free men فريق العمـــــل *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 1500
الموقع : center d enfer تاريخ التسجيل : 26/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6
| | لابد من صنعاء! | |
حين يدور الحديث عن اليمن، نتذكر جميعاً "بلقيس" وعرشها الأسطوري، وكذلك نتذكر سد مأرب وسيل العرم الذي طغى على واحدة من أكبر الحضارات القديمة ازدهاراً، ولن ننسى المناذرة أو الغساسنة في الشمال، فهم امتداد ديموغرافي لليمن، طالما فخروا به برغم عداوتهم البينية العقيمة. حقيقة واضحة بلا كلل، ان أصل العرب من اليمن، فكل يماني عربيّ حتماً. هذا قديماً، في غياهب التاريخ، أما اليوم، فحين نبحث عن اليمن في الخارطة العالمية، سيصيبنا الإعياء، ولن نجد شيئاً، سنفتقدها بلا شك، فتأثيرها انتهى من على المسرح العالمي. اليمن الحالية لايهم فيها الا كونها تقع على الساحل الآخر لواحد من أهم الممرات المائية العالمية، فقط لا غير. يبلغ السوء باليمن انها تعاني العطش، نعم، وهي التي ازدهرت قبل قرون لاتعد ولاتحصى عبر اقتصادها وتدبيرها لمياه الامطار، بل ان حضارتهم العتيدة عاشت على نتاج الغيوم فقط، لكنها تعاني اليوم من الجفاف والظمأ، لا بسبب جفاف الأنهار، فأرضها المعطاء لاتحمل أنهاراً، ولا بسبب الاحتباس الحراري، بل لنضوب المياه الجوفية، في عصر العولمة. ليس هذا فقط ما تحتويه كنانة اليمن الحزينة، فعلى غرار كل دول العالم الثالث، هناك الفساد الذي انتشر كالعفن السام في جسد الدولة المتهالكة، حتى تحولت الى مجرد منظومة أمنية يحكمها ضباط صغار مجهولون، كل مؤهلاتهم أنهم أقرباء الرئيس، الذي لايملك بدوره مؤهلاً إلا رتبته العسكرية! وعلى غرار كل الأنظمة الفاسدة، أراد النظام أن يغطي سوأته، فتولى العملية نسخة تافهة ومسخّفة عن محمد سعيد الصحاف، "نائب" وزير اعلام يحظى بالسخرية أكثر من أي قيمة خبرية، لايحظى بأي مصداقية، إلا كونه يعبر عن واقع السلطة وعشوائيتها بكل تفاصيلها. ولم يبذل النظام جهداً يذكر في تجميل صورته اقليمياً، أو لم يستطع بسبب عجزه الذي ينتابه أبداً، فاكتفى بالانصياع للسعودية، واستجداء العطف الخليجي بلا أي طائل، ولا دولياً، فقد فضّل التطوع لحساب أمريكا لمقاتلة تنظيم القاعدة، في حرب لايستطيع تحمل تكاليفها الباهضة. إلا أن بلاد العرب أكبر من الجغرافيا ومساقط المياه وبعض الضباط المغمورين، اليمن لاتنطلق من لحظتها الحاضرة، بل هي مستمرة في التكون والتفاعل منذ القدم، اليمن مجموعة متناقضات تغطيها وتربط بينها أسباب ومسببات خلقت واقعاً جديداً لن ينتهي الا بالنجاح. ما زال الشعب اليمني حياً يرزق، بل انه يعيش في فورة شابة لم تشهدها جباله الوعرة، ولا بياديه الجافة، وها هو اليوم يصيبنا بالذهول إزاء ما يقدمه للعالم كل يوم، من قوة وشجاعة واصرار، واضف ما شئت من صفات العنفوان. نعلم أيضاً، أن في اليمن قبائل لها خصوصية تسمو كثيرا من الاحيان على مفهوم الدولة المدنية، لكن الثورة هناك برزت باجمل صور المدنية المتحضرة، التي ذابت داخلها كل اشكال القبلية البالية. حتى ان اكبر زعيم قبلي لم يتوانَ عن دعم الثورة والانتماء اليها، "الأحمر" الذي خاطب الشباب في ساحة التغيير بكل امتنان" هذه ثورتكم، لا تدعوا أحداً يسرقها منكم"! في اليمن انقلب تمجيد العلاقات الضيقة وتقديس التراث الغابر الى ذوبان طوعي وسط الهمّ العام. ويروون أحاديث عجيبة عن ولع اليمانيين بـ"القات"، مشكلة الشعب المخدر دائماً، لكن المفاجأة انهم يبدون متيقظين أبداً في ثورتهم، وهم يصدون كل المكائد التي يحوكها النظام المتفسخ، وينجحون بفضل وعيهم، وإخلاصهم، بينما يفشل النظام المراوغ بخداعه. حتى الإدمان الجمعي على التسلح، الذي حول البلاد الى مشجب لا قرار له، تلاشى في طوفان السلام الذي رفعه المحتجون في صنعاء وعدن وأبين وتعز، الذين يواجهون رصاص الموت بكل ثقة، وهم خالون من السلاح، الذي خلفوه وراءهم واختاروا طريق السلام، بينما يكشف عدوهم عن فراغه الايديولوجي، وهزيمته المنتظرة، مستخدماً كل أنواع الارهاب والهمجية. ولم تكن (توكل كرمان) إلا تأكيداً على مفهوم لاتحجبه الأضاليل، فهي لم تسعَ الى جائزة (نوبل)، بل حيّت الجائزة الفتاة اليمانية التي اختارت طريق الانسانية. وهذه قصة اخرى من قصص عظمة اليمن، الذي ترك ذكوريته المجتمعية خلفه، ورضي أن تتزعم ـ ممن يتزعم ـ حركة الاحتجاجات والمطالبة بالمساواة امرأة. انها دليل كبير على حجم السلام في اليمن. ليس الموت والجوع والظلام هو ما يغطي سماء صنعاء فقط، فصنعاء أكبر من آلامها، ولا حتى الموت السريري الذي يجتاح عاصمة العرب القديمة، فجسدها بدأت تدب فيه الحياة يوماً بعد آخر. لا مجال للتراجع، فهناك الأمل والشجاعة والعزيمة التي تنتصر يوماً بعد آخر، وكذلك الصبر، الذي أضيف هو الآخر الى قاموس الثورة بصفته واحداً من أبرز معالمها. الدراما العربية لن تستأنف دورتها إلا بصنعاء، وقد جاء الدور عليها لتنظم الى قوافل التغيير المحتوم. ومن هناك، من صنعاء، ستهب رياح التغيير على كل الدول المحيطة، ستتغير الجزيرة العربية، وستتهدد أنظمتها شاءت أم أبت، ولن يحد قوة الثورة مضيق، بل ستعبر الى افريقيا كما هاجر المسلمون الأوائل. ستستمر الثورة في صنعاء، ومن ثم ستمضي قدما لتعيد الحياة الى الجسد المشلول. لا بد من صنعاء، نعم لقد طال الوقت على الثورة. لا بد من صنعاء وان طال الزمن، لا بد من صنعاء وان طال السفر.. لا بد من صنعاء وإن طال السفر | |
|