سورة بحــــــر الثــريــد
بسمك اللهم
قال
محمد لجبريل مؤنبا: ما الذي جرى لضيافتكم أخي جبريل، والله لقد هدني الجوع
، هلا سمحت لي أن أصطحب عمي أبا لهب إلى بحر الثريد. هب جبريل من مقعده
بطبائع الكرام، وفي وجهه علامات الإرتباك للتصرف كاللئام، ولكنه ما أن وصل
إلى وضع الوقوف حتى انثنى على نفسه بعد ذكرته آلامه بواقعه وحالته ، ففقد
توازنه، ونشر أجنحته لتفادي الوقوع على ظهره، فرق في لحظتها قلبي لحالته.
مشى من خلف المنضدة بتثاقل من الألم الناخر في مكان خصيتيه وذكره المبتور ،
واستدار نحو منصة الخدمة ، فاستدارت معه عينا محمد وهي تشتعل أملا ،
واستدرت نحو محمد أوبخه بنظراتي على تفكيره بالطعام في هذا الموقف العصيب
والفضول يقتلني عن مزايا بحر الثريد. أشار
جبريل بيده نحو منصة الخدمة ، فطارت نحونا ملاكة ، فتهلل وجه محمد بالرضى
كطفل سيحصل على تمراته. وفي ثوان هبطت أمامنا فتنة لا ترى إلا في السماء ،
حملها إلينا جناحي فراشة ريشهما من الدر المصقول ، هفَّا في وجوهنا ريحا من
المسك والعنبر، ووقفت بين أيدينا مضيئة
بوجنتين كشقائق النعمان , وشفتان مكتنزتان بالمرجان والعقيق , وريق أشهى
من الرحيق ، يطفىء مذاقه عذاب الحريق، بعينين فتنة لمن يراههما, فسبحان من
خلقهما وسواهما، ومتصل بذلك الصدر عضدان مدملجان، بينهما كوعبين
نافران من العاج ، كأن حلمتيهما في الدعاء مبتهلتان، ، يستمد من إشراقهما
القمران ، وكان لها بطن ملوية ، كطي القباطي المصرية , وينتهي ذلك إلى خصر
مختصر من وهم الخيال ، فوق ردف ككثيب من رمال ، يقعدها إذا قامت , و يوقظها
إذا نامت . ويحمل ذلك الكفل فخذان كأنهما من الدر عمودان ، وعلى حمله ما
أقدرهما وعلى حفظ بركة الشيخ الذي بينهما ما أجملهما.قال لها جبريل آمرا باقتضاب وبلهجة من يريد تجنب الجدل الطويل: يا كبسة، خذي رسول الله وعمه ليأكلا من بحر الثريد. لم
ينتبه محمد للفظاظة التي عامل بها جبريل الفتنة السماوية المتجسدة أمامنا،
فقد كان كيانه قد ضاع فيها من لحظة هبوطها، فأثبت عينيه على جسمها وملأت
وجهه ابتسامة مليئة بالتوقع والوعيد. قال لها وكأنهاعصفور حبسه في قبضته:
كم أنا سعيد بلقائك مرة أخرى عزيزتي كبسة.نظرت كبسة إلينا بنظرة فيها حقد دفين ، وخوف عميق ، ولم تزد أن قالت بأدب مصطنع وبصوت كسير: أرجو أن تتبعاني.رفرفت
بقوامها المخبل أمامنا واتجهت نحو باب زجاجي مزخرف باللؤلؤ والمرجان. ما
أن قاربناه حتى أضاء ضوء أحمر بحجم حبة العدس من فوق الباب ، فانزلقت دفتا
الباب السميك إلى اليمين وإلى اليسار عن ممر طويل تحف به على الجهتين
نباتات عجيبة الجمال ، جذوعها وغصونها من العاج الناصع البياض، وأوراقها من
الديباج الأخضر ، وأزهارها من المرجان الأحمر، وتدلت منها ثمار كالجواهر
الناضجة السمراء. لضيق الممر النسبي، طوت كبسة جناحيها وأخذت تمشي على
أقدامها أمامنا ، ومشى من خلفها محمد يختال بثقة الصياد المريد، ومشيت أنا
من خلفه ومعدتي تناجي قلبي عن آمالها وأحلامها ببحر الثريد. ومع كل بضعة
خطوات كان ينهمر على النباتات زخة من المطر اللطيف ، فتأخذ حباته النقية
تنقط من فوق أزهار المرجان وأوراق الديباج وكأنها دموع أم جميل تترقرق من
عينها الواحدة وهي تودعني في بطن مكة ، إما حزنا عند رحيلي في رحلة الشتاء ،
أو فرحا عند عودتي من رحلة الصيف. أسرعت لأهمس في أذن محمد تعبيرا عن
إعجابي بزهور درب الخيال ، فأخذ يهز رأسه دون أن يرفع نظرةً شرهة أحكمها
على إلية كبسة العارية ، المتراقص شقيها بغنج مجنون مع خطواتها ، اليمين ثم
الشمال ، بتموج يهبل القلوب.أثناء
سيرنا ، أشتعلت روائح النباتات الساحرة في أنفي ، وما لبثت أن انتشر فعلها
من قلبي إلى جميع أرجاء جسمي، فانفجر في قلبي شوق لذيذ وحنين إلى الطعام،
أخذ يتضخم حتى أصبح بحجم جبل ثور . وبالرغم من نهش الجوع المتولد في كياني ،
فقد أشرقت في قلبي أشراقة لذيذة ، ساعدني على جنيها حالة كشف الغطاء ، والبصر الحديد،
حلقتُ بوعيي لثوان فوق آلام الجوع الصاخب، فــَـهــِمَ بها صميم قلبي
عملية رهفنة أحاسيسي في الجنة بملايين المرات، وعجبت كيف تحملت أعصابي
المصنوعة من الأمشاج الآدمية وطأ هذه اللذات وحمل مثل هذه الأحاسيس.بعد
أن مشينا نحو من سبع وسبعين خطوة ، انفتح باب يشبه الباب الذي دخلنا منه
على منصة مفتوحة تشرف من ارتفاع شاهق على مفازة بيضاء تغطيها هنا وهناك
أشكال سوداء. ولفحت أنفي رائحة ثريد طازج خدرت أعماق قلبي وتفاعلت
مع حرارة المكان ، فشعرت بغثيان ودوخة من جوعي الشديد وبدأت أساقط نحو
الأرض. أسرعت كبسة وحضنتي بذراعيها الملائكيين ، وبالرغم من دوختي ، اغتنمت
الفرصة فدفنت وجهي بين ثدييها العبلين ، وتكورت شفاهي تبحث عن الكرزتين
الزهريتين ، ولكن قبل أن تغمرني النشوة ، شعرت بمحمد يسحبني من طوقي إلى
الخلف بعيدا عن النهدين الجامحين. نظرت إليه باستنكار على فعلته ، فقال
بصوت اكتنفته الغيرة اللئيمة: أما كفتك تناسيم يا إبن لبنى؟ لمذا تعتدي على
هذه الملاكة النبيلة؟ تكومت يدي في قبضة وأطلقتها بكل ما تبقى في من عزم
باتجاه فكه، ألا أن كبسة اعترضتها بساعدها البض المثير ، وبحركة العارف
الخبير، فاحتك ذراعي بذراعها ، فأفرغت ومضة برق تماس ساعدي مع اللحم
النوراني شحنة غضبي على إبن أخي.همست
كبسة بأدب وخفر في أذني: للأسف لم يكن بوسعي أن أسمح لك أن تقذف به في بحر
الثريد بهذه الملابس المقرفة. ثم رفعت صوتها ليسمعها محمد: إن كنت جائعا
حقا فعليك ورسول الله أن تخلعا ثيابكما الملوثة بالغائط وأن تتركاها هنا.
نظرت إلى محمد بارتباك شديد وأنا أقول: أخلع ملابسي بالكامل هنا ؟ أمامك
وأمامها؟ دخلت عندها الفكرة في قلب محمد ، فباشر في خلع ثيابه بحماس. قالت
لي كبسة: حسب الإرادة الألهية المثبتة في لوائح اللوح المحفوظ الأبدية، فإن
الغوص في بحر الثريد ممنوع إن لم تكن ترتدي ثياب سندسية أو إستبرقية ،
والخيار المفضل للزوار الطارئيين مثلكما هو أن تسبحا فيه عاريين كما
ولدتكما أمكما. نظرت إلى محمد الذي كان الآن قد تعرى بالكامل ، ووقف أمام
الملاكة كبسة دون حياء من ذكره الذي انتصب من شدة هيجانه من جسمها العاري.
قلت لها بعناد وإصرار: أفضل يا سيدتي ألا آكل للأبد من أن أتعرى أمامكما. قال
محمد مستنكرا: يا أبا لهب! أنت في الجنة ، وعينا كبسة الفاتنتين ترى عورتك
حتى لو اختبأت خلف سبعين ثوبا. هيا ! أرجوك لا تحرمني من العشاء في بحر
الثريد! هل تظن أنك ستدخل الجنة مرة أخرى للتشرف بالأكل منه؟! والله لن
يكون لك في النار إلا الزقوم والحميم في مستنقع الهريق !قالت
كبسة مشجعة: يا عم رسول الله؟ العري عندنا مقبول وعادي من جميع الزوار ،
وجسدك هنا أقل من أن يحسب عورة ، هيا دعني أساعدك في فك الإزار. ضممت يدي على صدري بشدة لأوقفها من فك إزاري وقلت لها كسبا للوقت: لمذا لا تشرحي لي أولا عن بحر الثريد!أشرق
وجهها ثم ابتعدت للخلف خطوة بعد أن حرَّ قت أنفاسها وجهي ، وأستدارت نحو
بحر الثريد وقالت: لا يوجد هناك ما أشرحه يا أبا لهب. بحر الثريد هو القصعة
العظمى التي يأكل منها أهل الجنة ، ويتموا أكلهم بأن يسبحوا في أمواج
الثريد ويلتهموا ما لذ لهم من لحوم الأنعام والأرز والمرق. أشارت
بيدها البضة نحو الأفق البعيد وقالت: أنظر هناك! في تلك النقطة على يمين
"بركان الحلة" يلتقي نهر النيل مع نهر اللبن الذي يتخثر وينفصل إلى الكشك
والزبد الذي تحبونه، وإلى اليسار منهما يصب نهر الخمر. أما ذلك البخار
الكثيف، فينتج عن مرور النيل ونهر اللبن من فوق حمم البركان لغليها قبل أن
تصب في بحر الثريد.قلت
وأنا أحاول أن أفهم وصفة طبخة ثريد الجنة لأنقلها لأم جميل: اللبن والكشك
والماء نعرفهم في ثريد الأرض ، ولكننا لا نخلط الثريد بالخمر في مطابخ مكة
يا سيدتي الملاكة!ابتسمت كبسة بدلال وقالت وكأنها تماحك محمد: يبدو أن كفرك بكتاب رسول الله قد أعماك عن الآية الكريمة التي تقول : بينهما برزخ لا يبغيان ! نهر الخمر يا أبا لهب يدخل بحر
الثريد دون أن يختلط فيه ، ويسيل فوق الحمم دون تسخين. وإنما شائت الله ،
عفوا شاء الله ، أن يتخلل نهر الخمر أنحاء بحر الثريد حتى يشرب الآكلون في
البحر دون تعب أو جهد ، فيكون الخمر بين الفم والثريد أقرب للآكل من حبل الوريد.قلت لها: وما شأن "بركان الحلة"؟قالت كبسة وهي تشير:ألا ترى الذبائح الصاعدة نحو فوهة البركان؟قلت لها وأنا أجهد عيناي من فوق عبير الثريد الدسم: أرى حمم حمراء تصعد إلى الأعلى بدلا من السيل للأسفل!همزتني
كبسة بكوعها بين أضلاعي وهي تخفي ضحكة كمناغاة طفلة في السادسة: هذه ليست
حمما يا أبا لهب ! إنها الصالحين من أنعام الجنة المسلوخة سخرها الله لتصعد
للقمة ثم تقفز في فوهة البركان لتستمتع بطبخ نفسها . ألا ترى فوهة البركان
تهدر وتفور بسعادتها من فعل الشوي والتطبيخ؟ استعمل بصرك الحديد.دققت
النظر ، فتعجبت عندما رأيت الشياه ، والخراف ، والبقر، والغزلان ، تصعد
بهمة ونشاط نحو فوهة البركان، كان معظمها يحمل رؤوسها المقطوعة متدلية على
ظهورها ، أما بعضها الآخر فكانت رؤوسها تتأرجح معلقة بأصول الرقاب ببعض من
الشرايين والعضل التي لم تقطع في عملية الذبح الحلال. ومن الجو رأيت
أسرابا منتوفة الريش من الطيور، تتسابق لتغوص في فوهة البركان بهمة وثبور.قلت متعجبا: وتقذف بأنفسها مسلوخة طوعا لتحرق في حمم البركان؟!قالت كبسة: لقد من َّ الله على الصالحين من أنعام الجنة بشرف لذة الأستمتاع بتقديم لحومها ولحوم صغارها طعاما سائغا للشهداء والصالحين؟ثم تابعت: إنظر إلى ذلك السحاب المثقل بالأرز ، في النار سيمطر السحاب عليكم طلع الزقوم الذي يشبه رؤوس الشياطين ، أما سحاب بحر الثريد فيمطر أرزا بسمتيا فاخرا.قلت : ولكن من أين يأتي الشراج ؟ وكيف تنقل اللحمة المشوية من بركان الحلة إلى بحر الثريد؟قالت
بأدب ، وشعرت أنها ممتنة من تضييعي للوقت: سؤال يدل على فطنتك يا عم رسول
الله. الشراج واللحمة ترسل لأعماق البحر مباشرة بواسطة مصانع "كن فيكون."
أما طريقة فرشها من أسفل الطبخة ألى أعلاها...تنحنح
محمد بشدة وفهمت كبسة أنه لم يعد هناك مجال للإسترسال في الشرح ، كما أن
جوعي اللذيذ أخذ بالإشتداد ، وزاد منه أنني رأيت من ألوان نهر النيل
الخلابة ، أنها ملئية بالبهارات التي أحب ، تعرفت من ألوانها على الكمون
والسماك، وجوزة الطيب والكركمون، وعرفت ببصيرتي أنها تجمعت من النباتات
التي تحف بالنيل العظيم أثناء رحلته الطويلة في الجنة.مدت
يداها نحوي بغنج لا تتقنه إلا إناث الملائكة، وخلعت عني ثيابي بهدوء وهي
تغني بغنج ورقة ، فشعرت وكأن نار جهنم تلفحني وأنا في الجنة. بعد أن عاينت
ذكري المنتصب ، أشارت له بأصبعها وانطلقت منها صرخة لا إرادية : ياي ما هذه الهُدبة ؟!
ثم تمالكت نفسها وقالت بأسى وهي تهز رأسها: مسكينة تناسيم! أرجوك يا أبا
لهب ألا تطلبني من الله سبحانها وتعالت لأخدم تحتك بعد البعث!ضحك
محمد بتشف كبير ، ولم أتمالك من الدفاع عن رجولتي فقلت باندفاع من ديست
كرامته: بالعكس يا كبسة ، سأطلبك وسأسعدك وسأرضيك ، لقد وعدتني الله أن
ترزقني بذكر أعظم من هذا بكثير بعد البعث.احمر
وجهها ، ولم أدري من الغثيان أم من الخجل، وهزت رأسها بأدب ولم تقل شيئا،
ثم أستخرجت من تحت جناحها الأيمن أربع كرات صغيرة كل بحجم بعرة تيس كبير ،
وقالت أدخل واحدة في كل شق من أنفك ، ستحتاجها للتنفس أثناء الغوص تحت أمواج الثريد وتيارات الجميد.
تناول محمد البعرتين بيد العارف، ودحس واحدة في كل شق من أنفه ، فصنعت ما
صنع ، وفي الحال تحول الهواء الداخل إلى رئيتي إلى هواء منعش عليل. أشارت
كبسة بيديها بحركات الضيافة المعتادة إلى حوض جاف في نهاية المنصة، فتبعت
محمدا وجلست فيه قبالته ورفرفرت هي من فوقنا ، وكان الخجل من ذكرينا
المنتصبين يعصرني ، فحاولت أن أهون من استثارتي بالنظر تحتنا نحو بحر
الثريد، ولكن رقبتي أحرنت وتجمدت لأعاين ومحمد منظر الفتنة المحلقة من
فوقنا من الأسفل. ولم أتمكن من صرف عيني عنها إلا بعد أن امتلأ الحوض بماء
الزهر ، فطفوت ومحمد على سطحه ، وفار ماء الحوض بنا واستفرغ سبع مرات
للتأكد من نظافتنا، ثم انفتح من ناحية الهوة المشرفة على بحر الثريد ،
فجرفنا اندفاع الماء ، وما لبثنا أن وجدنا أنفسنا نتهادى بانسياب حالم في
الهواء إلى الأسفل، حيث أمواج الثريد وتلال اللحم وتيارات الجميد. وحسبت
ببصيرتي أن تسارعنا إلى الأسفل كان أقل من 9.81 م/ث2 بكثير. بالرغم
من لطف تساقطنا إلى الأسفل، غشى قلبي خوف شديد بدده فضولي المتصاعد بعد أن
أخذت أميز أشلاء الحيوانات المشوية الطافية فوق أمواج لا نهائية من الأرز
البسمتي الذي بدا وكأنه حبات اللؤلؤ المكنون، تتخلله كالشرايين جداول حمراء
من الخمر المعتق الفاخر. ومن بينها رأيت أشكالا هلامية ، تسبح وتأكل بأمان
وسعادة وهناء. ما
أن سقطنا في أمواج الأرز البسمتي الفاخر ، حتى سبحت نحونا مختلف الحيوانات
المشوية الناضجة، رأيت شياها وأكباشا، ونياقا وجمالا ، وأبقارا وثيرانا،
ونعاجا وتيوسا، وكلها تصحبها صغارها من حملان وجزران وعجول ، جائت كلها
إلينا من كل اتجاه ، زرافات ووحداننا تثغي وتخور، بعضها كامل الجسد، وبعضها
لم يزد عن بقايا شلو ساق أو طرف ذراع مبتور، وكانت تستجدينا , وتحك
أجنابها بأجسامنا عسى أن نشرفها بأكلنا لها. وبالرغم من استيلاء هذا الموقف
العجيب على كياني، لاحظت بطرف عين بصيرتي اضطراب كبسة الواضح، كانت قد ضمت
أجنحتها الرقيقة إلى جسمها وهي تنظر في كل اتجاه بخوف أكيد ووجل شديد.
قال محمد وهو يتلفت معها: لن يمض بعد الآن وقت طويل.ولم
ينه كلامه حتى سمعنا لغطا وهمهمة ، واستدارت الأمواج من بعيد وتحلقت
حلونا من كل اتجاه في حشد من كائنات ضخمة. وبالرغم من سمنتها الشديدة، فقد
كانت تستخدم كروشها التي انبثقت من ثنايا أجسامها من كل ناحية بدون اتساق
أو انتظام ، كزعانف ترقص فيها من خلل الثريد ، برشاقة وخفة وعنفوان ، ومن
بين التهامها المستمر للثريد، ومجها للخمر العتيق، وابتلاعها الحيوانات
المشوية التي هجرتنا وسبحت نحوها طائعة مستسلمة، كانت تتوقف أحيانا لتهدر
بهـزيــــج سعيد ، مرحبة مهللة بحبيبها إبن أخي رسول الله.بعد
أن اقتربت من موقعنا فوق الأمواج البسمتية ، التفت حولنا في دائرة واسعة
وأخذت تدور في رقصة عجيبة، انقسمت فيها الحشود إلى مجموعات ثلاث وسبعينية ،
على رأس كل مجموعة فحل عظيم الكروش ، أعمى العيون، تحضنه بساقيها
المتكرشين عند وسطه حورية ثريدية ، في محكم قبضة نكاحية، والرجل ينكح ويسبح
ويلتهم الثريد ، ومن خلفه الحوريات يتصايحن ويتعاركن لفكه من قبضة الحورية
، والحلول على وسطه مكانها. وأخذت الدائرة الراقصة تضيق. ملت على كبسة التي أخذت ترتعش كشمعة في مهب الريـــح وقلت برعب : ما هؤلاء ومن أي العوالم يأتون يا كبسة؟قالت
بنزق شديد من خلال صرير أسنانهاوهي تنظر إلي بتعجب لجهلي: هؤلاء بشر من
الأرض، ولكن عيشهم الطويل في بحر الثريد طورهم حسب قوانين اللوح المحفوظ
الداروينية إلى كائنات ثريدية.قلت هاذيا: كائنات ثريدية ؟! وماذا تعمل الكائنات الثريدية؟قالت كبسة ساخرة وكأني فقدت بصري الحديد: نعم يا أبا لهب، سؤال نبيه، ما الذي تعمله الكائنات الثريدية؟! ما
أن وصلونا حتى رفع أحدهم أنفه وشم ثم صاح من بين الجموع: اللعنة ، هذا عدو
الله أبو لهب ، وجود بخشوع: تبت يدا أبي لهب وتب. وأكمل الآية المحمدية
الكريمة بصعفة كرشية-زعنفية جعلتني أدور حول محوري بزخم زاوي عال. وأخذت
بعدها الكروش تصفعني وتبعدني عن مركز الدائرة وتغوص بي الى الأعماق، أخذت
أصرخ مستنجدا بكبسة وبمحمد. ولكن الصفع الكروشي المنهمر أخذ يدفعني بعيدا
عن مركز الدائرة ونحو الأعمق . وما أن غصت بضيعة أمتار، حتى
اختفى الأرز البستمي ، والجميد الأردني ، ولم يبق إثر للحمة ، ووجدت نفسي
أغوص إلى الأسفل مع عظام ساقطة في سائل نتن يتخلله غبار دقيق أسود وتسبح
فيه بفزع الحيوانات المنوية المتساقطة من الكائنات الثريدية والتي كانت
بطول سبابتي. لم يمض وقت طويل في الرسوب حتى بدأت الحيوانات المنوية
تهاجمني بالآلاف. أدركت عندها أن النتن والوسخ المحيط بي أفقدني خواص
الإنسان المتعدد الخلايا ، فهاجمتني وهي تظن أني بويضة حورية ، وكان وقع
نخزها المستمر في جلدي كالسكاكين، وزاد منظرها وهي تطفو متراجعة عني ، ثم
موتها الفجائي المتشنج ورسوبها إلى الأسفل ، من جو الحزن والمهانة
الشديدين. مع
زيادة الغرق إلى الأعمق أخذت أشعر أن بعرات التنفس في أنفي أخذت تفقد
فاعليتها ، وبدأت رائحة غائط الكائنات الثريدية المترسب من الأعلى تنتن كل
جزئ من كياني، وحل في نفسي العجز والبؤس فاستسلمت لمصيري وأخذت أغرق. وكان
آخر شئ رأيته قبل أن أفقد وعيي بالكامل ، شباب الكائنات الثريدية وشيوخها
وبينهم محمد وهم يهاجمون كبسة: تزاحموا عليها بأسنانهم وألسنتهم وأصابعهم
وذكورهم المتكرشة، وأخذوا بنهشها من كل اتجاه، وعلى فترات منتظمة، كانوا
يتوقفوا عن أفاعيلهم ليهتفوا برتابة ، مهللين مرحبين برسول الله. أفقت وأنا أرتعش من نتني، فوجدت نفسي في نهاية الممر الذي مشيته مع كبسة ومحمد نحو بحر الثريد. وما عرفته لولا
بصري الحديد . فبدلا من النبتات الخضراء والبيضاء والحمراء ذات الثمار
السوداء ، حل مكانها طبقة سميكة من الغبار الرصاصي الداكن. وبدلا من بخات
الماء الزلال ، انتشر في الجو ذر أصفر يعمي العيون ، ويخنق الأنفاس، ويثقل
القلوب. كانت ثيابي النجسة مرمية خلف الباب كما تركتها، فارتديتها وأنا
ملقى على ظهري لأستر عورتي مستنفذا بذلك آخر ذرة من طاقتي. لم يبق عندي
بعدها من قوة للزحف نحو مقصف البيت المعمور، ولكني شعرت بقضاء الله يجرني
حتى وجدت نفسي على الباب الذي بدأنا منه. دخلت أترنح فوجدت محمد ، وقد تكرش
جسمه ورأسه إلى أكثر من الضعفين ، يروي عن مغامرته في بحر الثريد بفخر
وابتهاج، وبجانبه كبسة مسجاة على الأرض ترتعش بما تبقى لها من رويشات
ممعوطة ، وقد غطت جسمها القروح والكدمات وآثار الأسنان والأظافر ، وكانت
تخفي وجهها خجلا وتبكي بمرارة تذوب منها القلوب ، وجبريل بجانبها يرتجف
غضبا وهو مطرق ومنصت عن الكلام ، ثم رفع رأسه وقال لنادل وقف بين يديه بعجز
حزين، أحملوا كبسة وجهزوها للضيوف القادمين.ورميت بنفسي على أول مقعد وفقدت وعيي مرة أخرى.
وتسمى هذه السورة في بلدان جزيرة العرب سورة بحر الكبسة
أسباب النزول:
هذا الوصف مسروق من كتاب ألف ليلة وليلة وصادفته على الإنترنت ، وللأسف فإني لا أعلم شيئا عن القباطي المصرية.
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا {النبأ/31} حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا {النبأ/32} وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا {النبأ/33}. والكواعب
هي الأثداء الناهدة إلى الأعلى ، أي أن للحور العين أثداء ناهدة والمتفق
عليه أنها لا تزيد عن نهدين إثنين للحورية الواحدة.
لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ {ق/22}
من الأمور التي ستحدث للصالحين
في الجنة أن متعتهم بأي شئ ستتضاعف بنفس فضل الجنة على الأرض وستقوم الله
سبحانها وتعالت بالواجب المطلوب لتغيير الجسم الإنساني ليتمكن من جني هذه
اللذات.
بخلاف ما يعتقد سكان القرن الواحد والعشرين ، فإن الإدراك يحدث في القلب، وقد جاء في قرآن إبن أخي محمد :
وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ
لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ
آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {الأعراف/179}
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ {19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ {20}/ الرحمن
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ {ق/16}
مزيد من التفصيل ، راجع مقالة "اللحمة في الجنة" المنشورة في موقع أبو لهب:
وحسب القرآن والسنة فإن الحيوانات ستحشر مثلها مثل البشر. قالت تعالى في محكم كتابها الكريم:
وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا
أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ
إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) (الأنعام)
وَمَا
مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {هود/6}
ومع
أن بعض المفسرين قالوا أن الحشر معناه موتها إلا أن الأصح هو أنها تبعث
يوم القيامة لتحاسب على أعمالها، ، والدليل العلمي على ذلك الآيتين
الكريمتين:
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ – التكوير: 5
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ – ص 19
فقد ورد في الحديث المحمدي الشريف:
عبد الرزاق عن معمر ، عن الأعمش ذكره عن أبي ذر ، قال : بينما نحن عند رسول إذ انتطحت عنزان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «
أتدرون فيما انتطحتا ؟ » ، قالوا : لا ندري ، قال : « لكن الله يدري
وسيقضي بينهما » ، ولأن الله ما خلق هذا عبثا فإن القضاء بينهما لا بد أن
يؤدي إلى إرسال المنطوحة للجنة والناطحة للنار.
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ {62} إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ {63} إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ {65} فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ {66} ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ {67} ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ {68}/الصافات
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ فَجَاءَتْ النَّبِيَّ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ
تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ
وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا
مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ
وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ
لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا
تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَمَا
يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى التَّبَسُّمِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكِ
تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي
عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ. (صحيح البخاري).
يستعمل
هذا الحديث ورويات شبيهة له كالدليل العلمي على فرض الزواج من المحلل
للمطلقة ثلاثا، وكما تدل القصة فإن زوجة الزبير طلبت طلاقه من الرسول لأن
ذكره كان صغيرا بحجم الهدبة أي بحجم رمش الحاجب. للمزيد من التفصيل راجع
موضوع مفردات الجنس في الإسلام في موقع أبي لهب تحت العسيلة والعيسل.
الجميد إسم آخر للكشك.
عن أبي أمامة
قال : قال الرسول ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه الله عز وجل ثنتين
وسبعين زوجة ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار ما منهن
واحدة إلا ولها قبل شهي وله ذكر لا ينثني . قال هشام بن خالد "من ميراثه من
أهل النار" يعني رجالا دخلوا النار فورث أهل الجنة نساءهم كما ورثت امرأة
فرعون – سنن ابن ماجه
استخدمت مثل أدوات التنفس هذه في حرب النجوم Star Wars من قبل فرسان الجداي "قي جون جن" و "أوبي وان كانوبي" Qui-Gon Jinn and Obi-Wan Kenobi أثناء رحلتهما إلى كوكب نابو عندما غاصا إلى مدينة جون جان المخبأة تحت البحر لإنقاذ ملكة الكوكب والإعجاز العلمي واضح وباهر هنا.