موتى يديرون المحطات التلفزيونية في العيد!

لا
شيء في القنوات التلفزيونية في أيام العيد يغري بمشاهدتها، ومع هذا فقد
قضيت الإجازة أتنقل بين القنوات المختلفة، لعلي أجد على النار هدى دون
جدوى، كل الفضائيات تشبه بعضها تقريبا، كلها أغان ورقص وأفلام قديمة.

وحتى رائعة فؤاد المهندس وسناء يونس 'سك على بناتك'، التي شاهدتها عشرات
المرات بدون ملل، والتي كانت من المقررات التلفزيونية في المناسبات، لم
اعثر عليها في هذا العيد، فقد كان سمير غانم هو المقرر الدراسي هذه المرة،
وجدته في وقت واحد على أربع قنوات، ووجدت ابنته على محطتين، ورحمنا الله من
رؤية السيدة حرمه دلال عبد العزيز، التي تقدم برنامجاً تلفزيونيا على
قاعدة كله عند العرب صابون فقد صار التقديم التلفزيوني مهنة من لا مهنة له،
وتشترك معها في تقديمه ميرفت أمين ويحمل اسم 'مساء الجمال مع ميرفت
ودلال'، ولك أن تتصور كمية الاستظراف المسكوبة عندما تجتمع اثنتان من
القواعد من النساء وكل واحدة تريد أن تثبت للمشاهد أنها 'صغيرة على الحب'.
في
الحلقة الأولى من البرنامج استضاف الممثلة الناشئة دينا سمير غانم كريمة
دلال، وسمير نفسه كان قد استضاف كريمته وزوجته في برنامج يقدمه هو، وقد
تحدثت دلال عن مشوارها العلمي، فهي تحصل في جامعة على الليسانس، وفي جامعة
أخرى على الماجستير، وفي ثالثة على الدكتوراه، في وقت واحد، مما يؤهلها
للحصول على جائزة نوبل للسلام بمشيئة الله!
في الأعياد تتنافس القنوات
التلفزيونية في عرض أفلام ومسرحيات للمرة الأولى، لكن في عيد الأضحى هذا
العام لم تهتم القنوات بالمنافسة، وصارت تعرض حشواً شبيهاً بالموجود في
المقررات الدراسية على التلاميذ، وبكلام يمثل علماً لا ينفع وجهلاً لا يضر،
فالتلفزيونات ملت من المنافسة وبادلت المشاهدين مللا بملل، وهي تسعى الى
شغل ساعات البث بأي كلام دون ان يهتم من يهمهم الأمر بمراجعة ما يتم عرضه،
ولان برامج 'التوك شو' تتوقف في أيام العيد، على مظنة أن المشاهد سيكون
مشغولاً ليل نهار بالفتة وبالأكل مما يجعله في غيبوبة لذا فان ما يقدم ساهم
في زيادة جرعة الغيبوبة لدي المشاهد. وقد قدمت محطة 'اون تي في' حلقة من
برنامج 'مانشيت' سرعان ما وقفت على أنها قديمة، فقد كانت بدايتها عن
الانتخابات التي تجري في نقابة الصحافيين المصريين، والانتخابات أجريت
وذهبت العروسة للعريس وبقي الجري للمتاعيس، ولم يهتم من اختار الحلقة
بموضوعها.
تم الإعلان بذات القناة عن برنامج 'آخر كلام' للمرموق يسري
فودة، وهو البرنامج المتوقف منذ فترة نتيجة تدخل أو اعتراض المجلس العسكري،
لا اعرف بالضبط، على احدى الحلقات، واعتراضه على حلقة سابقة لم أتمكن من
مشاهدتها لأنني كنت حين بثها بالصعيد بوادي غير ذرع، وعدت الى القاهرة،
وانا اسمع عن أزمة ولا اعرف تفاصيلها فقد أوقف فودة برنامجه وقال ما معناه
انه يتعرض لضغوط وان هامش الحريات يتآكل بعد الثورة، ولم يذكر أسباباً
محددة، وعلى الرغم من أنني استشعرت خطورة الموقف إلا ان حرص صاحبنا الشديد
وعزوفه عن ذكر الأسباب بشكل صريح جعلني أتعامل على أنني غير معني بالموضوع
برمته، فلم تعد لدي القدرة على أن اقرأ الطالع واضرب الودع.. وما كانت تسمح
به مرحلة الشباب.. فألا ليت الشباب يعود يوماً.

الريادة الزاحفة

يسري
وحافظ المرازي أعادا لبرامج 'التوك شو' مهنيتها المفقودة، وانظر لو ان
محطة تلفزيونية تجمعهما مع معتز الدمرداش، وصاحب نقطة ساخنة أسعد طه، ومعهم
مني سلمان، فمؤكد انه سيأتي بالريادة الإعلامية زاحفة على بطنها بدلاً من
المحاولات الفاشلة للقائمين على أمر التلفزيون الرسمي.
قبل أسابيع كتبت
عن مني سلمان هنا، وفي الليلة التي نشر فيها المقال وربما في ذات اللحظة
كانت تتعرض للاختطاف أمام مدينة الإنتاج الإعلامي في واقعة بدت غير بريئة،
لكن الله سلم وواجه زوجها الجناة بشجاعة جعلتهم يكتفون بالاستيلاء على
السيارة ويلوذوا بالفرار.
من أهل الكرامات أنا، فقد ظللت اكتب عن صفوت
الشريف الى أن دخل السجن، واكتب عن جمانة نمور التي غادرت، وعن القذافي حتى
جرى له ما جرى، واكتب عن بشار الأسد لكن يبدو أن سره باتع فلم تؤثر فيه
كراماتي!
اختيار حلقة برنامج زميلنا جابر القرموطي 'مانشيت' لم تتم
بعناية فجاءت لتتعرض لحدث قديم، وكذلك حدث لبرنامج يسري فودة الذي انتظرته
لاكتشف انه لم يعدل عن قراره بوقفه، فقد كنا أمام حلقة قديمة من أيام
الثورة، لم يراع من اختارها ذلك، وتمنيت أن يقع اختيار حلقة قديمة لصاحبة
'العاشرة مساء' وهي تبكي على حسني مبارك قبل أن تتحول مع المتحولين بعد
استمرار الثورة، وقد شاهدت في ميدان التحرير فتاة تحمل لافتة مكتوب عليها
'منى الشاذلي تنضم الى صفوف الثوار' بعد استضافتها لمن يطرح اسمه عشرات من
علامات الاستفهام وقد بكى على الشهداء وترك البرنامج مهرولاً، وجرت منى
خلفه وفي اليوم التالي وجدت اللافتة وعندما فرغت من المكتوب عليها هتفت:
الله اكبر، واعتبرت ان هذا بفضل دعاء احد الصالحين: اللهم اعز الثورة باحدى
المنتين، منى الشاذلي، أو منى الحسيني التي اعتبرت أن مشوارها الإعلامي قد
توج لان حسني مبارك شاهدها واتصل بها، طبعا قبل أن يغادر، واعتبرت أن هذا
دليلا على مهنيتها الرفيعة، وكأن المذكور محكم في مسابقة أحسن مذيعة!
منى
الشاذلي أذكي من ان تترك الأمور للمصادفة، ولهذا فلن تقع في خطيئة نقل
حلقة لها قبل ان تتحول وتنضم الى صفوف الثوار، وبدا أمر الفتاة غريباً، لأن
هناك عشرات الإعلاميين تحولوا ولم يجدوا من يرفع لهم لافتة بهذا الشكل
وبعضهم جاء بعد التحول الى الميدان فطرد من هناك شر طردة، وهو تصرف فعله
الثوار مع كل المتحولين سواء كانوا إعلاميين أو رجال دين، وقد طردوا الشيخ
محمد حسان، بعد أن وقف مع مبارك بالباع والذراع، وتشحتف فضيلته من الشحتفة،
لأن الدولة أغلقت القنوات التلفزيونية ولولا لذلك لساهمت هذه القنوات في
وقف المد الثوري، فلا يجوز الخروج على الحاكم وان أكل مالك وجلد ظهرك.
وكان
أولو الأمر منهم قد أوقفوا القنوات الدينية وقناة 'الرحمة' التي يملكها
الشيخ، وقناة 'الناس' بعد زيارة واحدة مني، لتقفوا على كم ان خطوتي عزيزة
ومباركة بعون الله.

الاختلاف مع العسكري

الشيخ أطل علينا عبر
قناته 'الرحمة' مؤخراً بملابس الإحرام، ومن الأراضي المقدسة ولم يمنعه هذا
الجلال من أن يتقرب للسلطة الحاكمة في مصر بالنوافل، فقال إن هناك من
يريدون أن يكسروا الجيش المصري كما كسروا الشرطة، وأكد انه لو تم كسر الجيش
لما أمن احد على نفسه في غرفة نومه، ولا نعرف من قال لفضيلته إن أحداً
يريد كسر الجيش؟
إن الاختلاف مع المجلس العسكري ليس خلافا مع الجيش،
والمجلس يريد من خلال الوثيقة الدستورية أن يحوز على صلاحيات تفوق تلك
الممنوحة للملوك الذين يملكون ويحكمون وتفوق سلطان أولي العزم من الرسل،
وإخوانه من الإسلاميين هم على رأس الرافضين لهذه المبادئ، لكن لا بأس فهناك
سلفية منبطحة وسلفية مقاومة، وفي الوقت الذي كان فيه الشيخ حسان يخطب في
تلفزيون انس الفقي مقدما مبارك على انه علي بن أبي طالب وان الثوار في حكم
الخوارج، كان الشيخان فوزي السعيد ومحمد عبد المقصود في ميدان التحرير.
التلفزيون
التونسي وقع في خطأ الإهمال فأنتج كارثة، عندما أذاع ابتهالات دينية في
ليلة العيد مثلت دعاء للرئيس زين العابدين بن علي، وعلى الفور تحرك المسؤول
وقام بحركة تنقلات لإرضاء الرأي العام وقبل أن يكون الثمن أن يغادر هو،
وانتهزها القوم فرصة ليتهموا القائمين على جهاز الإذاعة والتلفاز بأنهم من
الفلول، لا احد يمتلك سماحة الرئيس السادات في التجاوز عن مثل هذه الأخطاء،
والذي نقل إليه رئيس الإذاعة المصرية جريمة احد المذيعين وهو صديقنا
الراحل رجب حسن، والذي بدلا من أن يسبق اسم السادات بالرئيس المؤمن، قال
الرئيس المدمن، واستمع السادات الى النص وضحك معلقاً: يبدو انه كان شارب له
حجرين (حشيش) كبسوا على أنفاسه.. يقصد المذيع، وانتهى الأمر.

نضارة جميل

الأمر
لم يكن مللا صرفاً، فقد شاهدت في إجازة العيد جميل عازر، وقد أصبح أكثر
نضارة وشباباً، لم يكن عبوساً كما كان الأمر من قبل، وعبوسه هو أهم ما
يميزه، فيعاملنا معشر المشاهدين بازدراء فنقدم عليه، وهي علاقة تمثل
استثناء بين المذيع ومشاهديه، وكانت 'فرانس 24' بمهنيتها العالية، وأدائها
الراقي، تمثل سلوى في مواجهة طفح الفضائيات التي تخلط بين الخبر والرأي،
وبين الموقف والحدث.
فلما كان يوم الثلاثاء اعتبرتها مناسبة مهمة
لمشاهدة برنامج 'الاتجاه المعاكس'، عاد فيصل القاسم بعد مرحلة اختفاء لا
نعرف ملابساتها أكثر حماساً، ذكرنا بأيام البرنامج الأولي، كان يتحدث عن
الانحياز اللبناني للنظام السوري، بالطبع هو يتحدث عن فصيل في لبنان مثّله
فيصل عبد الستار، ومثّل الطرف الأخر لبناني آخر لا اعرف اسمه، لم يكن في
واقع الأمر منحازاً للثورة في سوريا فهو في الأصل ضد النظام السوري، وكان
إجرام النظام في مواجهة الثورة هو مجرد تفصيلة تمثل تخديماً على الهدف
الاسمى لديه.
تمنيت أن تكون الحلقة أكثر هدوءا، لنستمع الى وجهتي النظر،
لكن الضيف الآخر بدا حاداً منذ اللحظة الأولى، وقام بسب حزب الله ووصفه
بالمليشيا، كما قام بسب حسن نصر الله والأسد، ليشعل الحريق منذ اللحظة
الأولى، وعلى الرغم من انحيازي للثورة في مواجهة الاستبداد، وعلى الرغم من
أنني ضد ممارسات الأسد الأب، والأسد الابن، والأسد الأم، ولكل سكان حديقة
الحيوانات قبل وبعد الثورة، إلا أنني لم استطع ان أنحاز لهذا الضيف.
فيصل
القاسم يتبنى وجهة نظر هذا الضيف الآخر ولهذا فقد 'كبس على أنفاس' فيصل
عبد الستار يعطيه الكلمة وقبل ان يتكلم: اسكت يا فيصل.. انتظر يا فيصل..
يكاد يخبطه بكلتا يديه على أم رأسه، وقبل أن ينطق بجملة مفيدة يطلب من
الآخر الحديث، واستمعنا الى وصلة سب من العيار الثقيل، لم يتمكن خلالها
القاسم من إنهاء البرنامج بشكل طبيعي وربما كان يستهدف هذه النهاية غير
العاطفية، عندما يتصافح الضيفان في نهاية الحلقة، وفي مرات قليلة كان
الضيفان يرفضان ذلك.
عموماً لقد قطع 'لاتجاه المعاكس' الرتابة
التلفزيونية في هذا العيد والتي شعرت معها إن موتى هم من كانوا يديرون
الأمور داخل القنوات المختلفة باستثناء 'فرانس 24'.

موتى يديرون المحطات التلفزيونية في العيد!

موتى يديرون المحطات التلفزيونية في العيد! :: تعاليق

موتى يديرون المحطات التلفزيونية في العيد!