خربشات سورية (1) – دا بسب بالدين مقدمة لا بد منها:بالرغم من عدم إيماني بجديّة السلطة السورية
في الحوار المزعوم الذي أطلقته، لا سيما وقد طالعتنا صحيفة الأخبار
اللبنانية ( المقربة من النظام السوري) صباح اليوم – الثلاثاء
12/7/2011، بخبر إغلاق جريدة الخبر الاقتصادية في سوريا عقاباً لها على
تغطيتها المفصلة لمؤتمر سمير أميس لقوى المعارضة، وبالرغم من استمرار
توارد الأنباء عن اعتقال المدونين وآخرهم “أنس المعراوي”،
بالرغم من غزوة الشبيحة أمس على السفارتين الفرنسية والأمريكية، بالرغم من
ذلك كله فإنني سأستمر في الافتراض الحسن، وأفترض أن البعض في النظام يود
فتح صفحة جديدة عنوانها حرية الرأي والتعبير، وسأشارك في هذا الحوار
الوطني من مكاني من خلال مجموعة من المقالات عن الحالة السورية، في محاولة
مني لاختبار جدية هذا الحوار. فكلي إيمان بأن حريتي ليست أغلى من حرية
الآلاف من أبناء بلدي، ولا دمي أغلى من دماء الألف وخمسمائة شهيد الذين
سقطوا برصاص الإجرام، ولأني لن أرفع يوماً سلاحاً غير قلمي، أكتب…دا بسب بالدينواحدة من المواقف التي كانت تقتلني من الضحك والاستغراب في مصر كان عبارة “
دا بسب بالدين”.
فمنذ أيامي الأولى هناك نبّهني أحد الأصدقاء إلى حساسية المصريين تجاه هذه
العبارة. وأنه يكفي أن يتهمك أحدهم في مشاجرة بسيطة في الشارع بأنك تسب في
الدين حتى ينهال عليك المارة بالضرب لتأديبك، دون معرفة حيثيات الموضوع
حتى.
وهكذا فإن كان هناك عراك بين اثنين وشعر أحد الطرفين أنه يكاد يهزم، أو
حتى لو أراد أحدهم الانتقام من شخص آخر، فيكفي أن يتهمه في وسط الشارع
بأنه يسب بالدين ويتظاهر بأنه يؤدبه حتى يتجمع
عشرات المارة لينهالوا بالضرب على ذلك المتعدي، الذي لا يسعه ساعتها إلا
محاولة الهروب، فلا الشرح ينفع ولا الدفاع عن النفس يجدي، أمام العصبية
القبلية – الدينية.
لا بد وأنكم أدركتم الغاية من وراء إدراجي لهذا المثال، فللأسف انتقل
هذا التكتيك اليوم إلى ساحتنا السورية وإن بشكل مختلف. إذ نشهده في كثير
من المناقشات الدائرة هذه الأيام حول الوضع في سوريا، فما أن يشعر أحد
الطرفين بتباشير هزيمته في النقاش الدائر، حتى يلجأ إلى ذات الأسلوب برمي
الآخرين باتهامات فارغة لا معنى لها لكنها تجبر الآخر على الانكفاء
والانسحاب، فمع لغة كهذه، يشعر المرء بالعجز عن الرد، لا لأنه لا يمتلك ما
يرد به، وإنما لأن النقاش انتقل إلى ساحة أخرى يتم فيها الضرب تحت الحزام
دونما حسيب أو رقيب، بل يتضافر المارّون من المعسكر المقابل للمساهمة في
نصيبهم من ضرب “من يسب بالدين”.
كم من نقاش انتهى لأن الطرف الآخر عندما وجد أن رأيي لا يعجبه وأنه لم
يعد في جعبته ما يرد به علي انتقل إلى قذف الاتهامات في وجهي من قبيل:
محرّض، حليف للإخوان، متآمر على البلد… طبعاً ساعتها لا يمكنني إلا أن
أنكفئ وأسكت لئلا تتطور التهم إلى ما لا تحمد عقباه فكل واحدة من التهم
السابقة كفيلة باستجرار سيل من التقارير بحقي من أصحاب الخط الجميل، وقذفي
إلى بيت خالتي لأجل غير مسمى!
طبعاً لو أردت إيراد أسماء الأشخاص الذين اعتقلوا وأذلوا في الآونة
الأخيرة بناء على اتهامات كيدية عبثية كهذه، ساقها لهم آخرون بهدف إسكاتهم
لاحتجت إلى صفحات وصفحات…
المؤسف أن الأمر ذاته ينطبق على كثير من المعارضين، الذين ما أن يحشروا
في زاوية نقاش ما حتى يطلقوا نعوتاً صرنا نعرفها مثل: بوق، شبيح، خائن…
والبعض الآخر الذي يعتقد انه بمجرد معارضته لنظام استبدادي قد امتلك الحق
تلقائياً في تصنيف الناس ومنحهم حق الكلام أو فرض الصمت عليهم.
لا يا سادة لا نريد استبدال استبداد باستبداد آخر، بل نريد سوريا حرة
ديمقراطية يتاح فيها المجال لكافة الآراء وبطريقة حضارية لا مجال فيها
للاتهامات أو توزيع نياشين الوطنية الزائفة.
قد تكون مثل هذه التصرفات مفهومة وإن كانت غير مقبولة، من بعض من هم في
الشارع ممن لم يسبق لهم خوض نقاش جدي من قبل، غير أن انتقالها إلى فئات
تعدّ نفسها في عداد المثقفين فهذا أمر معيب ويدعو إلى الدهشة حقاً. ولكي
أكون صادقاً مع ذاتي، لا أنكر أني أنا نفسي قد اكون انزلقت هذا المزلق مرة
أو اثنتين عندما فقدت أعصابي، وسرعان ما أدركت ذلك آسفاً.
أفهم تماماً أن يكون ثمة اختلاف في الآراء، وحاد في بعض الأحيان بين
مختلف الأطراف تجاه قضايا مصيرية، لكن ما لا أفهمه هو السهولة التي يسمح
فيها بعض الأصدقاء لأنفسهم بتحويل هذا الاختلاف إلى خلاف يُلجأ فيه إلى
وسائل غير شريفة لإسكات الخصم الذي كان صديقاً قبل فترة قصيرة، بل يصل بهم
الأمر إلى كتابة التقارير الأمنية بحقه، أو كيل اتهامات الخيانة له…
أحقاً وصل بنا الانحدار الأخلاقي إلى هذا الدرك؟!
أهذه هي سوريا الجديدة التي نطمح جميعاً إليها؟؟