إستراتيجية سعودية ضد 'المد الأخواني' تقلص الإصلاح السياسي في الأردن
والنادي الخليجي يحتفظ بخطة لمضايقة مرسي وإزعاج 'مصر الجديدة'
بسام البدارين
2012-07-04
عمان
ـ 'القدس العربي' يفترض أن تكون الزيارة التي قام بها ثلاثة من أبرز أركان
النظام الأردني للسعودية أمس الأول قد 'هندست' العلاقات الثنائية بين
البلدين دون إسقاط الإعتبارات التي تشير الى ان الموقف الثنائي في البلدين
من المشهد الإقليمي أصبح أكثر وضوحا بعدما إستمع ولي العهد السعودي الأمير
سلمان بن عبد العزيز لرؤساء الأركان والمخابرات والأمن العام في عمان.
الزيارة
التي قام بها ثلاثة جنرالات هم الأهم في المطبخ السياسي للدولة الأردنية
لم تعلن عنها وسائل الإعلام المحلية في الأردن من حيث التوقيت والهدف
وبرنامج البحث، فيما كشفت عنها الصحافة السعودية ضمن سلسلة الأخبار
المصورة المعتادة التي تتحدث عن إستقبالات ومباحثات ولي العهد.
في صور
الإعلام السعودي ظهر رئيس هيئة الأركان الأردني الجنرال مشعل الزبن ومدير
المخابرات العامة الجنرال فيصل الشوبكي ومدير الأمن العام الجنرال حسين
المجالي.
هذه التركيبة التي تخللها عدم وجود أي عنصر سياسي من الحكومة
الأردنية في اللقاء مع الرجل الثاني إفتراضيا والأول واقعيا في السعودية
تدلل على أجندة اللقاء عمليا فأغلب التقدير أن مسائل عسكرية تهم الإقليم
وأخرى أمنية وحدودية تهم البلدين تطلبت لقاء نوعيا من هذا الوزن لم يتطرق
له الإعلام الرسمي الأردني.
لكن يمكن وبوضوح ملاحظة مسألتين: أولا
الزيارة حصلت أو رتبت بعد نشر قصة المفاجأة التي شعر بها ولي العهد
السعودي عندما علم تفاصيل الوضع المالي الحرج للخزينة الأردنية كما نقلت
صحيفة 'الغد' الأردنية الأسبوع الماضي مما يوحي ضمنيا بأن 'السؤال المالي'
العالق عمليا ينبغي أن يحظى بإجابة سعودية بعدما أوفد القصر الملكي
الأردني ثلاثة من أبرز رموزه.
الزيارة حصلت وبهذا الوزن النوعي من قادة
الأمن بعد فوز مرشح الأخوان المسلمين محمد مرسي بإنتخابات الرئاسة المصرية
حيث يتصور خبراء مطلعون على الحيثيات بأن السعودية هي التي تقف وراء
'الهجمة الخليجية' على الأخوان المسلمين بعد فوز مرسي وهي هجمة بدأها أو
يقودها الآن ضاحي خلفان رئيس جهاز الشرطة الإماراتية.
فيما يخص المسألة
المالية تصدر عن مسؤولين أردنيين من بينهم وزير التخطيط جعفر حسان إشارات
مطمئنة إلى أن المال السعودي في طريقه للوصول لمعالجة الجزء الطارىء من
أزمة الخزينة الأردنية وهو المتعلق بالرواتب حيث تشجعت عمان للتفاعل مع
الأمير سلمان صاحب القرار المركزي في الرياض اليوم.
وفي الجزء المتعلق
بأجندة الخليج والسعودية ضد موجات الربيع العربي التي تخدم 'المد
الأخواني' تفيد مصادر 'القدس العربي' بأن الرياض وجدت في عمان شريكا مهما
في هذا الإطار خصوصا مع وجود تنظيم قوي للأخوان المسلمين في الأردن.
ويبدو
هنا أن بعض السياسيين الأردنيين تحت إنطباع بأن السعودية قد تكون خلف
التشدد الأردني في مسألة التراجع عن الإصلاح وتجاهل الأخوان المسلمين
وبالتالي خلف التمسك المفاجيء أردنيا بقاعدة الصوت الواحد الإنتخابية التي
تعتبر تاريخيا أفضل وصفة لتحجيم الأخوان المسلمين في الإنتخابات الأردنية.
عمليا
وفي أحد إجتماعات التنسيق في عهد الحكومة الأردنية السابقة تحدث مسئول
أمني رفيع عن صعوبة الحفاظ على السياحة وعلى علاقة جيدة بالبنك الدولي إذا
ما قاد الأخوان المسلمين أغلبية برلمانية في عمان .. هذا الطرح لم يعجب
رئيس الوزراء آنذاك عون الخصاونة الذي كان قد أقام حلقة إتصال نشطة
بالإسلاميين باحثا عن إجابة حيوية ومنتجة للسؤال التالي: ما الذي نريده
تفصيليا من الإسلاميين؟.
على هذا الأساس ووفقا لإعتبارات مربع القرار
الأردني يصبح من المنطقي الإشارة إلى المال السعودي المأمول بإعتباره
ذريعة تقف وراء سياسة إقصاء الأخوان المسلمين وتقليص مشروعهم في عمان
خصوصا عندما يتعلق الأمر بالملكية الدستورية فالسعودية لا تقبل إطلاقا
مشروعا بهذا الإسم في خاصرتها الأردنية وجوارها ومهما تطلب الأمر.
لذلك
يمكن إعتبار السعودية من أهم أسباب الضغط المعاكس على خطة الإصلاح السياسي
التي كانت طموحة في عمان فكل ما يهتم به السعوديون اليوم هو منع عملية
الإصلاح الديمقراطي الأردنية من الوصول لمحطة 'الصلاحيات الملكية' حتى لا
تنتقل عدوى الإصلاح للمملكة الثقيلة.
لكن رئيس البرلمان عبد الكريم
الدغمي وأعضاء بارزون في مؤسسة الحكم الأردنية تحدثوا عدة مرات عن شعورهم
بالإستغراب لإن السعودية لا تقدم المساعدة المالية اللازمة لتقوية النظام
في عمان حتى يتصلب في مواجهة الأخوان المسلمين الذين يحرضون الحراكات في
الشارع، الأمر الذي يفترض أن نخبة الجنرالات شرحته جيدا للرياض بعدما تبين
بأن مقر السفارة الأردنية الضخم في الرياض لا يضع المؤسسة السعودية بصورة
تفصيلية عن حقيقة الأوضاع في الأردن.
مصادر 'القدس العربي' تربط بين
التناغم الأمني المتصاعد مؤخرا بين عمان والرياض وبين إنقلاب السلطات
الأردنية على وصفات الإصلاح السياسي التي ترى الرياض أن عمان تبالغ فيها
أحيانا.
ويبدو أن أجندة الحكم السعودي بوضعه الجديد بعد رحيل الأمير
نايف بن عبد العزيز مهتمة قبل أي شيء آخر بتقليم أظافر 'مصر الجديدة
الأخوانية' فمرسي أكثر من الحديث عن إستعادة الدور الريادي القائد لمصر
وهذا خطاب يزعج النادي الخليجي بدليل رسالة التهنئة الضعيفة التي وصلت
مرسي بإسم الرياض لدرجة أن السعودية تعمل حاليا على دعم المعارضة السورية
التي لا تنتمي للأخوان المسلمين او تمثلهم وتغذي عن بعد صراعا بهذا المعنى
في أسرة الشخصيات التي تسعى لإسقاط الرئيس بشار الأسد.
وفي الهامش يمكن
ملاحظة أن حصة المساعدات المالية السعودية للأردن زادت إفتراضيا بمجرد
تشكيل حكومة كلاسيكية معادية للأخوان المسلمين ومؤيدة للصوت الواحد في
الأردن وأن الرياض تركت حكومة فايز الطراونة التي ترضيها من حيث العقلية
والخطاب وقفزت بمستوى التنسيق إلى أصحاب القرار الأهم والأعمق في المطبخ
الأردني وهم الجنرالات الزبن والشوبكي والمجالي.