متظاهرون يرفعون صورة الطفل حمزة الخطيب الذي تحول إلى رمز في سوريا
حمزة الخطيب، إبراهيم الشيبان، هاجر الخطيب، أسماء باتت معروفة لأطفال
سوريين من بين 225 طفلا قتلوا منذ اندلاع الاحتجاجات. وحسب مصادر حقوقية
سورية فإن عدد القتلى من الأطفال في شهر تشرين الأول/ أكتوبر وحده بلغ 31
طفلا. في الوقت المعتاد من كل ليلة تنطفئ أضواء المنزل، يجتمع
أفراد الأسرة في زاوية إحدى الغرف الأكثر أمانا تحسبا لأية عملية مداهمة.
تتشبث فرح بحضن والدها بخوف وتشير له بالصمت وهي تهمس في أذنه "بابا...
بابا.. أجا بشار وبس". فرح، التي لم تبلغ الربيع الرابع من عمرها، لا تدرك
أن بشار المقصود هو الرئيس بشار الأسد رئيس البلاد. وكل ما تعرفه أنه عندما
يأتي بعض الرجال إلى حيهم الكائن في إحدى ضواحي العاصمة دمشق، يسمع إطلاق
النار وتسود حالة من الرعب والخوف، وينتهي ذلك كله عندما يردد هؤلاء الرجال
" الله .. سوريا .. بشار وبس".
هذه الصورة المرعبة التي تعيشها فرح يوميا، تعتبر جزءا صغيرا
من الثمن الذي يدفعه الأطفال السوريون منذ اللحظة الأولى لاندلاع
الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشارالأسد. ومنذ بدء الاحتجاجات في
سوريا، في الخامس عشر من شهر آذار/ مارس الماضي قتل مائتان وخمسة وعشرون
طفلا، حسب مصادر حقوقية سورية. تضيف هذه المصادر بأن واحدا وثلاثين طفلا
قتلوا برصاص قوات الأمن السورية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر وأن اصغر طفلة
قتلت عمرها لم يكن يتجاوز ستة أشهر. ومع بدء العام الدراسي الجديد، عادت
الأنظار لتتوجه إلى تلاميذ المدارس الذين خرج بعضهم في مظاهرات وذلك ردا
على "تحول معظم المدارس في سوريا إلى معتقلات ومأوى للأمن والشبيحة خلال
العطلة الصيفية"، حسب شهود عيان لسكان إحدى ضواحي دمشق.
أحد الآباء روى لدويتشه فيله كيف رفضت طفلته ريم، وهي في الصف
الرابع الابتدائي، ترديد شعار "الله سوريا بشار وبس" مع رفاقها في
المدرسة. وعندما وبختها المعلمة قالت لها ريم "يا آنسة أنا جيت (جئت)
عالمدرسة أتعلم القراءة والكتابة والرياضيات ... أنا ما دخلني لا ببشار ولا
بغيرو". بالطبع لم يكن هذا الكلام متوقعا من طفلة صغيرة في المدرسة، ولا
يعرف الأب حتى الآن "كيف مرّ هذا الحادث مرور الكرام دون أن يعاقب هو شخصيا
على كلام ابنته كما جرت العادة في هذه الأيام في سوريا"، حسب قوله.
ارتفع عدد القتلى بين الأطفال إلى 225 طفلا منذ بدء الاحتجاجات في سوريا، صورة من الأرشيف يظهر فيها أطفال سوريون "معتقلون بتهمة الطفولة"الطفل أحمد ابن الثالثة عشرة من العمر لم يرافق أصدقاءه إلى
المدرسة هذا العام، فهو "غير قادر على التواصل مع المجتمع ويبقى حبيس
غرفته"، وفق ما روت أسرته لدويتشه فيله. وحسب العائلة فإن "أصوات التعذيب
والشتائم والإهانات التي تعرض لها على مدى خمسة عشر يوما قضاها في أكثر
الفروع الأمنية ضراوة وقسوة، تجعله، دائم الشرود لا يستطيع التركيز على
شيء". وكانت مجموعة من قوات الأمن السورية قامت باعتقال أحمد "بتهمة الوقوف
أمام باب منزله مع رفاقه عندما داهمت عناصر حفظ النظام إحدى ضواحي العاصمة
دمشق، وشنت حملة اعتقالات عشوائية"، حسب رواية أسرته. وقد أكدت مجريات
التحقيق هذه "الرواية التي تبدو غريبة"، إذ قام ضابط الأمن بالاستهزاء منه
وسؤاله أثناء التحقيق عن تعريف المجهر والجراثيم وعندما لم يعرف أحمد
الإجابة كان نصيبه المزيد من "الكرابيج والعصي والفلقات، وهو ما كان فوق
طاقة تحمل هذا الطفل".
وكلما توجه الأهالي إلى فروع الأمن للمطالبة بإطلاق سراح
أطفالهم المعتقلين جاءتهم الإجابة الوحيدة "بأنه لا يوجد أي شخص سواء كان
طفلا أو شابا في المعتقلات بدون أية تهمة. فكل المعتقلين يقبض عليهم
متلبسين بتهمة التظاهر أو التحريض على المظاهرات وتبقى مسؤولية خروج
الأطفال أثناء المظاهرات تقع على الأهالي"، حسب أحد الناشطين في التنسيقيات
الذي رفض الكشف عن اسمه. ويرد هذا الناشط بالقول "نحن لا نستغل الطفولة
ولا نسمح بخروج أي شخص لم يبلغ الخمسة عشر عاما، فما الطائل من تجييش طفل
لا يعرف ما خرج لأجله؟ نحن نخرج من أجلهم، من أجل أن يعيش أطفالنا بكرامة
وحرية"، حسب الناشط.
مظاهرة في إدلب تطالب بإسقاط الرئيس بشار الأسدالأطفال كرهائن بدلا من ذويهمكما يتحدث العديد من الأهالي في المناطق ذات الوضع الأمني
السيئ عن أسباب اعتقال الأطفال بأن عناصر الأمن قد يأخذون طفلا بديلا عن
أحد أفراد أسرته المطلوبين حتى يسلم نفسه، أو لبث الخوف في نفوس أهالي الحي
والضغط عليهم لمنعهم من الخروج في المظاهرات. كما أن هناك "حالات اعتقال
عن طريق الخطأ بسبب تشابه الأسماء تتم معالجتها بعد أن يتلقى الطفل العقاب
المناسب"، والكلام للناشط السوري المعارض. أما جزاء من يقوم بالدفاع عن
هؤلاء الأطفال، ومحاولة الوقوف في وجه عناصر الأمن منعا من اعتقالهم، فهو
كمصير محمد رماح. فهذا الرجل الخمسيني لقي مصرعه أثناء محاولة إنقاذ طفل
انهال عليه عناصر الأمن بالضرب بشدة، فرد عليه هؤلاء برصاصة استقرت في
رأسه.
إلا أن حالات الاعتقال تبقى الأفضل من بين حالات الكثيرين من
الأطفال الذين وقعوا ضحية الرصاص المتعمد من قبل القناصة ورجال الأمن،
والكلام لأحد الأطباء المنضوين فيما بات يعرف بتنسيقية الأطباء. ويضيف هذا
الطبيب بأن "حالة الطفلة إسراء تؤكد ذلك، عندما قام أحد القناصة بإصابتها
في عينها أثناء وقوفها في مطبخ بيتها. ولم يستطع أهل الحي إسعافها بسبب
الطوق الأمني الموجود في المنطقة ما أدى إلى وفاتها بعد ساعة من الإصابة".
كما يروي والد الطفل لؤي، ابن الأحد عشر عاما، أن أحد عناصر
الأمن الغاضبين قام بإطلاق النار عليه في صدره عندما صادفه بينما كان لؤي
ذاهبا لجلب الطعام لأسرته. هذه الرصاصة التي "اخترقت صدره وخرجت من ظهره،
بعد أن أحدثت ضررا كبيرا في نخاعه الشوكي، حكمت عليه بأن يبقى حبيس الكرسي
المتحرك". كما أدى بطء إجراءات العلاج، نتيجة الخوف من إسعافه إلى المشافي
الحكومية والخاصة، إلى تفاقم الإصابة وازدياد صعوبة حالته. بقي أن نقول إن
الحكومة السورية ترفض هذه المعطيات جملة وتفصيلا وتنفي وجود أطفال في صفوف
المعتقلين. وحتى أطفال درعا، الذين تسبب اعتقالهم وما قيل عن تعرضهم لتعذيب
شديد في إطلاق شرارة الاحتجاجات، لم يصدر أي بيان رسمي عن حالتهم.