لحافز
لكتابة هذه المقالة هو تعليق أحد القراء الأعزاء على مقالتي ( السفير
الأمريكي في حماة: وماذا بعد ياسعادة السفير؟)، التي نشرت بتاريخ العاشر من
يوليو 2011 ، فقد كتب بإسم (سمير) التعليق رقم 8 قائلا: ( إلى السيد أحمد.
لو كان السفير الإيراني فعل هذا في البحرين، ماذا كان سيكون ردّك؟ ).
ولأنه سؤال مهم ضمن متابعة ومقارنة الأوضاع العربية السائدة والمثارة الآن،
رأيت من الفائدة الكتابة ردا على هذا السؤال، علّني أصل مع غالبية القراء
إلى قناعات مشتركة، انطلاقا من أنّه لا يستطيع أحد أن يدّعي أنّه يملك
الحقيقة المطلقة.
هل هناك أي قاسم مشترك في أوضاع الدول الثلاثة المذكورة؟
إنّ اضافتي للأردن على تساؤل السيد (سمير ) مرّده أيضا إلى
أنّ أكثر من قارىء تساءل ما هو موقفي من الاحتجاجات الشعبية في الأردن،
وكنت قد أبديت رأيي في مقالتي بعنوان ( موقع الأردن من ثورات الغضب
العربية) المنشورة بتاريخ 25 مارس 2011 ، وحدث بعدها بعض المستجدات من
المهم مناقشتها من خلال المقارنة بين الوضعين الأردني والبحريني والوضع في
سوريا منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في انقلابه العسكري عام 1970 الذي
أعطاه اسم ( الحركة التصحيحية ) على اعتبار أنّ ممارسات البعث قبله كانت
خاطئة، فجاء انقلابه ليصححها، فإذا بالتصحيح حكم ديكتاتوري مستبد حتى وفاته
عام 1990 ليورث ابنه بشار، وكان أهم انجازات الحركة التصحيحية الاعتقالات
المستمرة ومصادرة حرية الرأي ومذبحة حماة عام 1981 .
حرية الرأي في الأردن والبحرين مقارنة بقمع البعث
إنّ ما ينشر في الأردن والبحرين في وسائل الإعلام
الإليكترونية تحديدا التي هي أكثر شعبية وقراءة، ضد ممارسات الحكومتين
فيها، والنقد العلني لتصرفات الوزراء لا يمكن أن يصدر واحد في المائة منه
في بلد الحركة التصحيحية. بصراحة شديدة إنّ ما أقرأه من نقد للحكومة
الأردنية ووزرائها يجعلني لا أصدق أنّ هذا يصدر في دولة عربية. الأسابيع
القليلة الماضية استقال ثلاثة وزراء من حكومة معروف البخيت في الأردن، هم
وزير العدل حسين مجلي ووزير الصحة ياسين الحسبان، على خلفية السماح بالسفر
خارج الأردن للسجين رجل الأعمال خالد شاهين، وما زالت القضية تصدر فيها
يوميا العديد من البيانات مطالبة الحكومة بالكمشف عمن سمح له بالسفر، وقد
استقال أخيرا طاهر العدوان وزير الإعلام معلنا بشجاعة أن استقالته احتجاج
على ما قال أنّه نية الحكومة إصدار قوانين مقيدة للحريات. فهل سمعتم منذ
عام 1970 أي نقد في الإعلام السوري لممارسات البعث وحركته التصحيحية
التوريثية؟. هل سمعتم باستقالة وزير سوري احتجاجا على ممارسات وتصرفات حزب
أمة عربية واحدة؟. أية رسالة خالدة التي تزجّ في السجون ألاف من المعارضين ،
بلغ عددهم في الاحتجاجات الأخيرة ما يزيد على عشرة ألاف معتقل وعشرات ألآف
اللاجئين إلى تركيا. هل سمعنا أو عرفنا بنسبة بسيطة من هذه الاعتقالات
التعسفية ومصادرة حرية الرأي في الأردن والبحرين؟.
علانية يطالبون في الأردن والبحرين بمحاربة الفساد والمفسدين
مع ذكر أسمائهم وشركاتهم ومشاريع الفساد التي تورطوا فيها، فهل يجرؤ مواطن
أو صحفي سوري أن يكتب أو يسأل : كيف جمعت عائلة أخوال بشار ( إمبراطورية آل
مخلوف ) أموالها التي تقدّر بالمليارات؟. هل جاء ت هذه المليارات معهم من
القرداحة عام 1970 ؟ أم سرقوها ونهبوها من ثروة الشعب السوري؟.
هل يحصل في الأردن والبحرين ما حصل لإبراهيم القاشوش؟
ما ذنب الشاب مغني الثورة السورية إبراهيم القاشوش كي يقتل
ذبحا بالسكين ويقطع لسانه وترمى جثته في نهر العاصي؟. ما ذنب الشابة طل
الملوحي ابنة الثامنة عشرة من عمرها كي تبقى في السجن حتى اليوم فقط
لكتاباتها نقدا للنظام في مدونتها على الانترنت؟ ثم يتم تلفيق تهمة تخابرها
مع السفارة ألأمريكية في القاهرة.
هل يختفي مئات السجناء منذ عشرات السنين في الأردن والبحرين؟
الذين اختفوا وضاعت أية معلومات عنهم في سجون الحركة
التصحيحية التوريثية ألاف من اللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين تحديدا.
أين هم؟ عائلاتهم لا تعرف عنهم إن كانوا أحياء أم أمواتا؟. ما ذنب الصحفي
الفلسطيني مهيب النواتي الذي سافر إلى دمشق من أوسلو في الثامن والعشرين من
ديسمبر 2010 ويختفي حتى اليوم بدون أي خبر عنه؟. هل يستطيع أحد أن يعرف
عدد فروع المخابرات والأمن في سورية التصحيح ؟ هل يتذكر أحد أنّ هناك أي
معتقل أو سجين اختفى في السجون الأردنية أو البحرينية؟ طبعا هذا لا يعني
أنها سجون فنادق من الخمسة نجوم، ولكن مقارنتها بسجون البعث التصحيحي تكون
على الأقل فنادق من درجة نجمة ونصف.
هل هذا يعني أن الأردن والبحرين جمهورية أفلاطون الفاضلة؟
أجيب بجرأة وصراحة وبصوت عال: لا..لا..هناك العديد من
التعديات ومظاهر الفساد، ويحتاج البلدان لتسريع آليات الإصلاح في كافة
ميادين الحياة بدون اضاعة للوقت. ويكفي أنّ الجماهير المتظاهرة أو الثائرة
في البلدين لم ترفع مطلقا شعار ( الشعب يريد اسقاط النظام ) كما حدث في
ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، بل تركزت مطالبهم على مناشدة النظام
بتسريع عجلة الإصلاحات. ويكفي أنّ حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن (
جماعة الإخوان المسلمين ) أشدّ وأجرأ معارضي الحكومات الأردنية، قالوها
صراحة أنهم يدعمون بقاء النظام الملكي الأردني، وتتركز مطالبهم وتحركاتهم
على ضرورة الإصلاحات السريعة التي تشمل كافة نواحي حياة المواطن الأردني،
ومعهم كل الحق في هذا المطلب. وكذلك في البحرين فالمطلوب هو إصلاحات سريعة
تنصّف كافة طبقات المجتمع كمواطنين بغض النظر عن المذهب والعقيدة.
وما هو موقفي لو تدخل السفير الإيراني مثل السفير الأمريكي.؟
اجيب أيضا بصراحة على سؤال السيد سمير ( التعليق رقم 8 )
المشار إليه في مطلع المقالة. لقد رحبت بزيارة السفير الأمريكي لمدينة حماة
للإطلاع على أوضاع المتظاهرين ونام ليلة الجمعة فيها، وصباح الجمعة قابل
العديد من المتظاهرين في ساحة التظاهرات. فما هو موقفي لو فعل ذلك السفير
الإيراني في البحرين؟. فعلا كنت سأشجب ذلك وأدينه بأقسى العبارت، لماذا؟.
لأنني لا أصدق اللص أو المجرم عندما يلقي أحدهما محاضرة في الأخلاق والسلوك
المثالي. وكذلك لا أصدق نية السفير الإيراني لو تدخل في تظاهرات البحرين
أنّ هدفه دعم المتظاهرين ومطالبهم،لأنّه كان الأولى بحكومة الملالي التي
يمثلها أن تستمع لمطالب المتظاهرين الإيرانيين بمئات الألاف على مدار
السنوات الثلاثة الماضية، ولا تستعمل الرصاص الحي والرشق بالطلاء واعتقال
المئات والسجن والإعدام لعشرات. هل تتذكرون من قاد تظاهرات إيران ضد
ديكتاتورية الملالي؟. إنهم أئمة وفقهاء في مستوى مير حسين موسوي ومهدي
كروبي اللذان رفعا شعار يسقط الديكتاتور. فماذا كان ردّ حكومة أحمدي نجاد
الموجهة من آية الله علي خامئني؟. قمع المظاهرات بالقوة ومنع هذه الرموز
الدينية من السفر ووضعهم قيد الإقامة الجبرية في منازلهم واعتقال ابناء
بعضهم. دولة ونظام هذه ممارساته ضد متظاهري شعبه ضده، كيف سأصدق حسن نوايا
سفيره في البحرين؟. وكيف سأصدق نوايا سفير نظام الملالي الذي يهدد باحتلال
الخليج العربي، ويعلن من حين إلى آخر أنّ البحرين محافظة فارسية وأحيانا
يصرّحون بكل وقاحة أنّ كافة الخليج العربي فارسي؟. بينما في أمريكا التي
ذهب سفيرها لمدينة حماة السورية، ينتقد الصحفيون والكتاب الإدارات
الأمريكية بقسوة شديدة دون أن يطلب واحد منهم للتحقيق أو يوضع في السجن.
إنّ ما كتبه فقط المخرج الأمريكي مايكل مور ضد الإدارات الأمريكية لا يجرؤ
على كتابته عمالقة القوميين العرب، ورغم ذلك لم يوضع في السجن بل حاز على
جائزة الأوسكار. لذلك ورغم كل سلبيات سياسة الإدارات الأمريكية من وجهة
نظرنا كعرب، ليت أنظمتنا ونظام الملالي يعطون لشعوبهم نسبة بسيطة من
الديمقراطية والحرية التي تتيحها الإدارات الأمريكية لشعبها. وإلا لماذا
كبار القيادات الإسلامية بما فيها العديد من قيادات جماعات الإخوان
المصريين ذهبت عمدا وطواعية وتعلمت وعاشت عقودا في أمريكا؟.
وأكرّر أنّ الوضع في الأردن والبحرين حسب رغبات الشعبين
وطلائعهم السياسية والمتظاهرين بحاجة لمزيد من الإصلاحات السريعة، ولكن لا
يمكن مقارنة وضع البلدين بوضع القمع والقتل في سوريا بعث التصحيح والتوريث
والقتل وقطع الرقاب. ما يكاد يوصلني للجنون هو سؤال. لماذا يتشبث رؤساؤنا
المفسدون القتلة بالسلطة عبر القمع والقتل والرصاص والدبابات، بينما يستقيل
الوزير ورئيس الوزراء الأوربي والأمريكي بسبب أقل خطأ يرتكبه؟ هل من مجيب
يا سادة أيها القراء الأعزاء؟