يلعب الشباب دوراً مهماً في
حياة بلدانهم، ويشاركون بفعالية في تطوير مجتمعاتهم وتنميتها، وهم حسب
تعريف اليونيسكو الفئة العمرية الممتدة "مابين الخامسة عشر والخامسة
والعشرين". في الدول المتقدّمة يختص كثير من المؤسسات والهيئات في تبني
مناهج علمية لتنميةِ دور الشباب (ذكوراً وإناثاً) والاستفادة من طاقاتهم
الخلاّقة، أما في بلداننا العربية والمصنّفة سكّانياً بأنها مجتمعات
"فتية"، يغيب ويُغيّب دور الشباب في المجتمع، وتُنحر الطاقات والقدرات
الشّابة على مقصلة نقص الخبرة وقلة الكفاءة، ولا نقصد خبرة الشباب أو
كفاءاتهم ـ وهي ما يجب العمل على دعمه وتعزيزه باستمرارـ بل خبرة من يتعامل
معهم ويعمل على تطويعهم وتنميتهم حسب هواه، وفقاً لمعتقداته وآرائه
العتيدة التي لا تحتمل النقاش، والمدججة بالأسلحة الدينية الفتاكة،
والعادات والتقاليد الاجتماعية المثيرة للدموع..!
لا ننكر أن للشباب مشاكل ذات أبعاد أقوى وأعظم من قدراتهم في بعض
المجالات، وخاصة في ظل زمن يعيش ثورات تكنولوجية وأزماتٍ سياسيةٍ
واقتصاديةٍ وغيرها.
لكنّ هذا لا يمنع من تنمية هذه الفئة الهامة كموارد بشرية غنيّة بطاقاتها
وكبيرة بأعدادها، لتساهم بفعالية في تطوير المجتمع. والمتابع لشؤون الشباب
يدرك أنّ رسم السياسات التربوية الوطنية وفق أسس علمية صحيحة مبنية على
تفهّم وتلبية متطلبات مرحلة الشباب واهتماماتهم، هو حجر الأساس للعمل الجاد
في هذا المجال، وبما أن المدارس والجامعات والمعاهد هي الهيئات الرسمية
الأوسع التي تضم بين جناحيها العدد الأكبر من الشباب فهي الأجدر والأولى
بأن تأخذ على عاتقها مهمة تنميتهم وتمكينهم ليكونوا أعضاء فاعلين، ولا يكون
ذلك بحشو أدمغتهم بالمعلومات الهامة أو غير الهامة، وإنما من خلال بناء
مناهج دراسية وخطط تربوية وأنشطة عملية، تأخذ بعين الاعتبار خصائص النمو
عند الشباب وتتمثّلها بالشكل الملبي لحاجتهم فعليّاً. سنتحدث هنا عن بعض
هذه الخصائص ومتطلباتها والأنشطة الضرورية لتحقيقها:
النمو الجسدي: نعرف جميعاً أن تغيرات جسمية هامّة تحدث في هذا السنّ
وتترافق بوجود مخاوف تؤدي لتجنب الحديث عن هذه التغيرات، وذلك لأنّ النضج
الجنسي هو أكثرها وضوحاً. من المعروف في مجتمعاتنا أنّ التربية الجنسية
غائبة في البيوت، سواء نتيجة الخجل والحياء أم للعيب والحرام أو للجهل وقلة
المعرفة..لا يهم. المشكلة الأساسيّة أنّنا نجدها غائبة عن المناهج
والسياسات التربوية أيضاً، فمن رسم هذه السياسات لم يأت من المريخ، بل هو
متأثر أشدّ التأثّر بما يسود من عادات وقيم ولا يجرؤ على مقاومتها أو
تغييرها، بل يعمل على تكريسها، وإن مرر خجلاً هنا أو هناك شيئاً من قواعد
التربية الجنسية في مادة التربية الدينية مثلا حيث "لا حياء في الدين" فإنّ
كثيراً من المدرسين ـ غير المؤهلين علمياً وعملياًـ يتعاملون إما بتجاهل
أو خجل وأحياناً بمبالغة غير علمية مع الموضوع المثار أساساً في سياق وجوب
الطهارة وكيفيتها. وفي مادة العلوم نجد التعاطي مع الأمر كأنّه يخص إحدى
الكائنات الحية الأخرى الموجودة على سطح الأرض وبين دفتي الكتاب، ولا
يخصّنا نحن البشر!
إنّ قبول الطبيعة الجسدية كما هي واستخدام الجسد على نحو عال هما أهم
مطالب النمو الجسدي التي يجب أن تؤخذ بالحسبان. ولابد لتحقيق هذا المطلب من
وجود منهج علمي للتربية الجنسية يُكسب الشباب وذويهم معلومات وعادات صحية
تساعد على فهم الجسم والعناية به وبنظافته وحمايته من الأمراض، ومعرفة
الغذاء المناسب والضروري لبنائه، إضافةً لضرورة توفير الفرص للنشاط الرياضي
المناسب لنمو الجسد وتفجير طاقاته ومهاراته، وقد يقول قائل "إنّ مدارسنا
تتمتع بحصص الرياضة والموسيقى والفنون"، ولكن جميعنا يعرف أن معظم المدارس ـ
ولن ندخل في التعميم ـ لا تطبق هذه الحصص بل على العكس تحوّلها إلى حصص
إضافية لتعويض "التقصير" في باقي المواد. أمّا اهتمام الجامعات بالنمو
الجسدي من خلال وجود فرق رياضية بالجامعة تقدّم منحاً دراسيّةً للمتميزين
فنشاهده فقط في الأفلام الأجنبية التي تريد نشر "الفسق والفجور بين
شبابنا".
إنّ الاهتمام بالنمو الجسدي بشكل منهجي عقلاني يُخرج الشباب من دوّاماتٍ
لا قرار لها، فما يبحثون عنه ويثير تساؤلهم سيجدون جوابه بشكل علمي ومنطقي،
فلا يضطرون بعد ذلك لاستراق النظر إلى كل محظور في الأفلام الجنسية أو على
المواقع الإلكترونية، أو اعتماد معلوماتٍ تُقدَّم بشكل خاطئ من الأقران أو
الكبار "المستغِلّين جنسياً"، لكنها تكتسب هالة من لذّة تغذّيها عبارة (كل
ممنوع مرغوب). عدا عن تفجير الطاقات من خلال الرياضة. أقلّه ألا يلجأ
الشباب لتجارب جنسية تحت تأثير الكبت والضغط المولّد للانفجار، وإنما
سيتّخذون قراراتهم في هذا المجال بملء إرادتهم ورغباتهم الحرة.
النمو الاجتماعي: يغلب طابع الاعتزاز بالذات وتأكيدها على مرحلة الشباب،
عدا عن ضغط الأقران من جهة وصراع الأجيال من جهة أخرى، إضافة لمظاهر تعود
للفروق الفردية بين الشباب أو بين الإناث والذكور.
ومن أهم مطالب (النمو الاجتماعي) اكتساب مجموعة من القيم، وتكوين نظام
أخلاقي لتوجيه السلوك. والأنشطة التي تحقق ذلك متعددة، كضرورة ممارسة
الهوايات والعمل على رعايتها وتطويرها، والانضمام إلى جماعات منظّمة تتيح
للشباب تعلّم المهارات القيم الاجتماعية، ويؤدون فيها أدواراً فاعلة، إضافة
لنشر ثقافة التطوع وممارستها في أعمال تطوّعية ذات طبيعة اجتماعية،
كالحملات ضد الأمية أو الحفاظ على البيئة. كل هذا وغيره وسائل عملية لتحقيق
نمو اجتماعي متوازن وضروري للتواصل الجيد وتحمّل المسؤوليات.
النمو الانفعالي: ويتجلى بالمخاوف المرتبطة بالذات الجسمية وبالعلاقات
الاجتماعية للشباب، حيث يُعبَّر عن هذه المخاوف بحالات انفعالية مختلفة
ومتغيرة (كآبة، قلق، خجل) ممّا يزيد احتمالات الصراعات مع الأسرة والمجتمع،
ويدفع بالشباب للاهتمام بالجنس الأخر الأمر الذي قد يطغى على أي شيء أخر.
أمّا مطالبه فيمكن أن تتحقّق في إنجاز الاستقلال الانفعالي عن الوالدَين
والغير من الراشدين، ونجد أن الأنشطة المناسبة لذلك تدريب الشباب على الضبط
الذاتي والتحكم بانفعالاتهم، من خلال تزويدهم بقواعد واضحة تحدّد أنماط
السلوك المرغوب فيه. هذا يتطلب مختصين فاعلين للدعم النفسي/الاجتماعي في
المدارس والجامعات، ورغم وجود مرشدين اجتماعيين في مدارسنا إلاّ أنّهم
عموماً غير فاعلين بالشكل المطلوب، حيث أنّ برنامج التوجيه والإرشاد ما
يزال يحبو في مدارسنا ـ على الأقل في سوريا ـ وإن كان فعّالاً في تجارب
معينة نتيجة جهود فردية من بعض القائمين عليه والمؤمنين به، فهو يقتصر على
الجانب العلاجي لبعض المشكلات الفردية، دون القدرة على العمل ببرامج نمائية
أو وقائية لضعف الإمكانات وقلة الرعاية.
النمو العقلي: وهو يستدعي تطوير مهارات عقلية ومفاهيم ضرورية للكفاية
المدنية، وتزويد الشباب بالمفاهيم العلمية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية اللازمة في حياتهم اليومية المعاصرة (المناهج الدراسية).
ومن الأنشطة المناسبة لذلك إكساب الشباب عادات ومهارات التفكير العلمي في
فهم مشكلات الحياة باستخدام طرق التدريس المناسبة، وتعريفهم بقدراتهم
وميولهم وإمكانياتهم، لاسيما في المجال المهني بتخطيط برامج إرشادية تساعد
في اختيار المهنة.
لن نستفيض أكثر من ذلك ولكن لابد لنا من ذكر خصائص أخرى كالنمو النفسي
والنمو الأخلاقي وكذلك النمو المهني، وهي لا تقل أهمية عن سابقاتها، وتجدر
الإشارة أنه لا يمكن فصل إحدى الخصائص السابقة عن بعضها، فهي كلٌّ متكامل
يتوجب علينا العمل من أجله بلا كلل، لنصل إلى غايتنا المثلى في بناء جيل
حقيقي من الشباب ينتمون لمجتمعهم، يدركون قدراتهم ويطورونها، ويشاركون
بفاعلية في تحقيق الأدوار التي يختاروها لأنفسهم ويبدعون بإنجازها.