صلاح حسن السيلاوي
نتحدث كثيرا، وربما بنرجسية عالية،
حينما نذكر هاتين الكلمتين ( النخب الثقافية )، يقولهما البعض بكلاسيكية،
ليعني المثقفين من الأدباء حصرا، ويريد بهما البعض الآخر، ما تستطيعانه من
المعنى ، إذ تمتدان لتشملان علية المثقفين من كل شريحة اجتماعية، والنخب
بهذا الوصف مسؤولة عن تطور البلاد أو تخلفها، فكل إيجابي أو سلبي في
العملية السياسية، مثلا، يدل على مستوى وعي النخبة السياسية، وينطبق ذلك
على جميع النخب.
إذن أين يكمن سبب تدهور واقعنا، ما دام الأمر كله بيد
النخب المثقفة؟ أليس ذلك غريبا؟ كلما سألت سياسيا عن أمر خلافي، أجابك بأنه
من المثقفين، نعرف وجود مثقفين كبارا في اختصاصات عديدة، وعلى الرغم من كل
ذلك نجزم جميعنا بتراجع مستويات اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا الأدبية كذلك.
ورثنا
تاريخا كبيرا، وورثنا معه وهما بعصمة ذلك التاريخ وخلوده، وهم منعنا من
تفحص مفردات ذلك التأريخ وقدراته المطحونة بين غبار حروبه وحيوات شخوصه
المطمورة بين أيام العنف والخراب والنسيان.
ظل ذلك الوهم يخيم على
أيامنا المنكسرة في محاولة مشبوهة لتضميد جراحات الغياب عن الحاضر، وتراجع
الذات العربية عن مواجهة المستقبل، فكانت كل السلطات الحاكمة تجعل من ذلك
التاريخ مصدا نفسيا لموج أي تغيير عربي، للدرجة التي أصبح معها التغيير
محالا الا أن يكون من الخارج كما حصل مع العراق، ويحصل الآن مع ليبيا وما
سيحصل مستقبلا مع بلدان أخرى قد تكون خليجية.
واحدة من أهم مظاهر ذلك
الوهم المستشري والمعدي كذلك ، أن جميع النخب ترى أنها الأكثر
أهميةوالأجدر، وأن دورها هو الأميز والأبقى، وأن ما تراه هو الأفضل وأن
بصيرتها تمكنت استثناء عن كل البصائر من رصد أسباب التردي وملكت إمكانية
تصحيح مسارات الحياة .
النخبة السياسية ترى مثيلتها في الأدب حالمة، غير
قادرة على مواجهة صعوبات الواقع ، والأخيرة ترى أنها الأقدر والأصوب،
النخب العلمية تجد أنها خاطبت الواقع بعد أن فهمت عناصره، وأنها الأكثر
وعيا بحركة المستقبل وتعد ما حولها من نخب، غارقة بسفسطات وخيال لا ينتمي
إلى لغتها العلمية التي يجب أن تسود ، مثيلتها في الاقتصاد تجد أنها جوهر
الحياة ، لقمة عيشه التي لابد أن تستمر لتغذي الأفواه والقلوب والعقول معا ،
كل يرى العالم من زاوية نظره وأفق ذاته ، ولا يتعدى ذلك.
إن ذلك يبرر
عزلة النخب الثقافية على نفسها، إذ نادرا ما نجد طبيبا يقرأ الصفحات
الثقافية، أو أديبا يتابع الانجازات العلمية، أو سياسيا حديثا يتابع الأدب
الحديث، بل وصلت هذه العزلة الى درجة انقسام المشتغلين في مجال واحد ،
ومنهم الشعراءالذين يكتبون باللغة الدارجة الذين تكرس انعزالهم عن امثالهم
من الكاتبين باللغة الأم .إنه لأقسى وهم، فهو يصيب النخب اللهم عافنا
وشافنا