حسن الكعبي
يشغل تحديد موقع المرأة وحقوقها في المجتمع العربي، حيزا كبيرا
في الفكر العربي المعاصر والمتاثر بطروحات الحداثة التي انطلقت بوادرها في
فضاء الفكر الغربي، والذي اكتشف ان عمليات التحديث والمعاصرة والديمقراطية
لن تتم أوتفرض تطبيقاتها مالم يتم ربط المرأة بحركة المجتمع والتاريخ بشكل
عام، بعد ان كان تغييبها وتهميشها في الفكر التقليدي هو السبب الاهم في
التخلف الذي شهده المجتمع الغربي في حقبه القروسطية.
وبالتالي تقييد
حركته نحو التطور الذي بدأ يشهده مع تفعيل مفاهيم حقوق المرأة التي
بموجبها لم تعد المرأة الغربية ذلك الهامش والمهمل في اطار المستويات
المادية والمعنوية اي انها لم تعد هامشا في حركة المجتمع والتاريخ وفي
مساحات الفكر النظري، وفي اطر هذه المستويات اصبحت كائنا اجتماعيا فاعلا في
حركة التاريخ والفكر.
بيد ان هذا التحديد في الفكر العربي شهد نحوا من
التطرف والمغالاة في اطار الدعوة للمساواة والتي تضمر نسقا لا يتلاءم مع
المعلن، بمعنى ان الدعوة للمساواة وهي مقبولة في الظاهر تحمل نسقا مضمرا
يشير الى الالغاء،أي الى الغاء الرجل بوصفه سلطة بطريركية او سلطة فحولية
بتعبير- الغذامي- الذي وفي اطار استلهامه لنظريات النقد الثقافي المعني
بالمهمل والمسكوت عنه والذي تندرج في سياقه المرأة في تمثلات الغذامي
النظرية التي عبر عنها في سياق مشروعه النقدي الذي اتخذ عنونة دالة هي
(المرأة واللغة) والذي تمخض عنه( تأنيث اللغة ) و(ثقافة الوهم) وبعد ذلك
(تأنيث القصيدة) في اطار نزعته المضادة للتفحيل .
تظهر النزعة المضادة
للتفحيل في مشروع الغذامي ميلا للتأنيث او التخنيث للغة والفكر في سياق
دعوة الغذامي الى اعادة اللغة الى الأصل الأم باعتبار ان اللغة في جوهرها
انثوية قبل اخضاعها الى هيمنة السلطة الفحولية التي شعرنت اللغة ومنظومة
القيم، ومن هذا المنطلق فان الغذامي بانتصافه للمرأة يعمل على الغاء واقصاء
الفحولة والتفحيل في الثقافة العربية بل اقصاء الرجولة بشكل عام والى هذا
المعنى الاقصائي الذي يبث انساقه مشروع الغذامي تشير الكاتبة - ضياء
الكعبي- المتحمسة لمشروع الغذامي ( ان احدى قارئات الغذامي قالت:احمد الله
اني قرأت الغذامي وانا غير متزوجة والا فان مصير زوجي كان سيؤول الى ان
يقطع اجزاء في كيس نفايات).
تتماهى اطروحة الغذامي هذه مع اطروحة ( نوال
السعداوي) وان بشكل مضاد، ذلك ان السعداوي تدعو الى تفحيل المراة في
مشروعها النقدي، ولذلك فان المفكر الكبير (جورج طرابيشي) يرى ان نوال
السعداوي تسعى لتدشين نزعة مضادة للمرأة، وذلك ما اظهره في تنقيداته
للسعداوي في كتابه الذي اتخذ عنونة دالة هي ( المرأة ضد المرأة في أدب نوال
السعداوي ).
سبق لمفكرين كبيرين هما ( محمد عابد الجابري ومحمد اركون )
معالجة موضوعة المرأة في تمثلات الفكر العربي المعاصر في اطار مستويات
مختلفة ولكنها في المحصلة الاخيرة تصب في سياق حقوق المرأة في الفكر
العربي، فقد باشر الجابري بمعالجة موضوع الحجاب وكون المرأة فتنة يجب
ممارسة الحجب عليها، وذهب الجابري في اطار تفكيكه الابستمولوجي العميق الى
ان مسألة الحجب هي نتاج انحراف في عملية التأويل للنصوص الاولى التي نصت
على قضية الحجاب، فالجابري يشير الى ان آية الغض من الابصار تتوجه الى
الرجل قبل المرأة بدليل ان الآية القرآنية جاءت على هذا النحو (يا ايها
الذين امنوا غضوا من ابصاركم) وهو خطاب واضح التوجيه لمجتمع رجولي،وهو ما
يؤكد في تصورات الجابري ان الدلالات السائدة التي تتوجه الى المرأة هي
دلالات متنزعة من التأويل في سياقه الايديولوجي الذي يسعى لان يحجب الدلالة
الحقيقية في المستويات النصوصية الاولى،ويتابع الجابري مفهوم الفتنة في
سياق تاريخي اركيولوجي يستعيد حادثة الاغواء في قصة نبينا ادم وحواء
(عليهما السلام)،حيث يشير ان التأويل الايديولوجي يبني على هذه الواقعة
احكام الفتنة بحصرها بالمرأة بوصفها نموذجا للإغواء في حين ان السورة التي
تسرد هذه الواقعة تؤكد بوضوح ان الاغواء هو ممارسة تسري على جميع البشر من
قبل الشيطان وقد كان ضحيتها ادم وحواء على السواء فمن المعروف ان الحادثة
جاءت نتاج خروج ابليس عن طاعة الله وتوعد الاول باغواء البشر اجمعين
ولاتوجد اشارة الى ان بادرة الاغواء كانت من حواء في الحادث القراني ولذلك
فان المرأة في تصورات الجابري مفترى عليها في العالم الذكوري .
من هذا
المنطلق فان نزعة الجابري هي نزعة تصب في اتجاه تفعيل الحقوقيات الانسانية
في الفكر العربي،أي انها لا تعمل على اقصاء الرجل لصالح المراة كما في
مشروع الغذامي وانما الى ادانة التأويل الفحولي في مستوياته الايديولوجية
والعودة الى النصوص الاولى واعادة تأويلها تأويلا حقيقيا بعد ان تم
تحريفها وبعد ان اسقطت عليها التأويلات الايديولوجية .
يلتقي المفكر
الكبير (محمد اركون) في السياق ذاته مع الجابري، ففي كتابه (نقد العقل
الديني ... من الاجتهاد الى التأويل ) يرى اركون ان مسألة ميراث المرأة كما
نص عليها القران بشكل واضح قد تم تحريفها تأويليا في المجالات الاجتهادية
لرجال الدين الذين اعادوا ربط مسألة الميراث بالتمثيلات الجاهلية الفحولية
التي تعارض القران بشكل واضح، ولتبرير هذا التعارض فقد ابتكر رجالات الدين
مفهوم ( الناسخ والمنسوخ) والذي يرى اركون انه مفهوم تبريري صنع في معامل
الايديولوجيا الذكورية والا فما معنى وجود آية (الكلالة) في القران – كما
يتساءل اركون– دون العمل بها؟ تحت ذريعة انها منسوخة،ويكشف اركون عن
مفارقة في مجالات مفهوم الناسخ المنسوخ من خلال اشارته الى ان رجالات الدين
يشيرون الى ضرورة التعبد بالايات المنسوخة ولكنهم في الوقت نفسه يحرمون
العمل بها، وهو تناقض واضح يؤكد الدلالة الايديولوجية في هذا المفهوم الذي
يسعى ان يعطل احكاما تمس حقوقيات المرأة.
ورغم ان اركون يتابع تمثيلات
هذا المفهوم اركيولوجيا الى انه لا يسمي الفترة لظهور المفهوم وهي الفترة
العباسية رغم انه يشير الى شخصيات ظهرت في هذه الفترة وكان لها الاثر في
تدشين هذه المفاهيم،لكن تسمية هذه الفترة يخدم استنتاجات اركون حول
ايديولوجية المفهوم، فظهور هذا المفهوم في العصر العباسي كان الاساس في
قيام دولتهم في صراعهم مع العلويين وذلك بالعودة الى نظرية الصلب الجاهلية
التي تحرم ان ترث المرأة ابيها في حال وجود ابناء عم صلبيين له وهي نظرية
تعارض القران ولكنها في اطار مفهوم الناسخ والمنسوخ عطلت وتم تبريها
ايديولوجيا،ولذلك فان العباسيين في اطار هذه النظرية يكونون هم الورثة
الحقيقيين للرسول دون الزهراء وابنائها من جهة، ومن جهة فانهم شددوا على
روايات كفر ابي طالب لكي لا يتسنى لعلي وابنائه ان يرثوا الرسول باعتبار ان
ابي طالب في اطار نظرية الصلب بالامكان ان يرث ولكن كفره يحول دون ذلك،
ومن المجال العباسي دشن المفهوم الايديولوجي الذي كشف اركون عن مستوياته،
ولذلك فانه يذهب الى ضرورة اعادة الارتباط بمفهوم حقوق المرأة في سياق
العصر الكلاسيكي للاسلام وتعطيل التأويل التالي على هذه الفترة وهذا ما
يجعل اركون يلتقي بتصورات الجابري واستنتاجاته التي تصب في مجال ايجاد
مفهوم حقوق المرأة والحقوق الانسانية بعيدا عن التطرفات التي سادت اغلب
التصورات الفكرية في اقصاء الرجل بوصفه سلطة بطريركية فحولية
السبت أكتوبر 20, 2012 1:54 pm من طرف حمادي