيراتها له ولجهوده بما في ذلك بناء الأهرام. وفي أوربا العصور الوسطى، كادت قصص العهد القديم عن يوسف في مصر أن تكون لها وجودها المستقل؛ فقد كانت موضوعات شعبية لتزيين صناديق المجوهرات، وفي كنيسة سان مارك التي بنيت على طراز البازيليكا في البندقية القرن الحادي عشرالميلادي، رُسمت قصة يوسف بالموزايكو. في سقف الرواق الشمالي، حيث تجد يوسف الوزير يشرف على تخزين الغلال، وكانت هذه الغلال تشاهد مخزونة في الأهرام، التي صورها الفنان أينيه، وعددها خمسة ولها نوافذ، وفكرة أن الأهرام كانت مخازن الغلال للفراعنة (أو شَّون يوسف ) لها تراث طويل استمر حتى القرن السادس عشر الميلاد. ، وقد سببت ارتباكا لبعض أولئك الرحالة اللاحقين الذين سافروا إلى مصر، والذين كانوا قد عرفوا الكُتَّاب الكلاسيكيين من أمثال هيرودوت الهاليكارناسي الذي زار مصر حوالي سنة 450 ق.م، وقد وصف هيرودوت أهرام الجيزة، وسجل طريقة بنائها مثلما حكاها له الكهنة. السحر وبناء الأهرامات!! وواصل الرحالة والمؤرخون وسط بحر متلاطم من الخرافة الحديث عن كيفية بناء الأهرام ونسجوا معلومات من وحي خيالهم , وأكثر بعداً عن منطق الأشياء وظل المؤرخون خلال أمد طويل لاحق يمزجون بين التاريخ التوراتي والبعد الأسطوري فيما يتعلق بأهرام مصر وكيفية بنائها، حتى ساد الاعتقاد بأن المصريين الذين صنعوا تلك الآثار، ناس غير طبيعيين يتمتعون بقدرة فائقة على الإتيان بالخوارق، وأنهم قد استعانوا بالسحر في تنفيذ كل هذه الإنشاءات الهائلة؛ ويرجع هذا الاعتقاد بصفة أساسية إلى عدم معرفة أسرار الكتابة المصرية القديمة التي كانت مدونة على تلك الآثار. ورغم أن الرحالة العبدري يصف أهرامات مصر بقوله : "على شكل مخروط وليس لها باب ولا مدخل، ولا يعلم كيف بنيت" ، إلا أن السؤال ظل ملحاً على أذهان الناس بما فيهم المؤرخين والرحالة سواء من الشرق أو الغرب وشٌيدت الأهرام في مخيلة الناس باستخدام السحر أحياناً أو بالمعجزات الإلهية أو بواسطة عمالقة من البشر أحياناً كثيرة.ومنهم من قال في طريقة بناء الأهرامات بأن المصريين كانوا يكتبون عبارات وطلاسم سحرية وتعازيم على أوراق البردي ,ويضعون هذه الأوراق على قطع الأحجار الضخمة فكانت الأحجار تطير في الهواء ثم تهبط إلى حيث المكان المخصص لكل حجر منها ,ويلتصق كل حجر بما تحته وبجانبه من أحجار أخرى!! يقول المسعودي: "كان القوم يبنون الهرم مدرجاً ذا مراقي كالدرج فإذا فرغوا منه نحتوه من فوق إلى أسفل..". ، ويسوق الرحالة التجيبي قولاً: "أن سبب حسنها ـ الأهرام ـ أنها نحتت بعدما بنيت فخفى بسبب ذلك ما استعين به على إلصاقها ..". ، ويعلق البغدادي على ذلك: "والعجب في وضع الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه بحيث لا تجد بينهما مدخل إبره ولا خلل شعرة وبينهما طين كأنه الورقة لا أدري ما صنعته ولا هو ..". ، ويقرر ابن زولاق: "لا يعلم في الدنيا حجر على حجر في هذا الوسع... ولا يقدر الخلق على عمل مثلها، ولم يقولهما إلا خالق الأرض". ويشرح الإسحاقي كيفية بناء الأهرامات بقوله: "...لما شرع في بنائها؛ أمر بقطع الاسطوانات العظام واستخدم الرصاص من أرض المغرب، وإحضار الصخور من ناحية أسوان فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة: الشرقي ، والغربي، والملون ، وكانوا يمدون البلاطة ويثقبونها ويجعلون بوسطها قضيباً من حدي قائما ويربكون عليها بلاطة أخرى مثقوبة ويدخلون القضيب فيها ثم يذاب الرصاص ويصب في القضيب حول البلاطة إلى أن أكملت وجعل ارتفاع كل واحد من الأهرام مائة ذراع بالذراع الملكي .. ولما فرغت كساها ديباجا ملونا من أسفلها إلى أعلاها..". ويعلق (ابن جبير) على بناء الأهرام فيقول: "قد أقيمت من الصخور العظام المنحوتة، وركبت تركيباً هائلا، بديع الإلصاق، دون أن يتخللها ما يعين على إلصاقها..". أما المقريزي فقد حاول مناقشة كيفية بناء الأهرام مناقشة علمية فقال: "فكرت في بناء الأهرام، فأوجب علم الهندسة العملية ورفع الثقيل إلى فوق، أن يكون القوم هندسوا سطحاً مربعا، ونحتوا الحجارة ذكراً وأنثى ورصوها بالجبس البحري إلى أن ارتفع البناء مقدار ما يمكن رفع الثقيل، وكانوا كلما صعدوا ضموا البناء حتى يكون السطح الموازي للرفع الأسفل مربعاً أصغر من المربع السفلاني، ثم عملوا في السطح المربع الفوقاني مربعا أصغر بمقدار ما بقي في الحاشية، ما يمكن رفع الثقيل إليه، وكلما رفعوا حجرا مهندما رصوه إ ليه ذكرا وأنثى إلى أن ارتفع مقدار مثل المقدار الأول، ولم يزالوا يفعلون ذلك إلى أن بلغوا غاية لا يمكنهم أن يفعلوا ذلك فقطعوا الارتفاع، ونحتوا الجوانب البارزة التي فرضوها لرفع الثقيل ونزلوا في النحت من فوق إلى أسفل، وصار الجميع هرماً". والأهرامات كانت قرينة الرحالة (أبو الصلت) على ما وصل إليه المصريون القدماء من تقدم في علم الهندسة فيقول: "كان فيهم ـ المصريون ـ طائفة من ذوي المعارف والعلوم خصوصاً بعلم الهندسة والنجوم. ويدل على ذلك ما خلفوه من الأشغال البديعة المعجزة ؛ كالأهرام والبرابي (المعابد)، فإنها من الآثار التي حيرت الأذهان الثاقبة واستعجزت الأفكار الراجحة وتركت لها شغلاً بالتعجب منها والتفكير فيها..". ، ويصفها الاصطخري بقوله :"مربع الأسفل ثم لا يزال يرتفع ويضيق حتى يصير أعلاه نحو مبرك الجمل وملئت بنيانه بكتابة يونانية، وفي داخله طريق يسير فيه الناس رجالة". اعترافات اليهود عن أهرامات المصريين !! أما الرحالة اليهودي (بنيامين التطيلي) (القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي). فقد كان له رأياً مخالفاً فقال عن الأهرامات المصرية أن في الجيزة:" الأهرام التي بناها السحرة مما يندر نظيرة بين مباني العالم ..". وهو بهذا قد نقل لنا ما يتداوله الناس عن تلك الأهرام , وهو على أية حال لم يزعم كغيره أن اليهود هم الذين بنوها أو حتى شاركوا في بنائها ، فما أكثر الروايات والأساطير التي تتداولها الألسنة في أصل هذه الجبال الاصطناعية..". ، خصوصاً بعد أن بَعُدَ زمانهم عن زمان بناء الأهرام بنحو 4000 سنة أو يزيد، ولذلك شاعت بينهم معلومات مغلوطة، يبدو بعضها وقد اختلق اختلاقا بقصد ادعاء المعرفة بأسرار الغرائب والعجائب، حتى ولو كان ذلك على حساب العقل والمنطق وبديهيات التفكير السليم. وهكذا، بنيت الأهرامات باستخدام السحر في نقل أحجارها الضخمة من المحاجر إلى مكان البناء، إذ يبدو بوضوح أن تلك الروايات تأثرت بما شاع عن المصريين من فنون السحر، كما قدمت لنا صورة عن أفكار الناس وآرائهم عن الأهرام والتي عدوها من فضائل مصر، كما تعكس مدى انشغال الذهنية الشعبية بأخبار تلك الآثار. فراح الوجدان الشعبي يضيف من تصوراته وموروثاته إلى تلك الروايات, فجاءت متعددة بمقدار انشغال الوجدان الشعبي بها. الجن والأرصاد السحرية للأهرامات! أما الأرصاد الحافظة للأهرام والروايات التي شاعت حولها فقد تأثرت كذلك بما عرف عن المصريين من إتقان للسحر حيث: "كان أهل مصر أعلم الناس بالسحر، وأقواهم عليه، وانتشر ذلك فتناذرهم الناس..". ، وعلى هذا يصف (ابن الظهيرة) أهرام مصر وعلاقتها بالسحر في قوله: ".. ليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما ـ الهرمان ـ منقور فيها بالمسند كل سحر وطب وطلسم..". ، ومن هنا يؤكد (أوليا ﭽلبي) أنه :"ليس هناك شك في أن هذا البناء العجيب ـ الأهرام ـ مطلسم؛ لأننا حينما وصلنا الحوض المذعور، بهتنا كلنا وتولتنا الحيرة، والدهشة، وأحاط بنا النصب والأذى لمن كان جهة، فعدنا بأعجوبة، ولكن بكل مشقة وبلاء، وقد كادت أرواحنا تفارق أجسامنا؛ من هول الموقف حتى وصلنا إلى الهواء الطلق، وتنفسنا الصعداء ودبت الحياة فينا من جديد..". وبإسناد مبهم وغير محدد يضيف (التلمساني) : "يُحكى أن الذي بناها ملك يُقال له سلموق بن درمسيد؛ الذي أغرقه نوح بالطوفان .. وأنه لما بناها وكّل بكل هرم منها روحانياً يحفظه؛ فوكّل بالهرم البحري ,وهو المفتوح الآن روحانيا في صورة امرأة عريانة مكشوفة الفرج، ولها ذوائب تصل إلى الأرض، فإذا أرادت أن تستفز الإنسي ضحكت في وجهه وجرَّته إلى نفسها، فتطعمه وتسخر به، وحكى من رآها عريانة عند هذا الهرم أنه امتلاء قلبه رعباً, وعدل عنها ولم يكلمها ولم تكلمه. ووكَّل بالهرم الذي إلى جانبه روحانياً في صورة غلام أمرد أصغر عرياناً، وذكر جماعة أيضا أنهم رأوه على جانبه مرة بعد مرة، ثم يغيب عنهم، ووكل بالثالث وهو الصغير روحانياً في صورة شيخ في يده مبخرة، وهو يبخر بها، وعليه ثياب الرهبان، ذكر قوم من أهل الجيزة أنهم رأوه مرات في أطراف النهار، فإذا قربوا منه يغيب عنهم، ولم يظهر فإذا بعدوا عنه عاد إلى حالته التي كان عليها..". وقدمت لنا كتب التراث؛ صورة عما كان شائعا من روايات شفوية ومكتوبة عن الأهرام، وأدلى المؤرخون والأدباء والرحالة بدلوهم فيما رأوه. عاكسين بذلك بعض الأفكار التي سادت المجتمع المصري حول هذه الأعاجيب، وكيف أن تلك الأفكار كانت مزيجاً من الحقيقة والخيال، لدرجة أنها: "حيرت الأذهان الثاقبة، واستعجزت الأفكار الراجحة أو تركت لها شغلا بالتعجب منها والتفكير فيها". ، على حد قول الرحالة (أبو الصلت الأندلسي) ولدرجة أن الخيال الشعبي أضفى على الأهرام هالة قدسية؛ مثلما للكعبة المشرفة من قداسة ومكانة في نفوس تابعيها؛ ففي تلميح إلى وجود أرصاد حارسة للأهرام استعار (الخيال الشعبي) هيكل أسطورة (إساف ونائلة ) العربية دون المضمون خاصة حينما حاولا أن يفعلا الفاحشة في جوف الكعبة فيقول المسعودي : "... وحكى أن رجلا وامرأة دخلا (الهرم) للفجور فصرعا جميعاً فلم يزال مصحوبين مشهورين إلى أن ماتا... وحكي أن قوما دخلوا الهرم، ومعهم غلام يعبثون به، فخرج عليهم غلام أسود في يده عصا، فأخذ يضربهم ضربا وجيعاً، فخرجوا هاربين وتركوا طعامهم، وشرابهم، وبعض ثيابهم، وقد أصاب قوم في بربا إخميم مثل ذلك...". مناسك الحج إلى الأهرامات! المدقق في تلك الروايات سيجد أن الحديث عن أولئك الخدام والروحانيات والطلاسم، والصيغ السحرية التي وضعت لحماية الأهرام، تتصل بما صار يعرف بلعنة الفراعنة، ويشير هذا إلى أن الاعتقاد في وجود تلك اللعنة والرصد قديم، كما تشير أيضا إلى أن أماكن الآثار المصرية كانت من الأماكن المحببة إلى الناس ارتيادها كما تدل على ما ابتلي به المجتمع المصري من أمراض اجتماعية كالزنا واستيلاء شهوة المردان الملاح على قلوب البعض، أضف لذلك ما تعكسه الروايات من اعتداد المصريون بتاريخهم وآثارهم حيث كانوا ينظرون إلى الأهرام باستمرار نظرات ملؤها الاحترام والتقديس وهو ما نكتشفه في الروايات التي تناثرت في كتابات المؤرخين عن عبادة الأهرامات. تشير الكتابات التاريخية إلى انتشار ما اصطلحنا عليه في العصر الحديث بظاهرة ـ الافتتان بالمصريات ـ ، بين شعوب العالم الوسيط وأن تلك الظاهرة قد اتخذت أطوارا متباينة وأشكالا عدة، ونتيجة لشيوع الأساطير والخرافات حول الأهرام بين شعوب العالم الوسيط، نشأ نوع من "الحج" لزيارة الأهرام، فتوافد ـ خلال العصور الوسطى ـ مئات الألوف سواء من الشرق أو الغرب، وخلد المؤرخون تلك الزيارات في سياق حديثهم عن عجائب مصر فيقول (أولياﭽلبي): "..إذا كان جبل الهرمين في تلك العصور مزارا للخاص والعام، لأنه مقبرة يزورونها، ويتطوفون بها مثل الكعبة، وقد دام الحال على هذا المنوال منذ عهد سيدنا إبراهيم ". ، ويضيف أنه : "كان يؤم هذين الهرمين في ربيع كل سنة مئات الألوف من الناس من أنحاء العالم ويزورونهما..". ، ويشير الغرناطي إلى أن :"الصابئة تزعم أن هذه القبور ـ الأهرام ـ أحدهما قبر غاثمور، وهو عند شيث, والآخر قبر هرمس، وإليه تنسب الصابئة على قول من يزعم ذلك، وهم يحجون إليها ويذبحون عندها الديكة، وما يريدون علمه من الأمور المغيبة...". ، كما يذكر البغدادي: "أنه كان يحج إليهما، ويهوي نحوهما من أقطار الأرض". ، وأن الصابئة تحجهما من حران". . وطاف الخيال الشعبي حول الأهرام فخلع عليها صفات استعارها من الأفكار الإسلامية والعربية عن الكعبة وكسوتها فيسوق الهمذاني رواية تقول: "ذكر الشريشي في شرح المقامات: أن بين الجيزة والأهرام سبعة أميال.. وروى في بعض أخبارها أن عليها مكتوب؛ بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد في ستمائة سنة، فإن الهدم أهون من البناء، وكنا نكسوها حريراً فاكسوها بعدنا حصراً..". ، أضف لذلك ما لاحظه المؤرخون من أن الحج وصفات القداسة لم تقتصر على الأهرام فحسب بل حاز تمثال "أبو الهول" على قدر كبير من تلك الصفات القدسية وأعده البعض أحد أركان مناسك الحج إلى الأهرامات حيث كانت الصائبة "تحج إليه" وتقول: يا أبا الهول إليك قد حججنا...". وهكذا، بقدر ما بهرت الأهرامات العظيمة التي خلفتها الحضارة المصرية القديمة، والتي لم تخلف مثلها حضارة أخرى من حضارات العالم القديم، بقدر ما بهرت هذه الآثار العالم في العصور القديمة والوسيطة والحديثة. التي عرفت جميعاً ذلك الهوس الجمالي بتلك الآثار، والذي عبر عن نفسه فيما كتبه الرحالة والمؤرخون والرحالة والأدباء، طوال تلك العصور، ولا يزالون حتى يومنا هذا، يوالون التعبير بالكلمة والصورة عن ذلك الهوس النبيل، بما أبدعه الإنسان المصري القديم؛ من آيات حضارية شامخة بقدر هذا الإعجاب الإنساني بحضارة مصر القديمة الذي لا يماثله إعجاب بأي من الحضارات الإنسانية الأخرى، بقدر ما تعرضت هذه الآثار المصرية العظيمة من أقدم العصور ـ أيضا إلى يومنا هذا للعدوان والمحو والتشويه والسرقة والاستهانة والتهريب والجهل الغليظ، وشارك الكثير من الناس والحكام في تلك الجرائم والخطايا التي ارتكبت في حق الآثار والأهرامات المصرية العظيمة. وصدقت نبوءة الحكيم السكندري "أسكليبيوس" عن مصير تلك الآثار والتي يقول فيها : "يقترب الوقت الذي لا يعرف فيه أحد ديانة المصريين وسيهجر بلدنا, وستكون القبور والموتى فقط شهوداً عليه. فيا مصر ! لن يبقى من مذهبك سوى أساطير, لا يؤمن بها أحد من الأعقاب ولن يبقى غير الكلام المنقوش على الحجر والذي يحدّث عن قدماء الآلهة". ولم تتحقق نبوءة رمسيس الثاني المكتوبة على جدران معبده: "سيظل هذا بيتاً للرب إلى الأبد". تلك بعض لمحات من تاريخ الأهرامات المصرية التي لم تكن أسعد حالاً من بناتها الحقيقيين أهل مصر الذين ظلوا خارج المعادلة طوال عصور القهر والاستبداد ولكنهم مثل آثارهم وأهراماتهم العظيمة قاوموا ولا يزالون كل عوامل الفناء!!!
| |
|