ماهـية الشـعر والتـطورالتـكنولوجي
صلاح جلال
تطرحُ تساؤلات حول ماهية و مصير الشعر في اللحظات الملغومة بلهيب التقدم
والاتصالات، وكيفية تفاعلاتها وتحولاتها..كيف تنسجم هذه الماهية مع
التطورات العلمية، وهل تبقى تراباً قدام عواصف التكنلوجيا؟ وكيف تتجانس
معهما، وماهي ادلة ابرازها لإبقاء خطابها في المستقبل؟
هذه التساؤلات
تغمرنا في الوجود، نلتهب بين اليقظة و الحلم ، بين الواقع والخيال، و
اشكاليات الحروب في المستقبل. التي تشن حربا وجوديةً في المقارنة بين طبقات
جديدة من عمال المعرفة وطبقات البشرية.من هنا يجب ان نميزعلاقات البشر
بالمعنى الواقعي والمعني المجازي بالشعر، ومن الصحيح تتأتى الآراء لدى بعض
المتسائلين بانهيار الشعرأمام التقدم التكنلوجي، وهذه الخطورة تشن حرب
الوجود، تنفخ هذه الآراء من دون تصنيفات للشعر والتكنلوجيا و دون قراءة
للحالات النفسية البشرية، ومن دون وعي التغذيات من سايكوتاريخية وأجتماعية
وثقافية وعلمية و ادبية.ان الشعريحمل عدة معان دلالية ورمزية، في المعني
الواقعي في خيالنا وروحنا ولغتنا وفي المعنى المجازي أسطورة في اللا وعي
تستحضر دائما في الوعي، الشعرفضاء يحتل الفكر، كضرورة تغذوية لامرئية
للتفكير وضرورة كاللغة داخل نفس البشر، يستنتج من المنلوج الداخلي لكل
الشخصيات، تُحيي اللغة من اللالغة، بمعنى صورة تفاعلية، كيف تنفصل وتبتعد
من مخيال؟..في حين هي قوة وطاقة وفضاء ومكان وزمان للمخيال ، بأختصار فكري
أن الشعر يولد مع دغدغة، وحليب الام، كتاب تبدا من السيرة الذاتية
اللاشعورية ، وهو هوية لرضاعة، وتتسع مع مساحة العمرثم تنتقل الى مراحل
الشعور، يستنتج مع مراحل لغتها الطفولية والجماعية والثقافية، هل بأستطاعة
البشرأن يتنحي عن فكره ووجوده؟ عن الحلم والرؤيا والتفكير؟، حسب تعبير
(لاكان) الأنسان دائما يعود الى مرآة لطفولته، وبهذا ان الشعر هو الرؤيا
المخزون في نفق اللامرئي في مرآة الوجود، ينتشر بأغنية الأم ودغدغة
الرضاعة، سجلٌ لم يخلُ من النظرة والتفكير، وهذه المعالم الملصقة بشخصية
البشر كسرطان لم يعالج في الوجود، وهو اصل المنلوج بالمعنى الباختيني أحياء
اللغة، اي كيف يتحرر الانسان من المنلوج الا بعد موتها؟. و ينتقل هذا
السرطان الى عصفور فوق الشجرة بما يفكر باغنيته و عامل المعرفة بما يفكر في
الحاسوبات العقلية. من هنا سؤالنا حول ماهية الشعر وأنعكاساتها و
تأثيراتها على البشر وكيف تؤثر عليها التكنلوجيا بأتساعها في قريتها
الكونية، وما العوامل التي تخرج الشعرمن سلاسلها؟ من طقوس هذا السؤال نصل
الى غلق وفك الوجود، ونبدأ بعدم السؤال واتساع الجواب في زمن موت الفلسفة،
بمعنى موت السؤال، هنا نجد في أنغمار التصادفية لتساؤلات الوجود في
أبحارقضايا القرن وما بعدها، يجب ان نميز وظيفة التكنلوجيا، بين الفكرفي
العقل والحلم في النفس، وتنبؤات للمستقبل، هل تحل التكنلوجيا محل النفس
والفكر والروح والشعور والشكوك والقلق والأنغمارالبشري؟ هل يتجانس معهما؟،
من هنا تستحضرالفلسفة بشكل لامرئي ولاشعوري في وعينا، وندرك بها، يجب ان
نقرأ الرموز واشارات ودلالات في زخرفة الفضاء، من يتسائل؟ من يفكر؟ من
يستيقظ ؟ كيف نميز الكلام النفسي من الكلام الصوتي واللغة المكتوبة ؟ ومن
جانب آخر، سؤالنا حول التقنية، هل بأستطاع التقنية ان تتقدم دون فكر
للأنسان، نيوتن أدرك بحقيقة سقوط التفاحة فأنتج النظرية النسبية، وان هذه
الاستنتاجات في الفكر وانفعالاتها في النفس مماثل بالشعر، سيحولنا الى
تساؤلات جوالية في سراب الفكر كي تملي على اللغة، بأن التكنلوجيا ضمن
ايجابياتها تحمل جوانب سلبية، بأبعادها من الفكروالحلم والروح، ويقظة مع
الوجود، وأبعادها من خصوصيات الحياة ومن الموروثات والموجودات، يخلق فضاء
للخيال و الشك والقلق والتفكير والبحث لعودة البشر الى الشعر بضرورة أكثر
بكثير من السابق، بشكل الخلق والإبتكار. ومن جانب آخر يجب ان نقوم بتصنيف
آخر من القصد التكنلوجي من تفرعاته.. ان مهمة الاتصالات على الشعر ان يحول
الى أدب تفاعلي ويدخل على الشبكة بشكل ابتكاري، ومن جهة ثانية خطورة بعض
التفرعات التكنلوجية تنكشف في دلالات الشعر وهو يعبر عن نفخ وماسحة و لهيب
النهائي للوجود. من هنا نستنتج على اشكاليات الشعر، مابين خصوصياتها و
قوتها الداخلية لأنعكاسها على العالم الخارجي، كيف وبأية طاقة سينتشر سرطان
في الوجود، وهذه النبضة تولد من تصميم للحروب الكونية، بدلا من مرض ما
يقوم بتكرار تراجيديته، العالم التكنلوجي اختصر العالم الى خاتم ويجب على
الشعر ان يختصرالى خرم الأبرة، ويقدم تنبوآته لتصميم الكون و عمال المعرفة
كيف تنفتح التكنلوجيا على الوجود وماهي آفاقها وخيوط تطوراتها، ومستنتجاتها
وثمراتها في الأزمان، وسيأتي هذا من ايجاد تسؤلات حول ماهيتنا، هل لدينا
خلفية ثقافية لدخولنا الى الادب الرقمي وما هو تفكيرنا بانشغالنا نحن نحول
انفسنا من العمال التقليديين الى العمال المعرفيين؟
(كيف نعيش عصرنا؟
كيف يمكننا ان نفكر رقميا؟ كيف يمكننا ان نكتب رقميا؟ وكيف يمكننا ان نقرأ
رقميا؟هل طرق التفكير والكتابة التي انتجناها في غياب الرقميات والوسائط
المتفاعلة هي نفسها التي علينا مزاولتها في حضوره).من البديهي ان سرعة
العصر تؤثر على اختصار الشعر بشكل دلالة الوردة التي تنعكس فيها الوجود، لا
يبقى مكانة للشعرالرديء، و ضرورة الشعر في أنه يغطي جسدنا وروحنا، تولد
اغصانها من جديد. أن التكنولوجيا لم تحل مكان الشعر، لأن الشعر يولد
ويُحََفز من كلام النفس وليس بأستطاعة التكنلوجيا ان تتقدم الكلام في
النفس، عدا الكلام المنطوق،(منطوق ومسكوت) فبحثهما مختلفان في الشكل و
المضمون، نذكر نموذج سؤال (هيدجر) هل باستطاعة احد ان يترجم لغة
الرياضيات؟ ونتسائل حقا، من يترجم كلام النفس؟ هذا وعدة نماذج تصلنا الى
أحاطة بحقيقة الشعر، حيث اعتبر بانه اقوى رسالة في التاريخ هو الشعر، لأن
الشعر يعيش في الفكر والنفس، مرآة مصيرنا، وأنعكاس تجاربنا، وهو أسبق موروث
بشري، من روحنا وفكرنا ونفسنا، واستشهادنا، مقارنة هولدرلين بآلة الحاسبة،
كلام هولدرلين يحفر في الحفريات، ومتسائل ذات علاقة بالمعاصرة، دائما
متجدد ومتنبيء، أشارة على أبراج الحياة، واما آلة تطورعبر فكر الانسان
بتجاربه، من هنا تجاوزت الرسالة الشعرية من العالمية الى الكونية، ووظيفة
الشعراء تحولت الى تصميم خرافي، وهو يقرأ رموزاً ودلالات وشفرات
المستقبلية، ويشير لنا بأن مستقبل التكنلوجيا هو محو او ابقاء. ونقطة رئيسة
بان العولمة لم تؤثرعلى قلة قراء الشعر، بل ان الشعر اليوم يمر في حالة
متداولة وتقليدية، بسبب ضعف خطابه، وتداوله على ضمير الأول وقصد وتعبيرات
النفسية الذاتية لأنا، لم يبق شي من الشعر، وأن وعيا للذات لايمكن أن
يفسربلغة الأنا، وبهذا يحيي الشاعرالنص او يقتله ، يجب ان تحول الرسالة
الشعرية نحو الآخرين، وتتكون من انا التقليدي الى تصميم، من مساحة ضيقة الى
الكونية، الى مجاميع في الخطاب الشعري للأجيال، وشأن لهذا الشاعرهوالشخص
المشارك في الحروب الكونية، وتنعكس مخزوناته في النفس الآنا التي تنعكس
فيها تاريخ ومصير البشرية، وان حلمه كوكب العالم، وتخرج من هذه المعالم قوة
شعرية بأنشاء صورة جديدة للعالم. من هنا ان الصورة الشعرية تولد من الحرب
الكونية النفسية للذات التي تعبر عن الاخرين وتحل محل رؤياهم، ومن جانب
آخرتولد تساؤلات آخرى هل نستطيع ان ندخل رقميا؟ من الضروري دخول الشعر الى
الادب التفاعلي كيف يحتل المكانة في تسابقات الاجناس الادبية الاخرى؟ كيف
يختصر صورته الى سنبلة من رؤياه للعالم، وهذه الضرورة تشمل ثقافتنا كما
اشاراليها الاستاذ سعيد يقطين:(ان رهان الثقافة العربية ومستقبلها موصولان
بأقتحام العصر الرقمي بوعي جديد وبرؤية جديدة.اما العيش فيه بذهنية تقليدية
فلن تسهم في تطورنا البتة).
وبهذا تجد علاقة ستراتيجية بين الشعر
والالة وتسبق الشعر اجناس اخرى في عملية القراءة في الأدب الرقمي، ومن جانب
آخر ان الأدب الرقمي تتفرغ مساحته دون تغذية للأدب وبالأخص الشعر، تتسنى
علاقة بين الأدب و الآلة الى حد مغاير، والسؤال الضروري هو احياء الشعر من
تاملات الماضي وأحداث اليوم، وغرائز المشاعة الي خطاب كوني، وتجانسه للدخول
في التفاعلات في الادب الرقمي. وهذا امر صعب كما يشير الاستاذ سعيد
يقطين:(ولايمكن ان يتحقق ذلك بالطريقة المناسبة دون تجديد الكتابة
العربية).
من هنا نجد في محمولات تساؤلات خطيرة في مشاريع ثقافتنا
المحملة بالطائفية والعرقية والسلطوية والدينية، كيف يستحضرلتقديم نفسه في
تجانس مع الالكترونية ؟ وكي يحررمن القيود ويؤسس خطابه، وكيف تنطلق مفاهيم
الشعر من مابعد انشاء الكون؟
سؤال جدي يحمل جذور موروث تأريخي وفكري
ومعرفي وسياسي وأجتماعي، وهو يستحضر في ثقافتنا، في كل اللحظات، بحث عن
الثقافة العراقية بشكل موسع خطيرالى درجة أتساع مالانهاية له، وليس
للثقافة العربية أنشاء ثقافي متكامل بسبب انقطاع الثقافة من ازمان غابرة
بتفوقه على العالم وركوده في الوقت الحاضر، ويأتي هذا من عدم وجوده من
الثورات البورجوازية والصناعية والثورات الجذرية، كما يشيراليها،(د,فيصل
دراج)، بهذا ان الثقافة العربية لم تصل الى استنتاج في العلوم، والفلسفة،
ودخولها في الشكل والتجانس والتوصل للأدب الرقمي من مهمة اختراع عمال
المعرفة، لتقدم في هذا الابداع الجديد، وينخرط الاستاذ سعيد يقطين لتسلح
بشيئين متضافرين:(هذان الشيئان هما: المعرفة العلمية والتكنلوجيا. والقاسم
المشترط بينهما فهو:العلم المؤسس على قاعدة معرفية وفلسفية.لطالما مثقفونا
بالعلم ذي البعد الانساني، مركزين على علم خاص جدلي لأننا نرفض الوصف
والتفسير، ونظل نحلم بالتغير.ولما فشلنا في تحقيق التغير،لأننا لم نهتم
بالعلم).
ومن جانب اخر نستنتج في حفرالثاني هوعلاقات السلطة والمعرفة،
وكيفية أنشاء الأول على الثاني وبعكسه، والدول العربية بحاجة الى الثورات
الجذرية من كل الميادين، والمهام يبقى على دور المثقف، هل بأستطاعة المثقف
العربي أن يقوم بتغييرات جذرية ؟ مثلما يشيراليها (علي حرب).
(قارئ يقرا
ولايهتم، قارئ يقرا ويهتم ولايستنتج، قارئ يقرأ، فيستفيد ويتأثر، ولكنه
ينكر الأثر.قارئ يتأثر ويعترف، بقدر ما يحول الأثر الى قراءة منتجة، تنطوي
على الجدة والأضافة. ومثاله على القارئ الأخير(صقر أبو فخر).
من هنا
فبحث المثقف النخبوى متعلق بمدى العقل الواسع وأنشغاله في عمله الفكري، هو
يفتح مجالا للفكرلا لتسمية العناوين. والمثقف العربي لديه حضور جدي و بحاجة
الى الأندهاش النقدي وحركة من كواكب المستحضرين و ان تشن عواصفهم الثقافية
لكي توحد المثقفين على أرض الأبداع. ومهمة الشاعر من هذه المساحات الفارغة
هي ملء الفراغات و تميئيات للسرابات وحفريات في الموروثات اليابسة، وعملية
الأبتكار في تحويل الشعر الى ادب تفاعلي وثم يخطو نحو سيبرنيطيقا دون ان
نحس به، لذالك حرب الشاعر اكبر حرب في محيط الكلمات، ان يقوم باشعال حرب
فكرية في الكون وان يقدم لنا خارطة من جلدنا. ونختصر كلامنا بأن التكنلوجيا
ستفتح آفاقا جديدة للشعر والأدب.