﴿ معجزة سورة المسد ﴾
من أكثر أعراض التخلف في الجاهلية التي يعيشها أتباع محمد في عصرنا ، تفننهم في اختراع ما يسمونه بالإعجاز القرآني والذي يأتي بأشكال عديدة من اهمها العلمي . ومن دواعي أسفي الشديد وأساي المزمن ، والذي كان السبب الأساسي في رفعي من جحري في وادي هبهب والواقع في الدرك الأسفل من جهنم وعودتي للعيش معكم ، أن أرى أحفادي يضيعون طاقات عقلية هائلة في الحفر والتنقيب تحت حطام حروف وجمل كتاب محمد التي طوى عليها الدهر وشرب ، عن ما يسمونه بالأعجاز العلمي واللغوي والعددي ، وإلى آخره من فنون مضيعة الوقت والجهد ، بدلا من العمل في تشييد حضارة جديرة بالعرب ، يساهمون بها في رفع الإنسانية والمشاركة في تقدمها. وأنوي بعون الله ورعايتها أن أكتب مطولا حول هذا الموضوع ، وكمقدمة مضحكة مبكية أذكر هنا، وللعلاقة المباشرة بشخصي المتواضع، "معجزة" سورة "المسد" والتي اشتهرت من خلالها باسم أبي لهب
تبت يدا أبي لهب وتب ﴿1﴾ ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴿2﴾ سيصلى نارا ذات لهب ﴿3﴾ وأمرأته حمالة الحطب ﴿4﴾ في جيدها حبل من مسد ﴿5﴾
يقول جهابذة المعجزات القرآنية من أتباع محمد ،
أن الإعجاز في هذه السورة يكمن في عماي أو بالأحرى إعمائي الإلهي عن
اعتناق الإسلام حتى أثبت خطأ القرآن. أي أنني لو تظاهرت بالإسلام لبطلت
السورة ولبطل القرآن لأنه كلمة الله الأزلية. ولكن وحسب فكرهم المتنور شائت الذات الإلهية أن تبقيني على "كفري" حتى يستقيم القرآن ويثبت إعجازه. ويفوت هؤلاء الإعجازيين أنهم يشوهون وجه إلههم الذي ارتضوا له ، وهو الجبار المحيط، أن يتنازل ليسبني وزوجتي أم جميل، ثم فرضوا عليه أن يجعل سبابه أبديا حتى يثبت للملأ صحة قرآنه.
أما وجه جهل هؤلاء، حتى في شؤون دينهم، فأنه ولوا أفترضنا أنني قبلت لمروئتي ولشرفي العربيين أن أنافق وأكذب ، وقمت وأعلنت إسلامي ، لكان من السهل على محمد أن يقوم مسرورا (كنت ثريا وجوادا) بنسخ السورة بالكامل كما نسخ مئات من الآيات القرآنية في مكة وفي المدينة ، وتماما كما نسخ الآيات الشيطانية بعد أن تنازل واعترف باللات والعزى (تلك إذن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى). ونذكر هؤلاء الجاهليين أن النسخ والتبديل معروف ومذكور في القرآن ومعترف به إجماعا بين السنة:
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير/ البقرة 106
وَإِذَا
بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ
قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ / النحل101
ولمساندة
ما أقول فإن بعض المصادر التاريخية التي وصلت عصركم هذا (ما تبقى من فتات
من مصحف أبي بن كعب الذي أمر عثمان بحرقه) تشير إلى أن النسخ والحذف كانا
قد طالا هذه السورة بالفعل، وأنها كانت قبل ذلك تقرأ كما يلي:
تبت يدا أبي لهب وتب ﴿1﴾ حالف البيت الوضيع على البيت الرفيع ﴿2﴾ فشغل بنفسه ثم شغل ﴿3﴾ ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴿4﴾ سيصلى نارا ذات لهب ﴿5﴾ وأمرأته حمالة الحطب ﴿6﴾ في جيدها حبل من مسد ﴿7﴾
والأغلب
أن الآيتين حذفتا، بسبب ضغوط الأمويين أثناء جمع القرآن تحت أمرة عثمان بن
عفان الأموي ، وذلك لأن البيت الوضيع هنا هو بيت أمية الذي يزعم المسلمون
أني حالفته في حلف الصحيفة ضد البيت الرفيع ، أي بيتنا ، بيت هاشم . وإن
صحت هذه الروايات ، فإنه من الواضح أن بنو أمية قاموا بحذفها حتى لا تكون
لعنة أبدية ضدهم ، وحتى لا يكون في القرآن نصا صحيحا بتفضيل الهاشميين على
الامويين. وعملية حذفها لم تكن مشكلة كبيرة لهم بسبب النفوذ الهائل الذي
تمتعوا به بوجود عثمان بن عفان خليفة على المسلمين.
ملاحظة:
وجدت بعد كتابة هذه المقالة حوارا رائعا كتبه عبد الله القصيمي بين الله
وأبو لهب يتعلق بهذا الموضوع، ويمكن العثور عليه بسهوله بعد استشارة غوغل
العظيم.