عبدالمنعم القلاف*
ليس
هناك شك في الدور الذي تقوم به الثقافة الناهضة في النهضة الحضارية لأي
أمة، وأمتنا العربية والإسلامية تعاني من تأخر في هذه الثقافة الناهضة،
يقول السيد محمد الشيرازي في كتابه السبيل لإنهاض المسلمين في وصف ثقافة
الغرب وثقافة المسلمين: "أما نحن فإننا لم نستطع تثقيف شبابنا وفتياتنا
وهذا هو سبب تأخرنا".
ويقول في موضع آخر :"إن تغلب القوى الاستعمارية علينا يعود الى عدم تثقيفنا أنفسنا والآخرين".
لكن ما العوائق والتحديات التي تجعل منا أمة متأخرة ثقافيا فضلا عن التأخر الحضاري؟ وكيف لنا النهوض
الأمن الثقافي
حتى
يكون هناك نهضة ثقافية لابد من توفير الثقافة الصالحة للناس ليستطيعوا
ممارسة الحياة المعاصرة بشكل آمن وسليم، يقول الأستاذ محمد المحفوظ في
كتاب سؤال الثقافة في المملكة العربية السعودية: "الأمن الثقافي يعد عنصرا
لا غنى عنه من عناصر النهضة الاجتماعية .... وهو يعني بناء قوة الوجود
الثقافي الذاتية لاتقوى على المقاومة والصمود فحسب، وإنما على الاندفاع
والملاحقة والفعل المؤثر".
ويجعل المحفوظ للأمن الثقافي ركيزتين
هامتين هما الاعتزاز بالذات الثقافية والانفتاح على الثقافات الأخرى بمعنى
أن الأمن الثقافي يقوم على الاعتزاز بالذات الثقافية وهي الإطار والوعاء
الذي يتحرك فيه المثقف ويصدر انتاجه من خلاله، ليس منغلقا عن الثقافات
الأخرى أو متكبرا عليها بل منفتحا عليها؛ لأن الثقافة عملية تفاعلية
مستمرة لايمكن أن تكون في أدنى حد يمكن توفيره للناس
مقاطعة الثقافات الأخرى
الانفتاح
على الثقافات الأخرى يكون منطلقا من الاعتزاز بالذات الحضارية لأنه السبيل
لفهم الثقافات الإنسانية وهضم ما تحمله من أفكار ونقد ما تقدمه من انتاجات
فكرية ومنجزات حضارية ولا يمكن كل ذلك إلا بالانفتاح أما المقاطعة
للثقافات الأخرى والاستغناء عنها فهي العائق الأكيد الذي يمنع من النهوض
الثقافي فضلا عن النهوض الحضاري.
يقول المحفوظ في كتابه المذكور "من الحماقة بمكان حينما نقرر الانعزال والانكفاء وعدم التفاعل الإيجابي مع منجزات الفكر الإنساني"
العولمة
تعتبر
العولمة من أكبر التحديات التي تواجهنا ثقافيا ولها آثار ثقافية ، فهي أحد
منجزات الثقافة الغربية التي تسيطر على العالم من خلالها.
وبالعولمة
لايمكن الحديث عن الخصوصيات الثقافية لبلد ما أو أمة ما ، فالعولمة إحدى
استراتيجيات الحضارة الغربية، التي تؤثر بها في الرأي العام العالمي،
وتخترق بها باقي الأمم ثقافيا فبذلك تمثل العولمة تحديا كبيرا أمام نهوضنا
الثقافي.
والعولمة أداة للتأثير الثقافي وكسر حواجز الخصوصيات
التي وضعتها الثقافات لنفسها، فالتأثير الإعلامي والثقافي للعولمة يجعل
الثقافة الأضعف متأثرا لحد كبير بالثقافة الأقوى والمسيطرة على بقية
الثقافات.
النظر للثقافة بأنها غاية في ذاتها
الاستغراق
في التنظير والبعد عن التطبيق العملي لأي فكرة يحولها لمجرد حبر على ورق،
بل يكون عائقا في النهوض الثقافي للأمة، صحيح أن كل ثقافة تبقى بحاجة لمن
يسطر أفكارها لكنها في الوقت نفسه بحاجة لمثقف يكون منتجا للفكرة ومطبقا
لها يكون قدوة في ذلك، فالمثقف الذي لا يكون قادرا على التفكير وانتاج
الأفكار، بل وتطبيقها يبقى ناقصا.
العلاقة بين المثقف والسياسة
من أهم أسباب عدم نهوض أمتنا وجود خلل في طبيعة العلاقة بين المثقف والسياسي، فالعلاقة بين المثقف والسياسي تتخذ عدة صور منها:
السياسي
يمارس تطويع المثقف من أجل سياسته وليس من أجل توضيح الحقائق ووضع الحلول
للمشكلات التي تواجه الفكر، وحيئذٍ يصبح المثقف أداة في يد السياسي.
المواجهة
بين المثقف والسياسي ، وعندما تصبح القوة والسيطرة بيد السياسي لا يمتلك
المثقف إلا الانسحاب أوقبول المواجهة مع السياسي وعند ذلك يتم تهميش
المثقف ولا يمارس الدور المطلوب.
فالعلاقة بين السياسة والثقافة يجب أن
تكون متوازنة لا يسيطر فيها طرف على الآخر دون تطويع أو تهميش، يقول
الكاتب بشير شبيب في ورقة بعنوان (إسهام العرب والمسلمين في الحضارة
الإنسانية المعاصرة): "لا يمكن القبول باستمرار الخلل بين الفكر والسياسة،
سواء كان في صيغة ولاءات، أو تطويع، أو تهميش، أو إقصاء، أو سوى ذلك من
ألوان الخلل، إنّما يبقى من الضروري التأكيد أنّ العلاقة السليمة، كما
أنّها لا تقوم على تطويع الفكر للسياسة، كذلك لا تقوم على تطويع السياسة
للفكر بصورة مطلقة."
*كاتب سعودي - مركز آفاق للدراسات والأبحاث