محمّد جواد سنبه
يعتبر المواطن قيمة كبرى في النُظم الدّيمقراطيّة، فمن صوّت المواطن، يصل المسؤول إلى موقع المسؤوليّة. وبثقة المواطن، يحصل المسؤول على مجده السياسي. وتجربة المسؤول العمليّة الناجحة في الحكم، ستكون شهادة تاريخيّة تمنحه اعتزاز الشّعب. كما أنّ منجزاته الايجابيّة ستصنع منه رمزاً وطنياً، يفتخر به كلّ أبناء الشّعب. إنّ النظام الديّمقراطي أتاح فرصة كبيرة امام الجّميع، للمشاركة في العمل السياسي، وبالتالي الوصول بالأجدر إلى سدّة الحكم. فالعنصر الاساس في العمليّة الديمقراطيّة هو المواطن، ومن إرادته تنطلق سلطة الدستور، وبقيه السلطات الأخرى في النظام الديمقراطي، بالاستناد الى نظرية (الشّعب مصدر السلطات).
كما أنّ من مميزات النّظام الدّيمقراطي، أنّه عمل جماعي، يشعر فيه كل فرد بأنّه جزء من فريق عمل كبير، و أيّ اخفاق أو فشل في عمل أيّ عنصر من عناصر الفريق، ينعكس بنسبة معيّنة على العمل الكليّ للفريق، حيث تعتمد هذه النسبة على أهميّة موقع المسؤوليّة، التي يشغلها ذلك العنصر في الهيكليّة العامّة للنظام الدّيمقراطي.
وعلى هذا الأساس، يشبِّه المختصون في العلوم السّياسيّة، عمل أجهزة الدّولة في النُظم الدّيمقراطية، كعمل محرّك السيارة. فلكلّ جزء من أجزاء المحرّك، له دور محدّد في عمل نظام المحرّك الكليّ، و أيّ توقف أو خلل يحصل في أحد الأجزاء، تنعكس سلباً على الأداء الكلّيّ للمحرك. وأنّ تقييم كفاءة المحرك، ماهي إلاّ تقييم لكفاءة الأجزاء المكوّنة له.
إنّ السّمة التي تميّز النظام الدّيمقراطي في العراق، أنّه نظام إطاره الخارجي ديمقراطيّ (نظام الحكم حسب تسمية الدّستور له)، لكن كيانه الدّاخلي غير ديمقراطيّ (سياسيّون، مسؤولون، موظفون كبار وصغار، إدارات مؤسسات الدّولة المختلفة). هذا الكيان الداخلي اشخاصه إمّا لا يؤمنون بالديمقراطيّة، أو غير مؤهلين للعمل في المنظومة الدّيمقراطيّة. والحكم الأقرب للواقع، أنّهم غير مدربين على العمل الدّيمقراطي، وأنّهم لا يريدون التدريب على هذا النّوع من العمل أصلاً.
بمعنى آخر، أنّ النظام الدّيمقراطيّ في العراق، نظام يوصل غير الدّيمقراطيين، لتقلّد مسؤوليّة إدارة نظام دّيمقراطيّ، وهذه كارثة ليست بحقّ الدّيمقراطيّة فحسبْ، وإنّما كارثة بحقّ من يؤمن بالنظام الدّيمقراطي، الذي يعدّ الصورة الأكثر رقياً في العالم المتقدّم. هذه مشكلة ليست بالبسيطة على الاطلاقّ، إنّها معضلة متجدّدة، لأنّها ستُكَرَّر حاضراً ومستقبلاً، مالمْ يتمّ ترسيخ ثقافة الدّيمقراطيّة، في أذهان أبناء المجتمع العراقي.
لمْ تَعُدّ المشاحنات والمماحكات بيّن أكثر السّياسيين، أمّراً غير معروف عند جميع العراقيين. لقَدّ أصبحت الشَحناء والبَغضاء مصدراً، يعتقد الكثير من السياسيين أنّها أحد المصادر، التي تصنع قوّتهم في المجتمع، وتمدّهم بعنصر دعم وتقويّة لكارزميّاتهم الشخصيّة، إضافة إلى تصوّرهم (كما أظن)، بأنّ تلك المواقف المتشنّجة، تقربهم من موقع الرمزيّة التاريخيّة والوطنيّة.
كان آخر هذه المنازلات الميّدانية، في يوم الثلاثاء 18/10/2011، عندما وقف السيّد طارق الهاشمي خطيباً، في المنتدى السياسي لحركة تجديد. وكانت لغة ذلك الخطاب مفّعمة بالتشنّج وروح الغضبّ. وكان السيّد الهاشمي يحرّك يديّه، بحركات توحي بانفعاليّة شديدة. كان موضوع الخطاب اعتراض السيّد الهاشمي، على قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بشمول عدد من الأساتذة الجامعيين، بقانون المسائلة والعدالة، حيث قال: (انصح واذكر فذكر ان نفعت الذكرى، اليوم هذه الوزارة ينبغي ان تكرس كل جهودها لاستقطاب وتشجيع الكفاءات التي غادرت العراق عام 2003 وما قبله. ان تعمل على تعزيز المؤسسة التعليمية، ولا تفرط في المزيد من التدريسيين. هناك قلق واضح اليوم في الجامعات العراقية لان هناك يبدو اتجاهات لإضعاف المؤسسة التعليمية، وتفريغ الجامعات العراقية من خيرة كادرها التدريسي. انا ارجو واناشد وزير التعليم العالي ان يتق الله وان يحافظ على كل هذا الارث الذي حضينا به في مؤسساتنا التعليمية وفي جامعاتنا، هذه رسالة ارجو ان تجد لها اذن صاغية لدى الوزير، واذا كان هذا الرجل مرجعيته اسلامية، اذكره بالذي فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما دخل مكة (اذهبوا فانتم الطلقاء) (عفى الله عما سلف)(الاسلام يجب ما قبله))(انتهى).
وفي نفس الوقت نقلت بعض وسائل الاعلام، ردّ السيّد علي الأديب على اعتراضات السيّد الهاشمي، وأكد السيّد الأديب في ردّ متلّفز: (ان هنالك دفاع او عملية اتهام لوزارة التعليم العالي، بانها تقصي كفاءات تدريسية او كفاءات اكاديمية من الجامعات العراقية، بحجة او بمبرر كون انهم مشمولين بالمسائلة والعدالة. انا أتساءل فيما اذا كان قانون المسائلة والعدالة قد وافقت عليه السلطة التشريعية في البلاد ام لا؟.... ثم أتساءل عن الخبرة والكفاءة فهؤلاء الذين يعنيهم الاخ فخامة نائب رئيس الجمهورية، هم المشمولين بالاجهزة القمعية. الاجهزة القمعية التي تشمل الأمن العام والامن الخاص والمخابرات والاستخبارات، هؤلاء لم يعدوا اساساً للعمل في التعليم العالي وانما كانت لهم خبراتهم وكفاءاتهم في عملية التعذيب وعملية السجن وعمليات اعترافات الناس او استجواب الاخرين. وبالتالي فضحايا النظام السابق حتى الآن يئنون من معاملة هؤلاء لهم كيف يمكن لهؤلاء ان يستطيعوا مرة اخرى انتاج عناصر من خلال التعليم العالي مشابهة لهم وهم يتولون بناء البلاد؟؟. هؤلاء هم المقصودون وعددهم جدا قليل وهم يتركزون في جامعات معينة وكأن المرحلة السابقة من التعليم العالي كانت مسؤولية المسؤول هو ارجاع من كان في النظام السابق ولم يجد له عملا، بناءً على حل تلك المؤسسات وارجاعهم للتعليم العالي)(انتهى).
أقول:
1. ليعلم الجميع بأنّ الخطاب ذو الصوّت العالي والمثير في شحن العواطف، قد استنفد أغراضه وأصبح جزءاً من أخطاء الماضي، الذي اصطبغت مرحلته بالشحن الطّائفي، والشّعب العراقي، بحاجة إلى خطاب متّزن ومعتدل، تراعى فيه أسس العدالة الحقّة، التي تخدم قضيّة الصالح العام.
2. يفترض بحكومة الشراكة الوطنية أنْ تتشارك عناصرها لتذليل المصاعب، لا أنْ تكون هذه الحكومة بؤراً لأزمات تعصف بالبلاد، وتنعكس تداعياتها على الوضع العام الذي يخصّ المواطن العراقي بشكل مباشر.
3. في الحكومات الدّيمقراطيّة، تُمسك الأغلبيّة بزمام إدارة الحكومة، وتأخذ الأقليّة دور المعارضة. ولا يمكن للسياسي أنْ يأخذ دوراً مزدوجاً، فهو من جهة في الحكومة، ومن جهة أخرى هو معارض لها. لذا نرى العمليّة السياسيّة متلكئة في أدائها.
4. القوانين التي يصادق عليها مجلس النواب، فإنّها بموجب الدّستور العراقي تكون نافذة، وعلى مستوى التّطبيق الدّستوريّ في العالم، على السّياسي التنفيذيّ أنْ يحترم تنفيذ هذه القوانين، لأنها جاءت عن طريق مصادقة نواب الشّعب عليها. لكن في الدّيمقراطيّة العراقيّة، يقوم بعض السّياسيين بإثارة المشاكل، من خلال تصوير، أنّ هناك مظلومية عظيمة طالت شريحة كبيرة من المتضررين جرّاء تطبيق القانون، والحقيقة غير ذلك. وجدليّة تطبيق قانون المسائلة والعدالة خير مثال على ما أقول. وللتذكير فقط، هذا القانون في أقسى عقوباته، ضمن حقوق التقاعد للمشمولين به. بيّنما كان نظام صدام المقبور، يعاقب حتى الدرجة السابعة لمن يقع تحت طائلة عقوبة النظام. فقطع الاعناق أوّلاً، ثم قطع الارزاق بعد ذلك.
5. أليس الأجدر بالسّياسيين، أنْ يتمّ تداولهم للمشاكل بينهم بصورة هادئة، عن طريق طرح وجهات النظر المختلفة ضمن القنوات الحكوميّة الرسميّة، فربما يتمّ التوصل إلى حلول مقنعة، تحت سقف النصيحة والمناصحة، بعيداً عن المنابر الاعلاميّة وحرب الفضائيات؟.
6. متى يحصل الشّعب العراقي، على نتائج تراكم الأداء الحكوميّ، ليتبلّور كخط بياني تصاعدي في مجال بناء العراق، إذا كانت جهة تبرم الأمّر و أخرى تنقضه؟.