منذ
أن انتصب الإنسان و افترق في طريقه عن الكائنات الحية الأخرى كان الدين
يرافقه في طريقه و ذلك بغض النظر عن أشكال هذه الأديان و بغض النظر عن
درجة تطورها.
حتى الآن لم يتفق علماء النفس و الاجتماع و الأركيولوجيون على سبب واحد لنشوء الأديان و لذلك فإن ما يمكن في هذه الحالة إيراده
هو مجرد إمكانيات أو احتمالات أو محاولات تفسير.
1- الأديان نشأت من الخوف:نستطيع
الآن علميا تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية التي كانت تثير الخوف لدى
أسلافنا الأوائل الذين كانوا يرون في الظواهر الطبيعية شيئا يبعث على
الخوف. الصواعق التي تسبق المطر كانت تبعث على الخوف لأنها كانت أكبر من
الوجود البشري. البحر الهائج كان يبعث الخوف لأنه كان أقوى من البشر و
لعدم إمكانيتهم تفسير ذلك علميا افترضوا كائنا حيا قويا (أقوى منهم) أي
إلها يرمي الصواعق و إلها آخرا يتحكم في البحر. بغض النظر عن أسماء و صفات
و مراكز و قوة هذه الآلهة، يبقى المبدأ ذاته و هو تشخيص الظواهر الطبيعية
التي لا يمكن تفسيرها أي إعطائها شخصيات و مشاعر من أجل محاولة إرضاءها
بطريقة أو بأخرى.
2 - الأديان نشأت من الاحترام:هناك
بعض الظواهر الطبيعية التي لا تبعث على الخوف إنما على الاحترام الممزوج
بالتبجيل و من ذلك توالي الفصول الأربعة، المطر الذي يأتي بعد الجفاف،
أطوار القمر المختلفة، و ما شابه. لم يقدر أسلافنا القدماء على تفسير هذه
الظواهر الطبيعية بشكل علمي لذلك قاموا بتشخيص هذه الظواهر و إعادة
أسبابها إلى كائنات حية أو آلهة مختلفة قادرة، كآلهة الخصوبة، آلهة الشجر،
و ما شابه.
الأديان التي نشأت من الخوف أو الاحترام يمكن وضعها في خانة واحدة و
هي الأديان الطبيعية. هناك مصطلح آخر لهذا النوع و هو الأديان التي تقول
بامتلاك كل الأشياء للروح.
3- الأديان التي نشأت من الحياة الجنسية:ما يعزز هذا الاحتمال هو عثور الأركيولوجيون في كل الحضارات القديمة على رموز الخصوبة و هنا نستطيع إيراد أفكار ثلاث:
أ-
قبل آلاف السنين كان عدد السكان قليلا جدا و لذلك كانت كان خوف التجمعات
البشرية بشكل أساسي من الموت أي من قلة عدد السكان التي تأتي أحيانا بشكل
مفاجئ من أوبئة و أمراض أو من جوع أو من جفاف أو ما شابه و لذلك كانت
التكاثر السكاني عاملا أساسيا في بقاء القبيلة أو الجماعة على قيد الحياة
أي في استمرارية وجودها. لذلك كان التكاثر السكاني هو أقوى سلاح للجماعة
البشرية ضد الأخطار المحيطة بها.
ب- رغم عدم معرفة أسلافنا لطبيعة التكاثر البشري بحيثياته إلا أنهم
فهموا أن العملية الجنسية بين الرجل و المرأة هي التي تتسبب بأن تلد
المرأة بعد مضي 9 أشهر من هذا التواصل الجنسي مولودا جديدا. كانت هذه
العملية بالنسبة لهم هي استمرارية عملية الخلق الأولى التي نسبوها إلى إله
خالق. هذه الاستمرارية التي كانت تعني بالنسبة لهم استمرارية العمل المقدس
الذي بدأه الخالق الكبير. هذه الاستمرارية هي التي أعطت العملية الجنسية
صفة جديدة و هي القدسية و هذا ما نراه في الكثير من الحضارات القديمة
كاليونانية و البابلية مثلا التي كانت تحوي على الكثير من المعابد التي
تحتضن الكثير من النساء اللواتي يقدمن أنفسهن لجميع الرجال بدون مقابل ضمن
عملية ما يُسمى في التاريخ القديم ب :البغاء المقدس.
ت- ضرورة التكاثر هي التي جاءت بفكرة أن الولادات الكثيرة هي بركة و
خصوبة و هي ميزة و حسنة إلهية يختص بها الإله بعض الناس من بعضهم الآخر.
فالمقدرة على الإنجاب هي قدرة إلهية مقدسة.
4- الأديان نشأت من البحث البشري عن الخلود:خلال
حياة الفرد يأتي التساؤل عن الحياة و عن مغزاها فالواضح أن الإنسان يأتي
إلى الحياة و من ثم يعيش حياته بشكل أو بأخر و في النهاية يأتي الموت و
لذلك يطرح كل شخص السؤال على نفسه" ما الذي يحدث بعد أن أموت؟ هل من
المعقول أن انتهي إلى تراب؟
في الإجابة على السؤال عما يحدث بعد الموت يوجد نوعان من الأديان:
أ-
النوع الأول يقول أن حياة واحدة هي شيء قليل و لذلك توجد فرصة أخرى في
حياة أخرى أي في العودة إلى الحياة و هذه العودة الثانية إلى الحياة هي
عبارة عن فرصة جديدة من أجل تحسين عمل الفرد. و لذلك يعود الفرد في الحياة
الأخرى إما في مستوى أفضل من مستوى حياته الأولى أو في مستوى أسوأ من
حياته الأولى و ذلك حسب ما قام به المرء في حياته الأولى. (كمثال على ذلك:
الديانة البوذية)
ب- النوع الثاني من الأديان يقول بحياة أخرى ما بعد الموت. أي حياة
أخرى في عالم آخر. تختلف هذه الأديان في تصوراتها عن الحياة في العالم
الآخر و لكن المبدأ واحد و هو حياة أرضية واحدة أما ما بعد الموت فهو حياة
في عالم آخر. (كالديانات القديمة المصرية و البابلية و غيرها و كذلك
الديانتين السماويتين: المسيحية و الإسلامية)
يجب هنا ذكر أن الديانة اليهودية لا تتحدث عن حياة أخرى بعد الموت أي أنها لم تؤكد وجود هذه الحياة و لكنها لم تنفيها.
هذه الاحتمالات الأربعة تبدو مختلفة و لكنها في النهاية تنحدر من أصل واحد:
- التسبب في حالة شعورية خاصة: (خوف، احترام، حب)
- هذه المشاعر تحدث بعد حوادث أو وقائع أو تجارب معينة.
- هذه
الحوادث أو الوقائع أو التجارب كانت في أصولها أو لا زالت مبهمة ، غير
واضحة و بدون تعليل. و طالما أن البحث عن أسباب هذه الحوادث لم يكن ناجحا
لذلك اعتقد الناس بوجود قوة عليا مسؤولة عن ذلك.
- طالما أن
هناك شخصا (اله) مسؤولا عن هذه الحوادث لذلك و حسب العادات البشرية يجب
مراضاة هذه القوة العليا بطريقة أو بأخرى (عبر الصلوات و الأدعية و
الأضاحي ... و ما شابه). هنا و في هذه اللحظة أو في هذه الخطوة ينشأ الدين.