نزار قبانيحين يصير الفكر في مدينة
مسطحاً كحدوة الحصان ..
مدوراً كحدوة الحصان ..
وتستطيع أي بندقية يرفعها جبان
أن تسحق الإنسان
حين تصير بلدة بأسرها ..
مصيدةً .. والناس كالفئران
وتصبح الجرائد الموجهة ..
أوراق نعيٍ تملأ الحيطان
يموت كل شيء
يموت كل شيء
الماء ، والنبات ، والأصوات ، والألوان
تهاجر الأشجار من جذورها
يهرب من مكانه المكان ..
وينتهي الإنسان
حين يصير الحرف في مدينةٍ
حشيشةً يمنعها القانون
ويصبح التفكير كالبغاء ، واللواط ، والأفيون
جريمة يطالها القانون
حين يصير الناس في مدينةٍ
ضفادعاً مفقوءة العيون
فلا يثورون ولا يشكون
ولا يغنون ولا يبكون
ولا يموتون ولا يحيون
تحترق الغابات ، والأطفال ، والأزهار
تحترق الثمار
ويصبح الإنسان في موطنه
أذل من صرصار ..
حين يصير العدل في مدينةٍ
سفينةً يركبها قرصان
ويصبح الإنسان في سريره
محاصراً ، بالخوف والأحزان
حين يصير الدمع في مدينةٍ
أكبر من مساحة الأجفان
يسقط كل شيء
الشمس ، والنجوم ، والجبال ، والوديان
والليل ، والنهار ، والبحار ، والشطآن
والله .. والإنسان
حين تصير خوذة .. كالرب في السماء
تصنع بالعباد ما تشاء
تمعسهم .. تهرسهم ..
تميتهم .. تبعثهم ..
تصنع بالعباد ما تشاء
حين يصير الحكم في مدينةٍ نوعاً من البغاء
ويصبح التاريخ في مدينةٍ..
ممسحةً .. والفكر كالحذاء
حين تصير نسمة الهواء
تأتي بمرسوم من السلطان
وحبة القمح التي نأكلها ..
تأتي بمرسوم من السلطان
حين تصير أمة بأسرها
ماشيةً تعلف في زريبة السلطان
يختنق الأطفال في أرحامهم
وتجهض النساء ..
وتسقط الشمس على ساحتنا ..
مشنقة سوداء
متي سترحلون ؟
المسرح انهار على رؤوسكم ..
متى سترحلون ؟
والناس في القاعة يشتمون .. يبصقون
كانت فلسطين لكم ..
دجاجةً من بيضها الثمين تأكلون
كانت فلسطين لكم ..
قميص عثمان الذي به تتاجرون
طوبى لكم ..
على يديكم أصبحت حدودنا من ورق
فألف تشكرون ..
على يديكم أصبحت بلادنا
امرأة مباحةً .. فألف تشكرون
حرب حزيران انتهت ..
فكل حرب بعدها ، ونحن طيبون
أخبارنا جيدة
وحالنا – والحمد لله – على أحسن ما يكون
جمر النراجيل ، على أحسن ما يكون
وطاولات الزهر .. ما زالت على أحسن ما يكون
والقمر المزروع في سمائنا
مدور الوجه على أحسن ما يكون
وصوت فيروز ، من الفردوس يأتي : ” نحن راجعون ”
تغلغل اليهود في ثيابنا ، و ” نحن راجعون ”
صاروا على مترين من أبوابنا ، و ” نحن راجعون ”
ناموا على فراشنا ، ” نحن راجعون ”
وكل ما نملك أن نقوله :
” إنا إلى الله راجعون ” …
حر ب حزيران انتهت ..
وحالنا – والحمد لله – على أحسن ما يكون
كتابنا على رصيف الفكر عاطلون
من مطبخ السلطان يأكلون
بسيفه الطويل ، يضربون
كتابنا ، ما مارسوا التفكير من قرون
لم يقتلوا .. لم يصلبوا ..
لم يقفوا على حدود الموت والجنون
كتابنا يحيون في إجازة ..
وخارج التاريخ .. يسكنون ..
حرب حزيران انتهت
جرائد الصباح ما تغيرت
الأحرف الكبيرة الحمراء .. يسقطون ..
الناس كالثيران في بلادنا ، بالأحمر الفاقع يؤخذون …
حرب حزيران انتهت ..
وضاع كل شيء ..
الشرف الرفيع ، والقلاع ، والحصون
والمال والبنون
لكننا .. باقون في محطة الإذاعة ..
“فاطمة تهدي إلى والدها سلامها ..”
” وخالد يسأل عن أعمامه في غزةٍ .. وأين يقطنون .؟ ”
” نفيسة قد وضعت مولودها .. ”
” وسامر حاز على شهادة الكفاءة ..”
” فطمئنونا عنكم ..
” عنواننا المخيم التسعون .. ”
حرب حزيران انتهت ..
كأن شيئاً لم يكن
لم تختلف أمامنا الوجوه والعيون
محاكم التفتيش عادت .. والمفتشون
والدونكشوتيون .. ما زالوا يشخصون
والناس من صعوبة البكاء يضحكون
ونحن قانعون ..
بالحرب قانعون .. والسلم قانعون
بالحر قانعون .. والبرد قانعون
بالعقم قانعون .. بالنسل قانعون
بكل ما في لوحنا المحفوظ في السماء . قانعون
وكل ما نملك أن نقوله :
” إنا إلى الله لراجعون ” …
احترق المسرح من أركانه
ولم يمت – بعد – الممثلون ..
الجمعة سبتمبر 07, 2012 1:09 pm من طرف سميح القاسم