إسماعيل إبراهيم عبد
إن علم اللغة بما يحوي من (علوم
للدلالة والاشارة) لهو في نهاية المطاف سيعمد إلى توليد النصوص. والنص
بعدّه موضوعاً أو عدة مواضوعات فانه سيحافظ على عناصر محمولاته الدلالية
(الأيقونة/ كجامع ادلة لموضوعات أولانية - والمؤشر، كحدث ظاهر يدل على حدث
غير ظاهر – والرمز، كممثل لتأويل عن عنصر ظاهر يدل عليه) مثل هذا الموضوع
سيقام على أساس الانسجام الاشاري والدلالي والتنغيمي وهو سيحظى بأولية
صياغية تحتوي على حقول للفهم الدلالي (يسميها د. عبد اللطيف محفوظ حقول
التناظر، مؤلفة من حقل التناظر السياقي، معادل للمدار بفهم إيكو = أداة كشف
مظهر الموضوعات، وحقل التناظر الاصغر، معادل للمناط الجامع = النوى
الدلالية المركزية، وحقل المجال = الفضاء، وحقل البعد الاكبر = مساحة عرض
الانسجام النصي للموضوع)(1).
للنصوص كلها بعدان أو محوران هما المحور العمودي ومحور التنغيم الاشاري، وعند دمجهما(2) معاً يمكن متابعتهما بالشكل التالي:
تركيب المكوّن البؤري:
ويتكون
من العوامل الخاصة بالمرسل والمرسل إليه والذات والموضوع والعوامل الفاعلة
المساعدة الاخرى. ومن أهمية هذه العوامل إنها تَمْثُل في جزئية هذا المكون
وتتعمم في بنيات النص الكلي. وكون المكون مركباً وعميقاً فلأنه يحافظ على:
1- احتوائه على مساحة دلالية واسعة تضم تنويعاً لكل من المجال والنسق والبعد.
2-
إن عوامله من العناصر التي ترسو عليها فعاليات الخطاب التداولية، كون النص
جملة خطابية كبيرة تحتاج إلى أطرافها وموضوعها وإطارها لتستكمل شروط
تداولها.
3- هذا المكوّن يساعد على الانفتاح والتدرج
من النص إلى الخطاب إلى الوحدات المقطعية إلى الجمل ذات العمق التنغيمي
الذي هو نظام ذهالي لتمرير لحظة الابداع، وهذا يعني أن هذا التركيب انعكاسي
وارتدادي فيما يخص ديناميكية النص التداولي.
4-
يساعد على إنماء التفاعل النصي بعدّه " بنية لها ملامحها الخاصة تتفاعل مع
بنيات نصية خارجية سابقة أو معاصرة"(3).
5- يعمل على
إحالة النص إلى مجمل نشاط اشاري وعلائمي منتظم بتنميط يشبه التموج الصوتي
عند انسجام هذا النشاط مع مجمل التنغيم الفكري الذي سيحال إليه العمل
جميعاً " أي غائية القصد النصي الكلية ".
التناغم الدلالي العمودي(4):
وهو
يعني بمادة النص التي ستخضع للرصد والتصنيف والتشكل بمستويات، التركيب
النوعي، والتحويل الديناميكي، والعمق الموضعي، وهي تتناغم فيما بينها وفق
علاقات التوافق الدلالي المعمِّق لعمودية المعنى السياقي. فالتشكل النوعي
هو النظام اللغوي الذي يحيل النص إلى خطاب قابل للقراءة، وهذا مؤول أولى
للعمودية الدلالية المكونة لصيرورة الاضمار المعنوي والتي ترتبط اشارياً
بالتغيب الوقتي لصورة الواقعية القولية "الخبر". وإذا ما وضح هذا التشكل
مظهرياً فهو انتقل إلى مرحلة التحويل الديناميكي العاملة بنظام التتميم
والتوالي الجملي والقولي. ومن ثم الترتيب الهيكلي للمعنى الغاية، والتي من
اهم فعّالياتها قابليتها على توليد نصي متعدد الإحالات، أي توليد مظهر
الدلالة الكبرى، يسميها البعض، عبارة القصد، وأسميها "العمق الموضعي" لأن
هذا الموضع مختزل ومعبر عن جميع متجهات المعنى الدلالي الأشمل.
وفي مجمل
المتابعة لهذا المكون نعي إننا إزاء "مادة" مكونة من أدوات وأفعال، وحركة
تنظيم ناتج المعنى الدلالي الشامل المغتني تناغم فكري عمودي.
ولو أن
نصاً توفر كلياً على هذا المكون لعرفنا أن مادة النص هي أسطر الكتابة ذات
المظهر الملغز والمشفر مموه الإشارة. وهو ما يضعنا أمام ضرورة تفكيك هذه
المادة إلى "أدوات وأفعال" ولسوف نجد شكل الكتابة جزءاً من الأدوات، وكذلك
شكل ونوعية الطباعة، بينما تكون الإشارة الحركية تعبيراً عن لغة نص. وبوحدة
الأداة والتعبير يشكل الفعل صورة نشاط حيوي يشيع في النفس النشوى
والابتهاج – حسب تعبير سعيد يقطين وايتالو كالفينو. ثم أن تناغم الدلالة مع
حركة الافعال هو الذي يبرر التكوين الدلالي العمودي ويجعله منظم "العمق
البؤري للنص بكامله"، ضمن الترتيب التالي
*تناغم ذهالية التركيب النوعي مع الأدوات
• احالية التحويل الديناميكي مع الأفعال
• بؤرية الدلالة الكبرى "الموضع" مع حركية الموجه الفكري
التآلف الأدائي والقرائي:
هو
مكون القدرة الأدائية للتداول النصي كجزء من وظيفة اتصال (النص، الخطاب)
بالآخر، الصائغ الثاني للنص والمتلقي، ونعني أن المؤلف الأول والثاني
والمتلقي يقعون على مسافة واحدة من مبتغى النص، ولسوف يصير كل نصٍ قابل
للتداول القرائي نصاً أدائياً، ضمن دائرة التواصل، "الأداة، الوسيط، الفضاء
الشبكي" – حسب منظومة التفاعل النصي لسعيد يقطين..هذه التوليفة الثلاثية،
هي الصائغ الثاني، وهو بعمومه، أصيلاً كان أم مكتسباً سيؤازر تعدد
الموضوعات من خلال الاحالات المرجعية والهامشية والتصنيفية إضافة إلى
التنسيق النوعي بين الأداة كإمكانيات مكتسبة، وأُفق الوسيط، وحجم الفضاء
الشبكي مما يخلق فضاءات اخرى خارج النص منعكسة داخل منظومة الفضاء الرقمي،
"الذي نعني به مجمل مكونات النص الكتابية والبيانية والصورية والسمعية
والمرجعية".
متمثلاً بعدد التعليقات والمشاركات ومرات التصفح، مقترحات
الاضافة.. كما أنه قد تؤدي إلى استفتاء "الجودة" التي سيترشح عنها المرتبة
أو المكانة النصية بين جموع النصوص المحايثة أو الأسماء المتصفحة، وقد يحصل
أن يلجأ البعض إلى تغيير اللغة كمحصلة لمحاولات التوليف الأدائي.. وقد
يكون الأداء هذا نصاً غير قابل للاعادة، أي أن النص الاصلي سيتوزع بين نصوص
القراء وهو ما يؤشر عمق التنغيم الفني والفكري الذي عليه النص التداولي
الجديد.
ذهالية التداعي الذهني:
التداعي الذهني مكون استثنائي يشمل
حالتي الوعي واللاوعي الكتابي تدل عليه بعض النصوص التي تحتوي درجة من
الإبهام قد تشكل على مؤلفها ومتابعهُ لكونها خرجت بطريقة لم يُسيطر عليها،
وهذا التداعي قد يكون حراً يسترجع مصادره من تنميط نغمي يشبه ذاكرة الطفولة
المستعادة، أو حلمية الانفلات النفسي من قيود الوقائع المنظمة. وقد يكون
بالعكس من ذلك، وبنفس آلية الحلم، حين يقع لاضمن الاستعادة، بل ضمن إحالة
التنبؤ والحدس اللذين لا يخضعان لقانون المنطق ولكنهما صادقان. وهو ما يجعل
الفرق واسعاً بين بنى جزيئات النسيج من حيث الدمج والتوزيع والقواعد،
ويحدثان معاني لم يقصدها كاتبها، ولسوف يستغرب عندما يعاينها الآخرون
بوضوح.. هذا التداعي يقع كممارسة شبه صوفية كونها تخلق لنفسها نظاماً
اشاريا تسير علاقاته وفق قوانين غير منظورة عن إمكانيات الكاتب، وتعد طفرة
إبداعية في اشتغالاته المعتادة.
لكن هذا التداعي قد يصير مقيداً حين
يتماسك المنتج في مداركه ويضبط وسائل عمله ويدرس حالاته الإبداعية جيداً،
في ظروفها وآلياتها وأدوات تنفيذها اللغوية، حين يستثمر حالاته السابقة غير
المقيدة فيقيدها بعقلنة تشمل التصويب والتبويب والتشذيب اضافة إلى وعي
التصور السابق للعمل مما يسمح له بتطوير قوى الابداع لديه بقصدية وتخطيط.
مكون
التداعي الذهني الذهالي يتبعه نوعان من الاجراءات هما "الظرفية، أي
الارتداد المباشر – كتابة – من الاشياء البصرية إلى الذات المبدعة، ومن ثم
اندفاع البواعث شبيه العبقرية لصياغة إبداعات استثنائية مستلهمة دلالتها من
ذهالية الفرد بالاشياء، بظرفية وآنية الكاتب لحظة الكتابة".