عصر ورشات الابداع
السرد بعد الحرب العالمية الثا
عماد كاظم عبد الله
المشهد الاول *
الاستاذ مكي يدخل غرفه نومه ويغلقها عليه حاملاً بين
يديه كيساً كبيراً يفرغ منه حمامات بيض راحت تنتشر في الغرفة وعلى سرير
النوم وفوق خزانة الملابس ، الاستاذ مكي يراقب الحمائم والسكين تلتمع بين
يديه بينما زوجته تضرب الباب بقوة - الزوجة : مكي .. اذبحها .. اذبحها
جميعاً - مكي : لن اذبحها .. دعوها تعيش معي في الغرفة - الزوجة : اذبحها
من اجل اطفالك - مكي : انها مثل اطفالي .. يالك من امرأة قاسية القلب -
الزوجة : انت الاناني الذي لاتفكر الا بنفسك وحمائمك منذ انتهاء الحرب .
-
مكي : الحياة في الحرب .. افضل من الحياة معك .. على الاقل في الحرب
لاتوجد نساء يعكرن صفو القتال ! - الزوجة : ساخذ اطفالي واذهب الى بيت اهلي
. سأبعث اخي ” عادل ” كي يقنعك او يجبرك على ذبحها - مكي : لو جاء اخوك
المقرف هذا لذبحته هو بدلاً عن الحمائم
**********
المشهد الثاني *تخرج الزوجة من باب الدار ساحبة اطفالها
الثلاثة ، تلتقي جارتها في الشارع - الجارة : صباح الخير - الزوجة : صباح
الخير .. ام احمد - الجارة : لقد قمنا بذبح جميع الدواجن في البيت خوفاً من
انفلونزا الطيور التي انتشرت في القرية .. وانتم ؟
- الزوجة : ان زوجي
الاستاذ مكي افندي ! .. يرفض ذبح حماماته .. بطر ان !! يريد ان تنتقل
العدوى الى الاطفال - الجارة : مسكين ! - الزوجة : لن اعود الى البيت حتى
يتخلص من تلك الحمائم اللعينة - الجارة ( بخبث ) : فعلاً .. الزواج قسمة
ونصيب .. ان زوجي قام بذبح جميع الدجاج والحمائم في البيت مجرد سماعه بخبر
المرض .. انه يخاف علينا .. ويحبني كثيراً
*************
المشد الثالث *يتمدد الاستاذ مكي على السرير بينما راحت
الحمامات تتطاير داخل الغرفة المغلقة وهو ينظر اليها ودموعه تسيل على خديه ،
لتعود به الذاكرة الى جبهة القتال **************
المشهد
الرابع *الاستاذ مكي ( الجندي المكلف مكي ) متمدداً في ملجأ القتال على
احدى الهضبات الجندي ( سعد ) مسرعاً يصعد بأتجاه باب الملجأ ، يدخل منادياً
- سعد : مكي .. مكي .. مكي مكي .. مكي .. مكي - مكي : ماذا بك
؟
- سعد : حمامة .. حمامة - مكي ( يجلس ) : ماذا ؟
- سعد : لقد
اصطدت هذه الحمامة *يخرج سعد من معطفه العسكري حمامة بيضاء مكسورة الجناح -
سعد : الليلة .. سنتعشى حماماً .. وداعاً ايتها القصعة - مكي : ماذا تريد
ان تفعل ؟
- سعد : ساذبحها واطبخها للعشاء .. فقد مللنا طعام الجيش -
مكي : اذا فعلتها .. سأطلب محاكمتك كمجرم حرب بعد انتهائها هل يوجد في هذا
الكون شخص يجرؤ على ذبح حمامة ؟
- سعد : دعني من كلامك ايها الرفيق -
مكي : حسناً .. سأشتريها منك - سعد : انها غالية .. نظراً للمكان الذي نحن
فيه مكي : لقد ظهرت روح التاجر فيك .. انت مساوم جيد .. سأشتريها منك
بدينار - سعد : لن ابيعها بأقل من خمسة دنانير - مكي : هل جننت ؟
- سعد :
دعني .. ماذبحها الان - مكي : لا .. لا .. لا .. سأعطيك خمسة دنانير
*يخرج مكي خمسة دنانير من جيبه ويناولها سعداً وياخذ منه الحمامة ويبدأ
بمداعبتها بين يديه .
- مكي : ماذا تفعلين هنا ايتها المسكينة ؟
او ربما ماذا نفعل نحن هنا ؟
نحن الذن افسدنا معيشتك .. هكذا نحن .. ان الجنود اذا دخلوا قرية
افسدوها - سعد : الحمد لله .. الذي بعث لك هذه الحمامة
فهي الوحيدة التي ستسمعك وتحسن الاصغاء ماذا ستطلق عليها ؟
-
مكي : ساسميها .. ساسميها .. غريبة فهي مثلي انا غريب المكان
.. جبهة الحرب وهي غريبة الزمان .. زمان الحرب - سعد : دوختني ..
سادعك مع الحمامة وارجع كي اجلب القصعة لقد حرمتنا انسانيتك
العالية من وجبة حمام لذيذة - مكي : لاتذكر هذا الموضوع مرة
اخرى كي نظل اصدقاء - سعد : سأذهب .. قبل ان تكرهني *يقدم مكي
فتات الخبز مع ما تبقى من الماء الى الحمامة ****************
المشهد الخامس *سعد ينزل عن الهضبة ويصل الى ملجأ آمر الوحدة العسكرية سعد يؤدي التحية للآمر
الآمر
: اتصل بالجميع سنبدأ الانسحاب فوراً هناك عاصفة ثلجية قادمة سعد :
لكن مكي في الاعلى وجهاز الاستقبال عاطل الآمر : علينا تنفيذ الاوامر ..
ابدأوا الانسحاب فوراً سعد : ولكن .. مكي ياسيدي *ينظر الآمر بعين الغضب
الى سعد الذي يؤدي التحية وينسحب من خيمة الامر العسكري.
***************
المشهد
السادس *مكي مع الحمامة في الملجأ وصوت العاصفة يضرب بقوة والثلج بدأ يغطي
الهضبة والتلال المحيطة راسماً لوحة بيضاء جميلة - مكي ( بقلق ) : اين صار
سعد ؟
اخشى ان يكون قد ظل طريقه وسط العاصفة *يلتفت الى الحمامة
-
مكي : هكذا هو دائماً .. سعد .. يتأخر دائماً لقد اصبح البرد
شديداً لا عليك .. سأغلق باب الملجأ هذه الليلة *يأخذ مكي قطعة من
صندوق خشبي ويضعها على باب الملجأ ويعود ليفتح مصباحاً كهربائياً مثبتاً
على جدار الملجأ ، يأخذ الحمامة ويتغطى ببطانيته العسكرية واضعاً رأسه بين
ركبتيه - مكي (مخاطباً الحمامة) : هل تشعرين بالخوف ؟
الشعور بالخوف امر طبيعي .. الامر غير الطبيعي ان لا نشعر بالخوف علينا ان نتجاوز مخاوفنا كي لا نفقد الامل ..
انا متأكد ان سعداً لن يسمح لهم بان يتركونا لا تخافي ..
فالخوف
يأتي من الآخر لكنه ينبع من انفسنا *** المشهد السابع *تعود الذاكرة بمكي
الى ايام المدرسة حيث الاصطفاف المدرسي ورفعة العلم - المعلم : مكي .. اخرج
واقرأ نشيد العلم
- الطفل مكي (بتردد) : نعم .. يا استاذ .. نعم *يخرج
الطفل مكي متردداً بحذائه الممزق ينظر الى حذائه بحياء .. يؤدي التحية
متلثماً - الطفل مكي : عش هكذا .. عش .. عش هكذا *ينظر الى حذائه الممزق ,
تدور به الساحة المعلم : ماذا اصابك اليوم .. مكي ؟
*ينظر مكي الى حذائه
والى العلم والى حمامة بيضاء تطير في سماء المدرسة ثم يسقط على الارض ..
بينما بقية الاطفال التلاميذ يضحكون *يهرع المعلم رافعاً الطفل مكي الى
الاعلى - المعلم : بني .. اقرأ للعلم .. لا لنفسك يبدأ مكي بالقراءة عش
هكذا في علو .. ايها العلم .. فاننا بك بعد الله نعتصم
***
المشهد
الثامن *مكي مخاطباً الحمامة داخل الملجأ - مكي : يومها لا اعرف كيف تغلبت
على خوفي خوفي الذي منعني من الكلام كنت اظن ان التلاميذ والمعلمين وحتى
سارية العلم تنظر الى حذائي الممزق يومها اشترى لي معلمي حذاءً لامعاً وحين
رجعت الى البيت وعرف ابي بالقضية صفعني قائلاً : انا فقدت قدمي وانا اخدم
العلم ولم اسقط وانت سقطت لان حذاءك اخذك عن العلم منذ ذلك اليوم لم اعرف
طعم الخوف لذلك لا تخافي لابد انهم سيأتون لإنقاذنا
*يشتد البرد يتدثر
مكي بالبطانية مع الحمامة يطفئ المصباح وينام *منظر خارجي للثلج يغطي
الهضبة والتلال المحيطة ويسد باب الملجأ بكثافة يستيقظ مكي فزعاً من النوم
ينهض ويتفقد جعبة الطعام الفارغة وخزان الماء الفارغ يبحث في اناء الطعام
الخاص بالحمامة عن ما تبقى من فتات الخبز -مكي : هل تسمحين لي ان اتقاسم
معك طعامك هذا ما يمليه واجب الصداقة عليك نحوي *يبدأ بالتهام القطع
الصغيرة من فتات الخبز ويقدم ما تبقى للحمامة - مكي : كلي .. ايتها العزيزة
عندما يجوع الانسان تتغلب فيه قوى الغريزة بعضهم يتحول الى ذئب غادر عندما
يجوع يلتهم كل ما هو قادر على التهامه ما يميزك ايتها الحمامة انك تبقين
حمامة مهما تغيرت الظروف عليك ان لا تثقي ببني البشر جميعاً - يضحك - ها …
ها .. باستثنائي طبعاً فانا صديقك لم تغير الجندية التي اجبرت عليها من
طباعي شيئاً .. اطمئني صدقيني حسناً سابوح لك بسر لا يعرفه احد حتى صديقي
(سعد) تعلمين انهم كلما كلفوني بزراعة الالغام كنت ازرعها وانزع فتيلها
الصاعق .. نعم لقد زرعت آلاف الالغام لكنها ليست سوى قطع خردة مدفونة لا
تنفجر .. اياك ان تبوحي بسري هذا لانهم لو علموا ذلك سوف يعدمونني بالرصاص
بتهمة الخيانة حين تنتهي الحرب سارفع رأسي لاني لم اقتل احداً .
لقد مر
يومان ولا خبر من سعد ولا السرية ولا احد يسأل عنا * يحاول مكي ان يفتح
باب الملجأ لكنه يعجز عن ذلك بسبب الثلج المتراكم يعود مرة اخرى مخاطباً
الحمامة *مكي : لقد بدأت اشعر بالجوع الشديد والعطش ماذا سنفعل *ينظر الى
الحمامة بطرف عينه -مكي : لا .. لا تفكري بذلك ابداً انا .. كلا .. كلا انا
لا اخون الصداقة .. لا تفكري حتى بذلك يا غريبة مهما صاح بي الجوع لن افكر
في اكلك كلا .. كلا .. من يجرؤ ان يذبح حمامة واي حمامة .. صديقتي الجميلة
الوحيدة في عالم الحرب الموحش هذا *يبدأ بزرع الملجأ ماشياً ذهاباً
واياباً ثم يتغطى بالبطانية وينام مخاطباً الحمامة - مكي : تعالي .. اطمئني
..لا تخافي مني .. تعالي ونامي معي
***
المشهد التاسع *سعد مع
مجموعة من الجنود يزيحون الثلج عن باب الملجأ بالمجرفة - سعد : مكي .. مكي
.. يا صديقي هل ما زلت على قيد الحياة يخرج مكي من الملجأ وفمه ملطخ بدم
الحمامة وقد نهشها باسنانه - سعد : الحمد لله .. على سلامتك .. يا صديقي
العزيز .. لقد خفت عليك كثيراً - مكي : لقد ذبحتها .. لقد ذبحتها ونهشت
لحمها قبل وصولكم بدقائق لو اني صبرت قليلاً .. لو انكم وصلتم قبل قليل -
سعد : يا لك من خبيث .. كنت تدعي الرقة لقد خبأت الحمامة لمثل هذا اليوم ..
يا لك من خبيث *يضحك سعد بصوت عال *تتصاعد اصوات اطلاقات نارية كثيفة -
احد الجنود : ماذا حصل .. هجوم جديد ؟ -الامر : كلا .. هذه ليست اطلاقات
هجوم *المخابر يركض باتجاه الجنود -المخابر : البشرى .. البشرى .. سيدي ..
لقد انتهت الحرب لقد انتهت الحرب *يسقط مكي على الارض بعد ان يصرخ صرخة
شديدة
***
المشهد العاشر
يسقط مكي من سرير غرفته يفتح النافذة
ويبدأ باطلاق الحمام هاتفاً -لن افعلها .. مرة اخرى .. ولن اسمح بذلك لن
افعلها .. ولن اسمح بذلك *منظر الحمام وهو يطير على شكل مجموعة في السماء .
نية ونهضة الكتابة الابداعية