مغازلة درويش للإسرائيليين بالرموز المشتركة
احمد عمر
يعدّ محمود درويش أكثر شاعر فلسطيني تناولته الدراسات بالنقد والشرح
والتحليل، بعضها تمجيدي واحتفالي وبعضها أكاديميّ حِياديّ. محمود ظاهرة
شعرية عربية، ويتفق بشار إبراهيم مع المؤلف الناقد أحمد أشقر (دار قدمس ـ
دمشق 2005) في المقدمة على أن درويش هو العربي الوحيد الذي يستطيع أن يخلق
ازدحاماً في أمسية شعرية.
حوّل درويش بشعره المحسوس الى مجرد والوقائع
الى واقعة وراوح بين الأيديولوجيا والميثولوجيا. ويعتقد أن شاعر القضية لا
يخلو من التناقض بين قصيدة وأخرى وكأنه يريد منه ثباتاً بتغير الأزمان
والمواقف؟ ويأخذ مثال قصيدة (عابرون في كلام عابر) المستقاة في رأيه من
برنامج منظمة التحرير في طور التسوية. الباحث أحمد أشقر يريد درويشاً مثل
ناجي العلي الذي انتقد محمود درويش واستشهد في سبيل موقفه ويتذكر أشقر
الشهداء عبد الرحيم محمود وكمال ناصر وكمال عدوان وغسان كنفاني؟ ويقف مع
الشاعر الفلسطيني أحمد حسين رافضاً مشروع درويش الثقافي السياسي، ويميز بين
الجمالي والقومي في شعره، ويعتقد أن درويش هو الشاعر الأكثر شهرة في
المشهد الشعري الفلسطيني حتى إنه يمكن الأطلال من خلال شعره على الحالة
الفلسطينية، لكنه ليس الأكثر أهمية.
ويرى كثافة للرموز اليهودية
والمسيحية والإسلامية في شعره وغياباً للتراث الكنعاني وإذا حضر فموظفاً
لخدمة الموقف السياسي التسووي وليس النضالي. عوامل كثيرة يعددها علي عشري
زايد لاستخدام الرمز منها العوامل الفنية المغنية والمثرية للقصيدة
والعوامل الثقافية والسياسية الاجتماعية والقومية والنفسية التي تحمي
الشاعر من برد الواقع وقد زاد توظيف هذه الرموز بعد هزيمة حزيران في الشعر
العربي وكانت أول قصيدة نشرت بعد الهزيمة هي البكاء بين يدي زرقاء اليمامة
للشاعر أمل دنقل.
يتهم أشقر درويشاً بتوظيف الرموز (السماوية الثلاث)
بغرض الوصول الى أكبر عدد من الناس وكأنها سبة، وينفي استعماله لها عن
"تجربة" و"اختبار ديني"؟ ولا أدري ما المقصود بهاتين الكلمتين فالرموز
السماوية الثلاثة تعيش مع كل عربي وفي حارته وبيته. وكان درويش قد صرح أن
الرموز التي يستعملها لها غرض جعل النص يعمل في التاريخ والماضي هرباً من
حاضر يذوب بسرعة، فالماضي يتحول فوراً الى ملكية عامة، ويمكن الاتفاق مع
أشقر على ان درويشاً حصر المثاقفة مع التراث العبري دون هوميروس وشكسبير
واراغون وناظم حكمت أي انه يستخدم الرموز كرشوة!! وانه يخلط بين الأساطير
والتاريخ وينسى أن حضور التاريخ العبري كثيف في التاريخ العربي الإسلامي
ويسمى الإسرائيليات وان الأساطير هي تاريخ مكتوب بالرموز أو انه تاريخ
شعري. يعرض أشقر نماذج من رموز درويش واستعاراته "التوراتية" (دون وجود
موقف نقدي) فاستعماله للرموز (لا يختلف كثيراً عن مؤمن عادي أو "أصولي"!)
أي انه لا يخدم قضية التنوير و(التحرر من الموروث).
إلا أن أشقر لا
يفسر قصيدة (إلهي لماذا تركتني لماذا تزوجت مريم) الثورية على طريقته وربما
يراها فلتة وكيف يقرأ رمز الهدهد الذي يبحث في قصيدة درويش عن سماء وعن
الحبيب وعن (صفة الذي ليس له صفة) ربما يريد اشقر للهدهد ان يبحث فقط عن
بندقية؟ وينسى ان الماضي لا يموت ولا يقتل وانما يعاد انتاجه شعريا ويستفاد
من اخطائه تاريخياً.
يناقش اشقر قصيدة (القربان) التي نشرت للمرة
الأولى في الثاني من عام 2000 في ملحق النهار متزامنة مع انتفاضة الاقصى.
مقولة القصيدة تتلخص في ان الشهيد الفلسطيني قربان لاستمرار المفاوضات،
والشهيد غير القربان، القربان مسلوب الارادة ويعود بالفائدة على غيره.
القربان شهيد سلبي. اشقر يتعامى عن الرثاء الموجع والنبرة الساخرة
المزساوية في القصيدة.
يحصر احمد اشقر أسباب استخدام محمود درويش
الموروث (اليهمسلامي) في العوامل السياسية لتحويل الأعداء الى خصوم
ومشاركته العدو في الثقافة وليس التاريخ، ويتهمه بالإصلاحية التلفيقة التي
عبر عنها يوسف شاهين في فيلم "المهاجر" ويذكر بمواقفه السياسية كموقفه من
انعقاد (مؤتمر المراجعة التاريخية) الذي كان من المزمع عقده في بيروت 2001
لمنع اي مراجعة للهولوكست وموقفه من سعد الدين ابراهيم (احد اقطاب التمويل
الأجنبي) في مصر وبموقفه من العدوان على العراق والذي حمل صدام سبب العدوان
وليس أميركا. واذا اشقر محق في الأول فالثاني يجانب الصواب في الآخر ويتهم
درويش (شاعر القبيلة) وشاعر الربابة (الشاعر النقدي لا المعارض) بالمساومة
للحصول على نوبل مثل أدونيس وانه يقلد لوركا.
لا يستطيع أشقر إقناعنا
ان استخدام الشاعر احمد حسين للرموز اكثر ثورية في المثال الذي أورده وان
استخدام درويش للرموز نمطي ويتغافل عن استئناس هذه الرموز في سياقات غنائية
قل نظيرها بين قصائد الشعراء.
استشهد عبد الرحيم محمود ولم يتحول الى لوركا وما يفصل درويش عن لوركا هو طلقة واحدة فقط. واذا نالها سيرضي عنه صاحب المدرسة.