من صنعاء إلى كوباني: لعبة الأمم ومفاجآتها
رأي القدس
October 2, 2014
قبل أسابيع قام تنظيم «الدولة الإسلامية» بحشود كبيرة كاشفاً عن خططه للاستيلاء على دير الزور ومطارها الذي تتمركز فيه وحدات كبيرة من قوات النظام السوري، ولكن المفاجأة كانت أن التنظيم استدار إلى الجهة المعاكسة وهاجم عشرات القرى الكردية متجهاً الى مدينة عين العرب (كوباني) مما أدى الى نزوح أكثر من 160 ألف لاجئ كردي الى
تركيا، وهو تكتيك سبق أن اتبعه بعد استيلائه على مدينة الموصل، فقد أشاع عن قرب هجومه على بغداد ولكنه اتجه نحو الشمال الكردي واحتل سد الموصل وجبل سنجار المسكون بأكراد من الأقلية الإيزيدية وواصل بعدها التقدم باتجاه أربيل حتى أوقفته هجمات الطائرات الأمريكية التي وفرت غطاء للهجوم الكردي المعاكس على التنظيم.
لم يتوقف التنظيم بالطبع عن التمدد في اتجاهات الريح الأخرى، ولكن استراتيجيته الهجومية على المناطق الكردية في سنجار واربيل وكوباني وقراها بدل الإتجاه الى بغداد حيث قوات النظام العراقي والميليشيات الشيعية الموالية له (في حالة
العراق) أو دير الزور (في الحالة السورية) يصعب تحليلهما بضرورات الحرب العسكرية فحسب، فرغم أن الدعاية الرسمية للتنظيم هي طائفية بدرجة كبرى (من قبيل السنّة ضد الشيعة في
العراق ولبنان و»النصيرية» في
سوريا)، فإن خطّ معاركه لا يتطابق بالأحرى مع دعايته الأيديولوجية المفترضة، وهو الأمر الذي حيّر محللين كثيرين وبنيت عليه افتراضات عمالته لإيران والنظام السوري، أو اختراقه من قبل أجهزة استخباراتهما، وربما عزا البعض ذلك الى بلاهته السياسية.
أيّا كانت تفسيرات الشبكة السياسية لهجمات أبي بكر البغدادي التي انشغل العالم بوحشية أعمالها وبنى ردود أفعاله عليها، أكثر مما انشغل بفهم الآليات السياسية المعقدة التي يبني التنظيم على أسسها خططه الحربية، فإنّها، عملياً، صارت تلعب الدور الأبرز لكسر الحائط المسدود الذي صنعته المجابهات الدولية والإقليمية، فمئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين لم تحرّك جهداً عالمياً لتغيير ما يحصل، أما سقوط الموصل وتهديد أربيل وكوباني فقلبا البوصلة وحرّكا الجيوش العالمية نحو المنطقة.
في الحالة الكرديّة (عراقياً وسورياً) يتلاعب التنظيم ببراعة على المعادلات التي بنيت عليها المنطقة، فهجومه الأول على مناطق كردستان العراق أبطل عملياً أحلاماً كرديّة انتعشت بقرب الوصول الى «مهاباد» معاصرة (جمهورية كردية مستقلة تأسست في
ايران عام 1946 وتم قمعها بالقوة)، وبذلك نفّس شيئاً من الغضبة الشيعية الإيرانية والعراقية التي تعالت مع سقوط الجيش العراقي المخزي في الموصل، أما حركته المفاجئة ضد حزب «الإتحاد الديمقراطي» (ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا)، ورغم عدد النازحين الأكراد المهول الذي أثقل عاتق أنقرة، فتضعف، عملياً، خصماً سياسياً وعسكرياً كبيراً لتركيا.
نذر سقوط كوباني، والخسارة الكبيرة التي سيؤدي إليها كردياً، دفعت عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني التركي، للتهديد بإنهاء محادثات السلام مع الحكومة التركية، وهي حركة ليّ ذراع سياسية يُقصد منها تحميل الحكومة التركية وزر عمليات «الدولة الإسلامية»، وهو مسعى لن يؤتي أكلاً لأن الحكومة التركيّة تعتبر مقاتلي حزب العمال الكردستاني إرهابيين، وترى أنهم أخطر عليها من تنظيم «داعش» حالياً.
إذا سقطت كوباني، فستكون عملياً الأضحية الثانية على مذبح لعبة الأمم الكبرى، التي ستعيد الإصطفافات السياسية وقد تفتح المجال لتدخّل برّي تركي في سوريا، حين تتجهز الشروط السياسية لذلك، وهي، بحسب إردوغان، إسقاط الأسد و«داعش» سويّة، وإلا فإن دائرة الموت ستظل دائرة.
… غير أن لإيران وحلفائها رأيا آخر، فهل سنرى مفاجآت كبرى أخرى بعد سقوط صنعاء؟
رأي
القدس